بعد إسرائيل , امريكا دخلت الحرب ضد إيران ...؟ ( 1 )

آدم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

رغم أن الرئيس الأمريكي ترامب قد اعطى لنفسه مهلة اسبوعين كي يقرر ماذا سيفعله بخصوص البرنامج النووي الإيراني إلا انه اصدر اوامره للقوات المسلحة الامريكية بتدمير المنشئات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني بأكثر طائرات سلاح الجو الأمريكي تطورا و بأقوى القنابل التقليدية التي لدى أمريكا دون مراعات لهذه المهلة , لا يمكن وصف خرق الرئيس ترامب لمهلة الأسبوعين التي حددها هو إلا بكونه أسلوبا مخادعا لا تحتاجه دولة عظمى عسكريا كأمريكا , إن هذا الخرق الذي أضعف بقايا مصداقية امريكا يدل على الطبيعة السايكولوجية المضطربة للرئيس الأمريكي ترامب و التي تشير الى انه يعاني من نوع من انواع مرض الإزدواجية النفسية , إذ يبدو أنه يحمل شخصية مزدوجة , شخصية تريد أن تكون حمامة سلام تنقذ العالم من خطر الانزلاق نحو حرب عالمية شاملة و مدمرة للحياة البشرية على الكرة الأرضية أو من حروب محلية و إقليمية التي أخذت تنتشر في ارجاء مختلفة من العالم قد تقوده الى نيل جائزة نوبل للسلام , و شخصية أخرى تمتاز بالغطرسة و العدوانية و الميل نحو إشعال الحروب العبثية وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , هذه الازدواجية اصبحت واضحة في المواقف المتباينة و في قول الشيء و نقيضه في نفس الوقت من ما تشكل مؤشرا حقيقيا على عمق الازدواجية النفسية التي يعاني منها الرئيس ترامب , فهو يبدو أنسانا طيبا و خبيثا في نفس الوقت , هذا الرئيس أصبح خطرا على أمريكا نفسها قبل ان يكون خطرا على باقي دول العالم .
يريد الرئيس الأمريكي ترامب , كما يدعي , جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى , لكن افعاله العشوائية تضر بأمريكا أكثر من ما تنفعها , و الأمثلة على هذا التناقض كثيرة , منها :
اولا : طالب بأن تصبح كندا ولاية أمريكية جديدة فلم يفشل في تحقيق ذلك فحسب بل تسبب سلوكه الغير واقعي و الغير مدروس في معالجة موضوع الهجرة الغير شرعية بميل بعض الولايات للانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية منها ولاية كاليفورنيا .
ثانيا : قرر أعادة سيطرة أمريكا على قناة بنما , ثم تراجع عن تحقيق هذا الحلم الاستعماري بعد إدراكه لحقيقة مؤلمة بالنسبة له و هي أن أدامة احتلال أمريكا لقناة بنما سيكلف أمريكا انفاق عسكري يفوق كثيرا ما ستجنيه أمريكا من هذا الاحتلال الغير مبرر , فقلص طلبه من السيطرة الكاملة على القناة الى المطالبة بإعفاء البواخر الأمريكية المدنية و العسكرية من رسوم عبور القناة , فجعل بذلك أمريكا , هذه الدولة الغنية التي تقول عن نفسها انها اغنى دولة في العالم , تستجدي من دولة صغيرة تشكل إيرادات رسوم المرور عبر القناة و التي تقدر بحدود خمسة مليارات دولار سنويا الجزء الأكبر من إيراداتها من العملة الأجنبية , ففشل مرة أخرى ايضا فتكرمت دولة بنما على امريكا العظمى و ذلك بإعفاء البواخر العسكرية الأمريكية فقط من رسوم العبور مقابل مشاركة القوات الأمريكية في حفظ أمن القناة .
ثالثا : طالب بشراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك و ضمها الى الولايات المتحدة الأمريكية , فكان رد الدنمارك و معها دول الاتحاد الأوربي " جزيرة غرينلاند ليست للبيع " , كما يقول المثل " العذر أسوء من الفعل " فقد برر طلبه بقوله أن في هذه الجزيرة كمية لا بأس بها من المعادن النادرة فكان رد دول الاتحاد الأوربي " الدنمارك دولة عضوة في الاتحاد الأوربي و الاتحاد الأوربي بحاجة الى المعادن النادرة ايضا " , كان هذا الرد قاسيا على ترامب فتحجج بالضرورات الامنية و متطلبات تعزيز القدرات الدفاعية لأمريكا , فكان رد الدنمارك و معها دول الاتحاد الأوربي على الرئيس ترامب أقسى من الردود السابقة حيث كان ردهم " الدنمارك عضوة في حلف الناتو و يمكن لأمريكا زيادة تواجدها العسكري في جزيرة غرينلاند "
شكلت مطالبة الرئيس ترامب بشراء جزيرة غرينلاند من خلال الضغط تحولا واضحا لشعار ترامب الشهير " أمريكا أولا " الى شعار " مصالح امريكا اولا حتى لو كان ذلك على حساب مصالح حلفاء أمريكا " .
رابعا : من اسخف مطالبات الرئيس ترامب هي امتلاك قطاع غزة الفلسطيني و تعميرها بمشروع عقاري كبير بعد ترحيل سكانها الأصليين منها لجعلها منتجع سياحي كبير و اطلق عليه اسم ريفيرا الشرق الأوسط , ان هذه المطالبة عبارة عن تجسيد لأحلام المستعمر المتغطرس الذي لا يعرف الرحمة , حيث يريد الرئيس ترامب اعادة تجربة الإبادة الجماعية التي مارسها المستوطنون للهنود الحمر و السيطرة على ارضهم مع بعض التعديلات تشمل اعطاء سكان غزة خيارين إما الإبادة الجماعية أو الرحيل عن أرضهم .
خامسا : كانت و لازالت قرارات ترامب التنفيذية الرامية الى خفض العجز بالميزان التجاري الذي تعاني منه أمريكا مع الكثير من دول العالم هي القرارات الأكثر عشوائية و الغير مدروسة من بين كل قراراته الغير ناضجة , حيث جعلت هذه القرارات البورصات في الكثير من دول العالم و منها بورصات أمريكا ترقص صعودا و نزولا بغير أي ضوابط , و هذا يؤكد أنه لا يمكن اعتبار خطة ترامب لمعالجة مشكلة العجز في الميزان التجاري لأمريكا خطة صحيحة أو خطة خاطئة لأنه ليس لترامب أية خطة اصلا لمعالجة هذا العجز .
سادسا : تصرف ترامب مع أوكرانيا بطريقة البلطجي و ذلك بتحويل مبلغ المساعدات التي قدمتها أمريكا الى اوكرانيا في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق بايدن الى ديون واجبة الدفع بعد مضاعفة مبلغها دون سبب , و لأن أوكرانيا ليس لديها ما تدفعه نقدا فأجبرها على مبادلة هذا الدين بالمعادن النادرة الموجودة في باطن الأرض الأوكرانية من خلال اتفاقية غير عادلة بين أمريكا و اوكرانيا مستغلا الظرف الصعب و المعقد الذي تمر به اوكرانيا .
سابعا : لقد تصور الرئيس ترامب أنه قادر على وقف الحرب الروسية الأوكرانية خلال اربعة و عشرين ساعة , ثم مدد هذه الفترة , و في النهاية فشل في وقف هذه الحرب بشروط غير ملائمة لروسيا و اثبت بسلوكه اللاحق في التعامل مع تعقيدات هذه الحرب أنه لا يعرف شيء عن سياسة روسيا و خصوصا في عهد الرئيس بوتين الذين يعمل من أجل عودة روسيا لتكون قوة عظمى تسمع كلمتها في الساحة الدولية .
ثامنا : من المؤكد أن الرئيس ترامب و إدارته لا يدركون أن الهيمنة الاستعمارية قد اصبحت قضية خاسرة , إذ لم تعد الهيمنة الاستعمارية غير مجدية اقتصاديا فقط بل اصبحت سببا لمزيد من التدهور الاقتصادي للدولة المهيمنة , و اوضح دليل على ذلك :
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق و بعد أن اصبحت امريكا القطب الأوحد المهيمن عسكريا على رقعة واسعة من العالم و خصوصا في منطقة الشرق الأوسط , حيث استمرت هذه الهيمنة الامريكية لحوالي ربع قرن من الزمن تراجع خلال هذه الفترة إداء الاقتصاد الأمريكي , من المؤشرات الأساسية لهذا التراجع :
ا- تصاعد حجم الدين العام الأمريكي خلال هذه الفترة بشكل كبير جدا.
2- ارتفع حجم العجز في الميزان التجاري لأمريكا مع الكثير من دول العالم منذ أن أصبحت أمريكا شرطي العالم الأوحد , و لازال يشكل هذا العجز احد المشاكل الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي .
3- تراجع القطاع الصناعي الامريكي حيث اصبحت امريكا مستوردا للكثير من المنتجات الصناعية .
أن أقل ما سيكتبه التاريخ عن الرئيس ترامب هو انه الرئيس الأمريكي الأكثر أطلاقا للوعود و الأقل قدرة على تنفيذها , و هو الرئيس الأمريكي الأكثر ميلا للخداع و المراوغة و أنه قد لطخ بسبب تصرفاته و افعاله و قراراته ببقع سوداء بعض صفحات التاريخ الأمريكي الذي امتاز فيها بعض الرؤساء السابقين لأمريكا بقدر لابأس به من المصداقية كالرؤساء ايزنهاور و روزفلت و كارتر .

(( يتبع ))

#آدم_الحسن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل