آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد تصور كارل ماركس و نظريته لمراحل التاريخ البشري جاءت مرحلة التصور و النظرية التي أطلقها الزعيم الشيوعي و مؤسس الدولة السوفيتية فلاديمير لينين للصراع الطبقي في مراحله التاريخية المختلفة و مستقبل هذا الصراع .
لقد عمل لينين على ربط أيديولوجيته بفكر و فلسفة كارل ماركس , لذلك اعتبرت الحركة الشيوعية الأممية منذ بداية القرن الماضي و لغاية تفكك الاتحاد السوفيتي أن نظريته و تفسيره لطبيعة الصراع الطبقي في مرحل التاريخ البشري بأنها امتداد و استكمال لفكر و فلسفة كارل ماركس في الاقتصاد و الفلسفة و اطلقوا عليها اسم جديد هو " الماركسية اللينينية " .
رغم أن النظرية اللينينية تلتقي مع النظرية الماركسية في بعض جوانبها و تختلف معها بشكل واضح لدرجة التناقض في جوانبها الأخرى إلا أن معظم الأحزاب الشيوعية في تلك الفترة أصروا على اعتبار اللينينية هي امتداد و استكمال لفكر و فلسفة كارل ماركس .
إن أهم نقاط الافتراق و التناقض بين النظرية اللينينية في شرحها لمراحل التاريخ البشري و نظرية ماركس و نهجها الفكري في تحليل هذه المراحل هو أن ماركس افترض أن مرحلة الشيوعية تنمو في رحم المرحلة الرأسمالية في حين أن لينين في ثورته البلشفية دعا الى القضاء على كل اركان المرحلة الرأسمالية التي هي الرحم الذي يمكن لجنين المرحلة الشيوعية أن ينمو داخلها .
لا شك أن الثورة التي قادها لينين في روسيا و التي حولت الإمبراطورية الروسية الإقطاعية الى امبراطورية للبيروقراطية ضمت خمسة عشر جمهورية في اتحاد اسمه الاتحاد السوفيتي , هدف هذا الاتحاد الأساسي هو اسقاط الرأسماليات الوطنية في هذه الجمهوريات و تسليم مقاليد العمليات الإنتاجية بيد طبقة الموظفين السياسيين حاملي الأيديولوجية اللينينية .
رغم أن ماركس لم يتحدث عن تأسيس دولة اشتراكية على انقاض الرأسماليات الوطنية إلا أن لينين أصر على لصق صفة الماركسية بأيديولوجيته التي فرضها على النظام السوفيتي مستفيدا من تأييد الشعبويين من عمال و فلاحين و بعض المثقفين لثورته و نظريته و نظامه .
إن التسمية المناسبة للنظام الذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي السابق هو " رأسمالية الدولة البيروقراطية " , فالدولة السوفيتية التي قادها الموظفون البيروقراطيون كانت تمثل صاحبة رأس المال الوحيدة في هذا الاتحاد دون منافس بحكم امتلاكها لكل السلطة و الثروة و كل وسائل الإنتاج , أما العاملون في هذه الرأسمالية فهم كل طبقات شعب الاتحاد السوفيتي بمختلف اختصاصهم أو موقعهم من العملية الإنتاجية .
لقد كتب لينين التاريخ و مراحله بجزئين , الجزء الأول شمل ثلاثة مراحل تاريخية تحدث عنها ماركس هي مرحلة المشاعية البدائية و مرحلة العبيد و مرحلة الأقطاع , في هذا الجزء هنالك تطابق شبه كامل بين الماركسية و اللينينية , ثم أكمل لينين كتابة التاريخ بجزء ثاني مناقض للنظرية الماركسية , حيث افترض لينين انه يمكن حرق مرحلة تاريخية مهمة هي المرحلة الرأسمالية و الانتقال بطريقة القفز من مرحلة الأقطاع الى المرحلة الشيوعية عبر مرحلة وسطية اسماها مرحلة البناء الاشتراكي .
اعتمد ماركس في نظريته على أن كل مرحلة تنشأ من كونها جنين ينمو في رحم المرحلة التي قبلها في سلسلة متوارثة من المراحل التاريخية تجري وفق سياق حتمي , أما لينين فقد افترض امكانية بناء نظام و مرحلة اشتراكية بالقفز فوق المرحلة التي سبقتها , بعض الثوريين اطلقوا على عملية القفز على المرحل التاريخية بالانتقال الى المستقبل من خلال حرق بعض المراحل , لذلك عمل النظام اللينيني بتعطيل كل قوانين اقتصاد السوق و إخضاع العملية الإنتاجية الى القرار السياسي المؤدلج و اعطى اسم لهذا النظام الاقتصادي هو الاقتصاد الموجه الخاضع لسلطة ديكتاتورية البروليتاريا بعد أن اعتبر أن قوانين اقتصاد السوق هي العامل المعطل للعدالة و للتطور و البناء الاشتراكي .
لابد من الاشارة الى كارل ماركس قد تبنى شعار " يا عمال العالم اتحدوا " و دافع عنه ظنا منه ان الرأسماليات الوطنية في الدول المختلفة ستتحد فيما بينها لتحقيق مصالحها المشتركة في السوق العالمية المشتركة مما يتوجب على العمال في كافة دول العالم المختلفة الاتحاد ايضا لمقاومة عدوهم المشترك و هو الرأسمالية العالمية , لقد طور الزعيم السوفيتي لينين هذه الأيديولوجية في طرحه النظري تحت عنوان " الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية " على افتراض أن التناقضات بين الرأسماليات الوطنية في العالم ستختفي و يحل محلها التوافق و الاتحاد لتشكل بمجموعها امبراطورية رأس المال العالمي " الإمبريالية " و بذلك اجرى لينين تعديلات في الماركسية لتشكيل فهما جديدا لطبيعة الانتقال الى المرحلة الأخيرة من التاريخ البشري .
عانت التجربة السوفيتية من مشكلات بنيوية في نظامها الاقتصادي الذي تحول الى نظام بيروقراطي يقوده حفنة من كبار السياسيين عطلوا تماما قوانين اقتصاد السوق حيث أخذت معدلات النمو و التطور في عموم الاتحاد السوفيتي في التراجع المستمر , أدى ذلك في النهاية الى فشل التجربة السوفيتية برمتها .
كنتيجة للتجربة السوفيتية التي لم يرافقها أي عملية اصلاح جذرية لنظامها الاقتصادي تفاقمت المشاكل التي كان يعاني منها الاتحاد السوفيتي بدرجة اصبح من المتعذر عليه تحمل اعباء مجموعة دول اوربا الشرقية التي طبقت النظام الاشتراكي اللينيني , ادى كل ذلك الى تفكك كتلة دول اوربا الشرقية و تخليها عن نمط الاشتراكية السوفيتية و العودة الى المرحلة الرأسمالية لإعادة بنائها من جديد , ثم انتقل الانهيار الى الاتحاد السوفيتي نفسه و تفكك هذا الاتحاد العملاق الذي غطى سدس الكرة الأرضية الى خمسة عشر دولة برزت فيما بينها تناقضات و خلافات وصلت الى درجة اندماج بعضها مع حلف شمال الاطلسي ( الناتو ) و هو العدو المباشر لحلف وارشو العسكري الذي كان يجمع الدول ذات النمط الاشتراكي اللينيني .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و تشكل عالم يحكمه القطب الأمريكي الأوحد تمزقت صفحات التاريخ التي كتبتها التجربة اللينينية السوفيتية , و بدأ كتاب جدد للتاريخ يظهرون في الساحة الدولية , من ابرز هؤلاء الكتاب فرانسيس فوكوياما الذي اشتهر بعد أن نشر تصوره للمراحل القادمة من التاريخ البشري في كتابه " نهاية التاريخ " الذي جسد فيه رؤيته للتاريخ , حيث افترض فوكوياما استحالة التعايش بين انظمة مختلفة الأيديولوجيات في العالم الجديد و أن نمطا واحدا من الأنظمة المجتمعية و الاقتصادية سيسود في العالم و هو النظام الليبرالي الغربي و اساسه اقتصاد السوق الحر و افترض ايضا أن ليس بعد هذا النظام الليبرالي اية مرحلة لاحقة و بالتالي أفترض أن المرحلة الأخيرة من تاريخ البشرية أو نهاية التاريخ هي المرحلة الليبرالية في ظل اقتصاد السوق الحر , بعكس كارل ماركس الذي افترض نهاية للتاريخ البشري بنهاية اقتصاد السوق و شيوع الثروة عندما سيكون في متناول جميع البشر كل ما يحتاجونه بعد أن يدخل المجتمع البشري مرحلة الوفرة المطلقة كنتيجة حتمية لتطور الالة بدرجة هائلة جدا تفوق تصور الأنسان الحالي مما سيمكنها من توفير كل شيء يحتاجه البشر دون حدود و دون ثمن و أطلق على هذه المرحلة ب " المرحلة الشيوعية " .
من كتاب مرحلة القطب الأمريكي الأوحد البارزين صامويل هنتنجتون الذي نشر سنة 1996 كتابه الشهير " صِدام الحضارات و إعادة تشكيل النظام العالمي " .
نهاية التاريخ حسب ما طرحه فرانسيس فوكوياما أو صدام الحضارات و إعادة تشكيل النظام العالمي كما افترض حتمية حصوله صامويل هنتنجتون هما أيديولوجيتان مندمجتان مع بعض لرسم صورة لمرحلة هيمنة الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بعد انهيار و تفكك الاتحاد السوفيتي , لكن بعد مرور اقل من ريع قرن ظهرت ملامح لمرحلة جديدة تمتاز بتعدد القطبية و إن العالم سيتشكل بطريقة مختلفة عن ما تصوره هذان الكاتبان و غيرهما من المدافعين عن مرحلة القطب الأمريكي الأوحد و أن الحتمية التاريخية التي افترضها كارل ماركس قد عادت للواجهة في المسرح السياسي العالمي من جديد لكن بنهج و افكار و فلسفة صينية و وفق طقوس للحضارات الإنسانية كافة دون أن يكون بين هذه الحضارات صراع إلا بالقدر الضروري لإزالة الشوائب السلبية اللاإنسانية منها .
(( يتبع ))
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟