علم الدين بدرية
الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 13:52
المحور:
الادب والفن
عَلىَ مَفَارِقِ الرُّوحِ تَقِفُ عَقَارِبُ السَّاعَةِ، تَحْتَضِنُ الْوَقْتَ الْمَمْدُودَ مِنْ مَمَاتِي حَتَّى صَرْخَةِ وِلاَدَتِي ...؟!! لَيْسَ لِلَّزَمَنِ حِسَابٌ بَيْنَ أَوْرَاقِي، مَا كَانَ بِالأَمْسِ لاَ زَالَ مُتَجَلِيًّا فِي حَاضِري.. أَنَا لَيْسَ لِي مُسْتَقْبَلٌ أَنْتَظِرهُ فَحَاضِري يَطْغَى عَلىَ كُلِّ أَحْلاَمِي وَمَاضِيّ مَجْهُولٌ يَتَرَاءَى كُلَّمَا عَادَتْ بِيَ إِلى الْوَرَاءِ أَفْكَاريْ ...؟
عِنْدَمَا تَعْجَزُ الْكَلِمَةُ عَنِ التَّعْبِيْرِ، تَسْتَيْقِظُ خَلَجَاتُ الرُّوحِ مَوْجَاتٍ أَثِيْرِيِّةٍ لِلُغَةٍ تَتَخَطَىَ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَاتِ!! حِيْنَهَا تَكُونُ الْكَلِمَاتُ صَمْتًا فِي وَهْجِ الْلِّقَاءِ وَيَكُونُ طَيْفُكِ ضَيْفًا مُقِيْمًا فِي مِعْرَاجِ الْبَهَاءْ... حَبِيْبَتِي يَا مَنْ رَسَمْتُكِ عَلىَ وَجْهِ الشَّمْسِ إِشْرَاقَةَ بَقَاءٍ وَعَلىَ ثَغْرِ الْقَمَرِ عِشْقًا وَصَفَاءْ، فِي كُلِّ زَهْرَةٍ رَأَيْتُ بَعْضًا مِنْ جَمَالِكِ وَفِي كُلِّ تَغْرِيْدِ عَنْدَلِيْبِ هَدْهَدَ بَعْضٌ مِنْ صَوْتٍكِ...
عَلى ضِفَافِ أَثِيْرِ الرُّوحِ وَهَجِيْعِ اِلانْتِظَارِ ضُوءٌ يُشْرِقُ كُلَّ صَبَاحٍ وَيَسْتَيْقِظُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ جَدِيدْ.. قَنَادِيْلُ عِشْقِيَ تَبْقَىَ مِشْكَاةً عَلىَ قَارِعِةِ اِلانْتِظَارِ وَيَتَمَوْسَقُ لَحْنُ حُبِّيَ عَلىَ أَعْتَابِ الرُّوحٍ مُرَتِّلاً صَلاةً فِي مَعَابِدِ الذِّكْرَيَاتْ!!
عَلىَ حَافَةِ اِلانْتِظَارِ يُغَادِرُ طَيْرُ النَّوْرَسِ وَيَعُودُ إِلىَ شَوَاطِئكِ الْقَاحِلَةِ حَيْثُ لاَ يَنْبُتَ فِيْهَا سُوَى الصَّبَارْ، أَتَيْتُكِ حَامِلًا اِلدُّنْيَا بِكَفِّي أَبْحَثُ عَنْ نَسَائِم سِحْرٍ تُؤْنِسُ وِحْدَتِي، أَتَيْتُكِ نَوْرَسًا مُهَاجِرًا يَحْمِلُ ظَمَأَ الْمَسَافَاتِ وَعِبْءَ الْمُوَانِئِ الْحَزيْنَةِ وَلَعْنَةَ الْبَحْرِ فِي رَحْمِ الْغَيْبِ وَالتِّيْهِ الْمُسَافِرِ فِي عَيْنَيْكِ!! أَتَيْتُكِ لاَجِئًا يَبْحَثُ عَنْ مَلْجَأٍ عَلىَ شَوَاطِئِكِ وَعَنْ أَرْصِفَةٍ لاَ تَمْتَلِئَ بِالْعَابِريْنَ، فَلِمَ تُطْفِئِيْنَ مَنَارَاتِكِ وَتُغْلِقِيْنَ مَعَابِرَ الْعَائِدِيْن إِلىَ الدِّيَارْ؟! لِمَ تُطِيْلِيْنَ غُرْبَتِي فِي الْمَنَافِي وَمَرَاكِبُ الْعَوْدَةِ تَرْسُو فِي مَرَافِئِ الانْتِظَارْ؟!
فِي تِلْكَ الأُمْسِيَاتِ تَجَلَّىَ طَيْفُكِ عَرُوسًا بِثَوْبِهَا الأَبْيَض كَشَجَرَةِ لَوْزٍ فِي مَوَاسِمِ الرَّبِيْعِ، فِي آذَار.. هَكَذَا تَفَتَّحَتْ وُرُودُكِ عِطْرًا فِي الْفُؤَادِ، فِي تِلْكَ الْفُصُولِ كُنْتُ أنْتَشِيَ حَتَى الثَّمَالَةِ دُونَ خَمْرٍ وَكُنْتِ أَنْتِ خَمْرِي وَمَعْبَدِي وَالرَّجَاءْ!! وَكَانَ بِكِ يَكْتَمِلُ حُلْمِي وَبِكِ يَنْتَهِي زَمَنِي وَبِكِ تَعْلُو رُوحِيَ بَوَاسِقَ السَّحَابْ...
حِيْنَمَا يُصْبِحُ الانْتِظَارُ عَادَةً عَلىَ رَصِيْفٍ خَالٍ مِنَ الْمُسَافِريْن فِي مُحَطَّاتِ الْعُمْرِ الذَّاوِي، يُصْبِحُ لِلْرُوتِيْنِ شُحُوبًا وِظِلالَ خَريْفٍ يَرْتَقِبُ عَوْدَةَ قِطَارٍ قَدْ غَادَرَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيْدٍ، هَكَذَا تَسِيْرُ بِنَا اِلأَيَّامُ بَيْنَ اِجْتَرَارٍ لِحُلْمٍ قَدِيْمٍ وَتَرَقُّبٍ لِتِلْكَ الَّتِي نَسِيَتْ دَرْبَ الرُّجُوعِ، أَوْ رُبَّمَا أَضَاعَتْ طَرِيْقَهَا إِلَيْكَ فِي مَتَاهَاتِ السَّفَرِ وَالْوُعُودْ...نُطِيْلُ الْمُكُوثَ عَلىَ الرَّصِيْفِ وَنُعَاوِدُ الْمِشْوَارَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ جَدِيْدٍ، دُونَ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ نَنْتَظِرُ تَلْكَ الْتِي اِنْتَعَلَتِ أَحْذِيَّةَ الْغِيَابِ وَتَقَمَّصَتْ اِلاغْتِرَابَ مُنْذُ سَفَرٍ بَعِيدْ ...
رِحْلَةُ الْحَيَاةِ قَدْ تَطُولُ أَوْ تَقْصَرُ وَقَدْ تَفْتَقِدُنَا الرَّيَاحُ ذَاتَ يَوْمٍ وَتَبْقَى الْمَقَاعِدُ خَالِيَةً عَلىَ الرَّصِيْفِ إِلاَّ مِنْ أَوْرَاقِ الْخَرِيْفِ الصَّفْرَاء الَّتِي تَرْسُمُ مَعَالِمَ أَشْبَاحٍ تَخْتَرِقُ الأَبْعَادَ ... حَتَّىَ ذَلكَ الْمَوْعِدِ مَعَ الْغَيْبِ سَنَبْتَلِعُ غَصَّةَ الْفُقْدِ وَأَلَمَ الْفُرِاقِ وَنُعَاوِدُ التَّفْكِيْرَ بِصَمْتٍ وَالنِّدَاءَ بِصَمْتٍ وَالْبُكَاءَ بِصَمْتٍ وَاجْتِرَارَ اِلذِّكْرَيَاتِ!! رُبَّمَا سَيُخْبِرُنَا الصَّدَى ذَاتِ يَوْمٍ عَنْ الَّتِي سَتَعُودُ وَلَوْ لِلَحْظَةٍ تَتَوَقَّفُ فِي عُمْرِ الزَّمَنِ الْغَارِبِ خَلْفَ مُحَطَّاتِ اِلأَوْهَامْ.
أظلُ دَوْمًا قَيْدَ الاِنْتِظَارِ.. طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ.. أَنْتَظِرُكِ مَوْعِدًا بَيْنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، عَلىَ قَارِعَةِ الشَّمْسِ أَوْ عَلىَ نَوَافِذِ الْقَمَرِ، أَنْتَظِرُكِ فَرَحًا تَجَاوَزَ الأَعْرَاف لاَ تُقَيِّدَهُ التَّقَاليْدُ وَالأَبْعَادْ!!
فِي اِلْمَسَاءِ اِلآفِلِ أَبْحَثُ عَنْ وَمِيْضِ نُوْرٍ يُخَفِّفُ مِنْ وَطْأَةِ اِلأَيَّامِ، لَكِنَ اِلأَحْلاَمُ تَبْقَى أَحْلاَمًا وَأَضْغَاثَ لِقَاءٍ، لا تَصْنَعُ وَاقِعًا وَتَبنِيَ بُرُوجًا مِنْ أَوْهَامٍ!! وَتَبْقَى الْحُرُوفُ خَامِدَةً، تَصْهَلُ فِي مَخَابِئِهَا اِلْخَاويَةِ، لا تَأْتِيَ بِجَدِيْدٍ وَلا تُحِيِيَ بُذُورًا نَثَرَهَا الْخَريْفُ عَلىَ وَاجِهَاتِ الصَّحْرَاءِ وَالْوَاحَاتِ الْبَعِيْدَةِ بُعْدَ اِلأَرْضِ عَنْ الْقَمَرِ... هَا هِيَ لَوْحَاتِيَ تَتَمَرَدُ عَلىَ الأُفُولِ فِي عُمْقِ الْمُحِيْطِ ثُمَّ تَعُودُ رَافِضَةً أَنْ تَسِيْرَ مَعِي إِلىَ حَيْثُ أُرِيْد.. هَكَذَا تُمْسِيَ أَلْوَانِيَ نَافِرَةً مِنْ لَحْنِ الْمَغِيْبِ.. لا مَاضٍ يُعِيْدُ اِتِّزَانَهَا وَلا لِلْحَاضِرِ بَريْقًا.. يَتَمَوْسَقُ الْحُزْنُ عَلىَ أَوْتَارِ عَوْدَتِي وَيَعْزِفُ الْغُرُوبُ أُغْنِيَةَ الْوَدَاعِ اِلأَخِيْر...فَهَلْ نَلْتَقِي خَارِجَ بَوْتَقَةِ اِلزَّمَانِ وَالْمَكَانْ...؟؟ رُبَّمَا عَلىَ حَافَةِ اِلأَحْلامِ أَوْ عَلىَ قَارِعِةِ اِلنِّسْيَانِ.. هَكَذَا تَمُرُّ بِنَا اِلأَيَّامُ وَيَطُوُلُ اِنْتِظَارُنَا فِي بُحَيْرَاتِ الصَّقِيْعِ، الْقَارِبُ لا يَأْتِي وَمَوَانِئُ الْعِشْقِ أَصْبَحَتْ خَرَائِبَ وَمُسْتَنْقَعَاتٍ لِلأَلَمِ الْخَصِيْبِ... رِحْلَةُ سَفَرِي قَارَبَتْ عَلىَ اِلانْتِهَاءِ وَالْمُحَطَّاتُ يَغْشَاهَا الضَّبَابُ عَلىَ طُوُلِ اِلطَّريْقِ!!!فَهَلْ لِلْرِّمَالِ أَنْ تَنْتَهِي وَلِلْمَوْجِ أَنْ يَهْدَأَ وَلِلْطُّمُوُحِ وَالتَّمَنِي وَالأَحْلاَمِ أَنْ تَكُفَّ عَنْ دَغْدَغَةِ نَبَضَاتِ اِلْفُؤادِ وَقَرْعِ أَعِنَّةِ اِلأَفْكَارْ؟ لِأَكُفَّ عَنِ اِلانْتِظَارْ...؟!
#علم_الدين_بدرية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟