علم الدين بدرية
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 14:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدروز
وصراع البقاء بين نار السّنّة وأتون التشييع
الأقليات العرقيّة والأثنيّة في خطر ، الدروز في الشرق الأوسط في خطر ... ولم يكونوا في يوم من الأيام في وضع خطر كما هو الآن ،هم أمام مأزق، ويكاد أن يكون محنة فهل دخل الموحدون الدروز في الشرق الأوسط منعطفًا تاريخيًا ، يُحتّم عليهم التعامل مع فترة تاريخية هي الأسوأ بين الأزمنة الآفلة والمحن العقائديّة والتكفيريّة التي مرت بها طائفة المُوحِّدين خلال الألف سنة المنصرمة؟؟!! هل خيارات الانتماء القسري للأغلبيّة أو الإبادة الجماعيّة والانقراض في خضم الحمم البركانيّة العنصريّة التي تجتاح المنطقة هي الخيارات الوحيدة أم هناك طريق آخر للخروج من جحيم التخلّف والهمجيّة والقبليّة الجديدة ؟؟!!
يمرّ دروز الشرق الأوسط وخاصة في سوريا باختبارات مصيريّة وخيارات بين الانتماء القسري للأغلبيّة دينيًّا حياتيًا واجتماعيًا وشرعيًا أو الإبادة الجماعيّة والانقراض في حمم العواصف العنصريّة التي تجتاح المنطقة ، متغاب ٍ وجاهل من يُغمض عينيّه عن رؤية تفاصيل ما يحدث في المنطقة ، ومتخاذل من لا يقرأ الواقع ويستنتج ويُدرك أبعاد المؤامرة بكل تفاصيلها التي تُحاك يوميًا ، لا نستطيع إنكار ما يحدث ، ولم يعد التستّر عليه مُجديًا ، في زمن انهارت فيه المفاهيمُ الوطنيّة وتلاشت القيمُ الإنسانيّة .
هذا الفصل الرديء لم يبدأ مع وصول السفاح أبو محمد الجولاني إلى سدة الحكم في سوريا هو ومجموعاته السلفيّة الأصوليّة من فلول القاعدة وبقايا داعش والنصرة الإرهابيّة التكفيريّة ، المجازر الجماعيّة والإبادة العرقيّة لم تبدأ أمس بهجوم هذه المجموعات التكفيريّة على اشرفية صحنايا ومدينة جرمانا وقيامها بأبشع الجرائم بحق الإنسانيّة من قتل وحرق واغتصاب وسلب ونهب وسبي للمواطنين الدروز العزل من نساء وأطفال وشيوخ ،ذنبهم الوحيد أنهم أبناء طائفة الموحدين الدروز ، هذا المسلسل الإجرامي لم يبدأ أمس فمنذ احتلال قرى أدلب وجبل السّماق على يد الإسلام المتطرف وجبهه النصرة الإرهابيّة التي تحولت فيما بعد إلى ما يعرف بجبهة تحرير الشام لا تترك هذه الفصائل الإرهابيّة فرصة إلا وهاجمت وافتعلت المجازر والمذابح بحق المواطنين العزل والمسالمين من الدروز فكان التّفجير الإرهابي والهجوم المدعوم دوليُّا وإقليميًا في الماضي القريب على بلدة حضر في الجنوب السوري ومهاجمة مواطنيها من نساء وأطفال وشيوخ عزّل بكل الوسائل غير المشروعة بعدما فشلت ومُنيت بهزيمة نكراء قبل ما يقارب ثمان سنوات على مشارف مطار الثعلة وعتبات جبل الدروز بحيث تحوّلت منحدراته لمقابر للمعتدين ، لكن الرّهان الفاشل على حضر لم يأت بنتيجة وعلى عكس كل التوقّعات أثبتت حضر صمودًا أسطوريًا ودفاعًا مستميتًا وبطولات فاقت كل التوقعات وتحليلات المراقبين ،مشروع تسنين الدروز الذي كــان يُخطط له قد انهار مع التفجير الانتحاري الذي حدث في حضر ومن قبله مجزرة قلب لوزة في استهداف المواطنين العزّل والأبرياء وفي كلا الحالتين كانت جبهة النصرة هي المُخطّطه والمُنفّذة ولم يعد بوسع أي زعيم درزي كان أن يُغازل جبهة النصرة ( العهرة )ولا أن يدّعي إنها من فصائل الثّوار ضد النظام السوري البائد وضاعت كلّ الجهود التي بُذلت خفيّة وعلنيّة في محاولة التحكم بمصير دروز سوريا وترمي إلى تصفيتهم عرقيًا ومذهبيًا وبالمقابل قد زال خطر تشييع الدروز بعد زوال النفوذ الإيراني واضمحلال حزب الله وهزيمته النكراء وذهب مشروعهم الذي كان يهدف ويستهدف دروز سوريا لتثبيت النّفوذ الإيراني في تقاسم المناطق الجغرافية المستقبلية في كل المنطقة أدراج الرياح ...
خيارُ الأنظمة الإقليميّة وجبهات التكفير والإرهاب في سوريا مصيره الإخفاق كليًّا ، الأحداث الأخيرة أثبتت مما لا يدع الشك أن طبق النّحاس اذا قُرع في الكرمل ، يُجلجل في الشوف والجبل ووادي التيم وإقليم البلان ويتردّد صداه في مناطق الدروز في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم ، وإذا نظرنا لدروز إسرائيل ودورهم في المرحلة الرّاهنة لوجدناهم يتمتعون بتماسك قوي ، ولا تزال قيم النّخوة المعروفيّة والغيرة على الأرض والعرض راسخةً متأصّلة فيهم أضعافًا مضاعفة ، وهذا ما تعكسه نتائج حمّيتهم التي أنتجت سيلاً من الدعم لأهلهم في سوريا فاق كل التوقّعات ،صراع الدروز من أجل البقاء يبقيهم مقيّدين نوعًا ما بين ما تفرضه قيادتهم الدينيّة والسياسيّة من ولاء للدول التي يعيشون بها ، لكن هذا لا يتناقض مع نداء الواجب في الحفاظ على بقائهم وانتمائهم والدفاع عن أخوانهم في الدّين والعقيدة الموجدين في مواقع الاستهداف ويتعرضون لخطر الانصهار والإبادة والدروز في إسرائيل يعتمدون على قرارات زعاماتهم الدينيّة والزمنيّة في أطار التفاهم ما بينها وبين الحكومة الإسرائيليّة في خياراتها الإستراتجية وسياستها الإقليميّة والمنطقيّة .
إذًا وضع الدروز حرج وهم بين المطرقة والسندان الوضع الفوضويّ يُهدّد المستقبل الدرزي .. لقد تناسى كلُّ المراهنين على مستقبل الموحِّدين ، أن الدروز ليسوا مجرد مذهب ديني ، بل لهم هويّتهم الثقافيّة والدينيّة الاجتماعيّة المتكاملة والفعّالة والموجودة منذ مئات السنين راسخة رسوخ السّنديان والزّيتون ولهم الحق في الحياة الحرّة الكريمة دون أي خوف من مستقبلٍ يتهددهم ودياناتٍ تكفيريّة تتربص بهم فقط بسبب مذهبهم وعقيدتهم ، وليعلم القاصي والداني أن الخيار الوحيد لدينا هو خيار التوحيد وسنبقى مُوحِّدين دروزًا رغمًا عن أنف كل من يسعى بعكس ذلك متجاهلاً قُدرتنا على أن نكون حدًا فاصلاً بين حالة التماهي المجتمعي مع مذهب التكفيريين الذي يحدث في مناطق سيطرتهم ، وبين حالتنا الأصيلة كهويّة لها اعتبارها وجذورها الراسخة ، لن نذوب ولن نتلاشى في بوتقة الأصوليّة ، ونعتبر ذلك تعدّ واضح وفاضح على تُراثنا وثقافتنا ومعتقداتنا .. ويحق لنا في المقابل صده ومقاومته بكلّ الطرق المتاحة للدفاع عن أنفسنا ولم نكن بمعتدين يومًا ما وسنبذل كلّ الجهد لردع أي اعتداء علينا ومقاومته وسنجند كل دُعاة الحضارة المتقدمة والمتحضّرة والمهتمّة بحقوق الإنسان الأساسيّة في الحياة الكريمة وحريّته في الدين والاعتقاد ولن نتخاذل أمام المخاطر التي تُهدّدنا ، لم ولن ننسى أو نتناسى تاريخنا البطولي في حفظ الأوطان والتصدي للاستعمار ، كنا ولا زلنا بُناة أوطان ومدافعين عن الحقّ والكرامة ولم نحمل ضغينة لأحد ولم نمارس تصفية أو اغتيال أو تكفير بحق أي إنسان من أبناء البشريّة ولم نَحمِل مذهبًا تبشيريًّا أو جهاديًّا أو دعويًّا بل ساهمنا دائمًا في مسيرة الحضارة الإنسانيّة وفي بناء مجتمعاتنا ثقافيًّا وفكريًّا وعلميًّا وتنويريًّا وأغنينا الشّرق بتطلّعاتنا الإشراقيّة الدّاعية إلى الاحترام والمحبّة بين أبناء الوطن الواحد ولسان حالنا يقول كما قال قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ، الدين لله والوطن للجميع ، لن نقبل أن نكون ورقة رهان أو كبش فداء في يد أي مشروع أو انتماء أو عقيدة !!. أنّ القيادة نحو المستقبل لا يمكن أن تكون إلا جماعيّة، والمسؤوليّة لا يمكن أن تكون إلا تضامنيّة ، نُهدّد اليوم في مسألة وجودنا .. لا مساومة على الوجود !! فإما أن نكون أو لا نكون وعلينا أن لا نتغاضى عما يحدث في الواقع .. والصورة باتت واضحةً وضوح الشمس ، ولن يغيّر من حقيقتها التّجميل والنفاق والتواطؤ!!!
ربما تكون هذه المحنة بادرة ليقظة أخيرة ونهوض من سبات طويل في غياهب الجهل والغفلة .. هبّة متأخرة للوعي على الذات التائهة ولإيقاف هذه المسرحيّة الهزليّة ،الاصطدام بالقوى الرجعيّة التي هللت وتهلل للأصولية والتخلف وتحاول عاجزة أن تكمل دورها الهمجي المتخلف في المشروع الانهزامي لن يُثنينا عن وقوفنا في وجه الجهل والتخلف والظلاميّة ويفتح نافذة لمراجعة حسابات الطائفة الدرزيّة وإعادة تقييم أوضاعها المستقبليّة، لم يبقَ لهذه القوى سوى غرس خنجرها الأخير في قلب هذه الطائفة المحاصَرة المدافِعة عن أصولها المذهبيّة والثقافيّة ورافضة لتهجينها القسري بعدما عصفت بها رياح الهمجيّة والتّطرف الأصولي فبقيت عالقة بين وهم القوميّة وأكذوبة الانتماء وجل اهتمامها صراعها على البقاء في ظل مدٍّ من التّطرف الديني والحركات التكفيريّة التي جعلت مهد الحضارة شرقًا أوسطيًّا ممزّقًا لعينًا ، تتناحر على ترابه قوىً دولية كبرى وفئات ومجموعات متخلّفة آفلة قادمة من مزابل التاريخ وظلام العصور البائدة ، فهل في هذا الوضع الاستثنائي من الممكن أن تُخلق حضارة مشرقة تعيد أمجاد العرب؟.
في مواجهة هذه الاحتمالات ، يتحتّم على أبناء الطائفة الدرزيّة إعادة دراسة الخيارات بشكل مستقلّ من كل تأثير سياسي وإعادة ترتيب الأوراق بناءً على الوقائع الجديدة ووضع سيناريو لكل احتمالات المستقبل ، وإلا فإننا سنشهد عهدًا من التذويّب والانصهار أو ربما الإبادة ، إما أن نكون أو لا نكون !!!
#علم_الدين_بدرية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟