أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الله حائر بين اليهود والفرس















المزيد.....

الله حائر بين اليهود والفرس


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 02:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كليهما من أقدم شعوب العالم التي خلطت هويتها القومية بالحق الإلهي إلى حد يستحيل فصل أحدهما دون زوال الآخر؛ حيث أصبح لا يتصور بقاء القومية الإسرائيلية من دون الديانة اليهودية، مثلما لا يمكن تصور القومية الفارسية من دون المذهب الشيعي. يقول بنو إسرائيل أن الله قد اصطفاهم وحفظ لهم أمتهم من دون الأمم كافة؛ هم شعب الله المختار دون شعوب الأرض أجمعين. كذلك الفرس الذين، حتى رغم ضمهم لأمة المسلمين الجامعة، اختاروا لأنفسهم دائماً من داخل هذه الأمة الكبرى مساحة ضيقة لكن خاصة ومتفردة، تدعي الصواب والنقاء المذهبي دون سائر المذاهب الإسلامية المتعددة. كلا الأمتين ترى نفسها في كفة بينما بقية العالم في الكفة الأخرى، وكفتها حتماً هي الحق المبين مهما طال الزمن وبلغ بحقها الظلم والبهتان، ببساطة لأنها بين يدين أمينتين- الله المنتقم العادل نفسه.

في الحقيقة، تُخبئ كلا الأمتين، الإسرائيلية والفارسية، في مكنون نفسيتهما الحضارية عنصرية وكبرياءً عرقياً بقي يرفض الإقرار بمبدأ المساواة الطبيعية بين خلق الله كافة، سواء من نفس العائلة العرق دينية أو من عائلات عرقية ودينية مغايرة. قد يبدو الأمر للمتأمل من خارج ثقافة هاتين الأمتين تحديداً كأن كل واحدة منهما تسعى جاهدة لاحتكار الحق الإلهي لنفسها وحدها؛ وقد يفسر مثل هذه السردية الإلهية الاصطفائية كمجرد غطاء لعقدة عميقة في اللاوعي العرقي والحضاري لهاتين الأمتين. في الحقيقة، تبدو تصرفات كلا الأمتين على مسرح الأحداث الدولي منذ قديم الزمان إلى الزمن الحاضر شاذة وشائنة ومنفرة لمعظم معاصريها، الأمر الذي عرضهما للاضطهاد معظم الزمان، مع إتاحة الفرصة من زمن لآخر لإقامة علاقة أقرب إلى تعايش الضرورة والظرف الطارئ منها إلى تحالف الأصدقاء والأشقاء الأكثر ديمومة وتعميراً. هكذا كانت ولا تزال طبيعة العلاقة بين أغلب دول العالم من جهة وكل من إيران وإسرائيل في المقابل.

منشأ العقدة الحضارية الفارسية والإسرائيلية

يشترك الإيرانيون والإسرائيليون معاً في القدم والعراقة مقارنة بمعظم الحضارات التي ظهرت إلى الوجود بعدهما وأذاقتهما- وهو الأهم- الذل والهوان تحت مطارقها فيما بعد. في البداية، على يد شراذم من الإغريق اليونانيين الوثنيين، ثم فيالق الرومان المتوحشين الذين قدموا وثنيين ثم نهبوا الزرادشتية واليهودية واستولدوا منهما المسيحية، ثم على يد قطعان البدو الأميين الجهلة من العرب الذي استخلفوا الرومان وكرروا نفس فعلتهم، لكن إلى الإسلام هذه المرة. كل هؤلاء نظر إليهم الفرس والإسرائيليون معاً نظرة كبرياء وتعالي عرقي وحضاري. رغم ذلك، كانت دولة التاريخ تدور مع هؤلاء الوثنيين والمسيحيين والمسلمين وما كان أمام بني فارس وبني إسرائيل سوى الانحناء أمام الريح الحضارية المتجددة. بالفعل أذعنوا، لكن فقط في الظاهر وبقي الوجع الحضاري مبرحاً في الباطن دونما مسكن أو دواء شافي. الأمر الذي فاقم من العقدة أكثر، إذ كلما انقشعت موجة حضارية هبت أخرى محلها، في حين بقي الحظ يعاند الفرس والإسرائيليين ويقف دونهم ودون استعادة العرش الحضاري التليد.

للتاريخ زوايا نظر متعددة، وليس بالضرورة أن تكون واحدة منها فقط هي الصواب والأخريات خطأ. في الواقع، كل زاوية نظر مهما عظمت سلطتها قد تحوي شيئاً من الصواب وكثيراً من الخطأ. وربما يكون أفضل طريق لإعادة رسم صورة تقريبية لأحداث ماضية هو عبر فتح الباب أمام تناضح الآراء والأفكار، والوقوف على مسافة غير منحازة من نقاط الاتفاق والاختلاف خلال محاولة الوصول لأقرب تصور ممكن لمسار الأحداث، الذي في جميع الأحول لن يكون أبداً هو نفس ما وقع بالضبط في الماضي البعيد. لكن الوضع ليس كذلك في إيران وإسرائيل، حيث التاريخ حقيقة لا وجهة نظر. هناك، الهوية العرقية والدينية حقيقة أبدية لا تنفصل عن الحقيقة الكونية الإلهية ذاتها.

ولماذا يعاني الإيرانيون والإسرائيليون حصراً دون شعوب العالم التليدة من عقدة حضارية؟ كيف نجا من هذا المصير، على سبيل المثال لا الحصر، المصريون والهنود والصينيون، الذين يفوقون الاثنين معاً في العراقة والحضارة والمجد التليد؟ باختصار، لأن الحضارة الفرعونية، رغم كونها من الأعرق في العالم، قد ماتت وانقطع سلسالها الثقافي عن أبنائها المصريين حتى قبل زمن طويل من قدوم الاسكندر الأكبر المقدوني. وفيما يخص الهنود والصينيين، لا تزال حضارتهما القديمة نفسها حية ومتجددة فيهم حتى رغم الهزائم والانكسارات من زمن لآخر. هكذا، لم يحدث الفصام بين الروح القومية والدينية في أي من هاتين الحضارتين. لكن في حالة الإيرانيين، حدث الفصام بين الولاءات القومية والدينية حين استبدلوا- أو فُرض عليهم استبدال- دينهم بدين البدو العرب المسلمين. وفي حالة الإسرائيليين، لم يأتي المرض في صورة فصام بين الولاءات القومية والدينية، لكن بين مزيج العرق والدين من جهة وحنين العودة إلى أرض الميعاد ثانية بعدما ظلوا آلاف السنين يهيمون في الشتات عبر أصقاع الأرض كافة. بسبب هذا الشتات، استفحلت العقدة الحضارية اليهودية أكثر لتصبح ثلاثية الأقطاب: الله والعرق والوطن.

كل البشر في كل الدنيا دائمو ذكر الله في كل صغيرة وكبيرة من أطراف حديثهم، لكن بالتأكيد ليس بنفس الدرجة من الجدية. وهنا يكمن الفارق الكبير. الإيرانيون والإسرائيليون هم الأكثر جدية لدى حديثهم عن الله. هذه الجدية، في أعلى منسوباتها، قد تلامس الوجود الفعلي ذاته، بمعنى أن يكون وجود الله مسألة وجودية من منظور كلا الأمتين. في مثل هكذا وضع، يكون العداء والاضطهاد المتبادل بين أي منهما والآخر المغاير نتيجة متوقعة. وبالفعل، ليس شعباً على وجه الأرض قد جَرَّ على نفسه العداء والاضطهاد من سائر الأمم بقدر ما فعل اليهود؛ ولا شعباً قد انعزل ونأى بنفسه عن محيطه الثقافي والحضاري الإسلامي الأوسع بقدر ما فعل الإيرانيون الشيعة. قد نعثر على المفتاح في قلب عقدة حضارية موغلة في القدم كما ذكرنا. لكن ماذا لو نشبت حرب بين مثل هاتين الأمتين المعقدتين؟ لابد أن تكون حرباً وجودية، أو على الأقل يتصورونها كذلك.

في مثل هكذا حرب سندها الأساس الحق الإلهي، حتماً سيوضع الله في مأزق لا يُحسد عليه، لاسيما أنه في النهاية هو نفس الإله السماوي المشترك بين الأمتين. كيف سيكون موقفه أمام بقية آلهة الأرض غير السماوية التي لم ترسل أنبياء ولا كتب مقدسة؟! عندما يتحارب أتباع وأشياع اثنين من أصفى أنبيائه، موسى ومحمد، مع من يقف ضد الآخر؟ أم يترك الطرفين يصفون حساباتهم ومشاكلهم ومصالحهم الدنيوية الضيقة والتافهة حتى يتفرغ لما هو أعظم وأهم بكثير عبر سماوات كون فسيح بلا نهاية؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟


المزيد.....




- لماذا أصبحت العلامات التجارية الفاخرة أغلى من أي وقت مضى؟
- مضيق هرمز.. هل يهدد التوتر الإقليمي إمدادات الطاقة العالمية؟ ...
- سفير إيران بفرنسا لفرانس24: -الضربات الأمريكية استهداف للكرا ...
- إسرائيل تكشف سبب قصفها طرق الوصول إلى منشأة فوردو الإيرانية ...
- رأي.. إردام أوزان يكتب: الشرق الأوسط في عصر الصراع المفتوح.. ...
- كيف تعيد إيران وإسرائيل النظر في استراتيجيتهما بعد الضربات ا ...
- مسؤول أردني: سقوط طائرة مسيرة في عمان ووقوع أضرار مادية
- القواعد الأمريكية في الخليج: ماذا نعرف عنها؟
- دعم ألماني مطلق.. ما موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب الإسرائي ...
- السباق نحو التسلح: ما مدى تأثير التوترات في الشرق الأوسط على ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الله حائر بين اليهود والفرس