أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ايليا أرومي كوكو - سودري مدينتي !















المزيد.....

سودري مدينتي !


ايليا أرومي كوكو

الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 18:49
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


سودريي: أنها مدينة قديمة تقع في الطرف الجنوب الغربي للصحراء الكبري .. و محلية سودي المترامية الاطراف تحتل ثلث مساحة السودان الصحراوي القاحل . و للذين يقولون بأن مساحة دارفور تساوي مساحة فرنسا أقول لهم : أن دولة سويسرا ستذهب شمار في مرقه ان وضعت علي خارطة محلية سودري .. فمحلية سودري واحدة من محليات ولاية شمال كردفان . تتميز و أديم أرضها التي تتسربل بكثبان الرمال الذهبية في أشهر الشتاء و الصيف والربيع ان شئت اذ ليس للربيع وجود هنا .. لكن سودري في فصل الخريف تتشح وتتزيا بالاخضر الزرعي لتداري بعض من سحر بريق تبرها الذهبي تواضعاً لله … في تضاريسها بعض الجبال التي طالتها الزحف الصحراوي لتجعل منها الجبال الرميلة .
سودري بها امارات عدة بعدد قبائلها الكثيرة من كبابيش و كاجا و كتول و كواهله و كما يوجد بها ايضاً امارة الجبال البحرية ، أما الجبال الرملية فقد شاهدتها و لكنني أعثر أي سطح ماء بحيرة او رهد ما عدا تردة أم بادر الفاتنة الجميلة .. و من يدري فرمال سودري التي تغطي سطوح الجبال قادرة ايضاً علي دفن البحار و الانهار ان وجدت.
فقط نتمني ان لا يمد الزحف الصحراوي يده الي وادي الملك ووادي هور و ان لا يمس بطرف اصبعه بحيرة او واحة أم بادر الموسمية التي احسبها هبة الله للصحراء ... يفتخر ويتباهي أهل مدينة سودري بأن مدينتهم واحدة من مدن السودان التاريخية فقد تأسست منذ العام 1917م .. و ها انا اتطوعي بتذكيرهم للاستعداد والأعداد المبكر للاحتفالت باليوبيل الذهبي لمدينتا العريق .. فيوبيل سودري يقع علي مرمي أقل من عشر سنوات من الان ....
السفر الي سودري من الابيض او من أم درمان و دنقلا او من الفاشر الي سودري .. نعم السفر الي سودري او منها شاق ومتعب ولا استطيع وصفه بأنه قطعة من جهنم .. فالطرق اليها من المدن الرئيسية سالفة الذكر وعرة يبسط عليها طغيان القيزان يد سيطرتها الكاملة . وصعوبة السفر بالعربات تتحكم وتتلاعب به وحل الرمال شغب أم تك تك . أما عن الطرق الداخلية لمدينة سودري فحدث و لا حرج فبالرغم من الوحل الذي ينهك طاقات البشر و العربات .. لم يكتب للمسئولين الذين يتناوبون عليسودري ب ردم شبر واحد من الطريق الرئيسي الذي يربط سوق المدينة برئاسة المحلية و الدور الحكومية ومنازل الديوانيين ..
لعب الجفاف الذي ضرب أرض السودان و شرق افريقيا بقساوة في العام 1984م دوراً حاسماً في قلب موازين الطبيعة والبشر في السودان وبالأخص شمال كردفان ودارفور . وكان أثر هذه الجفاف اكثر قساوة ورعونة علي محلية سودري التي كانت في الاصل شبه صحراوية يغنيها الفيها من طبيعة قاسية جدباء .. لكن جفاف سنة 84 م أبت نفسه الا ان يأتي علي اليابس و الاخضر ان وجد خراباً و تدميراً لللبيئة والطبيعة التي كانت تعاند وتقاوم بصبر لتحيا ولتبقي .. اقتلعت العواصف الصحراوية الهوجاء الشجيرات من جذوره لتجعل سافلها عاليها و عاليها سافلها … نفقت الانعام من الماشية و الابل و الماعز و الضأن كما لو انها كانت تنتحر انتحار جماعي ومات البشر ايضاً موت الضأن .. جفت ينابيع المياه في الابار الجوفية و السطحية أن وجدت علي قلتها و أتي القحط والجوع و الفقر و العوز علي كل شي حي يتنفس.. و من وقتها عرف البشر من أهالي تلك البقاع الأمنة أسوأ معاني النزوح الاغتراب و الهجرة واللجوء . اتجه بعض القوم شمالاً و استوطنوا علي مشارف تخوم أم درمان و قد سميت تلك الاماكن فيما بعد بمعسكرات النزوح والأجئين بكل من المويلح والشيخ ابوزيد .. و اختار أخرين منهم البقاء في كردفان فسكنوا عند مداخل المدن كمدينة الابيض في أطرافها الشمالية الغربية .. و أخرين فضلوا الرحيل الي أقصي الشمال فأحتضنتهم مدينة دنقلا و بعض مدن الولايات كالدبة في الشمالية ... اما المقتدرين من الرجال و الشباب فقد اغتربوا الي ليبيا و السعوديه ولهذه اغاني وأهازيج تتغني بها البنات الحسنوات بالرجال حسرة علي الشباب الذين تركوا الديار وهاجروا.. و هناك هاجروا وضربوا في أرض الله الواسعة الي ما وراء البحار . لم يسلم من جفاف تلك الاعوم حتي الأيائل التي تستوطن الصحاري النائة فالغزلان البرية ايضاً رحلت كما الصقور الصحراوية هاجرت واختارت هي الاخري الرحيل والبعاد عن بلاد اختار ان يسكن أرضها القحط والجفاف والموت.. و بذلك هجر الصيادين المحليين و هواة الصيد الذين كانوا يأتون الي السودان من دول الخليج كسياح بهواياتهم المختلفة و كفوا عن مواسم السياحة الي سودري ..
جاء الجفاف و ضرب ولايات السودان الشمالية متزامناً مع الحرب الذي اشتعل قبله بعام واحد في ولايات السودان الجنوبية .. و قد فتحت الحرب و الجفاف معاً ابواب السودان واسعاً علي مصرعية لخروج السودانيين والهجرة الي كل دول العالم . من ثم فتحت الحروب ابواب علي مصراعية ايضاً لدول العالم لتلج و تخوض في الشأن السوداني الداخلي وتعيث فيه الفساد والفوضي السياسية .. و ارتهن القرار السوداني بالمعونات و الاغاثات و بعض المأرب .. و عرف السودانيين التوكل و التسول و مد اليد الي الاخرين طلباً للعون و انتظاراً لأخذ الهبات و الاغاثات التي أهانت كرامة الانسان السوداني ومرمخته في الحضيض ..
و من وقتها و سودري لم تعد الي عافيتها الاولي .. فالازمات الطبيعية من الكوارث ظلت تتوالي عليها عاماً بعد عام ... ارتبطت اسم سودري بالجفاف والتصحر وشح الامطار و العطش و ندرة مياه الشرب لاكثر من ربع قرن .. ففي الخمسة و عشرون عاماً الماضية كانت سودري صامدة بقوة و صلابة وارادة لم تلن في وجه الجفاف وقسوة الطبيعه والبيئة المحيطة .وقد عشت في سودري ردحاً من الزمان في 2001 - 2003 م ورأيت بأم عيني كيف يتسابق البشر والحيوانات والطيور من الدجاج والحمام . كلهم يتسابقون بمجرد سماعهم صوت عربة التانكر التي تجلب الماء للمدينة مأزوومة بالعطش . مع كل هذه كانت عزيمة سودري تتجدد كأجنحة النسر العنيد الجبار الذي يسبح في الفضاء العريض ضد الجاذبية الارضية محلقاً عالياً في عنان السماء .
ومع كل هذا استحقت سودري بفضل الله وبعد سنين القحط والجوع والظماي استطاعت ان تغتسل وجهها بمياه الامطار الغزيرة التي هطلت عليها بالبركات في خريف العام 2007م .. هطلت الامطار علي محلية سودري بنسب عالية كما لم تهطل من قبل فأرتوت الصحاري و شبعت القيزان ماءاً .. فأن جاء الخير الي سودري متأخراً فسودري ترحب به و تفتح له زراعيها و تفرش لها أرضها .. و الشجيرات التي انتحرت يوماً انتحاراً جماعياً استعادت دورة الحياة لتنبت من جديد في كل الوديان .. و ستعلن الارض اليباب أزمنة للتصالح مع زرقة السماء التي تبشرها بالسحب و الغيوم المشبعة بالمياه و الامطار واعوام قادمات وهن حاملات علي متونهن كل الخير ..
عاشت سودري المدينة و كل ريفها من قري و فرقان بوادي في طيلة السنين الماضية تحت نير العطش و الظمي .. فالمدينة يأتيها المياه من مسافة تبعد عن مركزها ما يقارب العشرين كيلو متراً .. و الماء المجلوب الي سودري من دونكي المراحيك يصلها عن طريق تناكر المياه التجارية او تلك التي تستثمر فيها بعض المؤسسات الحكومية .. و بفضل تلك الابار التي حفرت حديثاً في ام مراحيك تجاوزت سودري مرحلة ندرة المياه .. و لكنها لا تزال تعاني غلائها فبرميل الماء في سودري بنحو خمسه جنيهات .. و هذا المبلع من المال رقم كبير جداً لمدينه تعد من افقر مدن السودان بحسب تقديراتي الشخصية ..أن برميل الماء ابو الخمسه جنيهات غير مقدور عليه من قبل المواطن الفقير في سودري .. و اذكر ان الخط الناقل لمياه سودري تم مسحه في العام 1994م بتكلفة قدرها عشرون مليون جنيه سوداني ان لم تخونني ذاكرتي الضعيفة .. و استمرت وعود الحكام و الولاء و كل زوار سودري من الرسميين تتوالي .. و حتي المنظمات الوطنية و الاجنبية ظلوا يعدون المواطنين بالحل الجذري الشامل لمشكلة المياه .. و لكنها كلها تظل وعود سياسية لا تساوي قيمتها تلك عدا انها خطب رنانة طنانة يتفوه بها المسئولين بمناسبة و بدونها .
في خريف العام 2006م سمعت من فم احد المسئولين عن محلية سودري يبشر المواطنين الغلابة بأن الشيك الخاص بمياه سودري جاهز للصرف .. و ان المبلغ قد تم ايداعه في البنك و أنقضي الخريف الاول ولا حس ولا خبر عن المبلغ او الشيك .. و جاء الخريف الثاني و كانت أرداة السماء اصدق من كل وعود السياسيين و غيرهم .. هطلت أمطار غير مسبوقة في سودري لتمتليئ جميع منها كل الاودية و الخيران و الرهود و الفول .. و لأول مرة منذ العام 1946م بحسب قول الكبار في سودري لأول تفيض المياه و تخرج سودري من دائر العطش كما من دورة سنين الجفاف العجاف.. و اليوم تنعم سودري بالماء المدفوع القيمة مقدماً من السماء ...
كل عام و سودري مدينتي بخير وكل السودان بالف خير

الابيض



#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- همساتي : الحروب ايدلوجياً ومن منظور كتابي !
- همساتي : ما بين الظلم والمساواة شعرة !
- همساتي : كن لنفسك أمل ولا تغدر بأحد !
- همساتي : حروب الطيران والمسيرات آرهاب واجب حظره دولياً
- همساتي : كامل ادريس في الحرب هل يسع الوطن الجميع ؟
- كامل ادريس في الحرب كيف بمقدور الوطن ان يسع الجميع ؟‎
- همساتي : لغز أناس لهم عيون في بحيرة قرير المباركة !
- همساتي : هنا الأحتفاء بالأسود سودانيتي أفريقيتي هويتي وأصالت ...
- همساتي : لأن الله محبة فقد أدام لنا الرحمة
- همساتي : كامل ادريس هل يستقيم الظل والعود أعوج ؟
- همساتي : كن محضر خير او لا تكن !
- همساتي : سلام الله لمدينتنا الابيض وللوطن السودان
- همساتي : كلمات ذات معاني ودلالات
- همساتي : الصحة العالمية لا حياة لمن تنادي !
- ريري ( ست الشاي ) . التي تحلم بأجمل كافيه علي شاطيي البحر ال ...
- همساتي : تمتع بثلاث بركات : ( المحبة والسلام والصداقة )
- مهداة لبنتي استير : أعمل في دنياك ما دام يوجد وقت .
- المجد للتعليم ولا مجد لأمة أطفالها بلا مدارس
- همساتي : لا مجداً للبندقية المجد للسودان وطن أمن وسلام
- همساتي : أصبر أصمد بعزم وتحدي لتصل .


المزيد.....




- ترامب يشعل تفاعلا بالعرض العسكري في -يوم ميلاده- الذي يصادف ...
- تحديث مباشر.. ارتفاع عدد القتلى بإسرائيل بضربات إيران ودخول ...
- بعد أشهر من حادثة مماثلة.. تحطم مروحية تقل حجاجا فوق جبال ال ...
- وكالة الطاقة الذرية: لا أضرار إضافية في منشأتي -فوردو- و -نط ...
- بـ45 مليون دولار.. عرض عسكري في واشنطن يحيي ذكرى الجيش الأمر ...
- إطلاق نار في مدينة سولت ليك سيتي الأمريكية خلال مظاهرة
- داني دانون يدعو المجتمع الدولي لإدانة الهجوم الإيراني على إس ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك جنوب غزة (صورة ...
- الرئيس الكوري الجنوبي يأمر بمنع إطلاق منشورات مناهضة لكوريا ...
- السخرية تجتاح منصات التواصل تجاه العرض العسكري بمناسبة يوبيل ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ايليا أرومي كوكو - سودري مدينتي !