أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان الفرج الله - ( إيمان) يفرض بسلطة القانون














المزيد.....

( إيمان) يفرض بسلطة القانون


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 22:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


“ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟”
(سورة يونس، آية 99)

هذه الآية القرآنية ليست مجرد جملة عابرة، بل بيان واضح يُقرّ بأن الإيمان خيار إنساني حر، لا يتحقق بالإكراه، ولا يُفرض بسلطة، ولا يولد تحت التهديد أو في ظل القوانين العقابية. ومع ذلك، نقرأ في بعض دساتير الدول العربية، ومن بينها العراق، عبارات من قبيل: “الإسلام دين الدولة الرسمي” و “لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام”. وهي عبارات قد تبدو بريئة في ظاهرها، لكنها تنطوي على مخاطر فكرية وتشريعية بالغة، إذا لم تُفهم في سياقها الديني والإنساني الصحيح.
فكيف وصلنا إلى هذه المعادلة المتناقضة: أن نُقرّ بحرية الإيمان في النصوص الدينية، ثم نُكرّس إلزام الطقوس الدينية في النصوص القانونية؟ كيف سُنّت قوانين تُجبر الناس على أداء شعائر دينية، كالحجاب، أو منع الأكل في نهار رمضان، أو فرض قيود على الفنون، أو منع الاقليات من بعض الاطعمة والاشربة التي احلها دينهم وحرمها الإسلام مثلا !؟!؟ في حين أن الأصل في الدين أن يُمارَس عن اقتناع، ويُحتضن بدافع الحب لا بدافع الخوف؟ الإسلام، منذ بداياته، لم يكن مشروع سلطة، بل كان مشروع دعوة. الرسول محمد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، رغم الاضطهاد والرفض. لم يُكره أحدًا على الدخول في الإسلام، بل كان يدعوهم إلى التأمل والسؤال والحرية في الاختيار. ولعلّ أبرز ما يُعبّر عن هذا المبدأ هو قوله تعالى: “لا إكراه في الدين” (البقرة: 256)، وهو نص قرآني صريح في نفي الإكراه، لا يحتمل تأويلاً سلطويًا. لكن ما حدث تاريخيًا أن الدين تحوّل تدريجيًا من كونه خطابًا إيمانيًا إلى أداة في يد السلطة. منذ العهد الأموي ثم العباسي، بدأ استخدام الدين لتبرير الحكم، وقُدِّمت طاعة الحاكم كجزء من العقيدة، وتمّ تحييد العقل والاجتهاد لحساب “ثوابت” لم يجرِ التوافق على تعريفها. هكذا بدأ تأسيس ما يمكن أن نسمّيه بـ”الدين السياسي”، حيث تُختزل رسالة السماء في قرارات تصدرها الأرض.
هذا التوظيف للدين بلغ ذروته في بعض الدساتير الحديثة، التي لم تكتفِ بالإقرار بأغلبية دينية في المجتمع، بل حوّلت تلك الأغلبية إلى سلطة ملزمة للجميع. فتحوّلت الشعائر إلى واجبات قانونية، والضمير إلى بند في اللائحة، والإيمان إلى معاملة رسمية توجب الطاعة أو العقوبة. حين يقول الدستور إن الإسلام دين الدولة، فهل يقصد أن الدولة تؤمن، ولها “ضمير ديني”؟ هذا طرح غير منطقي، لأن الدولة كيان اعتباري، لا يصلي ولا يصوم ولا يُحاسب يوم القيامة. الدين من حيث هو علاقة بين الإنسان وربه، لا يمكن أن يُنسب إلى الدولة كمؤسسة سياسية. أما حين يقول النص: “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام”، فإن السؤال الحتمي هو: من يحدد هذه الثوابت؟ وهل هي متفق عليها؟ وهل يحق لمجموعة فقهية واحدة أن تحتكر تعريف “الإسلام” وتشريعاته، وتُقصي بقية الاجتهادات أو القراءات؟
في لحظة ما، يصبح القانون أداة قسر لا هداية، خاصة إذا ما طُبِّق على ضمائر الناس. إن إجبار إنسان على ممارسة طقس ديني لا يُنتج مؤمنًا، بل يُنتج منافقًا، أو ناقمًا، أو ممتثلًا في الظاهر ساخطًا في الباطن. حين يُمنع غير الصائم من الأكل في رمضان، أو تُفرض الحجاب قهرًا، أو تُقيّد حرية التعبير باسم المقدّسات، فإن الدولة لا تحمي الدين، بل تُفرغه من روحه.
من يرعى الدين السياسي لم يطّلع على الدين أصلًا، بل استعمله وسيلة للهيمنة لا للهداية، للسيطرة لا للإصلاح. إن جوهر الدين هو الحرية، والاقتناع، والمحبة، والمسؤولية الفردية. أما الإكراه فهو ضد كل ذلك، وهو أول ما يُبطل صدق الإيمان.
ولهذا، فإن أي نظام سياسي يسعى بصدق لاحترام الدين، عليه أن يحرره أولًا من قبضة القانون، ويعيده إلى مكانه الطبيعي: في قلوب الناس وضمائرهم



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث راهي جدًا….
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)
- علم طفلك نطق الــ(لا)
- تشرين ولادة وطن اجهض في اسبوعه الأول
- مسلسل -الجنة والنار- وانعكاس لذّة العنف والبكاء
- الموت من أجل البقاء…
- الموت يسلبنا القدرة على الاعتذار …
- مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة


المزيد.....




- قبل 70 عامًا.. هكذا بدا منتزه ديزني لاند -أسعد مكان على وجه ...
- المزيد من البلدان تتجه للاعتراف بدولة فلسطينية.. ومسؤول إسرا ...
- الصين تنتقد عقوبات أمريكا على مسؤولين في السلطة الفلسطينية و ...
- -رئاسة بلا نهاية-.. السلفادور تُعيد تشكيل دستورها وتمدد ولاي ...
- محكمة العدل الأوروبية تصدر حكمها بشأن قائمة إيطاليا للدول ال ...
- تحقيق مثير: اللوبي المؤيد لإسرائيل وسر تأخر فرنسا في الاعترا ...
- إنهاء للنفوذ الروسي.. ماذا لو سيطرت واشنطن على ممر زنغزور؟
- 4 قتلى في غارات إسرائيلية على لبنان
- محكمة كورية جنوبية تجبر الرئيس السابق على المثول لدى الادعاء ...
- غشتهم تسلا.. تحقيق لـCNN يكشف أن مصنّع السيارات مدين بملايين ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان الفرج الله - ( إيمان) يفرض بسلطة القانون