هاني عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 19:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
1. مقدمة
يعيش العالم اليوم في عصر المعلومات حيث مجتمعات الدول المتقدمة مجتمعات معرفية والشيء الوحيد الثابت اليوم هو سرعة التغيير وعدم اليقينية Uncertainty . ففي عالم اليوم فإن مصدر الثروة هي المعرفة. إن امتلاك المعرفة ليس ثروة في حد ذاتها بل الثروة في كيفية استخدام المعرفة. فإذا استخدمنا المعرفة لمهمات Tasks نعرف كيف ننفذها مسبقا فإن ذلك يسمى إنتاجية Productivity ، أما إذا استخدمنا المعرفة في مهمات جديدة ومختلفة فإننا نسمي ذلك ابتكارا أو تجديدا Innovation .
فإذا كانت التلمذة الصناعية ابتكارا المانيا مكّن المانيا من أن تصبح الدولة الثالثة في العالم من حيث الانتاج الصناعي فإن التدريب هو ابتكار امريكي أعطى الامريكان في الحرب العالمية الثانية المقدرة على تحويل العمال غير المهرة في الصناعة الى عمال منتجين وبفعالية عالية. لقد تبنت اليابان ومن بعدها دول جنوب شرق آسيا الاختراع الامريكي - التدريب- وبواسطته تمكنت من تحويل قواها العاملة غير المؤهلة الى قوة عمل ماهرة ومدربة وبأجور زهيدة وتمكنت من أن تنافس الدول الصناعية في عقر دارها.
وترتبط زيادة الانتاجية بالتعليم المستمر. ولم يعد يكفي في مجتمع المعرفة إعادة هيكلة وتصميم الوظائف وتدريب العمال على تنفيذها بطرق جديدة كما كان يدعو إلى ذلك تايلور Taylor ، بل أن الفائدة الكبرى للتدريب لا تكمن في تعليم الجديد، بل تكمن في انجاز المهمات التي ننفذها بشكل جيد أن نتدرب على انجازها بشكل ممتاز.
ترتبط زيادة الانتاجية في اية دولة بالتنمية المستمرة للقوى البشرية Human Resources Development HRD والتي ينضوي في ظلها ثلاثة مستويات من النشاطات المختلفة، وهي:
أولا: التدريب وهو نشاط موجه للتعليم المتعلق بالوظيفة الحالية للمتدرب.
ثانيا: التعليم وهو نشاط موجه للتعليم المتعلق بالوظيفة المستقبلية.
ثالثا: التنمية وهي نشاط يتضمن تعليما لا علاقة له بالوظيفة.
من التعريف السابق لتنمية القوى البشرية يتبين ان الجامعات ومراكز التدريب الهندسية المختلفة تلعب دورا اساسيا في التعليم والتدريب والتنمية، وكذلك يمكن لها أن تلعب دورا رئيسيا في تأهيل القوى البشرية في مجال الهندسة لتواكب التغيرات السريعة في سوق العمل.
وتشير الدراسات المتعلقة بالعمالة الفنية على المستوى العالمي إن الدول التي تتبع سياسات ليبرالية بالنسبة لهجرة العمالة الفنية قد تحقق تقدما اقتصاديا إذا استطاعت الربط بين ظاهرة الهجرة الفنية وسياسة الاستثمار للعائدات النقدية التي تحولها هذه الفئة المهاجرة.
وفي اعتقادنا أن ثورة المعلوماتية التي تسيطر اليوم على العالم ستفرض متطلبات جديدة وقاسية على مستوى العمالة الهندسية في الدول المصدرة لها، وإذا لم تستعد هذه الدول وتكيف جسمها الهندسي ليلبي تلك المتطلبات، فقد تجد أن هذا الجسم الهندسي قد أصبح عالة على اقتصادها، وتضيع هباء الاستثمارات المالية التي صرفت على التعليم الاكاديمي للمهندسين، وذلك بدل أن يكون قوة ودعما للاقتصاد الوطني.
إن الدول التي تخطط اليوم لاحتياجات الغد على المستوى الاقليمي، هي الدول التي ستكون قادرةعلى تلبية طلب الدول التي لديها نقص في العمالة. والدول التي تدرب المهندسين اليوم تستطيع أن تساهم في سد النقص الموجود والمتوقع أن يزيد في الدول التي لديها فائض نقدي وتعاني من ضعف مواردها البشرية.
إن العامل البشري الذي كان يعتبر أكثر العوامل ثباتا في الانتاج سيصبح أكثر حركة في هذا العقد، وخاصة بين الدول العربية التي تفتقر الى العمالة الهندسية والدول التي تمتاز بمستوى معين للعمالة الهندسية. وتحت تأثير عدد من العوامل الداخلية والخارجية ستضطر الدول النفطية الى تغيير سياسات العمل والهجرة لديها، وهذا عندما يحدث سيزيد من حركة العمالة الهندسية.
وتُشير الدراسات إلى أن المدخل لزيادة الإنتاجية وتحقيق التنمية المستدامة Sustained Development يتم تحقيقهما عن طريق التدريب الهندسي والإداري.
2. الجسم الهندسي
تعتبر نسبة عدد المهندسين إلى السكان في أية دولة مؤشر هام في دراسات التطور الاقتصادي والتنمية المستدامة، ولكن الأهم هو مقدرة الاقتصاد على تشغيل المهندسين وتدريبهم والاستفادة منهم. فمثلاً، الأردن يحتل المرتبة الأولى في عدد المهندسين إلى عدد السكان (مهندس لكل 40 سخص) أي 2.5%، بينما تساوي هذه النسبة في دولة متقدمة صناعياً مثل كوريا 2% وبريطانيا 0.7%. وتحتل إسرائيل المرتبة الأولى في العالم في عدد العاملين في البحث العلمي حيث هناك 140 عالماً/مهندساً/فنياً لكل 10000 نسمة، أي أن 1.4% من القوى العاملة في القطاع المهني هم مهندسون أو باحثون.
ويتسم الجسم الهندسي على مستوى الشهادة الاولى بالخصائص التالية:
1. عدم التجانس الاكاديمي بين المهندسين لاختلاف الدول التي درسوا فيها ومستوى الجامعات والمعاهد الهندسية التي تخرجوا منها.
2. اختلاف مفاهيم التدريب الميداني بحسب إمكانيات الدول والجامعات التي تخرجوا منها.
3. غياب مفهوم المصطلح الهندسي الموحد أثناء التعامل بسبب اختلاف المصطلحات الهندسية حسب اللغة التي درس بها المهندس.
4. يستخدم المهندسون مواصفات وقياسيات متنوعة بحسب تلك المعتمدة في الدول التي درسوا فيها، وهذا يترك تاثيرا في الممارسة العملية.
5. اختلاف المستويات في التعامل مع منتجات ثورة المعلومات مثل الحاسوب والبرمجيات، بسبب عدم تجانس أو توافر هذه المنتجات في الجامعات بحسب عدد الطلاب والامكانيات المادية.
الخبرات الهندسية
يتم اكتساب الخبرة الهندسية في الغالب عن طريق العمل والممارسة. ويمتاز القطاع الحكومي بمقدرته على ايفاد المهندسين في دورات تدريبية الى الدول والمؤسسات الاجنبية نتيجة للاتفاقيات الثنائية او بسبب شروط عقود توريد الاجهزة وبناء المشاريع الكبيرة. ويستفيد من هذه الدورات المبعوث نفسه، ولا يتم تعميم الخبرات المكتسبة أثناء التدريب، ولا يوجد نظام لتوثيق خبرات التدريب المختلفة ليستفيد منه قطاع المهندسين.
وبشكل عام، فإن المهندس حديث التخرج يكتسب خبرته أثناء العمل بالممارسة عن طريق التجربة والتقليد عن مسوؤليه الفنيين، وهذا يؤدي إلى تثبيت بعض المفاهيم الخاطئة في العمل. وفي رأينا أن المهندس الأردني يضعف فنيا وتتقادم معلوماته وخبراته الهندسية بسرعة أكبر من نظيره في الدول الصناعية للاسباب التالية:
1. عدم وجود مراكز متخصصة لتدريب المهندسين وعقد الدورات التنشيطية لهم في المجالات الهندسية والادارية والمعلوماتية، بحيث تكون هذه الدورات مصممة وفق المناهج الحديثة في التدريب. فالمراكز الموجودة لا تتبع الاساليب العلمية في التدريب بل تقدم دورات تدريبية تتكرر فيها المعلومات الهندسية وفق محتويات كتاب هندسي معين.
2. غياب الكتب العلمية والمجلات المتخصصة والمواصفات والادلة الارشادية بسبب عدم توفرها في السوق المحلي او ارتفاع ثمنها إن توفرت.
3. عدم وجود المؤسسات الصناعية الكبيرة التي تولي التدريب والبحث والتطوير اهتماما متواصلا، وغياب التقاليد الهندسية لعدم عراقة المؤسسات الصناعية لان معظمها جديدة.
4. غياب نظام الحوافز والمكافآت، ونعني بذلك الامتيازات الوظيفية التي يكون معظمها مرتبطا بالسلم الاداري. لذلك نجد أن مكافاة المهندس المبدع تكمن في ترقيته اداريا وبالتالي يبتعد شيئا فشيئا عن العمل الهندسي والفني، وينخرط في الاجراءات الادارية والاعمال الروتينية التي تشكل أكبر خطر على المهندس.
5. ضعف المشاركة في المؤتمرات العلمية والهندسية في الداخل والخارج.
6. عدم وجود جسور تفاهم وتواصل بين الجامعات والمعاهد العليا ومراكز عمل المهندسين سواء في القطاع العام أو الخاص.
#هاني_عبيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟