كتاب اخي وأرضي

هاني عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8174 - 2024 / 11 / 27 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قصة الألم والأمل لعائلة فلسطينية
كتاب "اخي وأرضي" للفلسطينية سيرين صوالحة مع سامي هرمز صدر باللغة الإنجليزية عن دار ردوود في كاليفورنيا عام 2024.
"كان ابي الرجل الوحيد في القرية الذي بلا ارجل والذي استشهد ابنه، وقد عمل طيلة حياته ليبني بيتاً هدمه الاحتلال وبعد ذلك مات هذه الميتة (ملاحظة: مات غريباً في أمريكا)؟ هل هناك رجل ظُلِم هكذا؟ حياة بائسة ويموت وحيداً". هذا ما كتبته سيرين عن والدها الذي تغرب في ابو ظبي ليوفر الحياة لعائلة تتكون من ام واحد عشر طفلاً يعيشون تحت الإحتلال في بلدة كفر راعي قرب مدينة جنين.
هذه التراجيديا الفلسطينية هي مثال للعائلات الفلسطينية التي توزع أفرادها قهراً في بقاع الأرض (ابنة وابن في أمريكا، شقيقتان في السعودية وابو ظبي وشقيق في موسكو وآخر تشبث بالأرض فرواها دمه وحضن ترابها وعنه يتحدث الكتاب).
عن اياد الذي تفتح وعيه على انتفاضة الحجارة والتي شارك فيها ليسجن يافعأ، ومن هنا تبدأ معاناة الام في زيارة ابنها خلف الزجاج ويبدأ تحدي سيرين والتي تأتي إلى فلسطين لرؤية اخاها متسلحة بعلاقاتها مع الصليب الاحمر التي نسجتها من خلال عملها في البعثة الأردنية في هيئة الامم وتنجح في رؤيته عن قرب بعد اصرار على رؤيته وجهاً لوجه رغم عراقيل وتعنت إدارة السجن.
يفرد الكتاب صفحات مشرقة لأم فلسطينية تتحمل تربية أطفالها وحيدة لاب يعمل في ابو ظبي ليوفر لهم لقمة العيش، هذه المرأة التي تصر بعد حرب 1967م أن تعود مع أطفالها مشياً إلى فلسطين من عمان، فقد تعلم الفلسطيني الدرس من عام 1948م، لا مغادرة من فلسطين بل سننغرس فيها كشجر الزيتون. امرأة وحيدة صلبة بجانب التربية ومراقبة بناتها وبيتها، فهي تعمل في الزراعة والاعتناء بزيتونها وفاكهتها، هي مثال المرأة الفلسطينية التي ربّت أجيالاً، هي أجيال الفلسطينين الذي بصماتهم واضحة وجلية في كل ميدان عملوا به وفي كل بلد عاشوا به.
يخرج اياد من السجن وهو أكثر تصميماً على مقارعة الاحتلال، فقد خرج رجلاً متديناً، وقد انضم إلى الجهاد الإسلامي الذي كان مسيطراً كحركة جهادية في منطقة جنين وخاصة مخيمها. أصبح اياد يعيش حياة التخفي كأي مناضل تحت الاحتلال، فلا يعرف احد متى يأتي ومتى يذهب واين يعيش، وكل المعلومات التي تذكرها سيرين في الكتاب عرفتها لاحقاً ودونتها وفاء له وإكراماً لذكراه. لا يفوت سيرين أن تُبين أن هذا المجاهد الصلب ضد الاحتلال له قلب يخفق بالحب ككل الناس، فيقع في حب مريم والتي امها سلافية وقد أحضرها ابوها إلى فلسطين بعد طلاق امها ويتزوجها رغم معارضة أهله، ولكنها فجأة تختفي ليتبين لاحقاً هروبها إلى سلوفينيا عن طريق سفارتها في تل ابيب. يترك هذا الأمر جرحاً في قلب اياد والذي يتزوج من إمرأة أخرى. وكما لعب القدر دوراً في اختفاء مريم، يعود فيلعب دوراً في ظهورها ثانية، ويخفق القلب مرة أخرى نحو مريم (ما الحب الا للحبيب الأول)، ويقرر اياد أن يعود إليها ثانية رغم المعارضة الشديدة وإن مريم أيضاً متعلقة به رغم معرفتها بوضعه ومطاردة الاحتلال له. ويتزوجها وتعيش معه.
حياة اياد هي مثال لحياة العشرات الذين آمنوا بضرورة المقاومة والقتال (إذا لم نقاوم نحن فمن سيقاوم)، هي حياة اختفاء وتمويه وتحضير عبوات والحصول على السلاح وتدريب الرفاق ومراقبة الأهداف التي يجري التحضير لاستهدافها. حياة لا استقرا فيها أو هدوء بل يقظة دائمة، ينامون وعيونهم مفتوحة وايديهم على السلاح لأقل حركة. يصبح اياد احد قادة الجهاد الإسلامي في منطقة جنين ويصبح هدفاً لجيش الاحتلال، يبحث عنه في أزقة المخيم وشوارعه، في المنازل والكهوف والسراديب في تلك المنطقة. ورغم عدم التكافؤ بين ما يملكه المقامون وما يتسلح به جيش الاحتلال، الا أن اياد ورفاقه يوجعونه بضرباتهم، لكن القوة في النهاية تتمكن من اياد فتقتله ويستشهد الاخ ويسقط الفارس، فاين دموعكِ يا سيرين واين دموع الام فقد جاء الوقت لتنهمر مدراراً على الابن والاخ. وأصبحت الام ام الشهيد والاخت اخت الشهيد ومقبرة القرية تحتضن رفاته كما احتضنت رفاق آخرين، ولسوف يبقى ترابها أخضر يانعاً لاستقبال شهداء آخرين، فمهر فلسطين غالٍ ويدفعه الشعب الفلسطيني يومياً عن طيب خاطر.
لقد ربطت سيرين في هذا الكتاب حياتها بحياة اخيها وبالأرض التي سقط دفاعاً عنها، فكانت تراجيديا انسانية لاخت تجاه اخيها ووفاءً لأرض ضمت رفاهه.
يتميز هذا الكتاب بأن فصوله حملت سنوات السردية، فكل فصل عبارة عن سنة معينة، وكأنها تريد أن تطبع السنة باحداث اسرتها، كما تميز الكتاب بتثبيت الاسماء العربية للقرى والاماكن والاكلات باللغة العربية بجانب الانجليزية، تأكيداً لفلسطينية السرد.
لم يظهر هذا الكتاب بشكل عفوي، بل قطف من عمر سيرين سبعة عشر عاماً، واتهاماً لها بأنها إرهابية وفقدها لوظيفتها كمعلمة في أمريكا، وحتى تكتمل فصول هذه السردية فإنها تُصاب بسرطان الثدي، ورغم الألم والمعاناة فإن إرادة الحياة التي تُميز الفلسطيني هذه الأيام تنتصر، وتكمل كتابة فصول هذا الكتاب ويصدر للقراء كشاهد على معاناة هذه السيدة وأسرتها. اعتقد أن فصول هذا الكتاب لم تكتب بالحبر بل بدموع سيرين لأن الكلمات تنبض بالحياة والأحداث تسرق منها بهجة الحاضر. كانت ولادة هذا الكتاب عسيرة، ولكنه خرج للوجود وسيتكلم بلغات عديدة عن طريق ترجمته، وهذا ما وعدت به سيرين، ونصدقها وننتظر.
كما كان أصرار سيرين في الكتاب للحديث عن اخيها وحياته ونضاله، فإنها تصر وفاءً له على التنقل من بلد لآخر لتعرّف الناس بهذه السردية الفلسطينية، وفي كل لقاء يتجدد الدمع في عينيها، ويلمع بريقها مؤكدة أن الشهيد لا يموت بل يحي يومياً في قلوب الناس الذين يحضرون لقاءاتها، هكذا رأيتها في عمان في لقاء تحدثت فيه عن كتابها.
وآخر لقاء معها كان ضمن ندوة لمركز كمبريدج لدراسات فلسطين في لندن يوم 17 تشرين أول هذا العام بتنظيم من رئيس المركز الفلسطيني الناشط د. مكرم خوري مخول.

#هاني_عبيد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل