أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - القصيدةُ تغرِّدُ خارجَ سربها














المزيد.....

القصيدةُ تغرِّدُ خارجَ سربها


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


لا تعريف للشِعر، لا إطار لنهرٍ ولا قفص لعاصفة، القصيدةُ هي لسعة الجمال والشِعر هو اللهفة الأولى.. هو الشعلةُ الزرقاء الباقية.. وإرثُ الصحراء الجميل، شغفُ الضوء والبدايات، هو الشهد الفرعوني الذي طوى الدهور ولم يتبدَّل طعمه، وطائر فينيق لا تسجنهُ قضبان أمطار بودليريَّة ولا ذهبيَّة ولا أشكال فضيَّة ولا تؤطِّره نظريَّات جامدة، فعلام كلما هدأ الجدل العقيمُ قليلا حول الأشكال والقوالب الشعريَّة ما يلبث أن يُثار من جديد؟ أتخيَّلُ نفسي في حلبة تتصارع فيها ديكة القصيدة العموديَّة مع ديكة قصيدة التفعيلة، والفريقان من كلِّ جانب لا ينفكَّان يؤلِّبان ويستفزان. ألم يكتب بعض شعرائنا الشباب المبدعين القصيدة العموديَّة بروح عصريَّة جميلة نضرة وبرؤى وثَّابة جنباً إلى جنبِ قصيدة التفعيلة؟ الشِعر طائرٌ ذهبيٌّ غريب وحرٌّ يرفرف خارج حدود جدال الأوزان والبحور والأشكال والخلافات الشعريَّة، طائرٌ يحلِّق ويغرِّدُ خارج سربه، ويستعصي على الحلم يستعصي على التوصيف والتأطير والتراكيب والأساليب والأنماط والرتابة وضجر النهارات؟ القصيدة الحقيقيَّة النابضة لا تقيِّدها الأشكال، فهل يتغير الماء إن صببته بكأس مختلفة؟ ثم أنني كنت أقول في فترة ما أن زمن القصيدة العموديَّة قد انتهى وأنها بمفهوم معيَّن أو تفسير آخر حنين نوستالجي شفَّاف لذائقة الماضي، وتراجعت فيما بعد لأنني فهمت أن روح الشعر الخالدة بمفهوم أشمل وأكمل وأجمل متجددة في الأشياء. ولأنَّ ثمةَ من أحدث انقلاباً وثورة عارمة من شعرائنا الكبار الحقيقيِّين في نمط كتابة القصيدة العموديَّة وطوَّر الشعر العمودي بصورة مذهلة وكتبه بحسٍّ وثَّاب وإبداعٍ فارق وحلَّق به بعيدا بغضِّ النظر عن القوالب الحجريَّة.. ألم يعترف شاعرنا المبدع محمود درويش ذات يوم بموهبة أمير الشعراء أحمد شوقي مشيراً إلى أنه أصفى وأهمُّ وأعمق أصوات القصيدة العربيَّة النيوكلاسيكيَّة والشعر العربي على مرِّ العصور، وبرأيي ينطبق قول الشاعر محمود درويش على الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري والشاعرين السوريَّين بدوي الجبل ونزار قباني والشاعر اليمني عبد الله البردوني. وعبر رؤية شخصيَّة ومن خلال إطلَّاعي على تجارب شعريَّة حقيقيَّة فذَّة وجميلة كتبت التفعيلة والشِعر الحر والقصيدة العموديَّة بحساسيَّة عالية، وبفكر جديد، وبرهافة شعريَّة أصيلة وحس مختلف لاحظت أن الشِعر العمودي المختلف والمبتكر والمذهل يتمِّم ويكمِّل جمال وروعة شِعر التفعيلة ولا يلغيه أو يطمسه. ألم يفتتح الشاعر العراقي بدر شاكر السيَّاب وهو من كبار المجدِّدين في الشعر العربي الحديث وأحد أهم شعراء العمود والتفعيلة العرب والمتأثر بأبي تمَّام والمتنبي وأحمد شوقي وعلي محمود طه وإلياس أبي شبكة والجواهري بعض قصائدة التفعيليَّة بأبيات عمودية رائعة كبوَّابة عاليَّة أو استهلال بديع، أبيات عذبة معذَّبة تأخذنا مناخاتها إلى باحة رحبة من الانسياحات الانفعاليَّة والتفعيليَّة وإلى سماء ملوَّنة وفسيحة من الدلالات والانزياحات المكثَّفة؟ وهذا ما نجده لدى الشاعر العراقي المبدع بدر شاكر السيَّاب في قصيدته العامرة "ليلى":
"قرِّب بعينيكَ منِّي دونَ إغضاءِ
و خلِّني أتملَّى طيفَ أهوائي
أبصرتها كادتِ الدنيا تفجِّر في
عينيكَ دنيا شموسٍ ذاتِ آلاءِ
أبصرت ليلى فلبنان الشموخِ على
عينيكَ يضحكُ أزهاراً لأضواءِ"
وبعد مقدِّمة شعريَّة عموديَّة رقيقة ومعبِّرة على البحر البسيط يقفز بكلِّ خفَّة ورشاقةٍ وعذوبةٍ لبحر الكامل الذي يشبه هديره هدير الشوق في هذهِ السطور:
"ليلى هوايَ منايَ شِعري
روحي الأعزَُ عليَّ من روحي و آمالي و عمري
حملت ضفيرتها هوايَ كأنها أمواجُ نهرِ
حملته نحو مدى السماء
نحو المجرَّة و النجومِ و نحو جيكور الجميلة
فأنا فتى أتصيَّدُ الأحلام يا لكِ من فراشاتٍ خضيلة
أتصيَّد الأشعارَ فيها و القوافي والغناء"
ولا حاجةَ لي بذكر أسماء جديدة من الجيل الشعري الراهن واصلت تجديدها المبتكر الحقيقي ومنهم شعراء جيل التسعينيَّات ومطالع الألفيَّة الثالثة في العراق وسوريا ومصر والأردن واليمن ولبنان وتونس وسائر الأقطار العربيَّة.. ولك أن تتساءل هل تخلَّى عمالقة قصيدة التفعيلة في مرحلة ما من حياتهم عن العمودي؟ لا.. لم يتخلُّوا أبداً ومنهم نزار قباتي ومحمود درويش وسميح القاسم وبدر شاكر السيَّاب وعبد العزيز المقالح وشوقي بغدادي وسعدي يوسف وغيرهم.. بل أنهم استثمروها أجمل استثمار واستمرُّورا بكتابتها حتى الرمق الأخير، ثم إن صدقت مقولة "انتهاء زمن القصيدة العموديَّة" فسيأتي مستقبلاً من ينادي بشرعيَّة قصيدة النثر أو قصيدة الومضة أو شعر الهايكو مثلا، وإلغاء كل الأشكال الشعرية الأخرى.. أيها الشاعر العربي في هذا الزمن العربيِّ الجريح: أكتب تفعيلة أو نثرا أو قصائد هايكو ولكن لا تتَّهم القصيدة العموديَّة.. وكما قال الشاعر الفذ محمود درويش "لا نصيحةَ في الحبِّ لكنها التجربة.. لا نصيحةَ في الشِعر لكنها الموهبة".. أنا مع القصيدة الحقيقيَّة الحارقة اللاذعة المكتسحة الفارهة الفارقة الجامحة المتجدِّدة المغايرة، التي تغرِّدُ خارج سربها.. وضد تأطير الشعر.



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطرُ أبي تمام وريحُ المتنبي
- ظلالٌ مضاعفةٌ بالعناقات
- كعشبٍ يضيءُ ظلالَ الكمنجاتِ
- أفاعي إلياس أبو شبكة وأزهار بودلير
- نجاة الزباير: شاعرة صوتها ينقرُ نافذة المطر
- كتاب (كحل الفراشة) - ايقاعات نثريَّة - الصادر في عام 2019 عن ...
- هل تأتي القصيدةُ في الشتاء؟
- علي الدميني.. الرعويُّ الأجمل الذي حرسَ ليلَ القصيدة
- سعدي يوسف.. تلميذ السيَّاب الأنجب ومتمِّمُ قصيدته
- ديوان -نساء يرتِّبنَ فوضى النهار- منشورات وزارة الثقافة الفل ...
- محنة التجارب الجديدة في الشِعر الفلسطيني
- القصيدةُ أنوثةٌ غامضة
- شبابيكُ عشيقاتٍ منسيَّات
- لاعب النرد والكلمات
- أعيش كنهر وحيد
- تأملات جماليَّة في قصيدة الشاعر فرحات فرحات
- يرصدُ تحوُّلات العاشق بأسلوب مشبع بالدلالات
- ديوان (استعارات جسديَّة) الصادر في عام 2018 عن دار العماد لل ...
- ايقاعات رعوية
- مطرُ الغريب(قصائد عن ليلِ المعنى)


المزيد.....




- صيف 2025 السينمائي.. منافسة محتدمة وأفلام تسرق الأضواء
- آدم نجل الفنان تامر حسني يدخل العناية المركزة إثر أزمة صحية ...
- فضيحة جديدة تهز الوسط الفني في مصر (فيديو)
- مخرج أفلام إباحية كان من بين أكثر المطلوبين لـ FBI يقر بالذن ...
- فنانة لبنانية شهيرة ترد على منتقديها بعد رسالتها إلى أفيخاي ...
- شاما والجو فنانان يعيدان إحياء الثرات المغاربي بلمستهما الخا ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- مكتبة الحجر: كيف تروي محمية الدبابية المصرية قصة مناخ الأرض ...
- ظهور سينمائي مفاجئ.. تركي آل الشيخ ينشر فيديو -مسرب- لزيزو ب ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - القصيدةُ تغرِّدُ خارجَ سربها