أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - ديوان -نساء يرتِّبنَ فوضى النهار- منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية 2021















المزيد.....



ديوان -نساء يرتِّبنَ فوضى النهار- منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية 2021


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6918 - 2021 / 6 / 4 - 00:43
المحور: الادب والفن
    


نـمر سعدي



نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النَّهارِ





قصائد



(كُتبت قصائدُ هذا الديوان ما بين الأعوام 2018 و 2020)


مدخل

"فكأنَّني مُذ غبتَ عنَّي غائبُ"

أبو تمَّام
*
أُعانقها والنفسُ بعدُ مشوقةٌ
إليها وهل بعد العناق تداني؟
كأنَّ فؤادي ليس يَشْفي غليلَه
سوى أنْ يرى الروحَيْن تمتزجانِ

ابن الرومي
*
"إذا تحوَّل جسدكِ تراباً/ فأنا مستعدٌّ لأن أتخلَّى عن هيئتي وأصيرَ ماءً/ أتوقُ لمن يشربني بكلِّيتي/ أروي جسدكِ كلَّه"

مانغ كي
شاعر صيني


تقديم



نمر سعدي / المجاز الطائر



(1)
يمكنُ اعتبار أنَّ هذا الديوان كُتبَ على اسم الأنثى وأول عنوانهِ "نساء".. "نساء يرتِّبنَ فوضى النهار"... لكن ذلك لا يكفي لرسم ملمحين يقينيَّين أو أكثر لذلك، لأنهُ مكتوبٌ على اسم المجاز الطائر بأجنحةٍ مجنونةٍ أو على اسم امرأةٍ من "سراب الكناية".. ولأنَّ التطوُّحَ في كلِّ وادٍ والتباعدَ والدورانَ في الأقاصي.. كلها تشي بما يشبهُ القوَّةَ الطاردةَ لدى الشاعر لما يريدهُ في الأنثى أو يوحي به.. أو لكأنَّهُ يكتبُ ديواناً بعشراتِ القصائدِ والمقاطعِ والسونيتاتِ عن النساء لكي يتلافى قصيدةً مصوَّبةً أو مسنَّنةً من قصائد الغزل الذي كتبهُ شعراءُ الحُبِّ السابقون من عمر بن أبي ربيعة إلى نزار قباني ومن أوفيد الى محمود درويش، فالمجازُ الطائرُ بأجنحةٍ من الخيال ينتقلُ بكَ "على اسم النساء" من ترتيبِ فوضى النَّهارِ إلى التباريحِ ومن عشبِ الرؤيا إلى الشتاءِ فالخريف الشرس إلى الشبابيك المنسيَّة.. إلى آخره.
ومن الجُمل الأولى في القصيدة الأولى يمسكُ نمر سعدي بخيط التحوُّلات والصيرورةِ في قصائدهِ.. وهو خيطٌ خفيٌّ وظاهرٌ فيهِ من الغموضِ ما فيهِ من الامتدادِ وفيه من التسميةِ ما فيهِ من التشعُّب والتيهِ... بحيثُ أنَّ القصيدة بين يديهِ تبدو ممتدَّة ومعرِّشة وكأنها انتشارُ أرابسك شعري يتسِّم بالتدوير والتفريع والتكرار الى ما لا نهايةٍ لمعدولٍ متشابهٍ أو موحَّدٍ في إيقاع نواة وزن المتدارك أو البسيط أو الطويل من أوزان الشِّعر، أو في سرد نثري هو استطراد شعري. لكن السونيتات الشعريَّة على اختلاف معدولاتها أو تفعيلاتها تدور في فلكٍ واحد. هذه هي تقنيَّة نمر سعدي في الايقاع... وإضافته الى صورةِ أسلافهِ من الشعراء الفلسطينيِّين (رغم أنه لم يذكر إلا مرَّة واحدة اسم مكان فلسطيني هو "حيفا"... "في الطابق السفليِّ من دهليز مستشفى / مريضٌ دائمُ الدورانِ حول البحر أو حيفا" (قصيدة تباريح أنثويَّة) هو بصمة شعريَّة جديدة مضافة إلى "قرآن الموت والياسمين" (بعبارة سميح القاسم).. للشعراء الفلسطينيِّين أسلافهِ من أبي سلمى لدرويش ومن فدوى طوقان الى توفيق زياد وسميح القاسم وحنا أبوحنا وأحمد دحبور...
لنا أن نسأل عن عناصر هذه البصمة.. عن الكيمياءِ والشعريَّةِ المضافةِ.. ما هيَ؟

(2)

رغمَ أنَّ القصيدة الأولى هي "نساء يرتِّبنَ فوضى النهار" إلا أنَّ الشاعر يبدأُ بتعريفِ نفسهِ "أنا" على أنهُ "شجرٌ قديمٌ" ثمَّ حينَ يذكرُ الحُبَّ سرعانَ ما يردفُ اليأسَ معهُ ثمَّ تتجادلُ هذهِ العناصرُ مع المتكلِّم "أنا" ومن ارتباك "قطَّة أو وردة" وجناس بين "الكآبة والكتابة" إلى عناصر البحرِ والصندلِ البريِّ... وهي جميعها استحالات أو بدائل الأنوثة في النصوصِ ليصلَ إلى مبتغاهُ وهو أنَّهُ يبحثُ عن" قصيدة".
بعد ذلكَ في القصيدةِ الثانيةِ تردُ حروفيَّات اسمها لكن في العناصر (النون) نورس (الواو) وجع الكمنجة (السين) هيَ العرائس.. أساطير الرعاة.. أغاني البدو.. زهر اللوز.. الغيوم.. أثر الطيور.. كلُّ شيء إلا امرأة... ومن خلال التدوير والحشد (فأنت تقرأ القصيدة بنفس واحد) تبرزُ أنثى (شاعرة) لتقول لهُ / كما أشرنا / "لا ترتبكْ إن أضعتَ مفاتيحَ قلعتيَ المغلقة".. من حيثُ هو يمزجُ بين "القمحِ والحُبِّ والاشتهاء"... هل يكتبُ نمر سعدي عن امرأة؟.. أم عن شجرٍ عابرٍ في الخريف؟ ومع من يتشاجر.. وهو يتدرَّجُ لنهاية المقطع 8 من القصيدة الثانية على نواةِ " فعولن" ثمَّ من المقطع 9 على نواةِ "( متفاعلن) / وزن الكامل" ..."وجسمكِ يوجعُ الصلصالَ في جسمي / يضيءُ بحيرةً في القلبِ"... وتتوالى بين يديهِ من خلالِ التتابعِ والتبادلِ طقوسُ التعارضات... لكنَّه يتجاوزُ هذه الغنائيَّة lyrisme التي سبقَ وعُرف بها محمود درويش من خلال ذاكرة ثقافيَّة يلجأ إليها سعدي ويوظِّفها في تدعيم النصِّ وتحميلهِ... إلى ابن عربي وشوبنهاور وريلكه وقصص يوسا وصراخ كافكا ومسرحيَّات أسخيليوس... ثم يفاجئنا بقولهِ "يسكنني اثنان" ويكتبُ "حبقٌ على وجهين"... وقد أسعدتني هذه الاثنينيَّة عندَ الشاعرِ في مقطَّعاتهِ الغنائيَّة الرعويَّة في الحُبِّ والعناصر "كلما حدَّقتُ في وجهِ البحيرةِ تخرج امرأتانِ منها"... فخاخ الكلام وثياب النساء.. "امرأة تخلطُ التبغ بالماريجوانا وتكلِّم عصفوراً على غصنِ قلبها المحشوِّ بالأسماكِ"... ثمَّةَ غرابةٌ وسرياليَّةٌ لطيفةٌ ما ينزع عن النصوصِ الوصف والرصف الدرويشيَّين أو التعداد لدى سميح القاسم.
هل يتكلَّم نمر سعدي عن مكان؟
نسأل أنفسنا ونجيبُ بشكٍّ غير قاطع ويقينٍ مشوبٍ بالشكِّ. ولولا كلمة واحدة "حيفا" وسيرتهُ التي تشيرُ إلى مولدهِ الفلسطينيِّ لما أعلنتِ القصائدُ الكثيرَ من ذلك.. هل يتحدَّثُ عن نساءٍ محليَّات؟ عن الأنثى؟... نتفاجأ بأنه يستعيرُ للسعادةِ جملة تؤدِّي إلى مدام بوفاري "السعادةُ أنوثةٌ تركتها مدام بوفاري"... هل يكتبُ عن القصيدة؟... يقول: "مايسترو خفيٌّ يعلِّمني كيفَ أقرأ شِّعراً لنفسي أمام جمهور من الهواء".. هل يكتبُ عن الحُبِّ؟.. يقولُ: "أحملُ على رأسي جرَّةً من النوستالجيا"...
إنَّ نمر سعدي شاعرٌ يلعبُ ببراعةٍ على حبالٍ طويلةٍ.

د. محمد علي شمس الدين
شاعر وناقد وأكاديمي من لبنان
بيروت في 7/7/2020








نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النَّهارِ (I)


(1)

شجرٌ أنا، شجرٌ قديمٌ طاعنٌ في الحبِّ أو في اليأسِ، أبحثُ في الحياةِ عن القصيدةِ، والقصيدةُ وردةٌ مائيَّةٌ في القلبِ، تلمعُ كلَّما اشتعلتْ رمالُ الروحِ من عطشٍ، أُريدكِ... فاحتويني، قالها رجلٌ لسيَّدةٍ تُربِّي حزنها الرعويَّ كي ينمو كلبلابٍ على الشرفاتِ أو كالوعلِ في تيهِ الفلاةِ... وكيْ يخطَّ على البحيرةِ شاعرٌ مرثيَّةً لغبارِ قبلتهِ..
ويبحثَ فيكِ عن معنى القصيدةِ
والقصيدةُ عن سرابِ الحبِّ تبحثُ..
لن أُضيءَ الليلَ بالكلماتِ
أو قمرِ الكنايةِ
لن أضيءَ دمي بعينيْ من أُحبُّ
ولن أُسوِّرَ بالفراشةِ نهدها وفمي
أنا فقط المُغنِّي
عازفُ الجيتارِ في أوجِ الخريفِ
سليلُ أوجاعِ الكمانِ
أقولُ للمعنى: أنا شجرٌ..
أقولُ لبائعِ الأحلامِ: خذ حبقَ الظهيرةِ وانصرفْ عنيِّ
ولامرأةٍ يرفرفُ وجهها الشتويُّ في وجهي وأطرافِ الأصابعِ:
جنَّتي كوني لأهبطَ مثلَ آدمَ من سمائي.. واحتويني
من تلهُّفِ كلِّ أُمٍّ
أو توقُّفِ رغبتي في المنتصفْ
لا تُطلقي ناراً على فرحي فلستُ أنا الهدفْ
أنا نجمةٌ في الماءِ
عصفُ فراشةٍ منسيَّةٍ في النثرِ
صيفُ قصيدةٍ بحريَّةٍ بقميصِ نومكِ
لوحةٌ ينسلُّ منها عاشقانِ ملوَّعانِ
ويذهبانِ إلى حدودِ العطرِ بالليمونِ أو أقصى الشغفْ
لكِ ما أُريدُ من الحديقةِ أو تعاليمِ المسيحِ..
من الخريفِ.. ومن تأمُّلِ قطَّةٍ أو وردةٍ وحدي
ومن عبثِ الكآبةِ والكتابةِ
واستحالاتِ الأنوثةِ
وانصبابِ ندائكِ الأبديِّ في قلبي
كما ينصبُّ صوتُ البحرِ في جوفِ الصدفْ
وليَ اشتهاءٌ كانَ من عدمِ التملُّكِ
واحتراقِ مجرَّةِ الليمونِ في جسدي
ومن ندمِ الكلامِ عن الحياةِ
عن التفاصيلِ الصغيرةِ للكنايةِ
والحنينِ إلى احتمالاتِ الجمالِ أو التألُّمِ في المراثي
أو مزاميرِ الترفْ
في القلبِ متسَّعٌ لقطرةِ مائكِ الأولى
ومتَّسعٌ لرائحةِ الخريفِ
لأوَّلِ المعنى
لآخرِ صرخةٍ في البحرِ والجسدينِ
متَّسعٌ لأمطارٍ تضيءُ كلامنا وغموضنا
أو رغبةَ الندمِ الإباحي
صُبِّي خطاكِ على طريقِ اللازوردِ
وشَعرَكِ المضفورَ بالأحلامِ أو بالقُبَّراتِ على يديَّ
لكي أُزوِّجَ غيمةً لترابِ صوتكِ
أو أُسيِّجَ بالغناءِ صدى رياحي
أنسلُّ من ضلعِ الأنوثةِ كلَّما احترقتْ مَحارةُ رغبتي في الليلِ
كي أنجو من التأويلِ أو تشفى تماماً من زنابقها جراحي
*

(2)

أهوى أنوثةَ نثركِ الزرقاءَ تجرحني وتأخذني وحيداً
لا أُحبُّ شتاءَكِ الحافي ولكني أُحبُّ غناءَكِ المائيَّ
يحملني على موجِ القصيدةِ
أو يُفتِّحُ وردةً عذراءَ في لغتي ونافذتي..
خُذيني من يديَّ إلى إيثاكا جسمكِ البحريِّ
صُبِّي شهوةً كالصندلِ البريِّ رائحةً
على جسدِ الغريب

*






(3)


كانَ اسمها بالألْفِ يبدأُ أو بأسماءِ القصائدِ أو عذاباتِ الحريرْ
كانَ اسمها بالنونِ يبدأُ..
نورسٌ يصلُ الندى بمعلَّقاتِ الحُبِّ والزمنِ المطيرْ
كانَ اسمها بالواوِ يبدأُ..
آهِ يا وجعَ الكمنجةِ أو نداءاتِ البنفسجِ في السريرْ
كانَ اسمها بالسينِ.. أو بالحاءِ.. أو بالباءِ.. أو بالراءِ يبدأُ..
ناوليني الكأسَ كيْ أنسى
فرأسي متخمٌ بالبُنِّ أو بالتبغِ والأحلامُ حولَ دمي تدورْ
قولي لموسيقاكِ أن ترتاحَ بعدَ اليومِ
قلبكِ مرهقٌ.. ويداكِ آنيتانِ يانعتانِ من وجعِ العبيرْ
وأنا أُربِّي الريحَ في قارورةٍ فضيَّةٍ
وأُشيرُ للقمرِ السرابيِّ الأخيرِ
ولاسمها بالألْفِ يبدأُ..
كالقصيدةِ في المنامِ
كخفقِ أسرابِ الحمامِ
لعلَّني بيدي أطيرْ
*

(4)

لي أن أشبِّهَ طوقَ زهرِ اللوزِ حولَ الخصرِ
بالقلقِ الجميلِ وبالغيومِ المستحيلةِ
وهيَ تمشي كالعرائسِ في أساطيرِ الرعاةِ
وفي أغاني البدوِ من بيتٍ إلى بيتٍ
ولي أن أشتهي أنثى الحمامِ ونومَها في ربلةِ الساقِ..
الحديقةَ وهي تنهضُ في الظهيرةِ من صدى الأحلامِ
رائحةَ الأُنوثةِ والشتاءِ وزهرةِ الليمونِ
لي أن أقتفي أثرَ الطيورِ
وهجرةَ النيلوفرِ النهريِّ من أقصى دمِ امرأةٍ
إلى أرضِ المجاز

*





(5)

ستكبُ شاعرةٌ: لا تخفْ يا صديقي العزيزَ ولا ترتبكْ
إن أضعتَ مفاتيحَ قلعتيَ المغلقةْ
ربَّما لم أُقدِّم لكَ التوتَ في لوحةِ الماءِ
أو عطرَ تفَّاحتي البكرِ يوماً على طبقِ الليلِ..
أو ربَّما أنتَ لا تستحقُّ الدخولَ إلى رغبتي الضيِّقةْ

*









(6)

أُريدُ كلاماً بسيطاً من القطنِ
أو عرقِ الحاصداتِ المضيءِ
كلاماً من اللهفةِ الساحليَّةِ أو زبدِ الماءِ والرملِ
أغزلُ منهُ وشاحاً من الأُقحوانِ الخفيفِ
وهمسَ قميصٍ لمن يستحمُّ بصلصالها
وجهُ شمسِ الخريفِ..
أُريدُ كلاماً قليلاً ولو كانَ طلعَ غبارِ الشتاءِ
فقلبي بضحكةِ إحدى الجميلاتِ ينبضُ
مثلَ الحديقةِ تنهضُ من نومها في أكفِّ النساءِ

*




(7)

الصبايا كبرنَ
البناتُ الصغيراتُ من كنَّ مثلَ العصافيرِ في الأمسِ صرنَ نساءً
قبائلَ من فضَّةٍ وينابيعَ، أشجارَ دفلى، حدائقَ ضوءٍ
نوافيرَ من زنبقِ الليلِ، أو أُغنياتٍ عن القمحِ والحُبِّ والاشتهاءِ
الصغيراتُ صرنَ عرائسَ..
منتشياً بالجمالِ أعودُ من الفرحِ العائليِّ
كأني على موجةٍ من ظلالِ التلهفِّ للأمسِ
ترقصُ بي رقصةَ امرأةٍ
يدها قدحٌ من عبيرِ الندى
فمها برعمٌ في شقوقِ الغناءْ
*




(8)

كلُّ شيءٍ على ما يرامُ
أُعلِّقُ في وحدتي قمراً ذابلاً كيْ أنامْ
الجراءُ الصغيرةُ تركضُ في ساحةِ البيتِ..
والذكرياتُ على حالها ما تزالُ
وبائعُ غيمِ المساءِ استقالْ
كلُّ شيءٍ على ما يرامُ
الظلالُ.. الحديقةُ.. رائحةُ الحُبِّ.. برجُ الحمامْ
قميصُكِ مُلقىً على وجهِ من يشتهيكِ
وعيناكِ من سَهَرٍ صارتا حبقاً هائجاً في دمائيَ
أو مطراً عاشقاً في الكلامْ
خاصميني لأكتبَ أو عانقيني لأنساكِ عن ظهرِ قلبٍ
فمن عادةِ الحالمينَ التشاجرُ معْ شجرٍ عابرٍ في الخريفِ
إذا كانَ من نسلِ إحدى النساءْ
ومن عادةِ الحالمينَ تتبُّعُ رائحةِ العشبِ في الصيفِ
حتى أقاصي الغناءْ
والتململُ عندَ الظهيرةِ من وجعٍ في الروايةِ
والرقصُ معْ ذئبةٍ بورجوازيَّةٍ في المساءْ
*

(9)

كي تنزلَ امرأةٌ من الرؤيا أمدُّ يدي إلى المرآةِ
كي نتبادلَ الأفواهَ أرسمُ زهرةً بريَّةً بيضاءَ فوقَ الماءِ
كي نشفى من الأمطارِ نصلحُ رغبةً معطوبةً فينا
ونكتبُ جملةً شعريَّةً رعويَّةً تصفُ انسكابَ فراشةٍ في الريحِ..
أو تكفي لنشربَ قبلةً سريَّةً أو نعبرَ الصحراءَ
جسمكِ يوجعُ الصلصالَ في جسمي
يضيءُ بحيرةً في القلبِ
لا تمشي على أمواجها امرأةٌ سواكِ
*








(10)

لستُ ظلَّاً ولا حجراً يا بنفسجةً في النساءْ
عانقيني لأُولدَ ثانيةً أو لأُصبحَ مزولةً للغناءْ
حبقاً في يدي
كنتِ من قبلِ أن تولدي
وكنتُ أُربِّي بساتينكِ العاليةْ
كنتُ عرَّابَ عينيكِ..
كانتْ موسيقى الغجرْ
تهبُّ علينا من البحرِ
كانَ القميصُ المشجَّرُ تنهيدةً في فمي..
في حياةٍ خلتْ كنتِ أُنشودةً.. فرساً.. قوسَ ماءْ
وأنا غيمةً كنتُ.. هجرةَ سربِ الحمامِ إلى قمرٍ للبكاءْ
دمي مثقلٌ بالعناقيدِ.. يقطرُ منهُ الحُداءْ
*



(11)

خريفٌ سليلُ الخرافةِ
يهذي بأسماءِ من عبروا في الرواياتِ
نهرٌ تعلَّقَ بامرأةٍ نطقتْ باسمهِ
حالمٌ لا يفكِّرُ إلَّا بتغييرِ مجرى مصبِّ الكمنجاتِ...
لا شيءَ يَلفتُ قلبي هنا
في ممرِّ الأغاني وسهدِ الرعاةْ
غريبٌ يحدِّقُ في عدمٍ واضحٍ..
ونساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهارِ على مهلهنَّ..
هنا ندمٌ جارحٌ كالقبَلْ
لن أُجيدَ الكتابةَ عن ساعةِ الشمسِ
أو حزنِ جلجامشَ الأبديِّ
ولن أستطيعَ مغازلةَ امرأةٍ
والحمامُ يطيرُ خفيضاً على السهلِ
والذئبُ يعوي إلى آخرِ الليلِ كي لا يصلْ
بكاءُ العجائزِ من ألمٍ
أو صراخُ السكارى الأخيرُ...
*
(12)

أُريدُ رغبةَ كافكا في الصراخِ
وفي فوضى التفاصيلِ، وحدي كي أُرتِّبها
على هوايَ..
أُريدُ النايَ يأخذني
إلى الخريفِ..
أُريدُ الليلَ نرجسةً
موشومةً في كتابِ الحُبِّ.. ذابلةً
على يدِ امرأةٍ بيضاءَ هاربةٍ
من المزاميرِ لا أقوى على فمها
المزمومِ كالزنبقِ الناريِّ فوقَ يدي
أُريدُ هصرَ عناقيدِ الصبابةِ في
روضِ ابنِ زيدونَ..
يا ولَّادةُ ابتعدي
عمَّن سواهُ..
أُريدُ الشمسَ تشربُ من
فنجانِ قهوةِ لوركا في الصباحِ.. ولا
تمضي إلى ما وراءِ البحرِ أُغنيةً
عن الشتاءِ..
سراباً.. غيمةً.. أرقاً..
فراشةً أنشبتْ في الروحِ مخلبها
أُريدُ نزوةَ عصفورٍ يحاولُ أن
يُغري القصائدَ بالتحليقِ.. وامرأةً
بالحلمِ أو ذهبِ الرؤيا ليكتبها
*











(13)


بعينيَّ أُبصرُ ما لا يرى شاعرٌ في امرأةْ
وشمتْ خصرها بالسمندلِ
أو صدرها بالوشقْ
لها جسدٌ كالرمالِ التي لا تجيدُ الرثاءَ
ولا تقتفي مطرَ الليلِ في النايِ
أو أثرَ العطرِ في الثوبِ أو في بقايا العرقْ
أُعانقُ صلصالها كالغريبِ
سرابٌ يضيءُ دمائي ويطفئُ ماءَ الحبقْ
أُنادي على نجمةٍ..
أتحسَّسُ ما سيرقِّصُ سيِّدةً أربعينيَّةً في شتاءِ القرى..
ويفتِّحُ من صمتها غابةً لطيورِ تسقسقُ في أسفلِ النهرِ
أو شهوةً للأرقْ
*




(14)

أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ..
أعرفُ أنكِ مشغولةٌ بالحديثِ عن الطقسِ والدورةِ القمريَّةِ
أعرفُ أنكِ مهتاجةٌ لا لأنَّ حياتكِ تشبهُ سجنَ المعريِّ
أو قمقمَ الساحراتِ
وليسَ لأنَّ الشتاءَ قليلاً تأخَّرَ عن وردةِ النافذةْ
مهتاجةٌ هكذا.. دائماً.. دونما سببٍ
لا تحبِّينَ فان غوخَ
لا تذهبينَ إلى النومِ وحدكِ
أو تفهمينَ لغاتِ الأيائلِ..
أو تتركينَ رواياتِ يوسا وأدويةَ الاكتئابِ الخريفيِّ..
أعرفُ أني أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ من دونِ جدوى
وأكتبُ هذي القصيدةَ من دونِ جدوى
وأقرأُ من دونِ جدوى
وأحلمُ من دونِ نومٍ إلى أبدِ الآبدينْ
*

(15)


أُعانقُ الأرضَ وحدي.. إنها امرأةٌ
نقشتُ زرقةَ عينيها على العنبِ
أُعانقُ القلقَ الفضيَّ.. أشربهُ
من خصرها البحرِ.. أو من شَعرها الذهبِ
لا أستطيعُ ولو تفسيرَ مُفردةٍ
فهل يُفسِّرني ما بي من التعبِ؟
يصبُّ آدمُ بي صلصالَ رغبتهِ
كمن يصبُّ على ماءٍ شظى اللهبِ
حتى تشفَّ اخضراراً ناعماً عبقاً
أشجارُ حوَّاءَ في قلبي وفي عصبي
لا ترفعي الغيمَ عن عينيكِ.. لا قمرٌ
على الثيابِ.. ولا شمسٌ على الهدُبِ
لا تتبعي شغفي الضلِّيلَ.. أو حلُماً
أعمى يقايضُ شوقَ النايِ بالقصبِ
*

(16)

سجنوا وجهَ امرأةٍ في أسفلِ بحرِ الأشواقْ
بعدَ توهُّجهِ كالنجمِ الآفلِ في الأعماقْ
حملَ البحرَ كحبَّةِ قمحِ الحُبِّ
بمنقارِ العنقاءِ وطارْ
*






(17)


ثمَّةَ حبرٌ خفيٌّ.. نُسمِّيهِ فصلَ الخريفِ
يذكِّرني بالأغاني التي لا تُغنَّى على عجلٍ في مهبِّ القطارِ
يحمِّلني مطراً زاجلاً لضفيرةِ إحدى النساءِ اللواتي هربنَ
من الاستعارةِ في مسرحيَّاتِ أسخيليوس..
يعلِّمني كيفَ أجعلُ من حجرٍ في ممرِّ الرعاةِ
صدىً للحنينِ ورائحةً لاشتهاءٍ طفيفْ
*








(18)


أبحثُ عن جسدي في جسدِ غريبةٍ
في كلامها المقتضبِ عن الصداقةِ والأمكنةِ والحظوظ
في تنهيداتها الضيِّقةِ كرغبةٍ في الصباحِ
في قميصها المستعارِ من فراشةٍ استوائيَّةٍ
مرَّةً تحوَّلتْ يدُها لعصفورٍ من مطرٍ أزرقَ
ينقرُ خاصرتي كما تنقرُ أسماكٌ صغيرةٌ
طحلبَ البحرِ داكنَ الخضرةِ
حينَ لامستها عمداً متعلِّلاً بحاسةِ الاحتكاكِ بالضوءِ
في أوجِ الليلِ
أبحثُ عن قصيدتي في ثوبِ غريبةٍ
علَّني أشفى من الندمِ
من الوقوفِ على أطلالِ العلاقاتِ العابرةِ
كشاعرٍ لم يعثر بعدُ على النسيانِ
*


(19)

كيْ أخطَّ توقيعتي اليوميَّةَ على الريحِ
أحتاجُ أحياناً مسامرةَ السروةِ
حتى مطلعِ الفجرِ
أو محاكاةَ التماثيلِ
وهي تبتسمُ من غيرِ ايماءاتٍ
أحتاجُ أن أقرأَ ابنَ عربي أو شوبنهاور وحيداً
ومزجَ أبي تمَّام في غزليَّاتِ ريلكة
*








(20)

أبحثُ عن صورتي في الطفولةِ
عينانِ حالمتانِ بسربِ أيائلَ
لا تعرفانِ طريقَ السعادةِ..
أبحثُ عن صورةٍ كنتُ ضيَّعتها في الدهاليزِ
لا أذكرُ الآنَ كيفَ.. ولا أينَ خبَّأتها؟
بقميصٍ مُنشَّى لهُ زرقةُ البحرِ
كنتُ أُراوغُ بالحدسِ حقلَ فخاخِ الأملْ
*








(21)

هل غيمةٌ تتشظَّى في دمي
وسراديبٌ من الضوءِ في عينيَّ تحترقُ؟
تنأى الكنايةُ بي..
هل صرختي شجرٌ
في البحرِ؟ أم نسوةٌ؟
هل رغبتي طُرُقُ
لا شيءَ..
مرَّتْ ظلالٌ كنتُ أعرفها باللمسِ..
وامرأةٌ أوحى بها القلقُ
حبري غبارُ غناءِ الريحِ.. لستُ أنا
ضلِّيلَ أوزارها..
لستُ الوصيَّ على أسرارها وعذابي
كلَّما الحبقُ
أصابها بوحامٍ لا يزولُ ولا
يشفي أنوثتها من سحرهِ نزقُ
*




(22)


أضبطُ إيقاعَ قلبي على نقرِ طيرِ الشتاءِ لنافذتي
وعلى وقعِ خطوِ الخريفِ على شجرِ الحورِ
في البيتِ يسكنني اثنانِ: شخصٌ يؤوِّلُ معنىً غريباً برائحةِ امرأةٍ كانَ ضيَّعها في سرابِ القرى أو دخانِ المدينةِ.. يسكنني اثنانِ شخصٌ...
وآخرُ يحلمُ كيفَ سيجعلُ من هذهِ الأرضِ يوتوبيا..
أضبطُ إيقاعَ قلبي وأحلمُ كيفَ سأجعلُ من جسدي سلَّماً لطيورِ الشمالِ
وكيفَ ستحرسني شهوتي من جنودِ الظلالِ؟
وكيفَ أُخلِّصُ شاعرةً من فخاخِ المجازِ؟
وهل لأُعلَّمَ جيتارةً كيفَ تنبضُ في جسدٍ أُنثويٍّ على الرملِ
تلزمني لغةٌ كالمياهِ
وينقصني سمكٌ في الأصابعِ يعرفُ كيفَ يقلِّمُ أزهارَ هذي الحياةِ؟!
*





(23)

القبلةُ الزرقاءُ سرُّ شفاهنا الأبديُّ
ناياتٌ مؤرَّقةُ الصدى
حبقٌ على وجهينِ..
قبَّرةٌ من المطرِ الخفيفِ
ولمسةُ امرأةٍ على حجرٍ شحيحِ الضوءِ
طلعُ فراشةٍ في ليلكِ المعنى
وليلِ الاشتهاءِ
*













شغفٌ كالعشبِ النابتِ في سفرِ الرؤيا (II)


(1)

ضيفٌ على أرقي..
على نافورةٍ ليليَّةِ الكلماتِ
ضيفٌ لا ثقيلَ الظلِّ والرؤيا
ينامُ على شفا نهرٍ ويحلمُ..
أو يفكِّرُ: كيفَ تطلعُ فكرةٌ من طينِ تمثالٍ
وتزهرُ وردةُ النارنجِ في شقِّ الجدارِ؟
*




(2)

أُلملمُ أشباهيَ الكثيرينَ واحداً واحداً
كملكٍ مخلوعٍ أو كامرأةٍ مهجورةٍ
إلَّا من مرايا شَعرها
*



(3)


أُسمِّيكِ نهراً يُطوِّقُ غابةَ ضوءٍ وطينْ
أُسمِّيكِ عبَّادَ شمسِ الحنينْ
جسداً ليسَ تشفى نداءاتهُ
من أنينِ البراعمِ في النهدِ
أو من رمادِ السنينْ
*











(4)


لنْ أبحثَ عن معنايَ التائهِ في غيركِ
أو أغلقَ من خلفي ملكوتَ الأسرارْ
شغفي أبديٌّ كالعشبِ النابتِ في سِفرِ الرؤيا..
كالنايِ النائمِ في رعويَّاتِ الأمطارْ
يا غجريَّةُ هذا أكثرُ من تانغو
والقُبلةُ في شفتينا لا تأكلها النارْ
*








(5)


ماذا أفعلُ بطيوركِ المنزليَّةِ؟
بآنيةِ زهوركِ المتروكةِ على نوافذِ الريح؟
بمتاهاتِ نثركِ الشبيهةِ بالمرايا الحلزونيَّةِ؟
بجمالكِ المغسولِ بأنَّاتِ الشعراءِ؟
لا وقتَ لديَّ كي أتتبَّعَ خطى حماقاتكِ
أو لأهشَّ على رقصكِ بقصيدةٍ
أنتِ صفةٌ من صفاتِ الندمِ
في هذا الخريف المتسلِّلِ
*






(6)


أبحثُ ليسَ عن الماءِ بل عن دخانِ القصائدِ
عن غيمةٍ في السريرِ أسدُّ بها جرحَ وعلٍ غريبْ
أبحثُ عن خاتمٍ في الظلامِ
وعن رجعِ تنهيدةٍ في كتابِ الحصى
عن مديحٍ لقيلولةِ الظلِّ والكائناتِ
عن الملحِ في الأُغنياتْ
أبحثُ عن سمكٍ في ثيابِ الأنوثةِ ليلاً
لأنجو من الذكرياتِ
ومن شرَكٍ عالقٍ في المجازِ وجسمِ الحبيبْ
*





(7)


كفراشةٍ عمياءَ في أقصى المجرَّةِ حائرٌ
أو لستُ أعرفُ ما أُريدُ
وكلَّما حدَّقتُ في وجهِ البحيرةِ تخرجُ امرأتانِ منها
كلَّما مرَّتْ حقولُ القمحِ من قربي
تركتُ البحرَ للنايِ المعلَّقِ في غصونِ التينِ
والمطرَ الوحيدَ على سريري
*








(8)


لا أصفُ امرأةً جميلةً
وصفها يتسلَّلُ بينَ يديَّ كالماءِ إلى أوديَّةٍ سحيقةٍ
فلستُ بعدَّاءٍ كي ألاحقَ الأوديَّةَ
أو أضواءَ النجومِ الهاربةِ
أنا مجرَّدُ عازفِ جيتارٍ منسيٍّ
على حافَّةِ مرورِ سيِّدةٍ موريسكيَّةٍ
يطاردها شبحُ محاكمِ التفتيشِ
لا أستطيعُ وصفَ دمعتها المصقولةِ
كأواني الفضَّةِ الفرعونيَّةِ
ولا يديها المثخنتينِ بالبياضِ
لأنَّ حروباً غابرةً لا تُحصى
مرَّتْ على جسدها النحيلِ
كحزمةٍ من السنابلِ في غزليَّاتِ لوركا
*


(9)


خلَّصتُ نفسي من حبائل أُغنياتكِ
كانَ مغشيَّاً على قلبي
أشمُّ الملحَ فيما تكتبينَ
أو اشتعالَ الزنجبيلِ على مخضَّلةِ الروابي..
لن أقايضَ بالنعاسِ توهُّجَ السونيتِ بينَ يديكِ
كيما تصعدينَ إلى متاهاتِ الخريفِ
وتنفضينَ رمادَ دمعكِ عن ثيابِ الأرضِ
حينَ يضيءُ ليلَ عناقنا الليمونُ..
لي وحدي قصيدتكِ الأخيرةُ
لي بداياتُ الأُنوثةِ أو نهاياتُ التصابي
*




(10)


في الخارجِ الآنَ غيمٌ ناعمٌ..
قطعٌ من السحابِ على الشُبَّاكِ..
هل مطرٌ يهبُّ من آخرِ الدنيا؟
سأُوقدُ من ركامِ أسئلتي ناراً
وأبحثُ في قصيدتي
عن ضبابٍ أو عن امرأةٍ
خريفها نورسٌ ضلَّ الرؤى وغفا
على ضفائرها..
ليسَ الغناءُ على آثارها نثرَ دمعٍ في الرمالِ
ولا كلُّ الصدى خلَّبٌ
والبعدُ ليسَ جفا
*



(11)


نبتتْ في فمي غابةٌ من مناقيرَ
تشكو براعمَ رُمَّانكِ المشتهى
ثمَّةَ امرأةٌ في أعالي تباريحكِ الأُنثويَّةِ
مجروحةٌ بالنسيمِ الخريفيِّ
بالواقعيَّةِ أو بسرابِ الخيالِ الإباحيِّ
تحمي عناقيدها من فمِ الذئبِ
تحرسُ أحلامها بأصابعها والشفاهِ
بملحِ أغاني الشتاءِ
بدمعِ عيونِ المها الناظراتِ إلى الغيبِ
تزعجها دورةُ الليلِ أو دورةُ الشهرِ
إن لم تجدْ من تقلِّمُ أظفارَ شهوتهِ بابتسامتها
أو تحدِّثهُ عن ينابيعها
وهيَ تشهقُ ملتاعةً في البداياتِ والمنتهى
*


(12)


الصباحاتُ الكسولةُ علَّمتني الفوضى
علَّمتني الكتابةَ على رخامِ الليل
ألَّا أكونَ طائرَ حجلٍ حبيساً في أُسطورةٍ
فحياتي ليستْ قفصاً من الذهبِ المصفَّى
علَّمتني ألَّا أقيسَ المسافاتِ بمكعبَّاتِ القهوةِ ولفافاتِ التبغِ المستورد
فعادةً ما أعرفُ الجمالَ الموجعَ من رائحةِ القرفةِ
كلَّما تنكَّرتُ لأشباهيَ الكثيرينَ في الأزقَّةِ والرواياتِ

*






(13)


لا شِعرَ.. لا شعلةٌ في دمي
لا أصابعَ مهتاجةً في الغيابِ ستطرقُ بابيَ
لا قبلةٌ في سريرِ الخريفِ
ولا شرفةٌ لاصطيادِ الكمنجاتِ
في قدمِ امرأةٍ عبرتْ في مقامِ البياتِ
أُقارنُ بينَ الصدى ونداءِ العناقيدِ
بينَ الغزالةِ والسلحفاةِ
وبينَ الفخاخِ التي في الكلامِ
وتلكَ التي في ثيابِ نساءٍ
تحوَّلنَ من شغفٍ شجراً
في احتراقِ المعاني

*



(14)

لم تكتبْ في حياتها بيتاً من الشِّعرِ
أو تخرجْ من لوحةِ ليوناردو دافنشي
أحياناً ينبتُ مكانَ يدها جناحٌ من الرمادِ
فتخلطُ التبغَ بالماريخوانا
وتكلِّمُ عصفوراً على غصنِ قلبها المحشوِّ بالأسماكِ
هذهِ أفضلُ طريقةٍ لكبحِ جريانها الأعمى
في بريَّةٍ غامضةٍ
وقولِ.. تمهَّلْ.. لعقلها العدَّاءِ
*





(15)


أقرأُ جرحي الذي لا انتهاءَ لهُ
كي يضيءَ اشتهائي خطايَ..
الفراشةُ في القلبِ ترخي ضفائرها
والحرائقُ في آخرِ الأُغنيةْ
*







(16)


أرمي بذارَ القصائدِ من وجعٍ فائضٍ بالحياةِ
على الأرضِ.. في الشارعِ العامِّ.. في علبةِ التبغِ
في الكأسِ.. في الصحنِ.. فوقَ الرفوفِ
على أوَّلِ الدربِ.. في آخرِ القلبِ
في قهقاتِ النساءِ على شرفةِ الحيِّ
في ركوةِ البُنِّ.. في وردةِ الهالِ
في حبرِ فاتورةِ الماءِ.. في دفترِ الرسمِ..
في الفرحِ العائليِّ وفي الألمِ الساحليِّ
على مقبضِ البابِ.. في زرقةِ الصوتِ أو في مهبِّ الصدى
في صراخِ المعذَّبِ بالسكريِّ اللعينِ على درجِ البيتِ
في نهوندِ الصباحِ.. وليلِ العشاءِ الأخيرِ
*













تباريح أُنثويَّة (III)



(1)


لا أحتاجُ إلى ورقةٍ وحبرٍ سائلٍ كي أكتبَ عنها
ما دمتُ أكتبُ تنهُّداتي على الهواءِ المتردِّدِ بيننا
وأُوزِّعُ الأحلامَ على الأشجارِ
فيما هيَ تتصدَّقُ على الشعراءِ الكذبةِ بتفاؤلها السخيِّ
وبالمدائحِ المغلَّفةِ بسيلوفان الهجاءِ
ليستِ امرأةً بطابقينِ
وربَّما تحملُ شبهاً غامضاً من ليلى العامريَّةِ
لكنها طويلةٌ كبحورِ قيسِ بن الملوَّحِ
وأجملُ ما فيها عناقيدها وشرفاتها
*





(2)


تجمعُنا عُزلةٌ في القصائدِ كونيَّةٌ
وتفرِّقُنا لهفةٌ في الأصابعِ..
قالَ الوحيدُ: الرمادُ الحياديُّ يفصلُ ما بيننا..
ردَّتِ امرأةٌ: لا تغبْ عن شفاهي ولو لحظةً
إنَّ أحلى الحدائقِ مسكونةٌ بالزوابعِ
والقلبُ مشتعلٌ برذاذِ الحياةِ ونثرِ التعبْ
خُذْ سمائي الخفيضةَ
خُذْ عنبَ الليلِ عنِّي
وتوتَ البراري
وشهدَ طريقِ الذهبْ
*





(3)

أتذكَّرُ الأحلامَ مشغوفاً وُلدتُ بأوَّلِ الأنهارِ
بالشجرِ الأحنِّ عليَّ من صدرٍ وخاصرةٍ
وبالمطرِ الخفيفِ وبالصباحاتِ الكسولةِ في الخريفِ..
بجملةٍ شعريَّةٍ تذوي لتنضجَ في القصيدةِ
بالفخاخِ وبالطيورِ..
بسندبادٍ وهو يشعلُ دمعةً في ريحهِ الخضراءِ
بالمعنى المراوغِ.. بالمجازِ وتورياتِ الحُبِّ
أو بمخيَّلاتِ العابرينَ نظيفةً وشفيفةً
كعبارةٍ صيفيَّةِ الرؤيا..
كأوَّلِ قُبلةٍ في الأرضِ تتركُ سرَّها الشبقيَّ في جسدينْ
*




(4)


السعادةُ أن تخبِّئَ في نصفِ قلبكَ
سمكةً ضلَّتْ طريقها في الصحراءِ
وتضعَ زهرةَ غاردينيا حمراءَ في النصفِ الآخرِ
أن تقرأَ الوجوهَ العارية وأقراصَ عبَّادِ الشمسِ
قبلَ القصائدِ والرواياتِ والفواتيرِ الليليَّةِ
أن ترسمَ همَّكَ القديمَ على جدارِ الحلمِ
وتحضنهُ كمن يحضنُ نهراً في لوحةٍ
السعادةُ أنوثةٌ تركتها مدام بوفاري في السريرِ
وقُبلةٌ عجنتها بطمي الحياةِ فلَّاحةٌ شرقيَّة
*





(5)


أكتبُ عن لهفةِ الغرباءِ إلى البيتِ
عن وحمِ الكائناتِ التي التحفتْ بالظلامِ
عن القططِ المستهامةِ في ليلِ فبرايرَ المتسكِّعِ
تحتَ الشتاءِ بنعلٍ من الوردِ
أكتبُ عن نزقِ الشعراءِ وعن طيشهم في الكهولةِ
عن قهوةٍ.. كيفَ تشربها الشمسُ موشومةً بالضبابِ وبالريحِ
عن بصمةٍ في قصائدَ من غيرِ اسمٍ
وعن كلِّ شيءٍ..
فتحضرُ في لغتي امرأةٌ من سرابِ الكنايةِ
تطردُ عن شفتي المفرداتِ التي لا تشيرُ لقمصانها
كي تظلَّ بمفردها في الكلامِ
وكي لا تنامَ ضفائرها
بينَ متنِ الهديلِ وهامشِ يقظتها في هبوبِ الحمامْ
*

(6)


أنتِ لا تُكتبينَ ولا تُرسمينَ ولا تُشربينَ على عجلٍ
مثلَ قهوةِ هذا الصباحِ الخفيفِ على القلبِ
لا تقنعينَ بنصفِ معلَّقةٍ فيكِ
لا تكتفينَ بمدحِ ضفيرةِ ذيلِ الحصانِ
وسرِّ ابتسامتكِ الذهبيَّةِ
كامرأةٍ تتململُ من مطرٍ في الغناءِ
ومن عمرها والرجالِ ومن حيرةِ الأربعينْ
*







(7)


من أوَّلِ الحبرِ في أقصى المجرَّةِ.. من
شتاءِ جلجامشِ المنسيِّ، أنفضُ عن
شفاهِ عشتارَ أحلامَ الغبارِ كمن
يُغمى عليهِ من الرؤيا ليصعدَ في
معارجِ الأرقِ الصافي.. يغالبهُ
سهدُ الحياةِ، وجسمٌ يستوي حُلُما
ليتَ الفتى مطرٌ.. ليتَ الترابَ سما
*






(8)


أُصغي لصرخةِ شاعرٍ قبلي
كمن يُصغي إلى مطرٍ
وأنسجُ من تأمُّلٍ وردةٍ لغتي
ومن قُبَلي قميصكِ كيْ أدلَّ على فمي في الليلِ
أو أمشي على هديِ الكناياتِ البعيدةِ في خطاكِ..
قميصُكِ الشغفيُّ ليسَ يكادُ يُخفي ملتقى النهدينِ
ليسَ يضيءُ غيرَ يديَّ في هذا الخواءِ
كأنَّهُ الشمسُ التي تنحلُّ أو تجري عميقاً
في رخامِ الليلِ أو وجعِ الكلامْ
*






(9)


في الطابقِ الأرضيِّ من دهليزِ مستشفى
مريضٌ دائمُ الدورانِ حولَ البحرِ أو حيفا
يقولُ: حبيبتي ضَخُّوا دمَ الأزهارِ في يدها النحيلةِ
فاستوى جسدي لها وطنا يعانقها
وروحي أصبحتْ في جسمها منفى
*








(10)



صديقةُ ليلِ امرئ القيسِ تبحثُ عن نفسها في قصائدهِ
ها هيَ الآنَ تقبسُ جمرتهُ ثمَّ تدخلُ في ظبيةٍ تستريحُ
من الولهِ الجاهليِّ قليلاً لتكملَ دورتَها
وتعلِّقَ زينتها وهواها على مشجبِ العائلةْ
معلَّقةٌ تخلعُ الماءَ عنها وتخرجُ من ثوبِ حوريَّةٍ
كيْ تنادي على نجمةٍ آفلةْ
طريقٌ / سرابٌ إلى قيصرِ الرومِ
محفوفةٌ بغناءِ الذئابِ وتسلكها رغبةٌ ذابلةْ
*







(11)


نورسٌ خائفٌ في ضفيرةِ إحدى النساءِ
يُفتِّشُ عن أوَّلِ البحرِ أو آخرِ الاشتهاءِ
قصائدُ نثرٍ نسائيِّةٌ لاصطيادِ الرجالِ
تفتِّشُ في رغوةِ الحبرِ عن سروةٍ في الشتاءِ
كمنجةُ ليلٍ تُفتِّشُ عن أثرِ الحُبِّ فوقَ ثيابِ السماءِ
صدى شعراءَ يتامى يُفتِّشُ عن صوتهِ
في ندا كلِّ أُمٍّ على طفلها..
طائرٌ جائعٌ في شفاهِ الوحيدِ يُفتِّشُ عن حبَّتيْ توتٍ
الصيفُ أغلقَ أبوابهُ واستراحَ
لعلَّ الجراحَ الخفيَّةَ في النايِ تغفو على حجرٍ
وتعلِّمني كيفَ أكتبُ عن زهرةِ البرتقالِ
وعن قُبلةٍ في الهواءْ
*


(12)



أُخبِّئُ قصائدَ آنا أخماتوفا
وصوتها الناريَّ المعجونَ بالنعناعِ والثلجِ
في معطفي المطريِّ
كامرأةٍ تخبِّئُ شامةً من ضوءٍ أسودَ
أو حبَّةَ هالٍ في صدرها
أُشبهُ عصفوراً مراهقاً
وقصائدُ آنا غالباً ما تقيني بردَ ديسمبرَ
أو نظراتِ النساءِ المصاباتِ بالأنفلونزا
أو بالشبقِ والسُّعارِ الموسميِّ
لن أمسَّ وجوههنَّ بآهةٍ
طالما في البيوتِ والمشافي البعيدةِ نسوةٌ غيرهنَّ
يتأوَّهنَ من وطأةِ عذابِ الحياةِ
*




(13)


حياتي قصيدةٌ عن امرأةٍ تهوي في ثقبٍ أسودَ
أو في هاويةِ روايةٍ منسيَّةٍ لهمنغواي
لم أُصادقْ سوى صوتها الأجشِّ كنايٍ محترقٍ
ولم أنتظرْ موتها المفاجئَ بمرضٍ غامضٍ
لأرثيها رثاءَ الشعراءِ للأُمَّهاتِ
هيَ ضيِّقةٌ كرغبتها في التدخينِ تحتَ المطرِ
وقلبي متَّسعٌ كقبلةٍ تتمدَّدُ في نهايةِ الكونِ
*






(14)


أصطادُ موسيقى برائحةِ النصاعةِ
كيْ أشمَّ كثعلبٍ خطوَ الكمنجةِ في الرياحِ
وعندَ أطرافِ الأصابعِ
أو أقولَ لغائبٍ عني: أعدني لاحتمالاتِ الغناءِ
لأنَّ للأشجارِ ذاكرةً تحنُّ إلى تقاسيمِ الشتاءِ
*









(15)


أعودُ إلى غرفتي في الظهيرةِ
كيما أُعدِّلَ مجرى شتاءِ القصيدةِ
أو أُرهفَ السمعَ للصدَفِ المتراكمِ في صورةِ البحرِ
وهو يقولُ لإحدى العذارى: ارقصي في المطرْ
ليبتلَّ ظهركِ بالملحِ أو بأغاني الرعاةِ القدامى..
أعودُ إلى لوحتي آخرَ الليلِ كيما أُغيِّرَ شكلَ الغيومِ
التي تمضغُ العشبَ كالماعزِ الجبليِّ
وكيما أُتمِّمَ طقسَ تيمُّمِ حوريَّةٍ بالحجَرْ
أعودُ لأكتبَ عن نسوةٍ في المدينةِ
يشربنَ قهوتهنَّ على شرفةِ الشمسِ ليلاً
وتمتدُّ أمواجهنَّ لمحوِ كلامِ النهارِ
الذي كتبتهُ رمالُ الضجَرْ
*


(16)


لستُ من الشعراءِ الطواويسِ إذ يرقصونُ لجذبِ العيونِ
ويستعرضونَ على الأُخرياتِ الحزيناتِ ريشَ المذلَّةِ
لستُ أبيعُ الأغانيَ للعابرينَ العجالى لتدبيرِ بعضِ شؤونِ الحياةِ
تعبتُ وجيتارتي صخرتي والأغاني القصيرةُ أجملُ ما في فمي
وحياتي لهاثٌ لأجنحةِ الطيرِ يعلو ويخفقُ فوقَ سنابلِ ليلِ المجازِ
وأشرعةٌ قدَّها السندبادُ لمجرى الرياحِ التي في دمي
*



(17)


العاطلونَ من الرجالِ عن المحبَّةِ ها هنا كثرٌ
تقولُ المرأةُ العمياءُ في المشفى:
أضأتُ لهُ الأصابعَ كالشموعِ سُدىً وأهداني الظلامَ
تقولُ أُخرى: هدَّني فكسحتُ
لا رؤيا تقودُ دمي ولا مطرٌ لأرقصَ فيهِ
أو لأُكحِّلَ الأشجارَ بالسُّهدِ الشتائيِّ الطويلِ
ولا حبيبَ لكيْ أُعانقهُ فأركضَ
أو أُصدِّقهُ فتحملني من الأحلامِ ريحُ
العاطلونَ همو الإضافيُّونَ في كلِّ الفصولِ
قلوبهم حطبٌ..
ولا ضلعٌ نسائيٌّ يقوِّمهم ولا نثرٌ جريحُ
*


(18)



أُخفي عن الغرباءِ رائحةَ الدموعِ
كمن تخبِّئُ أرنبينِ بصدرها
وأقولُ: لا تأمنْ لشاعرةٍ
تُربِّي جرحَها بجمالها الفاني
وتنهرُ كلَّ يومٍ ظامئينَ مُضلَّلينَ
من السُّرى عن بئرها
يهتاجُ مثلَ فراشةٍ ناريَّةٍ فمها
وتتركُ في القصائدِ والكؤوسِ
ثمالةً من شَعرها أو خمرها
*



(19)


لم تتغيَّر بعدكَ امرأةٌ
(إلى بدر شاكر السيَّاب)

عشبٌ طريٌّ على خدِّ القصيدةِ..
لا أكادُ أمسحُهُ بالضوءِ أو بندى
ذرى النخيلِ فلا تبعدْ.. بويبُ سرى في الليلِ..
والأرقُ المائيُّ مؤتلقُ
من التأمُّلِ في عينينِ.. بحرهما
كأنَّهُ من عذابِ القلبِ يحترقُ
لا شيءَ.. لم تمتِ الأُنثى بقلبكَ أو قلبي
ولم تتغيَّرْ بعدكَ امرأةٌ
أضاءها شغفُ الغاوينَ والحبقُ
حزني طويلٌ كأحلامِ الضفائرِ أو
كغابةِ الحورِ.. سهمٌ في دمائيَ من
أعلى غنائكَ يأتيني.. ومن مطرٍ
لقهقهاتِ الصبايا السُّمرِ ينبثقُ
*


















مطرٌ مكتهلٌ في شتاءِ امرأة (IV)


(1)


القصائدُ غالباً ما تكونُ حصانا طرواديِّاً أختبئُ فيهِ
وأنا أتنقَّلُ بينَ الكناياتِ المحمومةِ وأقبيةِ الحمامِ الزاجلِ
بينَ أسرَّةِ الفراغِ ونسوةٍ يمضغنَ أضغاثَ الأحلامِ اليابسةِ
أحملُ فوقَ رأسي جرَّةً من ماءِ النوستالجيا
وأتوارى عن هواجس امرأةٍ
تحوِّلني عصا أُنوثتها السحريَّةُ
إلى شجرةِ ليمونٍ في حديقةٍ مهجورةٍ
القصائدُ سفينةٌ خضراءُ مسكونةٌ بالبحارِ والمحيطاتِ
لكنها منذُ ملايينِ السِّنينَ الضوئيَّةِ لم تبرحْ شاطئَ قلبي
*

(2)



منذُ الظهيرةِ، منذُ الصاعدينَ إلى
أحزانِ بابلَ أو آلامِ سيدوري
أُحمِّلُ الريحَ والأشجارَ حدسَ دمي
وأقتفي أثرَ الناياتِ في الحورِ
ليلُ الشتاءِ مصبٌّ للقصائدِ في
أصابعِ امرأةٍ.. أو وردها الجوري
أُصغي إلى شعراءٍ يهمسونَ كمن
يُصغي إلى دمعةٍ في مقلةِ السورِ
*





(3)



قارورةٌ مائيَّةٌ ملأى بأنواعِ الزنابقِ والفصولِ
فلا تكنْ فظَّاً فتكسرَها
لأنَّكَ من شظاياها ستحشو قلبكَ الورقيَّ يوما ما
ولو كنتَ الوصيَّ على مفاتنها الكثيرةِ..
هل تركتَ نحيبها الأبديَّ ينمو كالضفيرةِ
في صدى الرغباتِ
أو كالعشبِ في ظلِّ الندى القمريِّ
فيما أنتَ منشغلٌ بأشعارِ النسيبِ وبالبكائيَّاتِ؟
لن يأتي إليكَ الموتُ من سردابِ عينيها
ولن تنحلَّ قُبلةُ غيرها أبداً على عينيكَ
وهيَ تراودُ الكلماتِ عن أسرارِ معناها..
سريركَ فارغٌ والحلمٌ كابوسٌ
فهل تغفو بعيداً عن سنابلِ شَعرها الخمريِّ؟
أو تلتفُّ بامرأةٍ سواها.. نصفها شبحٌ
ونصفٌ ظلُّ ذئبٍ جائعٍ
يهذي ويأكلُ زهرةَ النسيانْ؟
*



(4)



أبحثُ في الرسائلِ القديمةِ عن شامةِ امرأةٍ أربعينيَّةٍ
عن طريقٍ مرصوفةٍ برائحةِ زهورِ النارنجِ
وبأعقابِ الغراميَّاتِ المستهلكةِ في قصائدِ البدوِ الرُّحلِ
أبحثُ في غبارِ الفراشةِ عن وجهِ زليخةَ
وعن أثرِ قبلتي على وردتها الرخاميَّةِ
أبحثُ في طريقي الطويلةِ إلى البيتِ
عن قطعةِ نردٍ واحدةٍ منسيَّةٍ
أنقشُ عليها وجهي وأرميها على أرضِ القصيدةِ
أبحثُ في محطَّاتِ القطارِ
عن مطرٍ مكتهلٍ في شتاءِ امرأةْ
*




(5)


صادقتُ في صغري الشتاءاتِ البعيدةَ
كانتِ البابَ الخفيَّ إلى عوالمِ سندبادَ..
سفينةً خضراءَ أو حوريَّةً حوراءَ
توقظني بتمريرِ ابتسامتها على وجهي
لأحلمَ بي صغيراً راكضاً خلفَ الطيورِ..
كأنَّ في روحي الخفيفةِ مثلَ غيمِ القطنِ
تزهرُ أبجديَّاتُ الأُنوثةِ حينما تهمي السماءُ
وحينَ تربدُّ الغيومُ..
وتستفيقُ على صدى القطراتِ رائحةٌ لحُبٍّ عاثرٍ ما
أو خطى امرأةٍ من الليمونِ
تتركُ حبرها السريَّ في هذي القصيدةِ
*


(6)



لا أعرفُ كيفَ اصطبغَ البرقوقُ بفمي
في مطلعِ كلِّ سنةٍ ضوئيَّةٍ
تعجنها متاهةُ الأملِ على نارٍ هادئةٍ
وعلى مرأى نوافذَ مضاءةٍ بالظنونِ..
لا أعرفُ كيفَ صنعتُ قوساً من ظلِّ الظهيرةِ الفضيِّ
أو سهماً من خطٍّ مستقيمٍ تركتهُ الحيرةُ في رملِ نهارٍ قائظٍ
ولا كيفَ أسندتُ ظهري المتعبَ إلى تنهدَّاتِ حوضِ الحبقِ
علَّمتني الحياةُ ما لم أكن أعرفُ
أنَّ صخرةً أحملها منذُ الأزلِ
لن تصبحَ ريشةَ طائرِ في مهبِّ الأغاني
أو أثراً لفراشةٍ عابرةٍ
وأنَّ قلبَ الشاعرِ يشبهُ غربالاً بحجمِ الأرقِ
تصبُّ فيهِ بحارٌ من النساءِ
*


(7)

لا أكتبُ في المقهى أو في الحانةِ أبداً
كالشعراءِ الدجَّالينَ أو الرومانسيِّينَ المنسيِّينَ
فمنذُ وُلدتُ غريباً وأنا
أتناسلُ من كحلِ قصائدَ شاعرةٍ لا أعرفها..
وأفتِّشُ عن وجهي في ظلِّ الأنهارِ
أطيرُ خلافَ الريحِ وأُبحرُ ضدَّ التيَّارِ الأعمى
أكتبُ فوقَ الماءِ، على ورقِ البُرديِّ
على أهدابِ امرأةٍ في شكلِ غزالٍ أو فرسٍ
أمسحُ عن دمعتها كلَّ ذرورِ المكياجِ
وأنصاعُ لرغبتها في الرقصِ
وفي تنويمِ ضفائرها في الليلِ الباردِ فوقَ الأرضِ
وأحبسُ نفسي في بيتٍ
تسكنهُ أرواحُ الشعراءِ وأشباحُ الفيسبوكْ
*

(8)


امرأةٌ في استراحةِ بعدَ الظهيرةِ تشعرُ بالضجَرِ التامِّ
تقرأُ مرتفعاتِ العشيقاتِ..
تتركُ مقعدها شاغراً للكلامِ الإضافيِّ عن لعنةِ الحبِّ
أو عن حنينِ الحمامِ السماويِّ..
لا غيمَ في قلبها يتكوَّرُ أو رجلٌ في الخريفِ
يراودها عن حدائقها قائلاً:
لستِ كومبارسَ في الفيلمِ أو وصلةً في أغاني الهُواةِ
ولا ظبيةً في معلَّقةِ الرملِ، أو فرساً
في صدى شعرنا الجاهليِّ القديمِ، بلا طائلٍ..
أنتِ شمسٌ مرمَّمةٌ بالكنايةِ أو بندى العشبِ والأُقحوانِ
تضيءُ طريقي إلى ليلها وإلى رغبتي، وتُجلِّي اشتهائي
بنافورةٍ من دموعِ التماسيحِ في صوتها المعدنيِّ..
تُربِّي برفقٍ وصايا النساءِ
ولكنها تحرقُ الشعراءَ من الداخلِ
*

(9)


قصائدي العاريةُ المكتوبةُ بأبجديَّةٍ منقرضةٍ
القصائدُ التي تركتها في خزانةِ الملابسِ منذُ عقدينِ وأكثرَ
لم أجدها غارقةً في نومها الشتويِّ الطويلِ كما ينبغي لها أن تكونَ..
لقد تسلَّلتْ من النافذةِ إلى أقربِ سماءٍ على هذهِ الأرضِ
وأصبحتْ غابةً من أشجار الصفصافِ والغارِ
وعصافيرُ الدوريِّ الأنيقةُ التي رسمتها في الصبا
على شكلِ امرأةٍ ترقصُ وحيدةً
بقلمِ الرصاصِ المزركشِ بالنجومِ الزرقاءِ الصغيرةِ
باغتتني وطارتْ من الدُّرجِ المقفلِ بحذوةِ فرسٍ وزهرةِ نارنجٍ يابسةٍ
لتكملَ هجرتها إلى الشمالِ أو إلى امرأةٍ وحيدةٍ
*


(10)



في داخلي مطرٌ وفوقَ قصيدتي
ويدٌ من المطرِ الخفيِّ تدقُّ خلفي البابَ
هل أجتازُ أشجارَ الشتاءِ كقُبلةٍ في الريحِ؟
أم أضعُ الشفاهَ على رفيفِ سنابلِ امرأةٍ..
وأتركُ من ورائي الليلَ مفتوحاً على أرقي بمصراعيهِ؟
كيْ أجدَ احتوائي في التي أهوى..
المسافةُ كالخرافةِ بينَ أجنحتي المصابةِ بالرمادِ
وبينَ عطرِ سريرها الصيفيِّ في قرِّ الشتاءِ
*





(11)



نمسكُ أذيالَ أحلامنا لا لشيءٍ
ولكنْ لننجو من الزمهريرِ أو الليلِ
نرسمُ مثلَ الصغارِ على حائطٍ مُهملٍ
وردةً نصفَ رمليَّةٍ وطريقاً إلى البيتِ
مشتى طيورٍ شتائيَّةٍ ومزارعَ عبَّادِ شمسٍ
كأنَّا سكارى غناءِ الجبالِ
كأنَّا حيارى نخطُّ قصائدنا بالشفاهِ
ونحضنُ أوهامنا بالعيونِ
*





(12)



لا وقتَ عندي للوقوفِ أمامِ سرِّ تبسُّمِ جيوكندا
والتفكيرِ في ألوانِ فان غوخَ التعيسِ
ولا لأحفنَ ماءَ صوتِ أميرةٍ شرقيَّةِ العينينِ
بالكفَّينِ والفمِ
صوتُها ظلُّ البنفسجِ.. صوتُها
البحريُّ سرُّ تأوُّهاتِ نساءِ لوركا
في الغناءِ المسرحيِّ
وزهرةٌ بيضاءُ ضاعتْ في التلفُّتِ
والحنينِ إلى الوراءِ
*





(13)


منديلها النيليُّ لا يُخفي ضفائرها الطويلةَ
أو صراخَ الماءِ في أعلى قناديلِ الرياحِ
هي الفلسطينيَّةُ الأحلى
يداها نخلتانِ صغيرتانِ.. فراشتانِ تهيِّجانِ دمي..
مفاتنها ملايينُ المناقيرِ الصغيرةِ في الثيابِ
*










(14)


متصالحٌ مع جمالها وليسَ معها
بيننا مسافاتٌ ضوئيَّةٌ كتنهدَّاتِ الظلالِ
ومطالعُ ناقصةٌ لقصائدَ رعويَّةٍ
على فمها وردةٌ أكلها أنكيدو
وعلى فمي زفرةٌ مُضاءةٌ كالحبَّارِ
متصالحٌ مع أمواجها كسندبادَ ضلِّيلٍ
وليسَ مع بحرها المعلَّقِ كالقنديلِ في قلبي
*








(15)


طالما في شفاهِ التماثيلِ
يكبرُ عشبُ القصائدِ أو شغفُ النسوةِ الحالماتْ
لن أسألَ الريحَ عن خفقانِ الضفائرِ..
أو قمراً خافتاً في النهارِ الخريفيِّ
عن وجُهةِ الكحلِ في الأُغنياتْ
*









(16)


أينَ طوقُ النجاةِ وطوقُ الحمامةِ؟
في داخلي مطرٌ
أينَ أهربُ منهُ؟
وفي كاحلي وردةٌ من لهبْ
لا أُريدُ الجمالَ الذي ليسَ يجرحني
مثلما يجرحُ الليلَ ماءُ الغناءِ الشجيِّ
وتجرحُ تنهيدةٌ في الكمنجةِ أو في الهواءِ النديِّ
المسافةَ بينَ دمي والقصيدةِ
بينَ فمي والعناقيدِ
بينَ الصدى وحنينِ القصَبْ
*




(17)


لكِ صوتُ أمطارِ الربيعِ
على سهولِ القمحِ في نيسانَ
أو ما ظلَّ من أثرِ الحديقةِ في مُخيَّلةِ الغنائيِّينَ..
ظلُّ الشمسِ في برجِ الحمامِ
بنفسجٌ يهتاجُ في جسدٍ
وخاصرةٌ تضيءُ الغيمَ بالكلماتِ
وقتٌ للوقوفِ على الطلولِ
وساعةٌ رمليَّةٌ بينَ الحياةِ وبينَ معنى الحُبْ
لكِ ما لرائحةِ الغيابِ من الفداحةِ
ما لشاعرةٍ من الحزنِ البريءِ
ومن نصاعةِ حبرها في القلبْ
*

















الحبُّ خريفٌ شرس (V)



(1)


الكتابةُ ليست ملاذاً أخيراً وليستْ شفاءً لكلِّ الجراحِ
ولا فسحةً لتردُّدِ نيسانَ عبرَ النوافذِ
أو شرفةً أستريحُ على صدرها من نساءِ القصائدِ
أو من سرابِ انتظاري الطويلِ...
كتبتُ بحبرِ التنهُّدِ فوقَ مرايا الجسدْ
وأحببتُ من لا تحبُّ أحدْ
وغنَّيتُ حتى لصُمِّ الرياحِ
*



(2)


لا شِعرَ عندي اليومَ..
لنْ يُوحى إليَّ بجملةٍ إسميَّةٍ عذراءَ
أو بقصيدةٍ تصفُ الغزالةَ في أساطيرِ الرُّعاةِ
وفي أغاني الحُبِّ والغزَلِ القديمِ
لكيْ أُسمِّيَ ساحلَ امرأةٍ
تفسِّرُ طعمَ قهوتها بشهوتها
وتوصدُ قلبها سوراً على بَحرٍ
وتتركُ ليلها لحرائقِ البحَّارةِ الغاوينَ..
لا رؤيا تضيءُ نوافذَ الأحلامِ
كيفَ إذنْ أُسمِّي وردةً مجروحةً
فمَ أجملِ امرأةٍ أُحبُّ من النساءِ
وكيفَ أُشعلُ جسمها وفتيلها المائيَّ
أو نيلوفرَ الأنهارِ في أقصى أنوثتها
بأعقابِ القصائدِ
أو بصرخةِ نجمةٍ مسحوقةٍ زرقاءَ
في أقصى دمائي
*


(3)


لأقولَ ما أهوى
أُريدُ لنسوةِ المعنى أصابعَ فضَّةٍ كتنهدَّاتِ النايِ في ليلِ الحبيبةِ
أو شوارعَ لا تقودُ إلى سوايَ..
لكيْ أرى ما أشتهي أحتاجُ رائحةَ اشتياقِ أُنوثةٍ مطويَّةٍ
في دفترِ النسيانِ للصلصالِ..
أطولُ هجرةٍ للطيرِ تنقصني لأعرفَ ما أُريدُ من القصيدةِ
ما تريدُ رسائلُ الشعراءِ والعشَّاقِ مني
حينَ تخطئُ دربها وتضلُّ في الصحراءِ
كيما تهتدي بيديَّ في ليلِ المجازِ
ولهفةٍ زرقاءَ تشعلُ برعمَ الرُّمَّانْ
*



(4)


تركتُ للنورسِ الليليِّ أُغنيةً
تحتَ الوسادةِ.. من ماءٍ ومن زهَرِ
لمْ أقرأ امرأةً إلَّا وتوجعني
رؤيا أُنوثتها في النايِ والوترِ
عرفتُ.. كلَّ دواويني كتبتُ سُدىً
ولمْ تعوِّلْ فراشاتٌ على أثري
*








(5)


هل تطفئُ الشغفَ القصائدُ كلُّها
ويعانقُ الصلصالَ ماءٌ لاهبُ؟
بريَّةٌ جسدُ الحبيبةِ فيهِ من
جوعِ الذئابِ مجرَّةٌ وكواكبُ
ريحُ الهوى خضراءُ.. ليلي مُسرجٌ
بغناءِ لوركا.. والحنينُ مواربُ
يتوهَّجُ الليمونُ في قلبي.. وفي
المعنى تضيءُ خطى المجازِ حباحبُ
وصدى أبي تمَّامَ ينبضُ في دمي
)فكأنني مُذ غبْتَ عني غائبُ)

(عجزُ البيتِ الأخيرِ للشاعر العباسيِّ أبي تمَّام)
*



(6)


في الماءِ موسيقى وفي رأسي بحارٌ لا تكفُّ عن الهديرِ
وفي القصيدةِ نزوةُ امرأةٍ لعوبٍ لا تكفُّ عن الغناءِ
وفي الغناءِ بكاءُ شاعرةٍ تخلِّصُ نفسها من ساعديْ ذئبٍ
ورؤيا عاشقٍ ضاقتْ عبارتهُ
وفي الرؤيا أصابعُ نسوةٍ يُلقينَ كُحلَ قصائدي في البحرِ
أو ينسينَ مفتاحَ الأُنوثةِ في سريرِ الصيفِ..
ليلٌ هادئٌ يطوي حدائقهنَّ
أو شغفٌ يعانقُ بعضهُ مثلي
ويشربُ ظلَّهُ كالبُنِّ أو وجعِ الكلامْ
*




(7)



الحالمونَ فقط
من لا يكتبونَ قصائدهم فوقَ عشبِ الرصيفِ
ولا يتململونَ من وردةٍ مهملةٍ في لوحةٍ
هم حياديُّونَ جدَّاً كظلالِ الظهيرةِ فوقَ سياجِ العوسجِ
ووحيدونَ كسنبلةٍ في ضفيرةِ امرأةٍ قرويَّةٍ
لا يترجَّلونَ من مرايا الشغفِ بسهولةٍ
ولا يخرجون من قصائدهم المنسيَّةِ
في خزائنِ الأُمَّهاتِ
*






(8)


الحُبُّ خريفٌ شرسٌ
يُعرِّي جسدي من أوراقِ الرغبةِ
مطرٌ يتغلغلُ في رخامِ الليلِ
تاركاً أثرَ القبلاتِ المحترقةِ
صهيلُ مهرةٍ توجعها سطوةُ حصانٍ هرمٍ
مايسترو خفيٌّ
يعلِّمني كيفَ أقرأُ شِعراً لنفسيَ
أمامَ جمهورٍ من الهواءِ
*






(9)


وأُحبُّ أن أتقمَّصَ الأشجارَ
أن أمشي على هديِ السنابلِ في ضفائرِ سيِّداتِ الماءِ..
يوجعني حزيرانُ الجميلُ
ندى الظهيرةِ في انسكابِ أشعَّةِ العنقاءِ فوقَ العشبِ يوجعني
وأُغنيةُ النوارسِ للسواحلِ
حزنُ صيَّادٍ يعانقُ في رمالِ خيالهِ حوريَّةً بيضاءَ يوجعني
ويوجعني خريفٌ ناقصٌ
وقصيدةُ امرأةٍ على تمثالِ عاشقها
الرياحُ تصبُّ في دمها وفي لغتي
لأنَّ حبيبتي خانتْ
لأني لم أعدْ أبداً بغيرِ دواريَ البحريِّ
أو بظلالِ وجهي من أصابعها
ولم أعشقْ سواها
*


(10)


في العزلةِ الكونيَّةِ / الفيسبوكِ
نصبحُ لا شعوريَّاً هوائيِّينَ.. آليِّين كالروبوتِ
نقتسمُ الحنينَ وخبزَ رغبتنا
نواري سوءةَ الكلماتِ في المرآةِ
لا فرحٌ يؤلِّفُ بينَ محزونينِ من أحفادِ دونكيشوتَ
لا حزنٌ يُفسِّرُ لهفةً بالماءِ بينَ ضفافِ معشوقينِ
لن تفنى طواحينُ الهواءِ
ولا محاريثُ البحارِ
وكلُّنا عن نصفهِ المفقودِ يبحثُ في المتاهِ اللولبيِّ
وهاوياتِ الافتراضِ / الحلمِ
لكنَّا بغيرِ غناءِ نسوتنا
المتوَّجِ بالبنفسجِ والمكلَّلِ بالقُرنفلِ
لن نعودَ إلى إيثاكا
*


(11)


يبحثُ محمد الماغوط عن امرأةٍ سمينةٍ
كي يحتكَّ بها في الحافلةِ
وأنا أبحثُ عن قصيدةٍ نحيلةٍ كأصابعِ آنا أخماتوفا
أحملها على ظهري الذي جلدتهُ حبيبتي الشمسُ
أغسلُ حزنها الأبديَّ بعينيَّ
أو بغزلي الذي أقايضُ بهِ أوجاعَ النساءِ
أقولُ لها: المسيني في ظهيرةٍ قائظةٍ
كيْ تتحرَّرَ ينابيعي الجوفيَّةُ
ويحلِّقَ طائرُ اللهفةِ في فضاءِ القلبِ
يبحثُ سركون بولص عن حصانِ تو فو
وعن الدخانِ المتصاعدِ من مرايا الوجوهِ
وأنا كالمسرنمِ في الحلمِ
أُلاحقُ نهراً لا ماءَ فيهِ
وظلالَ صعاليكَ وعُشَّاقٍ قدامى
*

(12)


من كثرةِ التحديقِ في الأشياءِ صرتُ صدىً
لصرخةِ وردةٍ مائيَّةٍ
أو ظلَّ نرسيسَ الشقيِّ
تمرُّ بي الأشجارُ كالأرقِ الطفيفِ
أمرُّ بامرأةٍ تعيدُ دمي إلى شبقِ الخريفِ
لشارعِ النارنجِ
أو لقصيدةٍ تصفُ ارتجاجَ الخصرِ في الأدبِ القديمِ
وبرعمَ النهدِ الصغيرِ
أقولُ لي: وسِّع عبارتكَ التي تحتاجها الرؤيا لتدخلَ
في مجازكَ..
وسِّعِ الرؤيا لتحتارَ العبارةُ
أو لتتخذَّ الكنايةُ شكلها..
امزجْ حبَّ نيرودا بيأسِ أبي العلاءِ
انحتْ نساءكَ من نداءِ يديكَ
غنِّ.. اصرخْ بأعلى قلبكَ الجبليِّ واركضْ في العراءِ: أنا الوحيدُ..
أنا الذي من كثرةِ التحديقِ في الأشياءِ صرتُ صدىً
لصرخةِ وردةٍ مائيَّةٍ
وفقدتُ لونَ قصيدةٍ عن أجملِ امرأةٍ
لأنَّ الشمسَ في قلبي
وفي شجرِ الكلامِ غناءْ
*








(13)


الدوارُ الأزرقُ كرائحةِ البحرِ
يطبقُ بأصدافٍ صغيرةٍ على أُذنيَّ
ليمنعَ غناءَ الحوريَّاتِ أن يصلَ قلبي
كما تصلُ الذكرياتُ البعيدةُ
عبرَ آلافِ الوديانِ الشائكةِ والصخورِ المحدَّبةِ
لدرجةِ أنني كدتُ أنسى قصَّةَ البدويِّ الذي أحبَّ خلاسيَّةً
من نسلِ الهنودِ الحمرِ
ولم أعدْ أتذكَّرُ ملامحَ الفرنسيِّ
الذي هامَ بهنديَّةٍ في نهايةِ الفيلم
كلُّ امرأةٍ أضعتُ مفاتيحها
تشبكُ شَعرها بزهرةِ ليمون
ويضيءُ عينيها حزنٌ أخضرُ
كالتماعِ شجرةِ زيتونٍ في براري الجليلِ
*


(14)


للحياةِ ذاكرةٌ من حطبٍ يابسٍ وأنتِ ذاكرتكِ من لازوردْ
للحياةِ خاصرةٌ من صوَّانٍ بائسٍ وأنتِ خاصرتكِ من ماءٍ ووردْ
ما هو سرُّ هذا الولعِ المسائيِّ بالسجعِ الذي تلبسينه خلخالاً كنجومكِ الضَّالةِ؟
قصائدكِ كتأوُّهات الأسماكِ الذهبيَّة التي لا تعبأ بوجودِ أحدْ
وقصائدي الفقيرةُ كالفراشاتِ التي يشرِّدُها المطرُ الرمليُّ
*






(15)



بماذا يختلفُ عاشقٌ عن نرسيسَ؟!
هذا يقبِّلُ وجهَ امرأتهِ في المرآةِ والهاتفِ
وعلى شاشةِ اللاب توب وسحابةِ الوهمِ
وذاكَ يعانقها في ماءِ النهرِ
وعندَ منعطفاتِ الينابيعِ الجافَّةِ
كلاهما سيغرقُ في النهايةِ
الأوَّلُ في قصيدةٍ رعويَّةٍ
وشمتها فتاةٌ على نهديها
فيما سيصبحُ الآخرُ شجرةَ مرجانٍ
تترنَّحُ والهةً في قاعِ النهرِ
*



(16)



القصيدةُ التي أحلمُ بها كلَّ ليلةٍ منذُ زمنٍ بعيدٍ
تلكَ التي أُشعلها كلفافةٍ
أو أُراودها عن نفسها آخرَ الليلِ كإحدى النساءِ
التي أحفظها في الحلمِ حرفاً حرفاً وكلمةً كلمةً
المكتوبةُ وغيرُ المكتوبةِ كالماءِ والهواءِ
تلكَ التي تصبُّ في قلبي وقلبي ليسَ بملآن
القصيدةُ التي أحلمُ بها في كلِّ ليلةٍ
تتلاشى كلَّ صباحٍ كالضبابِ الخفيفِ
تنسحبُ كأصابعِ امرأةٍ
من قلبي ومن حدائقِ المجازِ
وأنساها بكاملِ جمالها وحزني
حينَ أجلسُ لكتابتها
على آخرِ ورقةٍ من البرديِّ
*



(17)


غناءُ عابري الليلِ والصحراءِ
يصبُّ في كلتا يديَّ كطائرِ قلقٍ أخضرَ
نحيبُ الماءِ في شجرِ الظهيرةِ يلتفُّ بشاشٍ ورديٍّ
كوميضِ غيمةٍ فوقَ السريرِ
أو كغابةٍ من برتقالِ البحرِ
طعمُ التينِ في تمُّوزَ يشبهُ عطرَ التبغِ
أو رائحةَ حبقِ سيِّدةٍ أربعينيَّةٍ
تربِّي كحلها القمريَّ في ليلِ القصيدةِ
والرمالَ الأُنثويَّةَ البيضاءَ في اسمها..
كما أُربِّي أرقَ المسافةِ في زرقةِ النثريِّ
وأوتارَ الحريرِ الليلكيَّةَ في النساءِ
*


(18)



دعي الحُبَّ يفعلُ بي ما يشاءُ..
يحوِّلني ذرَّةً من ترابِ السرابِ
وناياً على فمِ سيِّدةِ الريحِ
قارورةً للكلامِ الجريحِ
دعيهِ يعلِّقُ تفَّاحةً في أقاصي دمائيَ
كيْ أستضيءَ بكحلِ النساءِ
*






(19)




لا أُصدِّقُ الشعراءَ المكتهلينَ كأشجارِ الخريفِ
المتجهمِّينَ كالتماثيلِ الكالحةِ
الذين يمضغونَ نفسَ الكلامِ
المؤدِّي إلى المساربِ الخلفيَّةِ لهبوبِ النحلِ
كنوعٍ من اللبانِ الرخيصِ
لا أُصدِّقُ حبرَ الأُنوثةِ السريَّ
ولا الشاعراتِ اللواتي يُجدنَ اجترارَ القصائدِ العذريَّةِ
عن وشمِ حُزمةِ السنابلِ على ربلةِ ساقِ المرأةِ / النخلةِ
وعن فاكهةِ أجسادهنَّ المحرَّمةِ
*





(20)



القصيدةُ أُنثى تلوِّحُ من شرفةِ الصيفِ
للغرباءِ الحيارى وللشعراءِ السكارى
تعدُّ لكَ الهالَ بالزنجبيلِ صباحاً
وحضناً وثيراً لكيْ تستريحَ
من الركضِ في فلواتِ المعاني الشريدةِ..
أُنثى من الزعفرانِ ومن نمشِ الريحِ
مشتاقةٌ كالينابيعِ في جسدي للمصبِّ
ومنقادةٌ بالوميضِ الجريحِ..
تعدُّ ليَ الصيفَ ليلاً
وتكملُ رقصتها وحدها
في ممرِّ اشتهائي الفسيحِ
*




(21)

لو نظرتَ إلى قاعِ أقصى تفاصيلِ هذي الحياةِ
ترى نسوةً ورجالاً يمدُّونَ أيديهم من كواكبَ أُخرى إلى بعضهم
غرباءَ ومنسحقينَ..
عراةً كرجعِ الصدى
غامضينَ كليمونةٍ في الخريفِ..
قصائدَ من دونما شعراءَ على الرملِ متروكةً للفراغِ
الذي سوفَ يأتي.. لسربِ طيورِ الأُنوثةِ..
أو لرياحِ اللهبْ
*




(22)


سحبتُ جيتارتي من خصرها.. وصدى
روحي براعمُ ليمونٍ مشبَّعةٌ
ماءً.. على الغصُنِ الليليِّ تتقدُّ
أضعتُ فيها نساءً كالقصائدِ.. لا
تُحصى لهنَّ غواياتٌ ولا عددُ
من فرطِ ما شعَّ في قلبي وتحتَ دمي
خريفُهنَّ كأني اليومَ لا أحدُ
كلُّ الأغاني التي بعثرتُ نرجسها
خلفي.. سرابٌ من الأحلامِ أو زبدُ

*

















شبابيكُ عشيقاتٍ منسيَّات (VI)


(1)

ضلَّلتنا نساءُ القصائدِ.. قايضنَ صلصالَ أقدامنا بالحرائقِ..
ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ لولا اختلافُ الأشعَّةِ في كاميرا السائحينَ..
وما أشبهَ البحرَ بامرأةٍ زوَّجتْ زرقةَ الليلِ ظلَّ المحارةِ
كي لا تكونَ الوصيَّةَ يوماً على نزوةِ اليابسةْ
ما أشبهَ المطرَ الأنثويَّ بأيلولَ..
والماءَ في سرِّهِ بالعناقِ
وشمسَ الظهيرةِ بالغيمةِ الشجريَّةِ
والشِّعرَ بالحُبِّ
والحُبَّ بالحاسةِ السادسةْ

*

(2)


سبعُ سجائرَ تكفيني لأُنادمَ هذا الليلَ
وكرسيٌّ يتأرجحُ بين المعنى السريِّ وأشجارِ الحبقِ..
وتكفيني أوتارُ الماءِ لأكتبَ لامرأةٍ لا أعرفها أو تعرفني
غزلاً حسيَّاً.. أو أصفَ عناقيدَ أُنوثتها
في مرسمِ بيكاسو والمرحلةِ الزرقاءْ

*







(3)


كأني الحصانُ الذي اكتهلَ..
الأُقحوانُ الذي شابَ في سُنبلاتِ الضفائرِ..
يوجعني صيفُ نافورةِ الضوءِ.. كحلُ الأغاني
التي جرَّت القلبَ من يدهِ
والقصيدةُ ظلٌّ على الأرضِ
وامرأةٌ كلَّما رقصتْ مونيكا بلوتشي غارتْ
من الوهجِ الأُرجوانيِّ في خصرها..
كيفَ لي أن أُعلِّمها أن تحبَّ بدونِ مقابلَ..
أو تقرأَ الآخرينَ بلا لغةٍ..
وتمرَّ مرورَ الحمامِ إلى الحلمِ..
أو كيفَ لي أن أُرمِّمَ ليلي بحبرِ أنوثتها؟
وأنا لستُ أكثرَ من قطرةٍ يا ليالي الشتاءِ
ومن طائرٍ يا حياةُ يقشِّرُ عنكِ لحاءَ الألمْ
لستُ أكثرَ من ذرَّةٍ يا براري الذئابِ
أنامُ وحيداً لأنسى الهمومَ التي اندلعتْ فجأةً في ثيابي
والحرائقُ في قاعِ قلبي تغنِّي وتكملُ رقصتها..
سوفَ أمضي لشأني وأكتبُ توقيعةً لنهارِ الخريفِ
وأُخفي جروحيَ عن أعينِ الناسِ...
بي طللٌ لا يرمِّمهُ مطلعٌ نرجسيُّ المجازِ
ولا شغفٌ بالوقوفِ

*










(4)



السجائرُ لن تخونَ القلبَ
فيها عطرُ رائحةٍ تُذكِّرُ بالحنينِ وبالشتاءِ
برقصةِ امرأةِ القصيدةِ في العراءِ
بعطرها المطريِّ أو عبقِ الترابِ
تُذكِّرُ المنسيَّ بالليمونِ والنعناعِ
في كفَّيْ حبيبتهِ
بوردِ النارِ في شفتيهِ
حينَ تلامسانِ شفاهها
هيَ كاجتراحِ الحُبِّ
كالمعنى المراوغِ حينَ يفلتُ طيرهُ من بينِ أيدينا
نداءً ما خفيَّ الجرحِ يذهبُ للطفولةِ
ساكناً في أجملِ الأشجارِ أو ورقِ الهواءِ

*


(5)

وتقولُ: سوفَ يدلُّني قلبي عليكَ..
ويدلُّني صوتي على أثرِ العناقِ وقُبلةِ الأيدي..
السماءُ خفيضةٌ وأنا أطيرُ كأنني ورقٌ خريفيٌّ
وأمشي خلف ظلِّ الليلِ..
أرقصُ في قصيدتكَ القصيرةِ مثلَ عاشقةٍ
وأركضُ في المنامِ

*





(6)




أكتبُ كعازفٍ متجوِّلٍ
يحملُ قلقَ سيورانَ في عينيهِ
وتعبَ المعريِّ في قلبهِ
كامرأةٍ ترقِّصُ أغصانَ الريحِ
وتُلقي على وجهِ الليلِ
قميصَ الشهوةِ

*





(7)




أستبدلُ تفَّاحةَ حواءَ بأثرِ قُبلةٍ على حجرٍ
قصائدَ الغزلِ الحسيِّ
بطفولةِ الشاعرِ المتشردَّةِ
حبرَ الندمِ
بأراجيحِ المطرِ الممتدَّةِ بينَ كوكبٍ وآخرَ
الدواوينَ التي لا تُباعُ ولا تُشترى
بالناياتِ التي تقطرُ من أصابعِ العذارى
في حقلِ قطنٍ بعيدٍ
ليلَ الأرقِ بشمسِ البحيرةِ
الغبارَ بوردةِ الريحِ

*


(8)



سأحتفظُ بنجمةٍ باردةٍ أنامُ تحتها
كلَّما شعرتُ بالوحدةِ وحاجتي إلى التجوُّلِ
في أزقَّةِ هديلِ الحمامِ
سأحتفظُ بوصايا نساءٍ يعرفنَ جيِّداً
كيفَ يحتوينَ قصائدي الشريدةَ تحتَ المطرِ
وكيفَ ينوِّمنَ طفولاتِ الشعراءِ
على وسائدِ صدورهنَّ الحنونةِ

*





(9)



أُريدُ أن أحضنَ صوتكِ
صوتكِ فقط
أن أتخاصرَ معهُ في الشارعِ
أن أُمسِّدهُ كما أفعلُ عادةً مع العصافيرِ الخريفيَّةِ
وأنتِ تقولينَ لي: ماذا أفعلُ بقصائدِ حبِّكَ
في هذا الشتاءِ؟
هل أتدفَّأُ عليها؟
أم أُسدِّدُ بها فاتورةَ البيتِ والكهرباءِ؟

*


(10)


هوَ لا يعرفُ أنها تحبهُ
هيَ لا تعرفُ أنهُ يحبها
منذُ سنةٍ ونصفٍ يختلفانِ على معنى كلمةِ صداقةٍ في الفيسبوك
لم يكلِّمها ولم تكلِّمهُ إلا بالهواجسِ
ليس بينهما إلَّا بعضُ اللايكاتِ السريعةِ والتعليقاتِ الحياديَّةِ العابرةِ
غريبٌ يحبُّ غريبةً تعاملُ حياتها كنادلةٍ في حانةٍ
كلَّ ليلةٍ تحلمُ أنها تتجوَّلُ في مدينةٍ بلا ملامحَ
وتبيعُ الحُبَّ على عربةٍ من سحابٍ
في آخر الليل كلٌّ يأوي إلى سريرهِ وقصيدتهِ
بعد أن ينفضَ غبارَ الوهمِ الفضيَّ عن عينيهِ
يشربُ كأسَ قهوتهِ المرَّةِ
وسيجارتهُ الأخيرةَ وينامْ

*


(11)



أقولُ لأنثى الريحِ: في الدمِ رغبةٌ
تصلُّ.. وفي كفيَّ منها صدىً أعمى
سيأتي خريفي بالذي تعرفينهُ
وأمشي على ذرِّ الزجاجِ الذي يدمى
هواءٌ غواياتي.. سرابٌ قصائدي
فهل فضلةٌ في الكأسِ أشربها حلما؟
*








(12)



لستُ أملكُ شيئاً سوى أن أُخلِّصَ نفسيَ من
نزواتِ ابنِ آوى الصغيرةِ
في امرأةٍ هيَ لا تشبهُ الأُخرياتِ اللواتي
إذا ما لمسنَ القصيدةَ صارتْ فراشةَ ماءٍ..
ولا لستُ أُتقنُ شيئاً سوى أن أُنادمَ ظلِّي
وأكتبَ شِعراً على حجَرٍ في ممرِّ الرُّعاةِ
على النايِ والعشبِ والمطرِ المتواصلِ..
فوقَ جناحِ الفراشةِ في زرقةِ الليلِ
فوقَ يدي وعلى ورقِ التوتِ..
بوصلتي قُبلةٌ فوقَ خاصرةِ الريحِ
أو ندمٌ حائرٌ في الغناءِ
*



(13)


لستُ ذئباً وما كنتُ ظلَّاً لذئبْ
ولكنني قد أشمُّ خطاكِ
كأني أشمُّ عبيرَ السفرجلِ في أوَّلِ الليلِ..
أنسى طريقي إلى البيتِ
لكنني سوفَ أحفظُ قلبكِ عن ظهرِ قلبْ
*









(14)


قالتِ امرأتانِ: الفراشاتُ رزقُ الفقيرِ
نصيبُ المُحبِّ الذي ليسَ يرضى
بنصفِ العناقِ وشهدِ الطيورِ
فماذا تُرى ينبغي أن أقولَ؟
الفراشةُ في خدرها اليومَ
لكنني لا أرى في المرايا
سوى ظلِّها فوقَ وردِ السريرِ
*







(15)



لا شغلَ لي في هذا النهارِ
سوى أن ألتقطَ ورقةَ وردةٍ خريفيَّةٍ من على الأرضِ
وأجعلَ منها شفاهَ امرأةٍ تقرأُ في طوقِ الحمامةِ
أو أتأمَّلَ غصنَ شجرةِ تفَّاحٍ نصفها يابسٌ
وأتخيَّلهُ ذراعَ حبيبةٍ في روايةٍ لم تُكتبْ بعدُ
تستندُ إلى ظلِّ غيمةٍ في إحدى قصائدي
وتنادي على طيفٍ في آخرِ الطريقِ
ليساعدها على خلعِ قميصها الليمونيِّ
*





(16)

بي رغبةٌ للكتابةِ عن أيِّ شيءٍ
ولو كانَ قبضَ الهواءِ الخريفيِّ أو قهوةَ البحرِ..
عن حجرٍ في ممرِّ الأساطيرِ
عن وردةٍ في تويجاتها نقشتْ وجهها امرأةٌ بالأظافرِ أو بنسيمِ التنهدِّ..
بي رغبةٌ أن أمسَّ جراحَ الربابةِ عندَ انكسارِ الظهيرةِ
في نقطةِ الشغفِ الأُنثويَّةِ..
بي رغبةٌ أن أرى ما وراءَ ظلالِ السطورِ..
طريقَ النمالِ مشعشعةً في ظلامِ القرى
وأن أتلمَّسَ ريحَ نباحِ الكلابِ البعيدةِ في آخرِ الحيِّ..
أن أطردَ الموجَ من جسدِ العاشقاتِ
وهنَّ يطرِّزنَ غيمَ مناديلهنَّ بألوانِ قوسِ قزحْ
وعلى ورقِ الحورِ ينقشنَ أسماءهنَّ
ويطلقنَ سربَ زغاريدهنَّ وراءَ الغمامِ
*





زهرةُ النهد (VII)



(1)


يا عازفَ النايِ الوحيدَ أمامَ واجهةِ البنفسجِ خذْ هموميَ واعطني وهجَ الأصابعِ أو خلوَّ سماءِ روحكَ أيُّها الطيرُ الشريدُ، تعبتُ وانهارتْ قوايَ ولم أجدْ في الاستعارةِ يا أخي أحداً سوايَ، لمن تغنِّي في نهارِ الزمهريرِ لغيرِ جمرِ البردِ والمطرِ الذي يهمي بغيرِ توقُّفٍ؟ خذْ صرختي، قلقي، صدى روحي، وهاتِ خلوَّ قلبكَ واستراحتكَ الأخيرةَ مثلَ جنديٍّ على جذعِ الصنوبرِ راحَ يحلمُ بالحبيبةِ، والحروبُ تمرُّ تحتَ خطاهُ أو قدميهِ.. صدِّقني بأنَّ الوردَ يكذبُ وابتساماتِ النساءِ هنا معلَّبةٌ ودمعُ العابرينَ، وفي دمي وترٌ يدندنُ.. أينَ يا قلبي سيأخذكَ الحنينُ؟
*







(2)


بالحدسِ أكتبُ ما أُحبُّ وأقرأُ الأشياءَ
أو أدعو غريباً جاءَ من أقصى المدينةِ
كي يشاركني تأمُّلَ وردةِ اللبلابِ
وهيَ تمدُّ في ترفٍ ضفيرتها كأنثى
لم تجدْ أحداً يشاركها غناءَ الفجرِ والبُنَّ المعطَّرَ
أو يشبِّهُ عصفها بالزعفرانِ..
يشمُّ في يدها عبيرَ الهالِ..
بالحدسِ الجميلِ أُعيدُ ترتيبَ القصيدةِ
كلَّما أبصرتُ شخصاً صارَ نصَّاً ضائعاً مني
فهل لو صرتِ أنتِ قصيدتي
أو كنتُ أسكنُ في شتاءِ مجرَّةٍ منسيَّةٍ وحدي
سأرقصُ تحتَ أمطارِ الذهولِ بلهفةٍ عطشى
كمشتاقٍ لمشتاقٍ وأُشعلُ في حدائقِ عاشقٍ غيري كطاغورٍ
شموعي السرمديَّةَ في تفتُّحِ كلِّ أزهارِ الكناية؟
*


(3)


تهبُّ الميجنا من جهةِ الشمالِ
عصافيرَ صغيرةً بحجمِ قطراتِ المطرِ
أو عاصفةً من زهورِ الليمونِ
في طوافها لم تجدْ غيرَ تلويحةِ قُبلٍ ضائعةٍ
لحبيباتٍ منسيَّاتٍ
ولم تعانقْ سوى أصابعِ أجراسٍ في ديرٍ بعيدٍ
الميجنا روحُ امرأةٍ تكفِّرُ عن وصالٍ لم يحدثْ
أو حُبٍّ لم ترتكبهُ أبداً
في كلِّ شتاءٍ تحتشدُ قمصانها بالناياتِ المندلعةِ
وبالأسماكِ المضيئةِ والينابيعِ الجوفيَّةِ
الميجنا نداءٌ غامضٌ على من نحبُّ
وردةٌ يابسةٌ من الريح
تنامُ في جيوبِ ملابسنا
في خزانةٍ مهجورة
*

(4)


ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا طريقَ ولا وصولْ
هيَ رغبةٌ أبديَّةٌ.. عطشٌ وهاويةٌ..
وسرٌّ لانزلاقِ يدي إلى الجسديِّ في المعنى..
ارتقاءُ الماءِ والروحيِّ في حبقِ الجليلْ
اكتبْ لكي تنجو.. يهبُّ صدى حمامٍ زاجلٍ
اكتبْ لكي تنسى كوابيسَ الحياةِ
اكتبْ لتحلمَ أو لتعشقَ..
فالكتابةُ مثلُ فعلِ الحُبِّ أو وجعِ المخاضِ
وما القصيدةُ غيرُ زادكَ في المتاهةِ
غيرُ نايِ جبالكَ الأُولى..
ومتَّكأٌ لحورياتِ شمسِ البحرِ..
هل يكفي صدى تنهيدةٍ جوعى فتاةً في الفلاةِ
يشوقها قمحٌ من القُبلاتِ أو عنبُ الخليلْ؟
ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا تريحُ القلبَ من حُبٍّ
ولا تشفي من الأحلامِ...
أو من رعشةِ الليمونِ في آذارَ
أو لوزِ الغيومْ
يا ليتني كومبارسُ في فيلمٍ قديمٍ
ليتني أحدُ الهواةِ المولعينَ بجمعِ أسماءِ النساءِ أو الطوابعِ
والتسلُّلِ في الظلامِ إلى رؤى هوميرَ أو وجعِ النسيمْ
*







(5)



أمدُّ يدي لأقطفَ عن غصونِ الريحِ تفَّاحةْ
أنا الطفلُ اللجوجُ
وكلُّ أُنثى ذئبةٌ بريَّةٌ في الليلِ
تخمشُ زهرةَ الليمونِ
تطردُ عن نوافذها نوارسَ لهفتي
وصدى صراخِ السندبادِ
تشبُّ فيهِ الرغوةُ البيضاءُ من وحمِ الزنابقِ
أو يئنُّ البحرُ في ناياتهِ ويضمُّ ألواحهْ
*






(6)


ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تقتفي ظلَّهُ
في ربيعٍ كهذا الربيع المصابِ بداءِ كورونا؟
ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تتقاسمهُ من فُتاتِ النهاراتِ
أو تتنادى بهِ من شظايا الصدى في الطلولْ؟
علَّمتني الهشاشةُ كيفَ أُداوي جراحي...
فما ينبغي للفراشةِ في جسدي أن تقولْ؟
وأنا لم أعشْ لحظةً في بيوتِ قصائدَ شيَّدتها
خارجَ الشِّعرِ كانتْ حياتي
وبريَّةٌ للأُنوثةِ كانتْ على مدِّ عينيَّ
أعدو وراءَ السرابِ وبي عطشٌ لا يزولْ
ما الذي ينبغي أن تعلِّمني
زهرةُ النهدِ إيَّاهُ.. بعدَ الذبولْ؟
*

(7)


أتجوَّلُ في الحلمِ.. وأكتبُ أشعاري
فوقَ هواءِ اللهفةِ وعلى ورقِ الطينِ
أُطلُّ على روميَّاتِ الحمدانيِّ، على ديوانِ الطواسينَ..
على أسرابِ حمامٍ تهدلُ في قاعِ النهرِ..
أقولُ: لثوبكِ توتُ القزِّ ورائحةُ الأمطارِ
ولي أن أشربَ نخبَ النوَّارِ الطالعِ من فمِ أُنثى الليمونْ
*


(8)


في الشارعِ العشبيِّ كورونا.. على غبشِ النوافذِ
في الأزقَّةِ.. في هواءِ البحرِ كورونا..
وكورونا على وردِ الأسرَّةِ
في الحدائقِ أو على طلعِ الزنابقِ
في البيوتِ.. وراءَ روضِ الشايِ.. في عطرِ الأُنوثةِ
في الخزانةِ والملابسِ.. في كؤوسِ الماءِ.. في صحنِ الحساءِ
وفي الرواياتِ الجديدةِ.. في دواوينِ الغبارِ
يقولُ شخصٌ في الطريقِ لآخرٍ: لا تقتربْ منِّي.. فإنِّي السامريُّ..
تقولُ سيِّدةٌ لأُخرى في العيادةِ: كم تعبتُ من الحياةِ.. وكم ندمتُ على الذي قد فاتَ..
كورونا تقودُ الأرضَ في هذا الربيعِ إلى متاهتها..
فهل تُجدي القصائدُ في مديحِ جمالِ سيِّدةِ السنابلِ أيَّ نفعٍ أيُّها الشعراءُ؟
*


(9)


أقرأُ لنساءٍ لا يكتبنَ الشِّعرَ
ولا تنصاعُ أُنوثتهنَّ لقطعةِ غيمٍ
يتململُ فيها رمَّانُ الأسرارْ
لا أقرأُ شِعراً..
أقرأُ ما يكتبهُ الماءُ على الأجسادِ
وما ترشقهُ امرأةٌ في وجهِ الشمسِ كفروغِ فرخزادَ
من النثرِ الليليِّ الضائعِ
أو ما تتنفَّسهُ تحتَ قميصِ الرغبةِ أزهارُ النارْ
*
(10)


أُفكِّرُ مثلَ الحديقةِ، يا ليتني شجرٌ عاشقٌ
ليتني شجرٌ مثلَ بعضِ النساءِ
ويا ليتني ورقٌ حائرٌ في الظلالِ..
سأنتعلُ اللغةَ الآنَ
أو أرتديها كرائحةِ الزعفرانِ
وأمضي بها في نهاراتِ نيسانَ
أدرى أنا بمفاتنها واستداراتها..
ليتني وترٌ في الكمنجةِ
أو مطرٌ في ثيابِ الصديقةِ
أو قمرٌ في سريرِ السرابِ..
أُفكِّرُ مثلَ الحديقةِ..
يا ليتني قُبلةٌ
طيَّرتها أصابعُ سريَّةٌ في كتابِ الأُنوثةِ
أو رغبةٌ لم تزلْ في حجابْ
*


(11)



أُراقصُ ظلِّي، أنطوي كقصيدةٍ
على شغفٍ لا ينتهي وحرائقِ
أُضيءُ كحبَّارٍ.. أشفُّ كأنني
عبارةُ صوفيٍّ وعشقُ مراهقِ
وليسَ سوى أن تحتويني التي لها
تشبُّ عن الطوقِ الخفيِّ حدائقي
تؤنِّثُ أشيائي بأنفاسِ صيفها
ونثرٍ خريفيٍّ وسربِ زنابقِ
كنسوةِ مايكل أنجلو.. وحديثها
يراودُ شمسَ البُنِّ عن حقلِ خافقي
تقيسُ خطى قلبي أصابعُ وردها
سُدىً بكؤوسِ الشايِ أو بالملاعقِ
وإن عانقتني مرَّةً بمجازها
تكسَّرَ ضوءُ المشتهى في حقائقي
*







ما من امرأةٍ تمسُّ دمي وتنجو (VIII)



(1)


أُدرِّبُ نفسي على قولِ لا
وعلى الرقصِ قبلَ طقوسِ الغناءِ
على الركضِ عندَ حوافِ الظهيرةِ
أو حولَ خصرِ بحيرةِ إحدى النساءْ
أُدرِّبُ نفسي على ريِّ أعلى النباتاتِ
في شرفةِ امرأةٍ من سرابٍ ومن فضَّةٍ
أو حليبٍ شفيفٍ.. لأنَّ المساءَ
قصيدةُ نثرٍ ضروريَّةٌ
كالهواءِ.. كرجعِ الصدى..
كالندى.. كحروفِ النداءْ
أُدرِّبُ نفسي على
تتبُّعِ سربِ العصافيرِ في زرقةِ الفجرِ
أو قولِ لا
فالرياحُ تغنِّي: الذي راحَ راحْ
ونوَّارُ ليمونةِ الليلِ يهطلُ
فوقَ الشبابيكِ..
يا وردةَ الجسدِ المشتهى
هل رأيتِ دمي في عروقِ الرخام؟
يا اشتعالَ عناقاتنا وخطانا
على ورقِ الماءِ أو في الغمامْ
الذي راحَ راحْ
يا سماءَ الجراحْ
والقواريرُ مالتْ على طرفِ القلبِ والنافذةْ
..................
..................
رفعتُ يدي للنوارسِ
بعدَ نهارِ الهواجسِ
وانطفأتْ شمعةٌ في الظلامْ
*


(2)


في القلبِ شبَّاكانِ منسيَّانْ
يتفتَّحانِ على حدائقِ بابلٍ وضرورةِ العبثيِّ في المعنى
أو المنسيِّ في الأحلامِ..
والتقبيلِ في نيسانْ
ظلُّ القصيدةِ في تفاصيلِ الحياةِ دخانُ عنقاءٍ
فكيفَ أقيسُ أيَّ مسافةٍ ضوئيَّةٍ
بينَ العبارةِ والمحارةِ
بينَ أضغاثِ الرؤى وخطايْ
بأصابعِ الشغفِ الضريرِ أمامَ ليلِ ضراوةِ الرمَّانْ
ستقولُ لي امرأةٌ تُعالجُ بالنعاسِ من الكآبةِ: في الجحيمِ أعيشُ..
شغلي نقلُ جمرِ جهنَّمٍ والرقصُ أحياناً مع النيرانْ
سيقولُ لي رجلٌ كثيرُ الحُبِّ: في رمضانَ أشهدُ.. كانَ يشهقُ
حينَ فاضتْ روحهُ عندَ الظهيرةِ صائماً..
قلبي على من ماتَ في رمضانْ
الشمسُ في قلبي وقلبي مثلُ طيرٍ تائهٍ
والعاشقانِ تقاسما أشعارَ طاغورٍ
ورائحةَ السنابلِ..
حبَّةَ العنبِ الأخيرةَ
ساحلَ الليمونِ
صمتَ الليلِ والأيدي
وأوَّلَ شهوةِ الأغصانْ
في القلبِ شبَّاكانِ منسيَّانْ
*


(3)


لأنَّ الليلَ روحُ النايِ أو جسدُ الكمنجةِ
واشتعالُ الظِّلِّ بالجيتارْ
طريقُ العائدينَ إلى إيثاكا الحلمِ والأسرارْ
أقولُ: تعلَّمي لغةَ الحديقةِ أو كلامَ النحلْ
لتأخذكِ الأُنوثةُ من أصابعكِ الحريرِ إلى سماءِ النخلْ
لأنكِ نصفُ زائرةٍ أُقلِّمُ باسمكِ الأزهارْ
وأتركُ في القصيدةِ ماءَ قبلتكِ الخريفيَّة
ليشربهُ سوايَ..
لأنَّ كلَّ حرائقِ الشعراءْ
تصبُّ على خطايَ
صحبتُ أنكيدو ولم أسألهُ عن شيءٍ
لأنَّ نوارسَ الغرباءِ تغفو في الظهيرةِ
كانتِ الغابةْ
ترشُّ الماءْ
على عطشِ النساءِ العائداتِ من الحقولِ أو الأغاني
كيْ تؤنِّثَ كلَّ ما فيهنَّ من أشجارْ
ويأتي صوتكِ الصيفيُّ عاصفةً من الحبقِ
أهزُّ نخيلهُ هزَّ السحابةِ ليس يمطرني سوى أرقٍ على أرقِ
وكامرأةٍ من المرآةِ تخرجُ
من صدى خلخالها في القلبِ مطفأةً ومسبيَّةْ
تبدَّدَ وردُ عمركِ في البحيرةِ.. ذابَ.. يا أوفيليا البيضاءْ
ولم أكُ غيرَ ظلِّي في فراغِ نهاركِ النثريِّ
فيما كنتِ أنتِ وحيدةً يا شهرزادُ
ولمْ أجدْ حولي ضفائرَ شعركِ الذهبيِّ صاخبةً ومنسابةْ
ويا حوَّاءُ آدمكِ المشرَّدَ كنتُ أركضُ في دروبِ رياحكِ الخضراءْ
فيدميني القرنفلُ.. كم من امرأةٍ أراها فيكِ
تأخذني لزهرتها النديَّةِ في طريقِ التبرِ
نابضةً وعابقةً وذائبةً من الوهجِ
ولكن حينَ تنسلِّينَ من ثوبِ الجمالِ الهشِّ
سوفَ ترينَ دمعكِ في عيونِ الآخرينَ
وروحكِ الأُخرى موزَّعةً على المُهَجِ
*







(4)


للذئبِ عينٌ وقلبٌ يشتهي ويدُ
ولي بنفسجكِ الوهَّاجُ..
لي الحجرُ السحريُّ
دندنةُ الراعي
الصدى / الجسدُ
غيمُ المرايا، رمادُ الطلعِ.. مكحلةٌ
خضراءُ كالريحِ، تشفي من بهِ رمدُ
للذئبِ دمعٌ مجازيٌّ يضيءُ فأستهدي
بهِ وأرى ما لا يُرى.. مثلاً
سفينةَ السندبادِ / الكونَ / مملكةَ الفينيقِ
أطلنطسَ الكبرى / الفراعنةَ / العنقاءَ
صوتَ فحيحِ الحُبِّ.. أو قُبَلا
تطيرُ مطفأةً تحتَ الشتاءِ وفي
أقصى دمي طولَ ليلِ الصيفِ تتقِّدُ
لا نهرَ.. لا غابةٌ.. إلَّاكِ.. لا لغةٌ
تأتي لأكتبَ في حوريَّةٍ غزلا
تدثَّري بصهيلي.. دثِّري ورقي
بزمهريركِ.. حُكِّي خصركِ الوجلا
بزهرِ عبَّادِ شمسٍ.. أو بموسيقى
شوبانِ...
جيتارتي فوقَ ظهري، نجمةٌ بردتْ
وسادتي.. بصراخِ الوردِ أحتشدُ
مثلَ المحاربِ في ظلِّ القصيدةِ أسرابُ الفراشاتِ
تسري بي وتتَّحدُ
توسَّديني كأني الأرضُ أو حبقُ الغاوينَ في كلِّ وادٍ...
وسدِّي جسدي
كلُّ النهودِ وسادٌ حينَ تُتَّسدُ
كلُّ النساءِ بلادٌ.. أينَ لي بلدُ؟
............................
............................
للذئبِ عينُ وقلبٌ يشتهي ويدُ
ولي بنفسجكِ الوهَّاجُ..
لي الأبدُ
*




(5)


لا تكتبْ عشرَ قصائدَ سهلةً في اليومِ
فالسهولةُ تغريكَ بتتبُّعِ المنحدراتِ الخطرةِ
والأنهارِ الجافَّةِ في الدفاترِ القديمةِ
النجومُ تضيءُ من تلقاء ذاتها
والأيائلُ تركضُ برغبةٍ فطريَّةٍ
والعصافيرُ تُغنِّي لحاجتها أن تُغنِّي
لا تجُرَّ القصائدَ كالجارياتِ المملوكيَّاتِ مثلَ نخَّاسٍ بغيضٍ
آن أن تعرفَ أن عصرهنَّ انتهى
ومساحيقَ التجميلِ لا تخلقُ جمالاً ولا أُنوثةً..
مساحيقُ التجميلِ خرقةٌ من قطعةِ غيمٍ
تمسحُ بها النساءُ وجوههنَّ
لإزالةِ ما علقَ بها من خيوطِ عنكبوتِ الزمنِ
تكفيكَ قصيدةٌ واحدةٌ عصيَّةٌ
خضراءُ كالنارِ أو كأعماقِ البحرِ
شفَّافةٌ كمعنى الحبِّ
وحيدةٌ كليمونةٍ في القلبِ
تكتبها في عشرةِ أيَّامٍ
تدسُّها تحتَ السريرِ أو تفقدها في تجوالكِ اليوميِّ
في شوارعِ الاستعارةِ والكنايةِ
كأنها مفتاحُ قلبكَ المجازيُّ
تكفيكَ قصيدةٌ واحدةٌ
تنساها (عن قصدٍ) في ثيابِ إحداهنَّ
أو على مقعدٍ في حديقةٍ مهجورةٍ
*



(6)


يتقاسمني رجلٌ وامرأةٌ، كلٌّ يبحثُ عن آخرهِ في الأشياءِ
يفتِّتُ سورَ الرغبةِ بأظافرهِ الطينيَّةِ
يصرخُ من قاعِ المدنِ الغرقى ممدودَ الكفَّينْ
يراودُ معنى زنبقةٍ تتفتَّحُ عن رؤيا الشفتينْ
رجلٌ وامرأةٌ..
هو يتناسلُ منها.. يتركها تتزيَّنُ ليلاً لحبيبٍ وهميٍّ
ينساها فتشبُّ حرائقها الكبرى في عينيهِ
وقصائدها تتوهَّجُ في دمهِ كالجمرةِ في الريحِ
يناديها كسرابيٍّ: يا ليلى يجرحني لونُ الشامةِ في صدركِ..
يتذكَّرُ نبضَ أصابعها في وحدتهِ
ورذاذَ الضوءِ على ركبتها
وهي تراهُ بفنجانِ القهوةِ، في مرآةِ أُنوثتها..
وعلى لمعانِ الجوهرِ في خاتمها الذهبيِّ
وفي دفترِ نثرٍ منسيٍّ منذُ طفولتها..
مكتوبٌ في أوَّلِ سطرٍ فيهِ
الفكرةُ حمَّالةُ أوجه..
أقصدُ.. حمِّالةُ نهدينْ
وجعي يتكوَّرُ كالغيمةِ في جوفِ الأرضِ
وكالدمعةِ حولَ العينينْ
*


(7)


أتذكَّرُ أم يا تُرى كنتُ أحلمُ، بلَّلني مطرٌ قاحلٌ أخضرُ الرملِ.. شمسُ القصيدةِ خضراءُ.. نيسانُ ألفينِ واثنينِ أو قبلَ ذاكَ بعامٍ.. كتبتُ بلا كلماتٍ.. تدَّثرتُ بالأُقحوانةِ أو بالرذاذِ الخريفيِّ.. كانتْ حياتكِ أجملَ يا امرأتي، كانَ يكفي ابتسامُكِ كي تزهرَ الأرضُ، أو كي تهبَّ العصافيرُ من شرفةٍ في الشمالِ، لمن تتركينَ نباتاتِ بيتكِ بعدَ الظهيرةِ؟ في القلبِ عاصفةٌ وبحيرةُ فلٍّ، وفي القلبِ أيضاً ضبابٌ يضيءُ التباسَ الكنايةِ، ماذا سأكتبُ والماءُ يشطبُ ظلَّ العبارةِ؟ يا ليتني كنتُ في عامِ ألفينِ واثنينِ أو قبلَ ذاكَ بعامٍ قصيدةَ حبٍّ بلا كلماتٍ، ندىً في حزيرانَ، نثراً خفيفاً، صدىً للبحيرةِ أو مطراً في عشيَّاتِ نيسانَ، هل يا تُرى كنتُ أحلمُ أم كنتُ أكتبُ وحدي جدالَ الحمامةِ للغصنِ؟ نيسانُ مكحلةٌ للطبيعةِ، بوصلةٌ لقلوبِ النساءِ، ونيسانُ زنبقةٌ في فمِ الريحِ، والطائرُ النرجسيُّ الجريحُ...
*

(8)

الذهابُ المواربُ في لوحةِ الحائطِ الزيتِ
أبلغُ من أن يفسِّرَهُ شاعرٌ..
قيلَ لي: شجرُ الحَورِ يبكي على زمنٍ ضائعٍ..
قلتُ: يا ليتني وترٌ في الكمنجةِ..
شابتْ نواصي دمي
وحزيرانُ لا يتغيَّرُ
مرَّ التتارُ
ومرَّ النَّهارُ خفيفاً على وجعي
لم أجدْ أحداً في انتظاري
ولم أقتفِ الطيرَ خلفَ سماءِ الأساطيرِ
أو أثرَ الرملِ فوقَ جناحِ الفراشةِ
أو في المعلَّقةِ الجاهليَّةِ..
لا تحتويني قصائدُ طارتْ مع الريحِ..
هذا الذهابُ المواربُ أبلغُ من أن أُفسِّرهُ
بالحنينِ إلى امرأةٍ من سرابْ
*


(9)


وردةٌ في السريرِ وكحلٌ خفيفٌ لماءِ الأصابعِ
أو للندى الدائمِ الاخضرارْ
لأجملِ قمحيَّةٍ في النساءِ
لها حنطةُ الشِعرُ أو زهرُ رُمَّانةٍ في الجدارْ
ولها خمرةُ الحبُّ تشفي قلوبَ العصافيرِ من لسعةِ النارِ..
قمحيَّةٌ ولها قمرٌ ضائعٌ في فلاةِ الذئابِ
وليلكةٌ نصفُ مطويَّةٍ في الثيابِ
وحياتيَ مضغوطةً في كتابٍ على الرَّفِ
منسيةً بينَ هاويتينِ
ومحشورةً في ظلالِ الغبارْ
سيأتي غريبٌ ويحملها ثمَّ يكملُ بيتَ المغنِّي:
الحمامُ الذي لكِ في القلبِ راحَ يجوبُ الديارْ
*

(10)


في ملتقى النهرينِ تُلقيني القصيدةُ
ثمَّةَ امرأةٌ وثمَّةَ عاشقٌ أعمى
ولستُ كطرفةِ ابنِ العبدِ كيْ أمضي لمخدعِ رغبةِ الصحراءِ
أعرفُ أن هاويتي معلَّقةٌ بخيطِ قصيدتي في ملتقى النهرينِ
أعرفُ أن ليلَ قصيدتي حبقٌ توهَّجَ في الدماءِ..
تقودني عينايَ..
لي لغةٌ بأطرافِ الأصابعِ تلمسُ الوترَ الخفيَّ
ولي مجسَّاتٌ تشمُّ صدى ارتطامِ الضوءِ
في أقصى الكواكبِ بالرخامِ..
متاهتي وقصيدتي زرقاءُ..
لكن لا كؤوسَ ولا إناءَ لديَّ
لا خمرٌ يضيءُ رمادُها بدماءِ (وردِ) المستحيلةِ
في بكائيَّاتِ ديكِ الجنِّ..
أعرفُ.. ما من امرأةٍ تمسُّ دمي وتنجو
من نداءاتِ الخريفِ ومن أغاني الكحلِ
أعرفُ.. ثمَّةَ امرأةٌ يعرِّي جسمها ورقُ الشتاءِ
إذا استحمَّتْ بالكنايةِ..
وادلهمَّتْ بالزنابقِ والحرائقِ والغمامْ
*

(11)


زرقةٌ لنساءِ بيكاسو وأحلامِ دالي
المتاهةُ لن تنتهي
سوفَ يأتي نهارٌ تملُّ من الركض فيهِ
وتتعبُ من مهنةِ الشعراءِ التعيسةِ...
تحشدُ من ليسَ تعرفهم من رجالٍ ومن نسوةٍ
من قرىً في الجبالِ
ومن مدنٍ في شواطئَ للضوءِ لا تنتهي
من مرورِ النسيمِ على العشبِ
من طينِ شهوتكَ الآدميَّةِ
من فضَّةِ القلبِ
من ذكرياتكَ.. من أغنياتكَ
هذي المتاهةُ لن تنتهي أبداً
بينما الغرباءُ يمرُّونَ
من نقطةِ السطرِ والماءِ
من ثقبِ نايِ الرعاةِ
وكالنبتةِ الفوضويَّةِ ينمونَ في حائطٍ مهملٍ
أو شقوقِ أغاني الحصادِ
ستتعبُ من مهنةِ الحشدِ
أو يذبلُ الوردُ عندَ حوافِ النوافذِ
أو تختفي نجمةٌ من سياجِ الحديقةِ
أو يتعثَّرُ قلبكَ في الليلِ
من فرطِ ركضكَ في لوحةٍ لكتابِ الوجوهِ
سيخذلكَ الآخرونَ وتأوي وحيداً
إلى شغفٍ أطفأتهُ الخطى في سريرِ الرمادِ
*


(12)


أحتاجُ وجهكِ أو زهورَ يديكِ، شهدَ قوامكِ المجدولِ
شمسكِ، ماءكِ الرقراقَ، نبضَ غيومكِ البيضاءَ
كيْ اشتاقَ أو أمشي على زبدِ السحابِ، وكيْ أهيمَ بكلِّ وادٍ..
أو أخطَّ قصيدةً سريَّةً برموشِ عيني
أو أذوقَ عبيرَ فاكهةِ الأنوثةِ أو بخورَ الصيفِ..
علَّمني جفاؤكِ كيفَ أصمتُ والقصائدُ في شراييني تضجُّ
وكيفَ أحلمُ والحياةُ تصيحُ كالكابوسِ في نومي
وعلَّمنى قياسَ هشاشةِ الشعراءِ في أوجِ الخريفِ وفي انطفاءِ الليلِ
أو معنى التلعثُّمِ باليدينِ وبالشفاهِ على رخامِ الشِّعرِ أو ورقِ المياهِ..
فلا تكوني العشبَ في الرؤيا ولا سهراً إضافيَّاً..
قصائدَ لا تنامُ، وقطَّةً تغفو على بابِ الحديقةِ أو على درجِ البنفسجِ..
لا تكوني الكحلَ في دمعِ الحمامِ الساحليِّ
وخيطَ ماءِ الأغنياتِ
ولا تكوني لي.. فما أحببتِ يوماً غيرَ نفسكِ
أو ظلالَ المرأةِ الأخرى..
ومالي في الحياةِ سوى صدى شغفي الذي أكلَ اللسانَ..
كأنَّما أكلَ الجرادُ حديقةً سريَّةً للذكرياتِ.. وسفَّ خمرَ القلبِ..
مالي غيرُ خيطِ علاقةٍ بينَ انزياحِ الضوءِ في لغتي
وبينَ الظلِّ في المعنى
وبين يوتوبيا الأحلامِ والديستوبيا..
أحتاجُ وجهكِ أو حفيفَ خطاكِ فوقَ مجرَّةٍ منسيَّةٍ
لأكونَ بيتَ جمالكِ الأبديِّ أو قنديلَ روحكِ
نثركَ البحريَّ وهو يضيءُ من وجعِ النوارسِ
رفَّةَ البرديِّ في قاعِ البحيرةِ
ريشةَ العنقاءِ في قمصانِ عشَّاقٍ قدامى
رقصةً غجريَّةً
ونداءَ زهرِ التوتِ أو حجلَ الظهيرةِ
قُبلةً مطويَّةً في آخرِ الديوانِ
سرَّاً لاشتعالِ الأقحوانْ
*












سيرةٌ شعريَّة


نمر سعدي من بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها.
يتميز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة، يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة، موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة، عربية وشرقية، ومنها العامة، أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي، ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة.
نمر سعدي واحد من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة، وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية، وقصيدةَ النثر.
كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007.


صدرَت له الدواوين الشعرية التالية:
عذابات وضَّاح آخر / 2005 / مطبعة فينوس/ الناصرة
موسيقى مرئية / 2008 / منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
كأني سواي / 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب / 1 كأني سواي / 2 نقوش على جناح نورسةٍ زرقاء/ 3 أزهار أولى ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
يوتوبيا أنثى / 2010 / منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
ماء معذَّب / 2011 / منشورات مجلة مواقف / الناصرة
وقتٌ لأنسنةِ الذئب / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة
تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة
وصايا العاشق / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة
موسيقى مرئية / طبعة ثانية / 2015 / دار سؤال/ بيروت / لبنان
رمادُ الغواية / 2017 / دار الانتشار العربي/ لبنان/ بالتعاون مع نادي الباحة الأدبي / المملكة العربية السعودية
استعارات جسديَّة / 2018 / دار العماد للنشر والتوزيع ومركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية / مصر
تقاسيم على مقام الندم / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر

ولهُ في النثر


غبارُ الوردة (نثر) / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر
كحلُ الفراشة (نثر) / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر



تُرجمت له عدة قصائد إلى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية، ونشر قصائده ومقالاته في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية مثل كيكا والندوة العربيَّة والحوار المتمدِّن والمثقَّف وديوان العرب وجماليا ومركز النور، وفي المجلات والصحف المحلية مثل الشرق ومواقف والاتحاد وكل العرب والأخبار وفصل المقال والحياة الجديدة بالإضافة إلى نشرهِ في مجلات وصحف العالم العربي المرموقة مثل الدوحة القطرية والنهضة السورية والأهرام المصرية والقدس العربي وعكاظ السعودية والخليج الاماراتية والعرب اللندنية والعربي الجديد والنهار اللبنانية وغيرها.
كما أنَّ لمجلة الكلمة الالكترونية التي تصدر في لندن ويحرِّرها الناقد المصري الكبير الدكتور صبري حافظ دوراً هاماً في التعريف بتجربة نمر سعدي الشعريَّة من خلال نشرها لقصائدهِ ونصوصه النثرية ودواوينه.
صدر في مطلع عام 2019 عن دار "روافد للنشر والتوزيع" في القاهرة / مصر كتاب نقدي بعنوان (ذاكرة لازوردية) "قراءات وشهادات في تجربة نمر سعدي الشعريَّة" لمجموعة من المؤلفين.







يتنامى فيضُ الإيقاع في قصيدةِ الشاعر نمر سـعدي، ويزدادُ توتراً، مع كلِّ خليةٍ من خلايا النصِّ، ليتجاوز إيقاعَ البحر المفرد أو لحظة الوزن العابرة، صاعداً الى انفتاح البحور المركبة، التي تستوعب التموُّجات الوجدانية والنفسية في فوضاهـا وتوترهـا، أو صعودهـا وهبوطهـا المتلاطم.
يلتقي في قصيدته فرحان طاغيان: فرحُ الحياة وفرحُ اللغة، في عناقٍ حميم. وتتشرَّب هذه القصيدةُ، حدَّ الاشتعال، حركةَ الحياة وفيوضَها الوجدانية والروحية واللغوية. وبذلك فهي قصيدةُ الانتماءِ الحيِّ الى تعبِ الكائن وشغفهِ، الى بهجتهِ الحارة أو ذبولهِ المريع.
ولا تتحرَّك قصيدةُ نمر سـعدي، لاهيةً أو محايدةً، خارج حركة الحياة وتحولاتها الدائمة، بل نجدُ العكس تماماً، صهيلَ الجسد وشهواتِهِ وانكساراتِهِ العذبةَ أيضاً. فيها تتشَّكل المرأةُ والكونُ واللغةُ في عجينةٍ واحدةٍ، لا يمكن تجزئة عناصرها الجماليَّة أو محمولاتها الوجدانيَّة والدلاليَّة.


د. علي جعفر العـلَّاق
شاعر وناقد وأكاديمي من العراق

***




يمتازُ شعرُ نمر سعدي بتنوُّعِهِ الموسيقيِّ عمودًا وتفعيلةً ونثرًا، فهو من القلَّة القليلةِ التي تستقبلُ القصيدةَ حبيبةً بالزَّيِّ الذي تأتي به بدويًّا كانَ أو عصريًّا، سافرًا أو محجَّبًا ، يكفي أن تكونَ لها رائحةُ الأنثى التي لا تُخطئُها العينُ والقلبُ.
معظمُ النصوصِ فائقةُ الشّعريَّة، كأنَّه يغرفُ من وادي عبقرَ، أو من جبلِ
الأولمب، ثمّ يغدقُ علينا بوابلِ نجومِهِ التي تشعُّ في سماواتٍ عاليةٍ وبعيدةٍ.
اللغةُ عندَهُ حيَّةٌ ناطقةٌ بعيدةٌ عن المعجميَّةِ، فهي لغةٌ ولودٌ، ذاتُ دلالاتٍ وأبعادٍ بلاغيَّةٍ، يسيطرُ عليها، ويلوِّنها، ويقدِّمها لنا وليمةً عامرةً بما لذَّ وطابَ.
الصورُ جديدةٌ مبتكرةٌ حتى تلكَ التي تبدو قديمةً يُضفي عليها من روحِهِ الحداثيَّةِ التي تستلهمُ من القديمِ، وتتجاوزُهُ في الوقتِ نفسِهِ.
شعرُه نهرٌ جارٍ بتؤدةٍ وأناةٍ، يمنحُ ضفافَهُ الخضرةَ والجمالَ.
نمر سعدي شاعرٌ يجعلُكَ تشعرُ أنّ قصيدتَهُ وطنُكَ، ولو كنتَ في أبعدِ منفى.

جميل داري
شاعر وناقد من سوريا



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة التجارب الجديدة في الشِعر الفلسطيني
- القصيدةُ أنوثةٌ غامضة
- شبابيكُ عشيقاتٍ منسيَّات
- لاعب النرد والكلمات
- أعيش كنهر وحيد
- تأملات جماليَّة في قصيدة الشاعر فرحات فرحات
- يرصدُ تحوُّلات العاشق بأسلوب مشبع بالدلالات
- ديوان (استعارات جسديَّة) الصادر في عام 2018 عن دار العماد لل ...
- ايقاعات رعوية
- مطرُ الغريب(قصائد عن ليلِ المعنى)
- حنينٌ يستيقظ في الظهيرة
- لو تأخَّرتِ قليلاً عن غوايتي
- وردٌ على رمادِ القصيدةِ (مرايا نثرية 9)
- استعارات جسديَّة
- عن الشعر والأنوثة وأوَّل المطر/ مرايا نثرية(8)
- أربع قصائد
- قوسُ قزحٍ على جبلِ الكرمل (مرايا نثرية7)
- أحمد حسين.. شاعر حيفا المعذَّب بجمالها
- مرايا نثرية 6
- مرايا نثرية 5


المزيد.....




- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - ديوان -نساء يرتِّبنَ فوضى النهار- منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية 2021