أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - سعدي يوسف.. تلميذ السيَّاب الأنجب ومتمِّمُ قصيدته














المزيد.....

سعدي يوسف.. تلميذ السيَّاب الأنجب ومتمِّمُ قصيدته


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6931 - 2021 / 6 / 17 - 22:22
المحور: الادب والفن
    


نمر سعدي / فلسطين



"سأرحلُ في قطارِ الفجرِ
شَعري يموجُ، وريشُ قُبَّعَتي رقيقُ
تناديني السماءُ لها بُروقٌ
ويدفعُني السبيلُ بهِ عُروقُ
سأرحلُ…
إنَّ مُقتبَلِي الطريقُ
سلاماً أيها الولدُ الطليقُ!
حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ
ترى الأشجارَ عندَ الفجرِ زُرقاً
وتلقى الطيرَ قبلكَ يستفيقُ"
أخيراً رحل في قطار الفجر.. وترجَّل عوليس القصيدةِ العربيَّة كالنسر المدمَّى الجناحين عن قمَّة الألم، لاحقاً بوحيده وفلذةِ كبدهِ حيدر، ألقى سعدي يوسف عصا الترحال واستقرَّ بهِ النوى في بلاد الضباب والأزهار الاصطناعية.. بعيداً عن بساتين دجلة وشموسِ أبي الخصيب ونوافذ النخيل وأضواءِ السواقي الصغيرة وغناء الصبايا السمر في جنوبِ العراق.. يا لها من لحظة مغمَّسةٍ برمادِ الفجيعة، سعدي الذي تربَّى معظم الشعراء العرب على قصائدهِ التي أثَّثت مخيالنا الإبداعي وذاكرتنا الشعريَّة.. سعدي الشعراءُ في شاعرٍ.. المترجمون في مترجم.. وووو.. مرَّة سألته عن علاقته بالسيَّاب وأثر السيَّاب على تجربته.. تنهَّد واسترسل: "بدر الحقيقي العميق صعب، في أنشودة المطر يحذف كلمة اللؤلؤ من أحد سطور القصيدة لحقيقة علمية تقول أن الصدى لا يردِّدُ حروف اللين.. كانَ يكنُّ احتراماً للشعر حتى هذهِ الدرجة".
يتبادر إلى ذهني قولٌ لأحد مذيعي إحدى القنوات الأدبية مقدمَّا سعدي في حوار أدبي متلفز.. "سيكون معنا سعدي يوسف.. أكبر الشعراء العراقيين الأحياء" وأضيف أنا "وأكبر الشعراء العرب الأحياء".. كتب سعدي يوسف كثيراً.. كتب كما لم يكتب شاعر عربي من قبل،منذ البحتري وابن الرومي، تنفَّسَ الشعر وعاشَ القصيدةَ كما ينبغي.. وخاضَ التجربة بكل أبعادها وتفاصيلها واجتراحاتها وانزياحاتها وفتوحاتها، جماليَّةُ قصائده مذهلة.. لغته مشتعلة.. مزهرة.. شاعرٌ لا يتكرَّر.. مذهلٌ حدَّ الإرباك.. يعرفُ كيفَ يستولي على قلبِ القارئ ويتوَّغلُ فيه، يشيرُ للقصيدةِ فتتبعهُ كأنها مسرنمة.. يناجيها فتجيبهُ.. كيف لشاعر يستدعي القصيدة فتجيبهُ..؟! كأنها على موعد معهُ.. أو كأنها تجري في دورتهِ الدمويَّة، أسرَّ لي مرةً أنه يشعرُ وكأنهُ يكتب أوَّل قصيدة لهُ في كل مرَّة يجلسُ مراوداً فيها القصيدةَ عن نفسها.. عاش سعدي كما ينبغي لشاعر أن يعيش.. رسم تفاصيله الصغيرة بريشة فنَّان محترف.. مزجَ امرئ القيس بشكسبير.. أبا تمام بت س اليوت.. المتنبي بغرائبية ويتمان.. لوركا بطرفة ابن العبد.. شاعرٌ أشبهُ بموجة أو تنهيدة تمحو الفاصل بين المتن والهامش. يانيس ريتسوس العربي، كتابته مزيج غامض وعبقري من أسلوب السيَّاب وأبي تمَّام.. لوركا وويتمان.. ذكرَّتهُ بقولته في أحد حواراته الطويلة أنه لا يحتاج من كلِّ مدوَّنةِ البشريَّة الشعريَّة سوى لديوان أوراق العشب وديوان أبي تمَّام لو قدِّرَ لهُ أن يختارَ عزلته وجزيرته النائية، تجدُ في جملته إشراقات الشعر الصيني والشرق آسيوي متجاورة مع التماعات ومقاربات الشعريَّة العالميَّة، الأوروبيَّة والأميركيَّة. ولكن نفس السيَّاب واضح فيما وراء السطور.. كيف لا وسعدي هو التلميذ الأنجب لرائد الحداثة والامتداد المطوَّر له.. لوركا أيضاً يشعُّ بأقمارهِ وغاباتِ الزيتون ونوافير الورد والرياحِ الخضراء. كأنَّ سعدي موجز شعري جمالي واختصار بديع لجميع شعراءِ الأنسانيَّة.
سعدي علَّمنا أبجديَّة الضوء وحرَّر لغتنا من زوائد البلاغة، أحاطنا بحنان الأب وأحطناه بالحب.. محط أنظارنا والأفئدة.. شعراء لا يحصون تعلَّموا منه.. كلٌّ يطيل التحديق في أساليبهِ.. منحوتاتهِ.. تنويعاته المجازيَّة.. تجربته الغنيَّة الممتدَّة على مدار سبعة عقود، كلٌّ يريد اللحاق والتأثُّر به.. كان القدماء إذا قالوا المدينة فإنما يقصدون روما وإذا قالوا الخطيب فإنما يعنونَ شيشرون.. أما تاريخنا الأدبي الحديث فسيذكر أننا إذا قلنا الشاعر فإنما نقصد سعدي يوسف.. فتى البصرة الناحل الذي ملأت قصائدهُ الدنيا وشغلت الناس.. العلامة الفارقة والإضافة الاستثنائيَّة الأهم والأكبر في تجربة شعرنا العربي الحديث.
رحلَ السيَّاب في ذروة الشبابِ وفي أوج نبوغهِ الشعري ولكن سعدي يوسف برهافتهِ وبشفافيَّة روحه الشاعرة وموهبته النادرة توَّغلَ في الغابةِ الاستوائيَّةِ وفي بريَّةِ المجازات أكثر.. توغَّل كما لم يتوَّغل شاعر عربي حديث من قبل.. كانت القصيدة وصيفته الأبديَّة.. غزالة شمسهِ النافرة.. حارسةَ الحلم.. والقريبةَ كأصابعِ العاشقةِ حولَ وجهِ البحيرةِ.. معجونةً بنبض قلبهِ وأقربَ من حبل وريدهِ أو تجري في مجرى أنفاسهِ.. مغسولاً بأمطارها ومحترقا بها.. ومضيئا ليلَ غوايتها بقنديل ليمون في قلبهِ.. كانَ الامتداد الحقيقي الأعمق والأجمل والأكمل لتجربةِ بدر المتجدِّدة.. النابضة.. والتي يهبُّ صداها من وراء الخلود ومن كوى الأحلامِ المورقة...
مغزى كلامي أنه لو امتدَّ العمرُ بالسيَّاب كما امتدَّ بسعدي فأغلبُ الظنِّ أنه سيكتبُ منجزاً يسبحُ في فضاء واحدٍ مع منجز سعدي الشعري.. مع تفرُّد صوت سعدي لاحقا في بداية السبعينيَّات وكتابته لقصائد ممتازة تشكِّلُ علامات جماليَّة رئيسيَّة لم ينجُ من منحوتاتها وتأثيراتها أي جيل شعري لاحق...
ليس يمْكِنُ للمرءِ، أن ينتقي، كلَّما شاءَ
في لحظةٍ، أصدقاءَ قَدامى
ومثل البيوتِ العتيقةِ
مثلَ قِلاعِ الممرَّاتِ
مثل الخيولِ الـمُسِنَّةِ
يمضونَ عاماً فعاما
وأنتَ ستمضي إلى حيثُ يمضونَ
في نِعمةٍ من نُعاسٍ
وفي نغمةِ النايِ إذْ تتلاشــى تماما
وداعا سعدي.. أيها الأخضر بن يوسف.. يا حوذيَّ القصائد والمرايا والرياح والمنافي.. لمن ستتركُ لبلابَ حمدانَ خلفكَ.. لمن؟!



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان -نساء يرتِّبنَ فوضى النهار- منشورات وزارة الثقافة الفل ...
- محنة التجارب الجديدة في الشِعر الفلسطيني
- القصيدةُ أنوثةٌ غامضة
- شبابيكُ عشيقاتٍ منسيَّات
- لاعب النرد والكلمات
- أعيش كنهر وحيد
- تأملات جماليَّة في قصيدة الشاعر فرحات فرحات
- يرصدُ تحوُّلات العاشق بأسلوب مشبع بالدلالات
- ديوان (استعارات جسديَّة) الصادر في عام 2018 عن دار العماد لل ...
- ايقاعات رعوية
- مطرُ الغريب(قصائد عن ليلِ المعنى)
- حنينٌ يستيقظ في الظهيرة
- لو تأخَّرتِ قليلاً عن غوايتي
- وردٌ على رمادِ القصيدةِ (مرايا نثرية 9)
- استعارات جسديَّة
- عن الشعر والأنوثة وأوَّل المطر/ مرايا نثرية(8)
- أربع قصائد
- قوسُ قزحٍ على جبلِ الكرمل (مرايا نثرية7)
- أحمد حسين.. شاعر حيفا المعذَّب بجمالها
- مرايا نثرية 6


المزيد.....




- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - سعدي يوسف.. تلميذ السيَّاب الأنجب ومتمِّمُ قصيدته