أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!














المزيد.....

ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 14:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




غالبا"ما ترد على أسماعنا عبارة شائعة يتداولها الجميع بلا أدنى حرج مفادها ان (التاريخ يعيد نفسه) ، وذلك كناية عن الأحداث الساخنة والوقائع الصادمة ، التي يعتقد الناس أنها تعيد نفسها وتكرر ذاتها بصورة دورية رغم اختلاف الأزمنة وتوالي الحقب ، كما لو أن الكرونولوجيا التاريخية تدور ضمن حلقات كونية مغلقة ما أن تشارف على النهاية حتى تبدأ من جديد . والحال هل - يا ترى - حقا"ان في ظاهرة تشابه الأحداث وتماثل الوقائع التي نصادفها في حياتنا الاجتماعية ، ما يدلّ على كونها بمثابة عودة أبدية ونقطة شروع مستأنفة لأفعال وأحداث التاريخ ، أم هي تجل (عرضي) لضرب من ضروب الصدف العديدة التي تقتحم وجودنا وتفرض حضورها الخاطف على نحو غير متوقع وغير مقصود ؟! .
لنتفق منذ البداية على حقيقة أن التاريخ كما يتبدى بصيغة (سيرورة) لا يعيد نفسه أبدا"ولا يكرر ذاته بالمطلق ، من حيث كون طبيعته منوطة بحتمية القوانين الموضوعية الخارجة عن إرادة البشر والمستقلة عن رغباتهم والعصية على توقعاتهم ، والتي من خصائصها أنها تؤطّر وتسيّر معطيات الوجود الطبيعي والإنساني على حدّ سواء . وإنما الذي يحدث في هذا السياق هو حصول ما يمكن اعتباره (تشابه عرضي) لبعض الظروف الخاصة والأوضاع الفريدة التي تفضي ، في بعض الأحيان ، الى حصول مثل هذه الظاهرة أو تلك ، الأمر الذي يعتقده البعض انه كناية عن عودة للتاريخ . وهو الأمر الذي يرجح أن تترتب عليه وتتمخض عنه جملة من العواقب والتداعيات الضارة ، التي ما كان لها أن تنبثق لولا الإيمان بهذا التصور السطحي والاعتقاد الساذج .
ورغم شيوع هذه الظاهرة في معظم مجتمعات العالم سواء منها المتقدم حضاريا"أو المتأخر ، إلاّ أن كثرة وجودها وتواتر حصولها لا تلاحظ بنفس المقدار أو الكثافة بالنسبة لكلا النمطين من المجتمعات ، ناهيك بالطبع عن تنوع مصادرها وتباين سياقاتها ، تتناسب طرديا"كلما كان المجتمع المعني متموضعا"داخل أطوار حقب سوسيو - تاريخية قديمة وراكدة . أي بمعنى أن فرص تكرارها واحتمالات وقوعها تزداد بمعدلات مضاعفة كلما كان مستوى التطور الحضاري والإنساني للمجتمع المقصود يشير الى كونه لا يزال يرسف في أغلال التخلف والانحطاط ، نظرا"لإعاقة السيرورات وتعطل الديناميات المسؤولة عن حراكه وتقدمه ؛ إما لأسباب داخلية أو عوامل خارجية أو كليهما معا".
والحال ما هي الأواليات والسياقات والمعطيات التي توهمنا بأن الأحداث والوقائع التاريخية التي سبق وأن كانت قائمة في أزمان سالفة وفاعلة في ظروف مختلفة ، تظهر أمامنا كما لو أنها وليدة الحاضر وثمرة من ثمار تناقضات واقعه وصراعات جماعاته والتباسات تمثلاته ، بحيث نبيح لأنفسنا – بلا أدنى تحفظ – إطلاق الأحكام المرتجلة على ما يجري أو يحصل ، باعتبارها خاصية غامضة جبل عليها التاريخ ليمارس هذا الضرب من (الاستعادة) الدورية ؟! . والحقيقة ان تفسير هذه الحالة يستدعي منا التحلي بالعقلية والمنهجية التاريخية المقارنة ، التي من شأنها تسليط الأضواء على أوجه التشابه والاختلاف ما بين ظروف وأوضاع ودوافع صيرورة الحوادث أو الظواهر التي حصلت في الفترات التاريخية السابقة ، وبين نظيراتها التي يعتقد أنها (تماثلها) في عوامل التكوين والصيرورة في الفترات التاريخية اللاحقة . وهو الأمر الذي من شأنه أن يجنبنا الوقوع في فخاخ (المغالطة) التي من عواقبها حملنا على إسقاط كل ما يجري أو يقع من أحداث في الزمن (الحاضر) ، على ما وقع وجرى من أحداث في زمن (الماضي) ، بحيث لا نعود نرى في تنوع سيرورات التاريخ وتعدد زمنياته سوى حلقات منسوخة أو متكررة .
وإذا ما حاولنا مقاربة واقع العراق الحالي – خصوصا"بعد واقعة السقوط - وما يجري فيه من أحداث وما يشهده من وقائع ، سنلاحظ ان المجتمع العراقي يعيش (حاضره) القائم كما لو أنه عاش في (ماضيه) المنصرم بكل ما فيه من سيئات وقباحات ، سوى انه توجد بعض الاختلافات القليلة والتباينات الطفيفة بين هذا الزمن وذاك . ولذلك نجد أن المدّ (البدوي / العشائري) الذي كان مسيطرا" في الزمن السابق حين كانت (القبيلة) أقوى من (الدولة) ، استعاد عافيته واستأنف نشاطه كما لم يحظى به من قبل في الزمن اللاحق حيث (القبيلة) و(الطائفة) وأخواتها تتحكم بمقاليد (السلطة) . هذا في حين أن عوامل الاحتقان (الطائفي / المذهبي) التي تسببت بالكثير من التصدعات والانقسامات والصراعات في العهود التاريخية الماضية ، اشرأبت عناصرها بنشاط وحيوية لم تكن تتمتع بهما من قبل ، بحيث تبدو مفعمة بكل ما يؤجج الأحقاد المتراكمة والكراهيات المتفاقمة في الوقت الحاضر .
وهكذا ، فعلى الرغم من ان المجتمع العراقي تبدو عليه علائم (التطور) في مضمار السيرورة (التاريخية) ، إلاّ أنه لا يفتأ يمارس ضروب (التقهقر) في مضمار السيرورة (الحضارية) . أي بمعنى انه كما تقادم وتعاظم وجوده في (التاريخ) ، كلما تراجعت وتلاشت حظوظه في (الحضارة) ، كما لو أنه يعكس عجزا"عضويا"أبديا"عن التوفيق بين كلا المضمارين الإنسانيين . وعليه حين يقول الإنسان العراقي المفجوع بماضيه ، والمقموع بحاضره ، والمخدوع بمستقبله إن (التاريخ يعيد نفسه) ، فهو لا ينطق عن الهوى بقدر ما يعبر عن واقع (حاضر) مرير أبى إلاّ أن يذيقهم طعم الذلّ والهوان ، كما أذاق آبائهم وأجدادهم من قبل شتى صنوف البؤس والحرمان . وعلى هذا الأساس تبدو صيغة القول بأن (التاريخ يعيد نفسه) لوصف الأحوال والأهوال ، أقرب الى الواقع المعاش منها الى الافتراض المتخيل ! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق
- ماركس ومجتمعات ما قبل الكونوليالية - قراءة في كتاب (ماركس وم ...
- مثقفو الطوائف وفتوحات عصر الذكاء الاصطناعي !
- الخلفيات التاريخية ودورها في المسارات الاجتماعية
- مصائر الرأسمال الرمزي في عصر الرقمنة !
- الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل
- اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع ...
- انثروبولوجيا المكان بين الأصول الريفية والميول الحضرية : روا ...
- التاريخ والمؤرخ والوثيقة التاريخية : تفاعل لا تفاضل
- أخلاق الثقافة وثقافة الأخلاق
- الخطاب الثقافي والأجيال البينية : قراءة في اجتهادات أستاذ ال ...
- حدود البنية (اللوجستية) في صيرورة الهوية الوطنية
- مرض عضال الثقافة العراقية : ظاهرة التكاره بين المثقفين !
- المؤرخ وتبعات انبهاره بالتاريخ


المزيد.....




- حركة من محمد بن سلمان تشعل تفاعلا مع أخيه الأمير سلطان خلال ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي: الحرب في غزة ليست بلا نهاية
- -رويترز-: الخارجية الأمريكية تبحث تقديم نصف مليار دولار لمؤس ...
- قوات كييف تحاول تصفية طاقم مدفعية أوكراني لمنع استسلامه للقو ...
- -بعد خلاف حاد.. ماسك يرد على تمنيات ترامب له
- -صندوق الاستثمار الروسي-: ترامب يحصر صلاحية تشديد العقوبات ض ...
- باحث يحوّل قشور الفاكهة إلى تقنية لتخزين الطاقة
- الجيش الروسي يكبد العدو خسائر كبيرة على مختلف المحاور
- هل تستطيع روسيا إخراج إيران من مأزقها النووي؟
- الستاتينات تعزز فرص النجاة من حالة مهددة للحياة


المزيد.....

- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!