صادق جبار حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 01:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في تاريخ العراق الطويل، شهدت البلاد احتلالات وغزوات عديدة، من المغول إلى العثمانيين، ومن البريطانيين إلى الأميركيين، جميعهم دخلوا العراق بقوة السلاح ونهبوا خيراته، لكنهم فعلوا ذلك لصالح دولهم، فكان النهب جزءاً من مشروع استعماري تقليدي ينقل ثروات الشعوب إلى مراكز القوة في العالم. ومع كل ما تحمله تلك الفترات من مآسٍ ودمار، ظل العدو واضحاً، والضرر مفهوماً، إذ أن الاحتلال لم يتظاهر يوماً بأنه وُجد لخدمة الشعب العراقي أو أنه امتداد له بل كان احتلال وغزو خارجي .
لكن المفارقة الأشد مرارة في التاريخ المعاصر للعراق أن من نهب خيراته لم يكونوا غرباء بزيّ الاحتلال، بل من أبناء البلد أنفسهم ، ويحملون الجنسية العراقية ، من السياسيين والمسؤولين الذين جاؤوا بعد 2003، تحت شعارات الديمقراطية والتحرير وبناء الدولة. هؤلاء تسلّموا الحكم، لا لينهضوا بالعراق، بل لينهبوا ثرواته لحسابهم الشخصي، ولصالح قوى إقليمية، وعلى رأسها إيران، التي أصبحت شريكاً خفياً في القرار العراقي، دون أن تطلق رصاصة واحدة لاحتلاله.
الفساد السياسي الذي رسّخه هؤلاء، لم يكن مجرد انحراف شخصي أو ضعف مؤسسي، بل كان مشروعاً منظماً لسرقة الدولة من الداخل. مليارات الدولارات اختفت من الموازنات، ومشاريع خدمية تحوّلت إلى صفقات وهمية، والبنية التحتية للبلاد تركت تتآكل بينما أرصدة السياسيين تتضخم في الخارج. لا كهرباء، لا صحة، لا تعليم، لا ماء نقي، في بلد يعد من أغنى دول العالم بالنفط. لم يكن العدو هذه المرة على حدود العراق، بل في قصور المنطقة الخضراء ومن المحسوبين على العراق.
وإذا كانت جيوش الاحتلال السابقة قد أخذت ما أخذت وغادرت، فإن هؤلاء القادة لا ينهبون فقط، بل يحرصون على إبقاء العراق في حالة دائمة من الفوضى والضعف، لأن قوّتهم لا تقوم إلا على أنقاض الدولة، ومصالحهم لا تتحقق إلا في ظل غياب القانون. بل الأسوأ من ذلك، أنهم يبررون خضوعهم لقوى خارجية باعتبارات مذهبية أو جغرافية، وكأن العراق يجب أن يدفع ثمن الولاء لغيره، لا لأن احتلالاً فرض عليه، بل لأن من يحكمه باع قراره السيادي طوعاً.
إنها خيانة مزدوجة، إذ لم يكتفوا بسرقة المال العام، بل صادروا الإرادة الوطنية، وربطوا مصير العراق بإملاءات دول الجوار، كأنما لا يكفي المواطن العراقي أن يُنهب مرتين: مرة باسم الاحتلال، ومرة باسم “التحرير”.
إنهم أسوأ ما مر على العراق
#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟