مقداد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 22:13
المحور:
الادب والفن
أحببتهما وما زلتُ على حبي لهما: عمتي وجدتي، كلتاهما تحملان الاسم الزكي نفسه: زهرة. في الثالث الابتدائي، الجدة تعطي حفيدها قطعة من الخريط، يذهب الحفيد، ويضع القطعة في الهاون الذهبي اللون، في رمشة عين، صار الخريط مسحوقا، يسكبهُ الحفيد في ماعون استكانة، يهرع للمطبخ، يرش، قليلا من السكر، فوق الخريط، ويقلّبه بأصبعيّ السبّابة والإبهام، وبملعقة الاستكانة، يتناول الخليط الشهي.
(*)
في ضحى الجمعة الثانية ينهض مبكراً، يقصد عمتهُ زهرة، بصوته الطفولي
(صباح الخير عمه) يرى وجهها الصبوح، وقربها مدفأة علاء الدين، تاجها قوري الجاي، وهي تتناول جبن العرب في قطعة مطوية من خبزة تفتوني، وتجيبه:(صباح الخيرات والليرات)... يعود الصبي لأمه، تنقده عشرين فلسا، تمشط شعره، يلبس قاطه الرصاصي الأنيق، خاطه له شيخ خياطيّ الخمسينات في البصرة مسعود محمد حسين، يدس قدمه في الحذاء الاسود (أحذية زبلوق) شارع الوطن، مجاور (مكتبة فرجو) و(عراق سبورت) وعلى مقربة محل(نات للساعات). يعودان من السوق: العمة وابن اخيها، تنادي بعد نصف.. تهديه قطعا من الحلقوم الوردي
(*)
الآن الصبي في مقام الحكمة، مع كل وجبة طعام، يهديهما ثواب الفاتحة.
(*)
في الطريق إلى السوق، تحدثه الجدة، عن الكواكب، وأن والدها سماها زهرة لأن ولادتها بتوقيت اقتران كوكب الزهرة بكوكب المشتري. الآن يتواصل مع جدته في كل ليلة من خلال النجوم، يكون في سطح البيت باحثا عن الكوكبين(الزهرة) و(المشتري)..
(*)
عمة الصبي كانت مزهرة بجمالها، ومحبتها لشقيقاته، وحين سأل الصبي أمه
عن سبب تسميتها بهذا الاسم، بادر والدهُ: عمتك اسمها سبق ولادتها
حدث ذلك حين كنا في حضرة السيدة زينب عليها السلام.
(*)
الآن حين ادخلُ سوق المغايز، ما أن أكون على مقربة من محل(جبار أو الشرب) يقع بصري على بائع خريط، وتمر، وكستناء، فاستروح جدتي، ارى رجلا في سن الحكمة يشتري الخريط بلا مساومةٍ، يتناول قطعة ً صغيرةً، ويبسملُ صامتا يسير بخطى متريثة ً، خلف صبي وعجوز مهيبة.. ثم تقبل نحوهما امرأة مزهرة فواحة، تمسك كفه اليمنى، وتدس فيه جيبهِ مكعباتٍ وردية ً.. الثلاثة يسيرون ولا يتوقفون، لا يتلفتون، ولا يتحدثون بغير تشابك أصابع أكفهم، ولا يراهم سواي..
#مقداد_مسعود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟