محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 02:54
المحور:
الادب والفن
268 ـ (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268))
[البقرة : 268]
الفقر الاعتماد على النفس وحدها دون التوكل على الله، والفحشاء التصرف في ملك الله بغير الحق المتبع، وكلاهما من فعل الوسوسة الخفية في الصدر الداعية إلى الإيمان بالإنسان وحده من دون خالقه.
269، 270 ـ (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270))
[البقرة : 269، 270]
قال صلىاللهعليه وآله وسلم : (من أخلص لله أربعين صباحا أظهر الله تعالى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)، وجوهر التوحيد كله يتلخص في أن القلب مرآة الحق، متى صلح استقبل الأنوار الإلهية. والنور حكمة متى شع كشف عن در خبئ في هذا المستودع الإلهي كما يكشف عن عروق الماس والذهب في باطن الأرض، ومن أسمائه تعالى الحكيم، فالحكمة الحقة هي لله وحده، والحكيم الإلهي هو من اتخذه الله واسطة لتبليغ حكمته، وعندئذ يسمى الإنسان حكيما متألها، ولا يمكن للقلب الارتقاء إلى أفق الحكمة إلا بفضل النور الإلهي وحده، فالحكمة ليست من إفرازات الفكر، ومهما جاهد الفكر ليحصل الحكمة فلن يظفر بدررها، لأن الحكمة أصلا نور وأخلاق وميزان يضع الحق فيه أثقاله من المعقولات والحكم، ولهذا كان ثم بون شاسع بين أفق الفكر وأفق القلب الذي تنور بنور الروح، وكانت الأنبياء، الذين كان معظهم أيتاما رعاة فقراء، كانوا مضرب مثل لما يمكن للقلب أن يحققه في مجال هداية الناس ووضع التشريعات لهم وشق سبل الصراط الأقوم ليحيا الإنسان حياة متوازنة سعيدة، لا يطغى جانب من كيانه جانبا آخر، ويكون في الناس مثلا أعلى يحتذى.
271 ـ (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271))
[البقرة : 271]
الصدقة إخراج ما لله لله وعباده، والإشارة هنا إلى علوم التوحيد التي قال فيها صلىاللهعليه وآله وسلم : (سألني ربي فلم أستطيع أن أجيبه، فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد، فوجدت بردها، فأورثني علم الأولين والآخرين، وعلمني علوما شتى، فعلم أخذ علي كتمانه، إذ علم أنه لا يقدر على حمله أحد سواي، وعلم خيرني فيه).
وتعتمد الصوفية الإشارة والرمز لا التصريح الكامل الذي قد يودي بالعباد إلى التهلكة نظرا إلى أن هذا العلم ثقيل سماه سبحانه قولا ثقيلا، فالعارفون يطوفون حول كعبة الحقيقة، ويشيرون ويرمزون، فمن كان أهلا لفهم الإشارة من مضمون العبارة نهل من معين تلك العلوم الإلهية، وترى الموحدين يتفاوتون في مقدار إخفاء علومهم أو إظهارها، وذلك وفق ما حدد الله للعلماء التصريح به، وقال صلىاللهعليه وآله وسلم : (خاطبوا الناس على قدر الله عقولهم، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟).
273 ـ (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (273))
[البقرة : 273]
الإشارة إلى أصحاب القلوب، الظامئين إلى الحقيقة، المتطلعين إلى الرفد من العالم الجواني الذي وعد المؤمنين الحسنى، فإلى هؤلاء أشار سبحانه بضرورة مدهم بحقائق التوحيد التي هي كاللؤلؤ المكنون.
274 ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274))
[البقرة : 274]
الإنفاق بالليل إنفاق مما حصله القلب من لدن الروح الفاعل مما له علاقة بعلوم المادة، فالموحدون يرون في كل عملية تفكير نشاطا إلهيا مظهره الإنسان، وأنه لولا الله الفعال ما مارس الفكر نشاطه فكل العلوم التي حصلها الإنسان، وسوف يحصلها في المستقبل، إنما هي عطاء من عند الله عزوجل، وإخراجها للناس ونشرها حق لله على العلماء.
والإنفاق بالنهار إنفاق ما حصله القلب من لدن الروح مما له علاقة بالعلوم الغيبية، فسواء اتجه الفكر غربا، وهدفه العالم الطبيعي، أو انطوى على ذاته فضرب بسهامه شرقا عوالم الغيب، فالنتيجة واحدة، ألا وهي التعلم أولا ونشر العلم ثانيا، فالله سبحانه ما خلق الإنس والجن إلا ليعبدوه، والعبادة المثلى معرفة الله سبحانه.
275، 276 ـ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276))
[البقرة : 275، 276]
البيع هو الحلال، والربا هو الحرام، والإشارة إلى الكشف المشروع الذي هو من باطن الذات دون اشتراط أن تكون الأنا الجزئية ذات نصيب من هذا الكسب، ولهذا ربط بين الربا وأصحاب النار، إذ أن أصحاب النار محجوبون بالأنا عن جنة الذات، وخلودهم ارتباطهم بأنيتهم دون معرفة من وراء الأنية ومالكها.
277، 278 ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278))
[البقرة : 277، 278]
الإيمان وعمل الصالحات والصلاة والزكاة جسور تنصبها الأنا الجزئية إلى الأنا الكلية، وهذا النصب هو الذي يأتي بالأجر الرباني، كما أنه يذهب الخوف وذلك باستناد الجزء إلى الكل حتى يعلم علم اليقين أنه الأصل وأن الجزء هو الفرع القائم بالشجرة.
279 ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279))
[البقرة : 279]
عودة إلى التحذير من الربا الذي هو حد فاصل بين الإيمان والإلحاد، أو بين الإيمان والنفاق، وذلك باعتماد الأنا التجزيئية لشراء العلوم وبيعها بالربا، وهذا الاعتماد هو الذي يؤدي إلى حرب بين الله والعبد، وذلك بانفصال العبد عن الرب وهو الخسران المبين.
280 ـ (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280))
[البقرة : 280]
العسرة كون القلب مائلا إلى جهة النفس الأمارة ما يزال لها عليه سلطان، وهو يحاول الانفكاك من أسرها، والقلب في هذا الحال بحاجة إلى أن ينظر، أي يمهل، حتى يأتيه المدد من الروح الكلي الذي هو بمثابة الميسرة، أي اليسر، أي الفرج القادم من العالم الجواني.
281 ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281))
[البقرة : 281]
اليوم الذي يرجع الناس فيه إلى الله هو يوم الجمع، وهو انكشاف الأمر لصاحب الكشف السالك، وفي هذا اليوم توفى النفس ما كسبت وذلك بانكشاف حقيقة النفس التي هي العين الإلهية، أو الصفة الإلهية، أو الاسم الإلهي، وفي هذا الكشف تصفية الحساب، إذ لا تظلم النفس فيه حقها، إن كان لها أو عليها.
285 ـ (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285))
[البقرة : 285]
أقر الرسول ما كشف الله له من الأمور الغيبية، فعرف حقيقة الأمر، والمؤمنون أصحاب القلوب المكاشفة الذين رأوا الله ظاهرا في الخلق وباطنا في العقل، فقالوا سمعنا ما أوحيت إلينا عن طريق الملائكة المعقولات، وأطعنا هذا الوحي الذاتي الذي هو اللطيفة الإلهية الشريفة المودعة في النفس.
286 ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286))
[البقرة : 286]
تكليف النفس إعطاؤها حظها من الأسماء والصفات، فلكل نفس ميزانها، أي قدرها، أي عينها وصفتها، ولا تبديل لكلمات الله، وكسب النفس حاصل من إلهامها الفجور والتقوى، ولهذا كان لها الكسب وعليها ما تكسب، والدعاء إلى عدم تحميل النفس ما لا طاقة لها به عدم مطالبتها بما هي ليست مخلوقة له أصلا، كأن يطالب مظهر الاسم الخافض بأن يتصف بالاسم الرافع، وأن يطالب مظهر الاسم الضار بأن يكون ممثل الاسم النافع.
سورة آل عمران
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
2 ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3))
[آل عمران : 3]
القرآن والتوراة والإنجيل الكتب السماوية الثلاثة الداعية إلى التوحيد والتوراة أقدمها باعتبار كشف الفعل، إذ في التوراة الدعوة إلى الإيمان بإله واحد فعال قهار لا شريك له، ولقد أنزلت التوراة في زمن فرعون الذي ادعى الألوهية، وفرعون رمز الأنا أو النفس الأمارة، وكان ما كان في لقاء بين موسى وفرعون سنأتي على ذكره في حينه، والمهم القول إن موسى دعا إلى عبادة الواحد صاحب الفعل لا الأنا.
والمسألة قديمة إذ أن ادعاء الربوبية هذا متأصل في الإنسان متجذر، ومعظم الناس محجوبون ولا يعلمون، يعلمون ظاهرا أنهم الفاعلون، ويجهلون كيف يحركون ويتحركون، وما سبب قدرتهم على التحريك، والصوفية يقولون قولك يا أنا أعظم حجاب.
5 ـ (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5))
[آل عمران : 5]
كونه سبحانه عين الأشياء يجعله عليما بما في أرض المادة وسماء الروح، والحقيقة أن هذه الأشياء موجودة به، فلولاه ما كانت، واستمرار قيامها به يجعلها ملكا له، لا وجود لها بذاتها، ولا لها من أمرها شيء.
8 ـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8))
[آل عمران : 8]
الزيغ بعد الهوى العودة إلى سيطرة الخواطر عل القلب، ومنها الخاطر الشيطاني، والمهدي محفوظ من إلقاء هذا الخاطر بعد أن كشف الحق له سره فسلم منه.
16 ـ (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16))
[آل عمران : 16]
قالت الصوفية : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب، فالذنب دعوى الأنية، والإيمان بملك الأنية دون ردها إلى الله وكونها وجه الله، ولهذا كانت تتمة الآية الوقاية من عذاب النار، أي من عذاب الظهور.
#محمد_بركات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟