أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (العودة الى جدول الأقحوان في دجلة السالكين)















المزيد.....


(العودة الى جدول الأقحوان في دجلة السالكين)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 12:58
المحور: الادب والفن
    


[1] مرآة الرماد مُنْتَعِلَةً ظلَّهُ المُنكفِئَ، مأخوذةً بشجى حقولِ الحزنِ النديِّ فيها، ترتكبُ المشيَ الفجرَ في أرجاءِ بدنِهِ المعجونِ بالوجعِ، المنهمكِ في فضِّ اشتباكِ لهفةِ وجدِهِ بشغفِ قلبِهِ السارحِ بالتأملِ، رغمَ غمامِ الحيرةِ الذي يعتريها. تمضي مأخوذةً بهديلِ جرحٍ نزقٍ، ينزعُ للصمتِ كلما هبَّتْ لهفةُ شكوى فيها، تبصرُهُ يهيمُ بحيرةِ لحظِها المشغولِ بمسحِ دموعِ جدرانِ سجنِهِ العقيمة، ونارُ الغضا تشبُّ في صدرِه: عينًا تذرفُ الملحَ والفتورَ، تحصي -ذاتهُ- خطواتٍ باردةً لملامحِهِ المُقتبسةِ من بلُّورِ شباكٍ يقطرُ أصواتًا هائلةً لهطولِ مطرٍ بعيد.

[2] في كلِّ صباحٍ ريَّان تهفو به لواعجُهُ ليدثّرَ ياقوتَ روحِهِ بنهْرِ شآبيبِ نبيذِ الحُلمِ. ينتظرُ أن تعودَ، طيفًا -غائبةَ المحالِ- تطلُّ "نرجسةٌ" ورديَّةٌ. تظلُّ نوافذُ سمائِهِ سحابةً خضراء، لكنَّها لا تأتي إلا كسربِ "سنونو" تصفقُ أجنحتُهُ الغضَّةُ عريَ جسدِ البحرِ المستباح.

[3] كان يفتكرُها ترفعُ كفَّها المحنَّاةَ لحظةَ الانطفاءِ، تنتزعُ درفاتِ رؤيةِ ليلٍ يشتعلُ باشتجارِ حمى الحنينِ والغضب. الحدائقُ المهجورةُ، المحرومةُ من حنوِّ مواعيدِ روحهِ في السحر، وهي تراه يتقدُّ كانونًا، تحلقُ حولَهُ -المجوسُ- فراشةٌ تلقي نفسَها في أوتونِ مرقدِهِ الشتوي، وتقيسُ ارتعاشَ الشوارعِ تحتَ قدميها رهبةَ اللقاء، وتتأمَّلُ قنديلَهُ القزحيَّ المعلَّقَ كقلبٍ مرهونٍ في سقفِ الغياب بارتجافةِ شغفٍ لمَّا تكونُ بينَ ذراعيهِ، وهو شعلةٌ مغصَّنةٌ كـ"مينوراه" تطبعُ قبلةً على عناقيدِ بلوطِ شفتِهِ المتدلّيةِ بنحرِها الشمعيِّ الدافئ. لكنَّها تغادرُهُ قبلَ بلوغِه، عندما تراه يشتعلُ كفَنارٍ أرهصَ على الذوبان.

[4] قال لها: البلادُ تتعلَّمُ الموتَ ببطء، والشجرُ يذبلُ من أسماءِ الراحلين، والبنادقُ تشربُ الضوءَ من قواريرِ عيونِ الأطفال. فتعالي ودَعينا نبتكرُ خرطوشَ حروفِ لغةٍ من نغاءِ رضيعٍ يفهمُها: القدَّاحُ والحصى، النبضُ والجمرُ، البحرُ والسحابُ، الدوريُّ والعشاق. نفرغُها في صدغِ جنودٍ دنسوا مسجدَنا ذاتَ اقتحام. لكنَّها لم تُجِب... ظلَّت تنحني تقطفُ أزهارًا من ضوءِ مآذنِ مدنٍ خائرة، وتنثرُها كالطَّلعِ شررًا في صدرِهِ الملتهب، وصدرِها المُنتقِبِ بموسمِ التأبير.

[5] حين طافَ الليلُ في عينيها: السحرُ، والمطرُ كثيفٌ... أفلتتْ مطاردتُهُ الجدوى، فاعتورَهُ وجومُ الخيبة، لو لا كانَ صوتُ "ماريا كالاس" يتساقطُ -قرعَ الناقوسِ- من مذياعٍ بعيد: Habanera... والأرصفةُ تتهجَّى قسماتِ وجهِ "كارمن" الغجريِّ، كأنَّها قصيدةٌ حرَّةٌ نساها شاعرٌ مثلُ "مارلو" رهينةَ هامشِ الحربِ بينَ مطاوي مخطوطةٍ مريميةٍ أغفلَها عن قصدٍ "بيزيَّة" لتبقى عريشةَ لعنةٍ تطاردُ "المِيتادور" تعاطفًا مع "دون جوزيه" وهو يصيح: "لقد قتلتُ امرأتي التي أُحبُّ" يقحلُ ببذخٍ... فتفرُّ منه الغاباتُ وتحوِّلُ بقسوةٍ مجاريَها عنه الأنهار.



[6] بَيِّيرُو: عَبَاءَةٌ... الشَّنِيلُ: مِسْبَحَةٌ... دَارُّو: خُزَامَى... دِجْلَةُ: كَانُونٌ... بَرْدَى: أَرْكِيلَةٌ...

[7] وَيَتَلَفَّفُ أَسْمَاءَهُنَّ وَيَنْسِلُّ مِنْ ثُقُوبِ التَّارِيخِ لِيَحْنِي شَهْقَةَ الْمُؤْتَفِكَاتِ وَيَجْمَعُ بَقَايَا التَّرَانِيمِ مِنْ قِيثَارَةِ "لُورْكَ" "الفَلْمِنْكِيَّةِ" وَإِمْتَاعِ "التَّوْحِيدِيِّ" الْمَطْعُونِ بِفَضِيلَةِ الوَحْدَةِ عَلَى جُرْفِ "بُويْبِ" الفُرَاتِ الكَسِيرِ، الْيَسِيرُ عَبْرَ بَطَائِحِ "مَيْسَانَ" بِوَجَلٍ تَحْمِلُهُ مَشَاحِيفُ "الزَّنْجِ" مِنْ الْبَصْرَةِ مَعَ "الْمَلْحِ وَالشَّيْرَج"

[8] خِمَارٌ أَنْدَلُسِيٌّ يُغْشِي وَجْهَ الفَقْدِ كَأَنَّهُ يَحْجُبُ نَارَ الوُجُودِ كَأَنَّهُ وَشْيٌ فِي سَحَابٍ مُتَحَرِّكٍ يَحْمِلُهُ غُرْمَاءُ اللَّيْلِ تَتَرَاءَى فِيهِ أَطْيَافٌ مُنْهَكَّةٌ تَذُوبُ فِي سَحَابِ النِّسْيَانِ حَتَّى تَغِيبُ فِي زَمَنٍ غَارِبٍ مُحْتَسِي غُرْبَتَهُ الْمُلْتَهِبَةِ وَعُمْقِ زَمَانِهِ السَّابِقِ.


[9] الوقتُ يَأْزفُ يَمْضِي بِحذرٍ السُّكونُ يَحْتسي دُمُوعَ الزَّمانِ وَرُؤْيتُهُ تَخْتصرُ المدى يَسْترِقُ النَّظرَ، يتنسَّم البَليل لِيُذْهِبَ اللَّيْلَ فِي فَجْرٍ جَائِعٍ وَفِي دَمِّهِ رَشَاشِ عَبيرٍ مِنْ وَراءِ حُدُودِ الوَجعِ الوثني يَذُوبُ كَمَجرَّةٍ مِنْ زَرْبيَّة الفَجْرِ حَيْثُ يَغْتسِلُ بِهِ الأَملُ.

[10] صَمْتٌ وَصدًى

يَشْغلُ صَوْتُهُ عَبْرتَهُ تَبْتعِدُ السَّماءُ وَتتَّسِعُ ثُقوبُ الرُّوحِ كَأَنَّها صَهْوَةُ فَراغٍ تَمْخُرُ سُفُنَ الحُلْمِ عَلى أَكُفِّ الرِّياحِ


[11] هلْ سَمِعْتِ هَمْسَ "سِيزَانَ" حِينَ خَبَّأَ الحُقُولَ في السُتْرة الحَمْراء تَحْتَ كَفنِ الضَّوْءِ؟ فِي أَسْمالِ "دَالِي" المَطْوِيَّةِ بَيْنَ صَفحاتِ "سِيدهَارْتَا" "هَسِّهْ" وأعادَ بَسْطَها مُرَمَّزَةً فِي "لُعْبةِ الكُريَّاتِ الزُّجَاجيَّةِ"

[12] لَمَحْتِ "الحَلَّاجَ" حِينَ أَوْقَدَ" طَوَاسِينَهُ" فِي جُبَّةِ الرُّوحِ الرَّمَادِ عَلَى صَليبِ الفَناءِ نَصَبَ خَيْمةَ الطِّينِ على جرْفِ نَهْرِ "عِيسى".

[13] هُنا... تَغْتَسِلُ أَنْهَارُ "عَدَنَ" بِأَوْرَادِ العِشْقِ المَسْلولِ وَتَتَكَوَّرُ عَلَى حَافَّةِ السِّرِّ كَدَمْعَةِ نَرْجِسَةٍ: تَمَائِمُ تَدَلَّتْ مِنْ جَبينِ المُغْتَرِبَاتِ تَرْنُو إِلَيْهَا عَيْنُ "عَنْقَاءُ مُغْرِبِ"

[14] فِي تَهَاوِيمِ الرُّؤْيَا يَنْدَاحُ دِجْلَةُ فِي وَهَجِ السَّرَائِرِ يَحْتَطِبُ مِدَادًا مِنْ خَرَائِبِ الغِيابِ وَيَمْضَغُ رُفَاتَ أَغَانِي الأَوْزِ عَلَى شَفَةِ الأُفُقِ المُكابِدِ بِأَسْئِلَةٍ يَتِيمَةٍ تَنْدَلِقُ مِنْ أَوْعِيَةِ الحِيرَةِ

[15] أَوَّاهُ يَا دِجْلَةُ... مَنْ ذَا الَّذِي مَسَّ ضَفَائِرَكِ بِيدِ الخَرَابِ؟ مَنْ صَبَّ اللَّيْلَ فِي جِرَارِكِ، بَغْدَادُ حَتَّى صَارَ الحُلْمُ لَثْغَةً فِي حَلْقِ البَنفْسَجِ وَعَسَلِ تِينِ البَلابِلِ دَمْعًا يُغْسَلُ بِالغِيابِ؟


[16]زهرةُ الحياةِ النافرة
هيَ…
زَهْرَةُ الحَيَاةِ النَّافِرَةُ
فِي رِيحٍ مَكْسُورَةٍ
تَتَحَرَّرُ مِنْ جَسَدِ الهَاوِيَةِ
لِتَتَشَظَّى وَجْدًا...
لَا وَطَنَ لَهَا
إِلَّا بَرِيقُ السِّرِّ
فِي أَرُوقَةِ الإشَارةِ
فِي "شَفْرَةِ دَافِنْشِي"



[17]راعِيَةُ أُورُوكَ
هِيَ...
رَاعِيَةُ "أُورُوكَ"
تَسْلُكُ دَهَاليزَ الصُّعُودِ
عَلَى مَدَارِجِ الرُّؤْيَا
وَأَثْدَاءُ "عِشْتَارَ"
لِتَدُورَ مَعَ نُجُومِ الحِكْمَةِ
زَهْرَةٌ مِنْ حَرِيقٍ
تَنامُ عَلَى لِسَانِ "دِيمُوقْرِيطِسْ"
وَتَصْحُو عَلَى فُلُوتِ "هَايْدِنْ"


[18]مرآةُ الرماد الثالثة
هَكَذَا...
تُسْتَكْمَلُ الرُّؤْيَا
فِي مِرْآةِ الرَّمَادِ
صَوْتُهُ...
يَتَبَدَّدُ كَالشَّمْسِ
تَتَكَسَّرُ فِي النَّهرِ المُتَقَلِّبِ
الحُزْنُ يَمْحُو نَفْسَهُ...
أَيَّامٌ...
تَغْتَسِلُ فِي جَفْنِهِ
يَكْتُبُهَا فَجْرٌ مُتَفَجِّرٌ
يَعْتَادُ سَكِينَتَهُ
وَهُوَ قَابِعٌ بَيْنَ جَفْنَيْهِ وَجَعًا
وَمَا زَالَتْ دِجْلَةُ...
تُصَلِّي عَلَى أَطْرافِ أَصَابِعِهَا...
تُرَتِّلُ وَجَعَ البَلابِلِ
وَتَبْحَثُ فِي عَيْنَيْهَا
عَنْ أَوَّلِ شَهْقَةٍ لِ"سُمَيْرَمَاتْ"
تَنْفَتِحُ فِيهَا زَهْرَةُ الأَقْحُوَانِ


[19]السالكُ والأقحوان
مَدَائِنُ "جَانٍ" وَخَزَائِنُ "طَيْسْفُونْ"
تَمُّوزُ العَظِيمُ...
رَاعِيَها...
حِينَ تَهْرُبُ مِنْ شَكِّ المَنافِي
لِتَسْكُنَ مَعْرِفَةَ الحَضْرَةِ
حَيْثُ لَا مَلَاذَ إِلَّا العَلامَةُ
وَلَا وَطَنَ إِلَّا الأُفُقُ...
إِذَا مَا الأَنْهَارُ انْدَحَرَتْ يَوْمًا
فَكُلُّ العُيُونِ تَغَيَّضَتْ
وَإِذَا مَا طَفَحَتْ يَوْمًا الأَنْهَارُ
فَكُلُّ العُيُونِ تَفِيضُ



[20]جنة العشق
أَيُّهَا السَّالِكُ...
لَا جَنَّةَ إِلَّا جَنَّةُ العِشْق
حِينَ تَتَعَرَّى الرُّوحُ
مِنْ خَوْفِ الفَناءِ...
وَتَتَدَلَّى مِنْ جَنَائِنِ "بَابِلَ" المُعَلَّقَةِ
وَلَا خُلُودَ إِلَّا فِي ضِغْثِ...
نَحْتِ المَعْنَى
مَا بَيْنَ دَفَّتَي "تَرْجُمانِ الأَشْوَاقِ"
وَظِلالِ "الفُتُوحاتِ المَكِّيَّةِ"



[21]نهرُ الحرف والحكمة
"رَأَى البرقَ شَرْقِيًّا، فَحَنَّ إِلَى الشَّرْقِ
وَلَوْ لَاحَ غَرْبِيًّا لَحَنَّ إِلَى الغَرْبِ
فَإِنَّ غَرَامِي بِالبُرِيقِ وَلَمْحَتِهِ
وَلَيْسَ غَرَامِي بِالْأَمَاكِنِ وَالتُّرْبِ"
حَيْثُ زَمْهَرِيرُ أَسْئِلَةِ العِشْقِ
تَحْتَ دَالِيَةِ الانْتِظَارِ
دُنَا مِنْ دِنانِ الشَّوْقِ

[22]الحرفُ… ميثاقٌ
الحَرْفُ...
فَاتِحَةُ النَّصْرِ
الحَرْفُ... خَاتِمَةُ الخُذْلَانِ
الحَرْفُ: صَرْخَةٌ
الحَرْفُ: عَلاَمَةٌ
الحَرْفُ: مَوْعِدٌ
الحَرْفُ: نُوتَةٌ
الحَرْفُ أَوَّلُ الإِيمَانِ
الحَرْفُ: مِدْمَاكُ الكِيَانِ


[23]شجرة القصيدة
وَكَما الشَّجَرَةُ...
غَابَةٌ صُغْرَى
فَالحَرْفُ...
مَيْتا قَصِيدَة

[24]نهرُ الشعر والأنبياء
لِنَمْضِ فِي إِشْعَالِ البَخُورِ
بَيْنَ أَرْوِقَةِ القَصِيدَةِ
حَيْثُ "غَانْجُ" الشِّعْرِ
يَتَلَبَّسُ وَجَعَ الأَنْبِياءِ
وَيَهِيمُ فِي بَرْزَخِ الأَسْرَارِ
جَدْوَلُ القَدَّاحِ
فِي مَوْكِبِ العَابِرِينَ...
يَرْنُو إِلَى خُطَى الأَبَديَّةِ
يَنْدَسُّ فِيهِ حَنِينُ القَوافِلِ
وَيَسْرِي بِعَرَقِهِ قَرَنْفُلٌ
"نَشِيدُ أَنْشَادِ" العَطَاشَى
مَذْبُوحًا بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالمَحْرَقَةِ


[25]حينَ يشيبُ النهرُ
يُقالُ...
إِنَّ النَّهْرَ يَشِيخُ
حِينَ يُعَلَّقُ فِي جَنَاحِهِ الرَّصَاصُ
وَيُقالُ...
إِنَّ الدُّرُوبَ تَغْدُو مَجْنُونَةً
حِينَ تُطْفِئُ الأَرْوَاحُ قَنَادِيلَها
عَلَى أَبْوَابِ العَدَمِ المُوَارَبِ
وَيُقالُ...
إِنَّ المُدُنَ تَذْوِي
كَمَا الزَّنَابِقِ
حِينَ يُدَاهِمُهَا اليَبَاسُ
لَكِنَّها...
لَمْ تُصَدِّقْ
كَيْفَ لِمَنْ كَانَ مَأْوَى النُّبُوَّةِ
أَنْ يُلْقِيَ بِصَرْخَتِهِ فِي البَيْدَاءِ
دُونَما رَجْعٍ...؟
وَكَيْفَ...
لِمَنْ كَانَ زَيْتَ المِصْباحِ
أَنْ يُطْفِئَ قَنَادِيلَهُ
فِي رَمَادِ التِّيهِ؟

[26]نداءُ الأقحوان
يَا زَهْرَةَ الأَقْحُوَانِ...
المُتَأَرْجِحَةَ بَيْنَ تَرَاتِيلِ الشِّينِ
وَمَنَازِلِ العَيْنِ
أَمَا آنَ لَكِ أَنْ تَفْتَحِي أَذْرُعَ المَعْنَى
فَتَعْتَنِقِي فِي تَقَاطُعِ المَوْتِ وَالحُبِّ
رِحْلَةَ الخَلاصِ؟
مِنْ عَذَابَاتِ...
الثُّقُوبِ اللَّامُتَنَاهِيَةِ
وَسِلْكِ بَهْلَوَانِ
مَنْ زَعَمَ: إِنَّ اللَّهَ يَمُوتُ؟
أَحْضَرَ "زَارَا" بَلْسَمَ شِفَاءِ "أَيُّوبَ".


[27]ذاكرة الطائرات
فِي "طَيَّارَاتِ" بَغْدَادَ...
كَانَ "الرَّشِيدُ" يُشْعِلُ دِجْلَةَ لَيْلًا
هُنَا...
كَانَتْ زَهْرَةُ المَدَائِنِ
تَتَسَلَّقُ سَلالِمَ الحُلْمِ
تَبْحَثُ عَنْ نَافِذَةٍ
تُطِلُّ عَلَى سَمَاءِ أُخْرَى
مُلَبَّدَةٍ بِغَمَامِ الغَيْثِ

[28]نارنج الأقحوان
رَائِحَةُ نَارَنْجٍ نِيئَةٍ
يَا زَهْرَةَ الأَقْحُوَانِ...
كَيْفَ يَتَّسِعُ لَكِ الكَوْنُ
وَأَنْتِ فِي القَيْدِ
تُصَادِقِينَ الرِّيَاحَ
وَتُوقِظِينَ عَلَى جَسَدِكِ
رَعَشَاتِ الغَيْبِ :عَلامَات؟
بَيْنَ جُدْرَانِ البِئْرِ وَحِيدَةً
كَيْفَ تَعْشَقِينَ السُّكُونَ
فِي عَصْفِ الغُرْبَةِ؟
وَتَخْتَارِينَ المَعْرِفَةَ
فِي أَوْجِ التِّيهِ
ومَصاطِب مَكْتَبةِ آشور؟


[29]العودة إلى الروابي
الآن...
عَلَى سَلالِمِ المِحْنَةِ
تَمْتَدُّ أَصَابِعُ المَاءِ إِلَيْكِ
تُشْعِلُ لَكِ قَنَادِيلَ العِرْفَانِ
وَتَقُولُ:
أَنَا العَطَشُ، أَنَا المَوْجُ
وَأَنَا الَّذِي تَأْخُذُهُ السَّلالِمُ
إِلَى حَيْثُ لا يَقِينَ...
-فَأَكْمِلي رَقْصَتَكِ
وَلَا تَلْتَفِتِي لِلصَّدَى
فَالمُنْتَهَى أُرْجُوحَةٌ
بَيْنَ لِسَانِ النَّارِ
وَكَأْسِ البَقاءِ-

[30]استفهامُ النهر
دِجْلَةُ...
أَلَمْ تَعُدْ مَرْفَأً لِلحَالِمِينَ؟
أَمَا زِلْتَ بَيْتَ الوُجُودِ
فِي خَرَائِطِ الأَدْرِيسِيِّ
وَتَرْجَمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ
لِـ "الأَرْغَانُونِ"؟
كَمْ فِيكَ مِنْ يَوْمٍ
مَا دَلَقَ فِيكَ المَغُولُ مِدادَ
دَارِ الحِكْمَةِ مِنْ عُلوم
سَقتكِ صَبْرَ التَارِيخِ وَحِكْمَتهِ
أَمْ أَنَّكَ...
اِسْتَسْلَمْتَ لِأَجْنِدَةِ السُّلطان
وَنَامَ مِصْباحُكَ
فِي صَقيعِ السَّلْطَنَةِ ؟


[31]يقظة الذئاب
حِينَ يَنَامُ النَّهْرُ...
تَسْتَيْقِظُ الذِّئَابُ
وَتَلْهُو الأَسْمَاءُ
فِي قَوَامِيسِ الرِّدَّةِ
وَمَرْوِيَّاتِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ...


[32]عثرة الأقحوان
المِحْنَةُ قَدَرٌ...
عَلَى سَلاَلِمِ الحُلْمِ "الأُولِيسِيِّ"
تَتَعَثَّرُ زَهْرَةُ الأَقْحُوَانِ
بِخُطَى الغِيَابِ
تَشُدُّ عَلَى خَاصِرَتِهَا
مِنْ بَقَايَا المَنْفِيِّينَ
عَسَالِيجَ عَوْسَجِهِمْ


[33]عند المضيق الأخير
هُنَاكَ...
عِندَ المَضِيقِ الأَخِيرِ
يَنْبُتُ صَوْتٌ مِنْ أَعْمَاقِ الطِّينِ
يَهْزِمُ أَلْوَاحَ الطُّوفَانِ
وَيُشْعِلُ فِي الظُّلْمَةِ
نُجُومًا خَفِيَّةً...
وَأَخْتَامًا إِسْطَوَانِيَّةً..

[34]ثلاثي التعلق
كُنتُ...
وَأَنْتِ...
وَالنَّهْرُ...
نَتَأَرْجَحُ بَيْنَ العَدَمِ
وَرَائِحَةِ النَّارَنْجِ النِّئِيَّةِ
وَمِسَلَّةِ الرِّيْحِ


[35]وصايا التيه
أَيُّهَا السَّالِكُ الدَّوَّارُ...
هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَهْتَدي؟
الطَّرِيقُ يَبْدَأُ هُنَا
حَيْثُ يَنتهي الحَرفُ
وَيَنْبُتُ الأَقْحُوَانُ
مِنْ رَمَادِ الأَسْئِلَةِ...
فِي صَمْتِ حَضْرَةَ التَّجَلِّي

[36]طواف الأقحوان
يَا زَهْرَةَ الأَقْحُوَانِ...
أَكْمِلِي طَوَافَكِ
فَالمَعْرِفَةُ عَقِيدَةٌ
لا تُعْطِي الرِّيحَ أَعْنَتَهَا...

[37]مائدة المجذوبين
هي قِبْلَةُ الضَّالِّينَ
وَمَائِدَةُ الأنْبِياءِ
وَوَرْدَةُ المَجْذُوبِينَ
الَّذِينَ احْتَرَقُوا
عَلَى شُرَفَاتِ العَدَمِ
وَالْأَوْطَانِ القَدِيمَةِ

[38]جنة العارف
جَنَّةُ العَارِفِ
هَكَذَا هَمَسَ لَهَا "مَوْلَانَا"
وَهُوَ يُعَرِّيهَا
مِنْ نُكْرَانِهَا
وَمِنْ شَهْوَةِ السُّؤَالِ
عَنْهَا فِي الشَّمْسِ
وَأَبْوَابِ المَدِينَةِ الفَاضِلَةِ

[39]طرقٌ وبكاء
عِندَمَا سَأَلَ "ابْنُ عَبَّادٍ"
"اعْتِمَادٌ عَنْ يَوْمِ الطِّينِ"
فَطَرَقَتْ وَبَكَتْ
كَمَا طَرَقَتْ وَبَكَتْ الشَّخَاتِيرُ
فِي دِجْلَةَ العَمْيَاءِ

[40]كسر المرآة
أَمَا زِلْتِ تَحْتَسِينَ...؟
أَمَا زِلْتِ تَجْرِينَ وَرَاءَ الشَفْرَةِ
كَمَا يَجْرِي الرُّعَاةُ
خَلْفَ نُجُومِ السَّرَابِ؟
حَتَّى المَجُوسُ هَجَرُوا عَادَاتِهِمْ
وَهُمْ اليَوْمَ يَتَحَلَّقُونَ
حَوْلَ شُعْلَتِهِمْ
فِي الكُهُوفِ
دُونَ انْتِظَارِ نَبِيٍّ جَدِيدٍ


[41]سُيوف العشق الأخيرة
فِي سِدْرَةِ النِّهَايَةِ
حِينَ يَذُوبُ الرَّمْلُ فِي جَسَدِ العَاشِقَةِ
وَتُسَلِّمُ زَهْرَةُ الأَقْحُوَانِ
مَفَاتِيحَها
لِسَيْفِ "مَسْرُورٍ"
تَهْفُو بِهِ الصَّبَا ذَارِيَةً
مِنْ نَطْعٍ لِنَطْعٍ
وَمِنْ نُوءٍ لِنُوءٍ...

هُنَاكَ فَقَطْ...
تُزْهِرُ الأَبَدِيَّةُ
وَتُضَاءُ الأَزْمِنَةُ
بِعُرْيِ الفَنَاءِ


[42]الماء والنار من رحم واحد
أَيُّهَا السَّالِكُ...
إِذَا رَأَيْتَ النَّهْرَ يَحْتَرِقُ
فَافْتَحْ فِي أَعْمَاقِكَ "شَنْشُولًا" لِلسَّمَاءِ
فَالمَاءُ وَالنَّارُ
مِنْ رَحْمِ حُبٍّ وَاحِدٍ...


[43]تخوم المعنى
النَّصُّ مَا زَالَ يَعْبُرُ
مِنْ تَخُومِ المَعْنَى إِلَى تَخُومِ الجَهْلِ
مِنْ مَجَاهِلِ السُّؤَالِ
إِلَى سَمَاوَاتِ اليَقِينِ
قَصِيدَةٌ مِدَادُهَا
العَرَقُ، وَالزِّئْبَقُ،
وَزَيْتُ اليَاسَمِينِ
سَتَتَخَالفُ فِيهَا الحُرُوفُ
وَتَتَنَافَرُ فِيهَا المَعَانِي
وَتَتَكَوَّثُرُ الإشَارَاتُ
وتَتقَاطَعُ الأَفَاقُ


[44]هبوط آخر
أَكْمِلُ...؟
أَمْ نَكْسِرُ أَجْنِحَةَ اللُّغَةِ
لِنَنْزِلَ أَعْمَقَ
إِلَى مَحْرَقَةِ الحَرْفِ...؟
بَعْدَ اجْتِيَازِ مَطْهَرِ
التَّكْفِيرِ عَنْ الآثَامِ...

[45]ليلة الشيخ
في ليلِ الشّيخِ،
حيثُ ينسابُ الحُلمُ سرمديًّا،
تلتقي أمواجُهُ بحكاياتٍ،
تزهرُ فوقَ الضفافِ زهورُ الحياةِ،
كقلوبٍ تنبضُ بالحنينِ
في مشاتلِ الارتقابِ.


[46]النهار الراوغ
دِجْلةُ... بيَّارةٌ
تتسلّلُ إلى ضفافِ الخيالِ،
دِجْلةُ نهارٌ
راوغَ جُنحَ الغَسَقِ،
دِجْلةُ نهرٌ لا يهدأُ،
تطفو على جسدِها
أطيافُ تاريخٍ يتأرجحُ
بينَ الثّباتِ والتّحوُّل،
بينَ الهدوءِ والانفجارِ.


[51]قافلة نيسان
هَلْ تُخْبِرينَنا: مَرابِعُنا حِكَايةً أُخْرَى؟
عَنْ قَافِلةِ قَمَرِ نَيْسانَ السَّالِكينَ دَرْبَ الأَشْوَاكِ
المُنْدَحِرينَ عِنْدَ بَوَّاباتِ الشَّمْسِ
ذَاتَ غَفْوةٍ يُرَدِّدُ صَهِيلُ نَدَمِهِمْ:
دَمُهُمُ الشَّاغِبُ فِي البَرَاري:
تَشْرَبُهُ يَنَابِيعُ التَّارِيخِ؛
فَتُضِيءُ قَنَادِيلَ التَّكَايا
لِتَعُودَ العَصَافِيرُ الخُضْرُ
تَبْنِي أَعْشَاشًا لَهَا فَوْقَ السِّدْرِ، وَالصَّفْصَافِ،
وَالقِبابِ التُّرْكُوازِيَّةِ،
وَالذَّهَبِيَّةِ تَعُجُّ بِالحَمامِ
كُلَّ صَبَاحٍ تَفْتَحُ دِجْلَةُ لَهُمْ كَفَّها بِبَرِّ الكَلامِ،
وَتَرْوِي عَطَشَ الطَّريقِ
مَا بَيْنَ السَّماءِ الثَّامِنَةِ، وَالعِراقِ،
وَفِي غَفْلةٍ مِنْ دِيدَبانِ الخَوَنَةِ
سَتُعْطِي العُرَفاءَ:
مَفَاتيحَ أَرْوِقةِ الحِكْمةِ،
وَأَسْماءَ الخَوَنَةِ،
وَكَلِمةَ سِرِّ اقْتِرانِ دِجْلةَ بِالفُراتِ.


[52]ما بين الشطّار والعيّارين
وَمَا بَيْنَ شُطَّارٍ، وَعَيَّارِينَ،
مِحَنِ الأَزْمِنَةِ الَّتي تَعْبُرُ عَلَى مَتْنِ الضِّيَاء،
فِي قَوَافِلِ الظِّلِّ، وَهَمْسِ الرِّيَاحِ،
وَمَا بَيْنَ بَقَايَا أَصَابِعِ الرُّوحِ،
فِي جَسَدٍ أَثْخَنَتْهُ الحِرَابُ،
وَظِلٍّ لِمَنْ رَاحُوا دُونَ وِدَاع،
وَمَنْ لَمْ يُغَادِرُوا،
وَمَنْ عَادَ، وَمَنْ لَمْ يَزَلْ فِي الطَّرِيقِ،
وَمَنْ حَمَلُوا الدَّمْعَ زَادًا لِلْمُنْفَى،
وَمَنْ نَامُوا عَلَى بَابِ أَحْلاَمِهِمْ
فَسَرَقَ الدُّجَى مِنْهُمُ النُّورَ،
وَمَنْ كَتَبُوا فِي الصَّبَاحِ أَغَانِي الْحَنِينِ،
فَمَحَتْهَا الْعَاصِفَةُ فِي الْمَسَاءِ.


[53]مرآةٌ مكسورة
يَا دِجْلَةُ،
هَلْ سَتُرْجِعينَ الغِيَابَ إِلَى الْعَتَبَاتِ؟
هَلْ سَتُنْبِتينَ فِي شُرْفَةِ الْحُلْمِ زَهْرًا،
فِي ظِلِّ يَدٍ عَابِرَة؟
هَلْ سَتُطْلِقِينَ نُجُومَ الْأَمَانِي عَلَى وَجْهِ الْبَحْرِ؟
أَمْ أَنَّكِ أَيضًا كَسَرْتِ الْمِرَايَا؟
يَا دِجْلَةُ،
يَا حُلْمَ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا،
وَصَبَاحَ الَّذِينَ احْتَرَقُوا،
وَمَسَاءَ الَّذِينَ أَضَاعُوا الْمَدِينَةَ،
وَأَضَاعَتْهُمْ الْمَدِينَةُ،
لَا زِلْتِ تَكْتُبِينَ تَارِيخَكِ
بِحَبْرِ الْحُزْنِ
وَتَتَوَشَّحِينَ دُخَانَ الْمَنَافِي،
فَإِلَى مَتَى؟

[54]سؤالٌ على ضفاف الغياب
وَلَكِنْ، مَهْلًا...
هَلْ حِينَها سَنَكُونُ نَحْنُ؟
أَمْ أَنَّنَا مُجَرَّدُ أَطْيَافٍ مِنْ هَلَلٍ،
تَسِيرُ فِي فَجْرِ الزَّمَانِ اللَّازُورْدِيِّ،
تُحَدِّثُ الرِّيحَ المُتَعارِفَةَ عَنْ سِرِّهَا،
وَتُغَنِّي لِلذَّاكِرَةِ مَا لَمْ نَكُنْ؟
بَيْنَ الحُلْمِ وَالفَقْدِ،
نَتَساءَلُ إِنْ كَانَ صَوْتُنا
قَدْ رَنَّ فِي أُفُقِ الْأَيَّامِ،
أَمْ أَنَّ الحِكَايَةَ،
هُنَا، حَيْثُ لَا مُنْتَهَى...
لِلَّا مَفَرِّ...


[55]ترنيمة الختام
تَخْتَبِئُ المَعْرِفَةُ فِي ظِلِّ النَّارِ،
وَتَلْتَحِفُ الأَعْمَارُ بِغُبَارِ الحُلْمِ،
دُونَ أَنْ تَبْلُغَ النَّهْرَ أَبَدًا.
دِجْلَةُ، يَا لَحْنَنَا الأَخِيرَ،
هَلْ مِنْ حِكَايَةٍ جَدِيدَةٍ تُرْوَى؟
أَمْ أَنَّ صَمْتَكِ هُوَ أَصْدَقُ الجَوَابِ
عَلَى أَسْئِلَةِ الزَّمَنِ المُتَأَجِّجَةِ فِينَا؟




[47]نهر بلا حكاية
يتحوَّلُ إلى حكايةٍ
تصنعُ طقوسَها
من رمادِ الشَّوقِ،
وتناغُمِ الذكرياتِ،
يَتناثرُ فيهِ الأملُ،
وحبَّاتُ النَّدى،
ثمَّ ينهضُ في البَواكيرِ
ليبتلعَ الضَّوءَ،
ويبكي على عُشبِ الشَّوقِ المحصودِ،
وحكاياتِ "شهرزادَ" البائتةِ،
فيذوي النَّوَّارُ، ويتوارى البنفسجُ،
وتَخرسُ الزَّقْزقةُ،
يبقى الدّيجورُ دونَ حكاياتٍ،
ودونَ فَجْرٍ.


[48]المؤول والحكاية
وتظلُّ الكلماتُ تتناثرُ على ضفافِهِ
أسماكًا تتضوَّرُ،
يتشابكُ فيها الفهمُ والتفسيرُ،
ويُطلِقُ "المُؤولُ"
بين صفحاتِ الزَّمانِ
حجرًا يبعثرُ المعاني،
ويُعيدُ بناءها،
كأنَّ كلَّ الجُملِ
على شفا الهوى،
المفاهيمُ...
"دازاين"... "هيدغر"


[49]عشبة النسيان
عُشْبةُ النِّسْيانِ...
ليسَ في الحروفِ وحدها يكمنُ الفاصِلُ،
والمعنى،
بلْ في انفجارِ المسافاتِ،
بينَ البَياضاتِ،
بينَ فَجْواتِ النَّفَسِ في النصِّ
بينَ الدَّالاتِ والدَّلالاتِ،
بينَ الأفاقِ* والأفاقِ*
بينَ "اليانغِ" و"اليانِ"...


[50]يا دجلة، يا نار الحرف الأولى
إلى دِجْلةِ...
إلى الحُلْمِ الَّذي لا يَمُوتُ،
إلى قَلْبِ الزَّمانِ المَنْهارِ
بَيْنَ ضَفَّتَيْكِ،
تَظلُّ ذِكْراكِ لَهيبًا
فِي جَوْفِ الذَّاكِرةِ،
وَالْأَمَلُ المَفْقودُ
لَا يَزالُ يُولِّدُ فِي دَمَائِنا
كُلَّما مَشَتْ قَدَمايَ نَحْوَ الْأُفُقِ،
تَعُودُ يَدُ التَّارِيخِ لِتَغْزِلَها، مِنْ يَاقُوتٍ
وزُمُرُّدٍ وعُودِ بَخُور
مُتَسلِّلةً مِنْ بَيْنِ صَمْتِ الْأَيَّامِ.
يَا دِجْلَةُ،
يَا نَارَ الحَرْفِ الأُوْلَى،
يَا مَا قَبْلَ الوُجُودِ،
وَمَا بَعْدَهُ،
هَلْ سَيَبْقَى شَيْءٌ مِّنَّا عَلَى قَيْدِكِ؟
أَمْ أَنَّنا جَميعًا غَرِقْنا فِي حُضْنِكِ
مِثْلَما تَغْرَقُ النُّجُومُ فِي رِيشِ بَحْرِ اللَّيْلِ؟

[56]في مَقامِ التَّجلِّي

يا دِجْلةَ...
هَل سَمِعْتِ ارتِعاشةَ قَلبي
حينَ بَاحَ الحَرفُ باسمِكِ
وأزهَرَتْ في كَفِّيَ الأقْحُوانةُ الأُولى؟

هَل رَأيتِني
أَعبُرُ ماءَكِ
كَمَن يُجَرِّبُ الغَرَقَ
لِيَتَعَلَّمَ اسْمَ اللهِ في النَّجاةِ؟

هَل شَهِدتِ،
كَيفَ تَسَلَّقَتْ أصَابِعُ الرُّوحِ
سُلَّمَ العَدمِ
لِتَخْطَّ فِي كُرّاسَةِ العِشقِ
مَوَّالَ الأوَّلينَ؟


يا دِجْلَةَ النَّارِ
والأَجْنِحَةِ المَطْوِيَّةِ،
يا نَافِذَةَ الإشْرَاقِ الأَخِيرَةِ،
سَأَسْتَسْلِمُ لِلضَّوْءِ
وأُقَبِّلُ خَاتِمَ النَّصِّ
فِي فَمِ الحُرُوفِ البَاقِيَةِ


وإِذَا ما تَسَاءَلُوا
أَيْنَ ذَهَبَ السَّالِكُ...
فَقُولُوا:
«غَابَ فِي مَجْرَى الحُرُوفِ»
كَنَبْتَةِ خُزامَى
نَامَتْ فِي جُبَّةِ النَّهْرِ
تَنتَظِرُ المَطَرَ الأخيرْ.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (هُذاذِيكِ حِنِّي)
- (عربية نعاس)
- (هَيَّا نَتَعَانَقْ بِصَمْتٍ)
- (مَزامِيرُ)
- (مَوْجُوعٌ أَنَا حَدَّ التُّخْمَةِ)
- (أضعتُ وقاري)
- (زَمَنُ اللِّقاءِ، ومَكانُ الوَداعِ)
- (عَبِيرُ حَرْفٍ تَفَصَّدَهُ، جَرَّحَ اللِّسَانُ)
- (تِكرارُ مَشاهِدَ)
- (صهيلُ التيهِ)
- (شوقٌ وأملٌ)
- (في الطريق إليها)
- (أوهام)
- ( جُفُونُ جُرْفِ العَطَشِ)
- (رقمٌ ورُقيمٌ)
- 3هلاليّات معاصرة (تَغْرِيبَةُ بَنِي سَ) العِرْفَانُ الأَصْغَ ...
- 1هلاليات معاصرة (تغريبة بني عين)
- 2هلاليات معاصرة (تغريبة بني كاف)
- (الزَّمْهَرِير)
- ( النهر لا يسكر )


المزيد.....




- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس
- ترامب يقول إن هوليوود -تحتضر- ويفرض رسوما بنسبة 100% على الأ ...
- حرب ترامب التجارية تطال السينما ويهدد بفرض الرسوم على الأفلا ...
- وفاة الفنان المصري نعيم عيسى بعد صراع مع المرض
- باللغة السواحيلية.. صدور قصص عن الحرب الوطنية العظمى للكتّاب ...
- ترامب يأمر بفرض رسوم جمركية بنسبة 100? على الأفلام الأجنبية. ...
- ثقافات روسيا القومية


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (العودة الى جدول الأقحوان في دجلة السالكين)