أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرورية















المزيد.....

حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرورية


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 00:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السيد نعيم إيليا المحترم، تحية طيبة وتقدير لاهتمامك النقدي الجاد الذي نرحّب به دائمًا، ليس فقط كمداخلة بل كفرصة لتعميق النقاش حول المسائل النظرية الكبرى المرتبطة بالدولة والمجتمع في الفكر الماركسي.

أولًا: هل شعار الدولة المدنية ماركسي؟

أشرتَ إلى أن “الدولة المدنية” شعار اخترعه “الماركسيون الإسلاميون” ولا وجود له في الماركسية اللينينية أو التروتسكية أو الماوية إلخ. هنا لا بد من توضيح أمرين:
1. صحيح أن مصطلح “الدولة المدنية” كاصطلاح لغوي ليس جزءًا أصيلًا من أدبيات ماركس ولينين. مصطلحات ماركس كانت دقيقة: الدولة الطبقية، دكتاتورية البروليتاريا، الدولة البرجوازية، الدولة البروليتارية، الخ. ومع ذلك، هذا لا يعني أن كل اصطلاح جديد غريب بالضرورة عن الماركسية، ما دام يُحلَّل في سياقه الطبقي.
2. اصطلاح “الدولة المدنية” كما استُخدم في السياق العربي، وخاصة بعد 2003، جاء كصيغة توفيقية هدفها تمييز الدولة الخاضعة للقانون عن الدولة الطائفية والدينية والمليشياوية. أي أنه استُخدم كتعبير عن مطلب فصل الدين عن السلطة وبناء مؤسسات دولة محايدة (شكليًا على الأقل). في هذا المعنى، هو أقرب للعلمانية البرجوازية، التي ناقشها ماركس وإنجلز.

لكن:
الماركسية لا تختزل الدولة إلى بعدها “المدني” أو “الديني” فقط، بل تراها جوهرًا طبقيًا مهما اختلفت أشكالها. وكما كتب لينين في “الدولة والثورة”:
*“إن شكل الدولة، حتى لو كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا بالكامل، لا يلغي كونها أداة قمع طبقة لأخرى.”*¹

إذًا:
• استخدام “الدولة المدنية” كشعار تكتيكي في السياق العربي يمكن أن يكون مفهومًا من زاوية النضال ضد الطائفية،
• لكن من منظور ماركسي، يجب ألا يُخدع أحد بالتصور أن هذه الدولة ستكون حيادية طبقيًا.

ثانيًا: دكتاتورية البروليتاريا والعلمانية

طرحتَ سؤالًا مهمًا: هل يمكن لدكتاتورية البروليتاريا أن تقوم من غير جيش وشرطة ومخابرات؟
لينين يجيب بوضوح:
*“الدولة البروليتارية تعني، في جوهرها، جهاز قمع جديد يُستخدم لقمع الطبقات المستغِلة… لكنها تختلف عن الدولة البرجوازية لأنها في طريقها للاضمحلال، ولأنها تنشئ أدوات ديمقراطية أوسع للأغلبية الساحقة.”*²

هذا يعني أن الدولة البروليتارية لا تلغي أدوات القمع فورًا لكنها تستخدمها بطريقة معاكسة للدولة البرجوازية:
• الدولة البرجوازية: أقلية تحكم وتقمَع الأغلبية.
• الدولة البروليتارية: أغلبية تفرض سلطتها وتقمع بقايا الطبقات القديمة.

أما ما إذا كانت الدكتاتورية تعني الإلحاد بالضرورة: ماركس وإنجلز أكدا دائمًا على فصل الدين عن الدولة باعتباره شرطًا ضروريًا لبناء دولة حديثة، لكن الإلحاد ليس شرطًا قانونيًا في الدولة البروليتارية بل تعبير عن تحول الوعي. كما أوضح ماركس في “نقد فلسفة الحق عند هيغل”:
*“الدين هو أفيون الشعب… لكن الحل ليس قمع الدين إداريًا بل إزالة شروطه الاجتماعية.”*³

ثالثًا: الديمقراطية في الماركسية: بين الشكل والمضمون

أشرتَ إلى أن الديمقراطية في الماركسية ليست إلا قلبًا لفظيًا لمعنى الاستبداد وسيطرة الحزب الواحد. وهنا ينبغي إعادة التفكيك:
• نعم، الماركسية تعترف بأن الديمقراطية البرجوازية شكل فارغ إذا لم يُرافقه تغيير طبقي جذري.
• ولكن الديمقراطية البروليتارية (كما شرحها لينين) ليست مجرد “سيطرة حزب واحد”، بل هي أوسع ديمقراطية للطبقات الكادحة.

لينين كتب:
*“دكتاتورية البروليتاريا هي ديمقراطية للطبقات الكادحة وقمع للبرجوازية. إنها توسيع لممارسة الديمقراطية في المجتمع بدرجة لا مثيل لها في أي دولة برجوازية.”*⁴

إذًا الديمقراطية في الماركسية تتغير طبيعتها حسب مضمونها الطبقي:
• الديمقراطية البرجوازية = سلطة الأقلية بثوب ديمقراطي.
• الديمقراطية البروليتارية = سلطة الأغلبية بقمع واضح للمضادين للثورة.

رابعًا: العدالة الاجتماعية كمبدأ وحيد؟

ذكرتَ أن العدالة الاجتماعية هي المبدأ الوحيد الذي تفخر به الماركسية. بلا شك، العدالة الاجتماعية عنصر مركزي، ولكن الماركسية ليست تيارًا إصلاحيًا يسعى فقط لتوزيع الثروة بعدالة، بل حركة تهدف إلى إلغاء الطبقات كليًا. ماركس في “البيان الشيوعي” لم يدعُ فقط للعدالة، بل إلى:
*“إلغاء الملكية الخاصة كشرط لتحرير الإنسان.”*⁵

بالتالي:
• العدالة الاجتماعية في الماركسية لا تعني إصلاح النظام الرأسمالي ليصبح أكثر عدالة، بل تعني قلب هذا النظام رأسًا على عقب وإنهاء علاقات الإنتاج الطبقية.

خامسًا: ملاحظتك حول رواية نجيب محفوظ

ملاحظتك حول رواية “رحلة ابن فطومة” مثيرة للاهتمام أدبيًا، لكنها تحتاج إلى الحذر عند سحب الرموز الأدبية إلى التحليل السياسي. الرواية تعبر عن رؤية محفوظ الخاصة للعالم، وقد استفاد من تجربة الاتحاد السوفياتي كإطار رمزي. ولكن كما تعلم، الأدب يسرد بطريقة رمزية لا تخضع دائمًا للمنطق الصارم للعلم الاجتماعي.

خاتمة

أشكرك مجددًا على نقدك الذي يساهم في تطوير النقاش النظري. من المهم دائمًا أن نمارس النقد بمنهجية علمية رصينة وباحترام متبادل، دون الوقوع في مطبّات التلميحات التي قد تبدو مستفزة أو تمسّ النيات، لأن الجدل الماركسي الحقيقي، كما تعلمنا من ماركس وإنجلز ولينين، لا يزدهر إلا في أجواء الجدية والنزاهة الفكرية.

وأجد من المفيد التذكير هنا أن التسفيه أو التقليل من جهد باحثين آخرين - مهما اختلفنا معهم - لا يخدم المعركة الطبقية التي ندّعي جميعًا الانتماء لها، بل يضعفها ويحوّل النقاش إلى مهاترات عقيمة. لذلك، نؤكد أن باب الحوار مفتوح دائمًا، شرط أن يبقى في إطار النقد الماركسي الموضوعي الذي يحترم العقول والجهود، بعيدًا عن أي تجاوزات لفظية أو شخصية.

الدولة المدنية، العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، كلها قضايا تستحق البحث المعمّق والمراجعة الدائمة، ولكن دون التخلي عن اللباقة الفكرية التي تُعد جزءًا من أخلاق الحوار الرفاقي

رفاقيًا،

د. علي طبله



المراجع:
1. لينين، الدولة والثورة (1917).
2. المرجع نفسه.
3. ماركس، نقد فلسفة الحق عند هيغل (1843).
4. لينين، الدولة والثورة.
5. ماركس وإنجلز، البيان الشيوعي (1848).
——————————————————
ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...
- نشيد الأممية - محاولة ترجمة شعرية عربية
- -بين المدنية والطبقية- حوارات مهمة، اطروحات ر. د. حسين علوان ...
- بين المدنية والطبقية: قراءة ماركسية-لينينية في طروحات الحزب ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ ج5: خاتمة، ج6: الملخص
- هل انتهى اليسار الماركسي؟، ج3: البعد النظري: الماركسية بين ا ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ - ج1- جذور فكرة نهاية اليسار, ج2- ...
- حول جدوى النقاش السياسي الاقتصادي مقابل الانزلاق إلى المجازا ...
- قراءة نقدية علمية ماركسية لأسئلة د. طلال الربيعي على ردي الس ...
- حول اطروحات د. طلال الربيعي على مقالتي: العصبيات والعداء لاي ...
- رد إلى الرفيق د. حسين علوان حسين - حول دور الحزب ومهام اليسا ...
- رد إلى الرفيق حسين علوان حسين حول طروحاته حول مقالة: اللينين ...
- رد على تعقيب السيد لبيب سلطان الأخير حول مقالتي: العراق ليس ...
- رد على تعليق الرفيق صباح كنجي على مقالة -نقد ذاتي للخطاب الي ...
- رد علمي ماركسي على ملاحظات السيد طلال الربيعي على مقالة: الع ...
- رد على تعليق السيد صباح البدران: هل أسقط الحزب الشيوعي العرا ...
- اللّينينيّة بين ضرورة التجديد وتحديات الطائفية: دروس من التج ...


المزيد.....




- بلو آيفي كارتر تتألق في جولة والدتها بيونسيه -Cowboy Carter- ...
- سوريا: ما حصيلة المواجهات في صحنايا والسويداء وما الاتفاق ال ...
- غارات إسرائيلية في اليمن بعد يوم من سقوط صاروخ باليستي على م ...
- إسرائيل تستعد لتوسيع عملياتها في غزة.. وعائلات الرهائن: يعرض ...
- مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز تدين الاعتداءات الإسرائيلية ...
- المبادرة المصرية تطالب نيابة أمن الدولة بإسقاط اتهامتها الجد ...
- عقيلة صالح: تشكيل حكومة موحدة في ليبيا يحظى بترحيب دولي ويعد ...
- الجيش الإسرائيلي يشن غارات تستهدف مناطق على الحدود السورية ا ...
- شولتس يوجه رسالته الأخيرة لزيلينسكي
- تسريبات عبرية عن اتفاق إسرائيلي مع حماس في الدقيقة الـ 90 بو ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرورية