أحمد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1800 - 2007 / 1 / 19 - 11:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كان عنوان هذه المادة ( الخطة الأمريكية الأخيرة ... هل هي الخطوة الأخيرة على طريق الهزيمة ؟؟ ) لكنني آثرت تغييره الى هذا العنوان الجديد، لما تحمله مجزرة الجامعة المستنصرية من دلالات ومعاني شاملة وكبيرة، بإعتبارها تلخيص مكثف للفاجعة الوطنية، بكل تفاصيلها ومقاصدها وإحتمالاتها، ولأن كل مايجري لايخرج عن كارثة الإحتلال وكارثة المستنصرية، وما بينهما من أنهار دم وأشلاء ومفخخات وهاونات طائفية ثقيلة وفرق موت داخلية وخارجية، وفساد وتخريب إقتصادي وسياسي وثقافي شنيع.
صورة الاحتلال لبلادنا كانت واضحة حتى قبل وقوعه بالنسبة للطرف الوطني بشكل عام، والصورة تتوضح أكثر وتنجلي الآن، بعد سنوات الإحتلال والتدمير والتخريب الشاملين، والصورة تتوضح بشكل كامل وتام مع الخطة ( الجديدة ) أو الأخيرة .. هل هي خطة جديدة ؟؟ وماهي العناصر الجديدة فيها ؟؟ وماهو الموقف الوطني من هذا التطور ؟؟ هذا مانحاول مناقشته بعد قليل، تلك الخطة التي رافقتها جهود إعلامية ومخابراتية وإجرائية مكثفة، الى جانب ضخب دعائي ملفت، ولجان بحث ودعم أمريكية على أعلى المستويات، مع تأييد مسبق من الإدارة المحلية العراقية، لكل مايصدر وسيصدر من الإحتلال ؟؟
في خضم الصراع التاريخي بين الجانب الوطني وبين المحتل، بإعتبارة إستعمار عسكري مباشر، من الشكل القديم، مع أغطية جديدة تتحدث عن الديمقراطية والإعتدال وحقوق الإنسان، وغيرها من أفكار الدعاية السمجة، من النوع الرخيص والمبتذل، وهي كلها أمور كلامية فارغة، أثبتت التجربة العملية، خلوها من أي مضمون جاد، وهي ليست مطروحة للتطبيق، بل يستحيل تطبيقها بواسطة إحتلال يدعم قوى طائفية وقومية متخلفة، تقود فرق الموت الوحشية، بل إن مايجري تطبيقة على الأرض هو أجندة وخطط المحتل فقط، تساعده في ذلك قوى محلية تافهة، تركض وراء السلطة والحصص مهما كان شكلها أو مدتها أو حجمها، وكما أثبتت التجربة، فإن المحتل والقوى التابعة له لاتكترث ولاتهتم بحجم الخسائر التي يتعرض لها الشعب العراقي، مهما كانت كبيرة او مثيرة، بل إنها توغل دون توقف في جريمة الحرب والإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا، والأرقام المتداولة دليل قاطع على حجم الكارثة وسعتها وإستمرارها، بينما الخطة الجديدة ستشهد جرائم جماعية وإستباحات للمدن والمناطق المختلفة خاصة في بغداد، مع حملات إعتقال عشوائية، تشمل الالاف من الأبرياء، فهي تبدو لهم خطة ( الفرصة الأخيرة ) وبعدها يأتي السقوط الجماعي .
كل الخطط الأمريكية القديمة والجديدة، تستهدف فرض الاحتلال على وطننا وشعبنا، وفرض السياسات الإقتصادية والعسكرية والثقافية، وإخضاع البلد للسياسات الإقليمية والعالمية، وقد رفض شعبنا هذه السياسة وهذه المخططات، ولايقبل أي شعب أو أي مجموعة بشرية طبيعية، بهذا الخضوع وبهذا الإستغلال، وقد فشلت جميع الخطط العسكرية والأمنية السابقة، رغم وحشيتها وقساوتها المطلقة، وقد أستخدم المحتل كل الأساليب القذرة، وكل قوته الضاربة بأقصى طاقتها، تساعده مجاميع وأحزاب متورطة بالمشروع الخارجي، لكن الجميع فشل في تحقيق أهدافه، وقد عاد الصراع من جديد بالنسبة للمحتل الى البداية، وهذا تراجع حقيقي بالنسبة له، وعاد الرئيس بوش الى نقطة الصفر، وهو يكرر مقولات وأحلام مستحيلة، عن ( النصر، وحتى تحقيق المهمة .. )، بل أصبحت مضحكة وبائسة، نتيجة للتكرار المقرف، الذي يصاحبه تراجع دائم على الأرض .
بوش الذي يقف وحيداً تقريباً، حيث لم يعد الى جانبه وزير الحرب السابق رامسفيلد، كذلك تنحى جانباً جون أبي زيد، وكل الطاقم التخطيطي والتنفيذي القديم، ولم تعد الى جانبه وزارة الخارجية وطواقم الدبلوماسية، وقد سقط بولتون، عدا الوزيرة رايس، التي حاصرها الكونكرس في جلسة الإستماع، ذلك الكونكرس الذي سقط بيد الديمقراطيين أيضاً، ولم يعد جمهورياً، بل إن المعارضة تأتي أحياناً من الحزب الجمهوري نفسه، إضافة الى الضغط الجماهيري المتزايد، قبيل ومع صدور الخطة ( الجديدة )، مع العلم إن بوش لايمتلك وقتاً كافياً لتنفيذ خططه ومعاركه القادمة، لذلك فهو يتلهى أحياناً، بتحرك متأخر على القضية الفلسطينة بعد إن سكت لأكثر من ست سنوات، طويلة وقاسية على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ؟؟ حصلت فيها تطورات وحروب وأحداث كثيرة وكبيرة، يعود لنا اليوم بتحرك عائم غائم، لترضية أو التستر على ما يسميه محور دول الإعتدال، وعزل محور الشر، حسب التصنيفات الأمريكية السائدة .
من الأسئلة الهامة التي يواجهها بوش، ماهي العناصر الجديدة في خطته الأخيرة ؟؟ وماهي أدوات التنفيذ ؟؟ وهل إن عشرين ألف جندي قوة كافية للسيطرة على مدينة كبيرة مثل بغداد، يقطنها أكثر من ستة ملايين إنسان، وترتبط بريف شاسع ومعادي، ومدن كبيرة أخرى خارج السيطرة ؟؟ ولماذا لم تنجح كل الخطط القديمة ؟؟ وهل يعتقد بوش إن الطرف الآخر الرافض لسياسته، سينتظره حتى تطبيق الخطة ؟؟
إن خطة بوش الحالية، سوف تساعد الطرف الوطني لتسهيل عمله وتشديد هجومه، شرط أن يمتلك الفكر السياسي الوطني المتطور والواضح، كأداة فعاله للعمل الوطني، فكر سياسي ديناميكي، يقرأ المستقبل بعمق، ومن جميع الجوانب، ويكشف الأحداث ومسارها حتى قبل وقوعها، ويتابع النقاط الغامضة والخبيثة في خطة بوش الجديدة، وإحتمالاتها الدموية الداخلية، مع محاولة مفتعلة للتحرك على القضية الفلسطينة، وتخويف وتهديد للأنظمة العربية المرعوبة، من شظايا النارالعراقية المستعرة، ونوايا المشروع النووي الإيراني ؟؟ ومحاولات لتأزيم الموقف المتأزم أصلاً، وتوريط هذه الأنظمة بالمخطط الأمريكي، كما تحتوي الخطة على عناصر مكشوفة بصدد النفط العراقي وعموم نفط المنطقة، الذي يجب أن يبقى بيد أمريكا وشركاتها، ولايقع بيد الأعداء، حتى لو كانوا الشعب العراقي نفسه .. !!
الوضع العراقي الداخلي لايزال في درجة الخطورة القصوى، بل يزداد خطورة، بسبب إستمرار الإحتلال ومن يساعده على البقاء، تحت حجج تافهة وساقطة، والمأساة تكبر وتتسع، ولن تكون مأساة جامعة المستنصرية آخر المسلسل، وربما تكون نقطة تحول نوعي في القتل والتخريب، بعد إن أستهدف كل شيء، وخاصة التعليم والأساتذة والعلماء، ولم يعرف أحد مصير العاملين في وزارة التعليم العالي، ولم تكشف بعد الجهة الرسمية التي نفذت الإختطاف.. ولاتزال خطة تقسيم بغداد سارية، الى جانب الهجرة الجماعية والنزوح الى دول الجوار والمنافي، أما المشاكل الحياتية القديمة فهي تتفاقم الى الحدود القصوى، والتي لم تعد قابلة للحل، في ظل الأوضاع السائدة .. لقد إنتهى كل وقت الإحتلال، كما إنتهى
وقت الإدارة المحلية، حسب رايس .
على الطرف الوطني الإستمرار بخوض الصراع المرير مع المحتل وأعوانه، وكشف الحقائق ووضعها أمام الناس، في الوقت المناسب .. إن كلمة واضحة أو جملة في رسالة مثلاً، كافية لكي تطيح بأي خائن، مهما كان نوع أو درجة أو زمن خيانته، من على عمود الهيبة المثلومة، الذي يستريح فوقه الخائن لزمن فاسد . والخيانة لاتسقط بالتقادم، و ( تبقى على مدى الأيام عفنة ) .. جملة واحدة كافية لتلسعه، وتجعله يصرخ بصوت مبحوح، لكنه مقطع ومتقطع، بسبب تلف مفتعل ومقصود في الذاكرة ( زهايمر)، أو تلف حقيقي في الضمير المنتهك والمتآكل، وهو يخلط و( يشخبط ) وينتظر المدد الذي لايأتي، خاصة والشهود كلهم أحياء، ويملكون ذاكرة زاخرة بأدق الحقائق والتفاصيل .. والخائن مورط ومتورط بفعلته المشينة، تلاحقه كظله، حتى في البلاد التي لا تشرق فيها الشمس، أو تعيش بلا كهرباء، وهو يرتدي قميص الذل والعار، كراية خائبة، و يسقط تحت لعاب لسانه في أول فرصة يكتب فيها ، وهذا ما يحصل بالضبط دائماَ، والخائن ( مخبوء تحت لسانه )، ولقد تورط ( وا) بشكل قاطع ولايقبل الرد او النقاش أو التبرير، وعادة مايكون خائن وصفيق . .
أحمد الناصري
#أحمد_الناصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟