أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة التأني .














المزيد.....

مقامة التأني .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 09:49
المحور: الادب والفن
    


مقامة التأني :

كانت هناك لوحة مكتوبة بالأنكليزية تواجهني كلما خرجت من البيت في نيروبي ( كينيا ) لأستدير وأنا أدخل الطريق الرئيسي الموصل للسفارة تقول : (( Hurry slowly )) , أي اسرع ببطء , أكيد انه من رجاحة العقل وكماله التأني وعدم العجلة , وأخذ الوقت الكافي لأيِّ أمرٍ من الأمور, والتأني تؤدةٌ وترفُّقٌ , لا تصدر إلا عن حلمٍ , فالعجول في الغالب يفتقد إلى الحلم والرفق , ومن ثمار الأناة أنها تُكسب صاحبها وقاراً , وتُورث المحبَّة , فالعجلة من الشيطان , ومن تعجل في أمرٍ فإنَّه لم ينظر في عواقبه , ولم يتثبت منه.

روى ابو داود قول النبي : (( التؤدة في كل شيء خيرٌ إلا في عمل الآخرة )) , وقديما قال الشاعر : (( لا تعجلنَّ فربَّما عجل الفتى فيما يضره , ولربما كره الفتى أمراً عواقبه تسره )) , وقال عامر بن الطفيل : ((إذا ما القوم كظهم الخطاب ××× فإن مطية الحلم التأني )) , وقول صفي الدين الحلي :(( ولا تكدّر بهم نفسا مطهرة ××× فالبحر من يومه لا يعرف الكدرا .. ظنوا تأنيك عن عجز وما علموا ××× أن التأنيَ فيهم يُعقبُ الظفرا )) , فما هو خلق الأناة ؟ الأناة في اللغة هي الحِلْم والوَقار, وأَنِيَ وتَأَنَّى واسْتأْنَى : تَثبَّت , ورجل آنٍ -على فاعل- أَي : كثير الأَناة والحِلْم , وتقول للرَّجل: إنَّه لذو أناةٍ , أي: لا يَعجَل في الأمور, وهو آنٍ: وقور , واصطلاحاً : التَّأنِّي والأناة هو: التَّثبُّت وترك العَجَلَة.

يعتبر التفكير العميق على مهل من ركائز النجاح في تقويم الشخصيات الإنسانية , حيث تعود عليهم بقرارات سليمة ممحصة لا تشوبها شائبة , وتقضي بضبط النفس البشرية , والتعامل بالحلم والأناة حتى في المواطن التي تستوجب السخط والتشدد والغضب , وإن مجاهدة النفس والتمهل والتأني , تقي كثير من الأخطاء التي تقع على شفا حفرة أحد القرارت , فالتروي والسير على نهج الحياة بخطوات متريثة دلالة على رجاحة العقل ورزانته , وهذا ما يعصم الإنسان من الوقوع في الزلات والهفوات , فالتأني كله خير ومأثور المآب , حيث قال ابن القيّم : ((إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت , إما إلى عجلة وطيش وعنف , وإما إلى تفريط وإضاعة , والرفق والأناة بينهما )) , والمتأني المترفّق في جوانب معيشته , يظفر في مباراة الحياة , مهما كانت مستعصية المراس .

إن مذهب الحياة متعرج ومحفوف بالمنعطفات , وأكثر ما يهلك الإنسان هو الاستعجال , فهي صفة مذمومة تسابق القضاء , وتظهر عجلة الإنسان في سورة يونس آية رقم (11): (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) , وفي آية رقم (11) من سورة الإسراء: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا) وما قصة موسى والخضر إلا موعظة رائعة , بمنهج آسر, يفطّن الذهن , ويلفت العقل إلى ما في التريث والتأني والتدبر من مكسب ومنفعة , وأن الاستعجال والاندفاع يوقع صاحبه بالخسارة والضياع , فالخضر طالب موسى بالصبر والحلم والأناة , وقال أحد الحكماء: ((إياك والعجلة , فإنها تكنّى أم الندامة, لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم , ويعزم قبل أن يفكر, ويحمد قبل أن يجرب , ولن تصحب هذه الصفة أحدا إلا صحب الندامة وجانب السلامة)) .

نتذكربيت القطامي : (( قَدْ يُدرِكُ المُتَـأَنِّي بَـعْضَ حَاجَتِهِ وقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَـلُ )) , يُريدُ به أنَّ صَاحِبَ الأَنَاةِ يَنَالُ بِأَنَاتِهِ غَرَضَهُ وَحَاجَتَهُ , وَيَدْفَعُ الاسْتِعْجَالُ صَاحِبَهُ إلَى مَزَالِقِ الزَّلَلِ , فَيَتَجَاوَزُ إدْرَاكَ مُبْتَغَاهُ , بِمَا كَانَ عَلَيهِ مِنْ زَلَلٍ , قَالَ الجَاحِظُ فِي رِسَالَتِهِ فِي الجِدِّ وَالهَزْلِ : والأنَاةُ أبْلَغُ فِي الحَزْمِ , وأبْعَدُ مِنَ الذَّمِّ , وأحمَدُ مَغَبَّةً , وأبْعَدُ مِنْ خُرقِ العَجَلَ , وقديما قَالتِ العَرَبُ: العَجَلُ بريدُ الزَلَل , وللنَّابِغةِ الذُّبْيَانِيُّ , قَولُهُ : (( الرِّفْقُ يُمْنٌ وَالْأَنَاةُ سَعَادَةٌ فَاسْتَأْنِ فِي رِفْقٍ تُلَاقِ نَجَاحَا )) .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الدهشة .
- مقامة نصيب الأرض .
- مقامة أفعى الكعبة .
- مقامة نهر عطشان .
- مقامة همسة .
- مقامة العجوز .
- مقامة الخنفشاري .
- مقامة مقاولي التفليش .
- مقامة فتوى الشمندفر .
- مقامة الأنتعاش .
- مقامة الشطار .
- مقامة مامش البنفسج .
- مقامة صرعى زياد .
- مقامة الجَلْجَلة .
- مقامة قلب الطين .
- مقامة سالمة ياسلامة .
- مقامة السقوط .
- مقامة الصورة الجانبية .
- مقامة الظلمة .
- مقامة الأدمان .


المزيد.....




- مقتل الفنان المصري سعيد مختار في مشاجرة
- الفرنسي فارس زيام يحقق فوزه السادس في بطولة الفنون القتالية ...
- الفيلم التونسي -سماء بلا أرض- يحصد النجمة الذهبية بالمهرجان ...
- الممثل بورتش كومبتلي أوغلو قلق على حياته بسبب -بوران- في -ال ...
- -أزرق المايا-: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ض ...
- وزير الثقافة الباكستاني يشيد بالحضارة الإيرانية
- تحقيق يكشف: مليارديرات يسعون لتشكيل الرواية الأمريكية لصالح ...
- زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة
- إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة
- -سماء بلا أرض- للتونسية اريج السحيري يتوج بالنجمة الذهبية لم ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة التأني .