إضاءة: -هكذا تكلم زرادشت- لفريدريك نيتشه/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 02:56
المحور: الادب والفن
    

- نظرة عامة مبسطة؛
يقدم فريدريك نيتشه (1844 - 1900) في كتابه هكذا تكلم زرادشت (1883-1885) عملاً يتجاوز حدود الفلسفة التقليدية ويتخذ طابعاً شعرياً ونبوياً وميتافيزيقياً، ويكشف عن رؤيته للحالة الإنسانية والحاجة إلى إعادة تقييم القيم في الحداثة. . هذا العمل، الذي يعتبر في كثير من الأحيان قمة فكره، يحمل معه اقتراحًا جذريًا لـ "الإنسان الجديد" ونقدًا عميقًا للأخلاق التقليدية والميتافيزيقيا الغربية.

1. شخصية زرادشت والنوع النبوي؛
اختار نيتشه زرادشت، مؤسس الزرادشتية، ليكون الشخصية المركزية في روايته. إن هذا الاختيار له دلالة رمزية: فقد كان زرادشت أول من أقام ثنائية أخلاقية بين الخير والشر، وهي الثنائية التي يرغب نيتشه في التغلب عليها. يتخذ العمل شكل إنجيل فلسفي، حيث يلعب بطله دور نبي يعلن موت الله ويعلن ظهور الإنسان الأعلى (السوبرمان).

إن السرد المبني على خطابات شعرية ومقتطفات، هو رفض متعمد للمنهجية الفلسفية التقليدية. وبدلاً من ذلك، يستخدم نيتشه الاستعارات والرموز والاستعارات لإشراك القارئ في رحلة التحول الروحي والوجودي. يعكس هذا الشكل الأدبي رسالة العمل الخاصة: الحاجة إلى التحرر من قيود المنطق الجامد واحتضان الحياة كتدفق ديناميكي وإبداعي.

2. موت الله والفراغ الوجودي؛
ومن أشهر المفاهيم في العمل هو إعلان "موت الله". بالنسبة لنيتشه، هذا الموت ليس حقيقيا، بل رمزيا: إنه يمثل انهيار القيم المطلقة التي تدعمها الأديان والميتافيزيقيا، والتي قدمت على مدى قرون معنى للوجود الإنساني. لكن مع تقدم العلم والعلمانية أصبحت هذه القيم عتيقة، مما ترك فراغا وجوديا.

إن هذه اللحظة الانتقالية، التي وصفها نيتشه بالعدمية، هي نقطة الأزمة والفرصة. لا يحزن زرادشت على موت الله؛ بل على العكس من ذلك، فهو يحتفل به باعتباره تحريرًا ضروريًا حتى يتمكن الإنسان من خلق قيم جديدة. لكن هذا القطيعة تتطلب الشجاعة، لأنها تضع الفرد أمام هاوية حريته ومسؤوليته.

3. الإنسان الأعلى: الإنسان الجديد؛
بدلاً من الإنسان التقليدي الخاضع للمثل العليا المتعالية، يقترح نيتشه الإنسان الأعلى، أو الإنسان الخارق، كمثال للتغلب. الإنسان الأعلى ليس شخصية مادية أو فردًا محددًا، بل هو مفهوم يمثل تجاوز القيم الموروثة والتأكيد الجذري للحياة. فهو الذي يصنع قيمه الخاصة، رافضاً أخلاق القطيع، متبنياً إرادة القوة.

إن مفهوم إرادة القوة، الذي يعتبر أساسياً عند نيتشه، هو قوة إبداعية وإيجابية تدفع الحياة بكل أشكالها. الإنسان الأعلى هو، بالتالي، من يعيش وفقًا لهذه القوة، ويقبل المعاناة ونهاية الوجود كأجزاء أساسية من الوجود.

4. العودة الأبدية؛
مفهوم رئيسي آخر في العمل هو مفهوم العودة الأبدية، وهي فكرة أن جميع الأحداث تتكرر إلى ما لا نهاية في دورة أبدية. ورغم أن الأمر يبدو في البداية وكأنه وجهة نظر متشائمة، إلا أن نيتشه يقدمها باعتبارها اختباراً لعظمة الروح. من يستطيع أن يقول "نعم" للحياة بكاملها، حتى في مواجهة هذا التكرار اللانهائي، هو من يؤكدها حقًا.

إن رواية العودة الأبدية تدعو القارئ إلى التخلي عن الاستياء والشعور بالذنب والتعلق بالماضي، والقيم المتجذرة في الأخلاق اليهودية المسيحية، واحتضان الوجود بشجاعة وحب القدر.

5. نقد الأخلاق التقليدية؛
إن أخلاق القطيع، كما يسميها نيتشه، تشكل الهدف الرئيسي لانتقاداته. فهو يرى ذلك كتعبير عن الاستياء، وإنكار للحياة التي تفضل الرداءة والتقليد على التميز والإبداع. يتحدى زرادشت هذه الأخلاق، ويحث الإنسان على التغلب على اعتماده على القيم الموروثة واحتضان تفرده.

لذلك يرفض نيتشه الثنائية بين الخير والشر، ويستبدلها بالتناقض بين ما هو إيجابي وما هو رد الفعل. إن الأخلاق التقليدية، في نظره، هي أخلاق رد فعلية، لأنها تقوم على إنكار الغريزة وإرادة القوة.

6. جمالية العمل وأثره؛
تساهم اللغة الشعرية والرمزية في كتاب "هكذا تكلم زرادشت" في تعقيده التفسيري. وتوضح استعارات مثل الأسد والطفل والجمل مراحل التحول الروحي، في حين تشير صور الهاويات والجبال والنجوم إلى اتساع الرحلة الإنسانية. يعكس هذا النهج الجمالي اعتقاد نيتشه بأن الفلسفة يجب أن تُعاش وتُشعر، وليس فقط أن نفكر فيها.

إن تأثير كتاب هكذا تكلم زرادشت هائل، سواء في الفلسفة أو في الأدب والفنون. وقد ألهمت انتقاداته للعدمية، ورؤيته للإنسان الأعلى، واحتفاله بالحياة باعتبارها خلقًا، حركات مثل الوجودية، والحداثة، وما بعد الحداثة.

الخلاصة؛
إذن أخيرا. يمكن خلاصة قولنا. لما ورد؛ أن "هكذا تكلم زرادشت" عمل لا ينضب. انه ليس عملاً يمكن فهمه فورًا، بل يجب تجربته وإعادة زيارته طوال الحياة. إنها قصيدة تدعو إلى التغلب على الخلق وتأكيد الوجود، وفي الوقت نفسه تشكل نقدًا لا هوادة فيه للأوهام التي تدعم الحضارة الغربية. ورسالتها في نهاية المطاف هي التحدي: هل نحن قادرون على أن نصبح مبدعين لقيمنا الخاصة. وأن نؤكد الحياة بكل تعقيداتها؟ أم أننا سنبقى عالقين في ظلال الماضي؟ لا يقدم نيتشه إجابات على هذه الأسئلة، لكنه يحث كل قارئ على مواجهة هذه الأسئلة بطريقة جذرية وشخصية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 01/21/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل