التناقض بين الحقيقة واليأس في المنظور الواقعي

حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8148 - 2024 / 11 / 1 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يربط البعض العقلانية باليأس، فإذا تكلم شخص ما بعقلانية يُتهم بأنه استسلامي او انهزامي ويحاول إصابة الناس باليأس والاحباط وهذا ما يثبت لنا ان ثقافة مبدأ المنظمومة المجتمعية تعاني من تعطش فكري وفقر ثقافي يحاول البعض الآخر تغطيتها بهذه الادعادات، فعندما تكون الحقيقة مؤلمة أو سوداوية تُستبدل بزيف من الترهات والاعاءات بعيدا عن العقلانية.
لا يمكن ان تستمر حياة انسان او مجموعة افراد بعيدا عن منطق الصواب مغلفة بالامل الزائف، لذا يجب أن تأخذ الامور بعقلانية بعيدا عن اليأس، فالحياة لايمكن ان تستمر الا هكذا. التعامل مع الأمور بعقلانية وتفاؤل متزن يساعدنا على تجاوز التحديات بشكل أفضل.
اليأس يجعل الأمور أصعب، بينما يمكن للأمل الواقعي المبني على التخطيط والجهد أن يقودنا إلى نتائج إيجابية، لا تخلو الحياة من الصعوبات، لكن من المهم أن نبني آمالنا على أرضية صلبة ونحاول دائماً تحسين ظروفنا قدر الإمكان.
يمكن ان نقول ان اغلب المجتمعات الشرقية تعاني من معضلة فلسفية شائكة تتعلق بعلاقة العقلانية بالأمل واليأس.

العقلانية تكون التفكير المبني على الأدلة والمنطق وتجنب العواطف في الحكم على الأمور، ومع ذلك، يميل البعض إلى ربط العقلانية باليأس، خصوصا عندما تكون نتائج التفكير العقلاني مقلقة أو غير مرضية.
السبب وراء هذا الارتباط يعود إلى أن التفكير العقلاني غالبا ما يفضي إلى تقييم الواقع بحقيقته، دون تزييف أو تجميل.

عندما يتحدث أحدهم عن واقع أو موقف بشكل موضوعي وعقلاني، قد يتهم بأنه استسلامي أو متشائم، هذا الاتهام ينبع من رد فعل نفسي دفاعي، فالبعض يفضلون الأمل حتى لو كان غير واقعي، لأن الحقيقة قد تكون صعبة أو تثير القلق، وقد يشعرون بأن أي شخص يشير إلى سلبيات الواقع هو سبب في نشر اليأس.
البعض يذهب برأي آخر حين تكون الحقيقة مؤلمة أو سوداوية، هنا يكون صراع بين الإنسانية والعقلانية، حيث يقع في حيرة من أمره مما ينشأ سؤال أخلاقي وفلسفي :
هل يجب قول الحقيقة كما هي، حتى لو كانت صادمة؟
أم من الأفضل تقديم أمل زائف لإعطاء الناس دافعا للاستمرار؟
اذن لابد عن توضيح تلك المفاهيم الموجودة عندنا نحن البشر
▪︎ قيمة الحقيقة : الحقيقة تعد قيمة أساسية في الفلسفة العقلانية، لأنها تجعل الفرد أكثر وعيا وواقعية.
فمن خلال مواجهة الحقائق، يمكن للناس اتخاذ قرارات أكثر واقعية، حتى لو كانت صعبة.
الحقيقة تمنح القدرة على التخطيط بشكل مستنير، وتجنب الوقوع في أوهام قد تؤدي إلى صدمات أكبر فيما بعد.

▪︎ الأمل كدافع : الأمل يمثل قوة نفسية مهمة تساعد الأفراد على الاستمرار، خاصة في مواجهة التحديات.
قد يكون تقديم أمل زائف وسيلة لإلهام الناس أو تشجيعهم، لكنه قد يؤدي إلى خيبة أمل أكبر عندما تنكشف الحقيقة. الأمل المبني على أساس زائف يمكن أن يترك الناس غير مهيئين لتحديات المستقبل، بل وقد يصيبهم بصدمة نفسية أشد إذا تبين لهم لاحقا أنهم كانوا في خداع.

- أيهما أفضل : الحقيقة المؤلمة أم الأمل الزائف؟
في المدى القصير، قد يكون الأمل الزائف ملجأً نفسيا جيدا للتخفيف من الألم والإحباط.
في المدى الطويل، الحقيقة، مهما كانت مؤلمة، تساعد على مواجهة الحياة بشكل مستنير، وتمكن الناس من اتخاذ قرارات واعية وقائمة على الواقع.
طيب، هل هناك حل وسطي بين الاثنين؟
برأي، نذهب الى موازنة العقلانية بالأمل
يمكن الجمع بين العقلانية والأمل بطريقة تضمن قول الحقيقة دون الوقوع في فخ اليأس، ويكمن الحل في "التفاؤل الواقعي" اي تقديم الحقيقة كما هي، مع التركيز على جوانب يمكن تحسينها أو فرص يمكن استثمارها، بهذا، يصبح التفاؤل مشروطا وليس زائفا، بحيث يستند إلى ما يمكن تحقيقه فعليا.
التفاؤل الواقعي يلعب دوراً هاماً في حياتنا اليومية، فهو يجمع بين الأمل والحكمة.
يعني التفاؤل الواقعي النظر بإيجابية نحو المستقبل، ولكن مع فهم وتقدير للتحديات والواقع.
يساعدنا هذا النوع من التفاؤل على وضع أهداف قابلة للتحقيق، والاستعداد للتغلب على العقبات بطريقة عملية ومرنة.
يمكن جدا ان يكون التفاؤل الواقعي محفزا، فهو يدفعنا للعمل بشكل أكبر نحو تحسين حياتنا، بينما يحافظ على إحساسنا بالرضا والتوازن عند مواجهة الصعوبات.

الخلاصة : ان اظهار الحقيقة بعقلانية لا يعني نشر اليأس، بل يمكن أن يكون وسيلة لنقل صورة واقعية تدفع للتحرك والعمل.
كما ينبغي اتباع مبدأ "التفاؤل الواقعي" الذي يمزج بين قول الحقيقة مع التركيز على الجوانب القابلة للتحسين، حيث يكون التفاؤل مبنيا على ما يمكن تحقيقه فعليا وليس على أوهام، هذا النوع يُعتبر حافزا للعمل، يساعد على تخطيط أهداف قابلة للتحقيق، ويسهم في تحقيق الرضا والتوازن عند مواجهة التحديات.

#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات