|
دور الذهب في الاقتصاد السوداني: تمويل الحرب وشبهات الفساد
حسن بشير محمد نور
الحوار المتمدن-العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 02:51
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بروفيسور حسن بشير محمد نور/ القاهرة دور الذهب في الاقتصاد السوداني: تمويل الحرب وشبهات الفساد.
يلعب الذهب دورًا حاسمًا في الاقتصاد السوداني حاليا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. بعد فقدان السودان لجزء كبير من موارده النفطية إثر انفصال جنوب السودان في عام 2011 وما اضافته الحرب من هدر كارثي للموارد والايرادات العامة، ومعروف ان البلاد اتجهت منذ انفصال الحنوب إلى انتاج الذهب لتعويض الخسائر عن خروج عائدات البترول من الخزينة العامة، حيث أصبح الذهب المصدر الرئيسي للعملات الصعبة. ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الذهب قد عمق الطبيعة الريعية للاقتصاد السوداني، وهو الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية خاصة غير المتجددة وعدم الاهتمام بتنمية قطاعات الانتاج الحقيقي والقيم المضافة، مما يجعل التنمية المستدامة موضوعا بعيد المنال.
يُعتبر السودان من بين أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، حيث يُقدَّر الإنتاج السنوي (حسب البيانات الموثوقة) بحوالي 90-100 طن من الذهب. يتم إنتاجه في مناطق متفرقة من البلاد، بما في ذلك ولايات نهر النيل والبحر الأحمر ودارفور وجنوب كردفان. يتم استخراج الذهب في السودان بطريقتين أساسيتين: التعدين التقليدي (الحرفي أو الاهلي) والتعدين الصناعي. يشكل التعدين التقليدي الجزء الأكبر من الإنتاج، حيث يعتمد عليه مئات الآلاف من العمال السودانيين كوسيلة لكسب لقمة العيش.
تعتبر دول الخليج وتركيا وروسيا من أبرز الوجهات التي يصدر إليها الذهب السوداني. ورغم أن الذهب يعتبر مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية، إلا أن العديد من المراقبين يشيرون إلى وجود نقص في الشفافية في عمليات تصديره والحصول على عائداته وتوزيعها. يُعتقد أن جزءًا كبيرًا من الإنتاج يُهرب بشكل غير قانوني عبر الحدود، مما يؤدي إلى فقدان الحكومة لجزء كبير من العائدات التي يمكن استخدامها لدعم الاقتصاد.
ما يهمنا اكثر من غيره في هذا المقام جانبان الأول: توظيف الذهب في الحرب، إذ أدى انتشار الصراع المسلح في السودان إلى تحول الذهب إلى مصدر تمويل رئيسي للأطراف المتنازعة، من خلال استغلاله والموارد الطبيعية في مناطق النزاع، وقد استطاعت بعض الجماعات المسلحة تمويل عملياتها العسكرية عبر هذه المصادر مما ساعد في استمرار النزاعات ومفاقمتها. ويُستخدم الذهب لشراء الأسلحة والعتاد وتجنيد المقاتلين، وهو ما يسهم في تأجيج الصراعات بدلاً من توجيه هذه الموارد إلى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وبالتالي تحول الي وقود للحرب واصبح نقمة بدلا عن النعمة.
الجانب الثاني: شبهات الفساد حول شركات الامتياز والتصدير، إذ يعتبر هذا الموضوع أحد أبرز الموضوعات التي تثير اهتمام الاقتصاديين السودانيين ويشير العديد منهم في كتاباتهم وتحليلاتهم إلى أن الفساد يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع الذهب في السودان. وتتمثل أبرز أشكال الفساد في التعاقدات الغامضة التي تتم مع شركات الامتياز، حيث تمنح بعض الشركات الأجنبية والمحلية حقوق استخراج الذهب دون توفير معلومات واضحة حول كيفية توزيع العائدات أو الآليات المستخدمة في منح هذه الامتيازات. كما أن هناك اتهامات بأن بعض مسؤولي الدولة متورطون في عمليات التهريب والفساد، وهو ما يقلل من الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد السوداني من قطاع الذهب.
يضاف للجانبين اعلاه اللذان يبطلان لحد كبير أهمية انتاج الذهب تضاف السلبيات البيئية والاجتماعية لإنتاجه، ومن أبرز الجوانب السلبية لقطاع الذهب هو تأثيره الكبير على البيئة نتيحة لاستخدام العديد من المناجم التقليدية مواد كيميائية خطيرة مثل الزئبق والسيانيد في الاستخراج والمعالجة، مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية. هذا التلوث يؤثر سلبًا على الصحة العامة للسكان، ويزيد من حالات الإصابة بالأمراض في المناطق المجاورة للمناجم خاصة السرطان كما تشير كثير من الدراسات. كما أن هذه الأنشطة تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية، مما يقلل من قدرة المزارعين على زراعة المحاصيل ويؤثر سلبًا علي نوعية الانتاح وعلى الأمن الغذائي.
إلى جانب التلوث البيئي، يؤدي التعدين العشوائي إلى تدمير الغطاء النباتي والتربة، مما يهدد الموارد الطبيعية والمياه الجوفية التي يعتمد عليها المزارعون في مناطق إنتاج الذهب. هذه التأثيرات مجتمعة تؤدي إلى تفاقم التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وتعمق أزمة الاعتماد على الذهب كمورد اقتصادي رئيسي، مع إهمال القطاعات الأخرى مثل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وما يرتبط بهما من قيم مضافة.
من جانب آخر يؤدي الاعتماد المتزايد على الذهب إلى تعميق الطابع الريعي للاقتصاد السوداني. الذي يعتمد بشكل رئيسي على استخراج وتصدير الموارد الطبيعية دون تطوير قطاعات إنتاجية أخرى مثل الصناعة والزراعة. وهذا النوع من الاقتصاد معرض للصدمات الخارجية نتيجة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، مما يجعله غير مستدام المردود على المدى البعيد. كما أن التركيز على الذهب يُهمل الاستثمارات في القطاعات الأخرى التي يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل مستدامة وتحسين مستويات المعيشة للسكان.
بالرغم من أن الذهب يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للسودان في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والامنية المتلاحقة، إلا أن إدارته بطريقة غير شفافة وفاسدة بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاجتماعية السلبية تجعل منه سلاحًا ذو حدين. إذا لم يتم التعامل معه بطرق مستدامة ومدروسة، فإنه قد يُسهم في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من أن يكون حلاً لها. ومن الضروري أن تسعى اي حكومة مدنية مقبلة (إذا كتب ذلك للسودان) لتطوير سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط، مع التركيز على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد في هذا القطاع الحيوي, الذي فشلت الحكومة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر في تنظيمه والسيطرة عليه واخراجه من تحت احتواء المكون العسكري ومنظومة الفساد، وهي نفس الجهات التي قوضت الحكم المدني وتخوض الان غمار الحرب موظفة الذهب في الصراع المميت الراهن.
#حسن_بشير_محمد_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاثار البيئية للحرب في السودان
-
الحرب في السودان: العنف ضد النوع واستغلال الاطفال
-
اثر الحرب علي الاقتصاد السوداني:تحديات التنمية المستدامة
-
الفئات الأكثر تضررا من الحرب في السودان
-
الخرطوم، عصب المال والاقتصاد
-
الحكومة الانتقالية، الدخول في الشباك
-
الحكومة الانتقالية، الوقوع في الشباك
-
المؤشرات الحمراء
-
الجنيه السوداني، القاتل والمقتول والضحية
-
معالجة الاثار الجانبية لسعر صرف الجنيه السوداني
-
جدل في الفكر السياسي في السودان
-
ماذا بعد رفع اسعار الكهرباء والماء؟
-
استنهاض قوي الاستنارة
-
من الذي يرعي الخرطوم؟
-
لقد ثكلت الاغاني المتكأ
-
السيسي علي طريق دغول - ايزنهاور
-
عواصف في العصب الحيوي
-
العودة لسيادة حكم القانون
-
مانديلا ، في مقررات العلوم الانسانية
-
فائض قيمة استرداد ثورة
المزيد.....
-
إخفاقات الديمقراطيين تُمكّن ترامب اليميني المتطرف من الفوز ب
...
-
«الديمقراطية»: تعزيز صمود شعبنا ومقاومته، لكسر شوكة العدو، ي
...
-
العدد 578 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: أكتوبر ثورة العدل والحرية
-
برنامج مهرجان طريق الشعب التاسع
-
تأخير محاكمة 13 مناضل من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة
...
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
في سلطنة عُمان.. بوليفية تُلهم جيلاً جديدًا من الباحثين والع
...
-
السيسي يعيد تشكيل الخريطة العمرانية بقوة السلاح
-
«سيديكو للأدوية» تمنح العمال إجازة إجبارية حتى الخميس المقبل
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|