أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - المظهريَّة!














المزيد.....

المظهريَّة!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8116 - 2024 / 9 / 30 - 18:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




المظهرُ هو الصورةُ الخارجيةُ التي يبدو عليها الإنسانُ أو الشيءُ، وهو الانعكاسُ الذي يراه الآخرون. أمّا التطورُ، بمعنى ما، فهو القدرةُ على حلِّ التناقض بين المحتوى الداخلي والشكل الخارجي. فالشكلُ، مهما تمرّد المضمونُ عليه، سيخضع في النهاية له، وسينسجم معه. هذا بالضبط هو الفارقُ الجوهريُّ بين "المريضِ" و"المتظاهرِ بالمرض"؛ الأولُ يعكس مظهرُه حالتَهُ الحقيقية، بينما الثاني يتناقضُ مظهرُه مع حقيقتِهِ الداخلية.



أتحدثُ هنا لألفتَ الانتباه إلى مرضٍ اجتماعيٍّ وثقافيٍّ وسلوكيٍّ نعاني منه بوضوح، وهو داءُ "المظهريّةِ" الذي ينتشرُ خصوصاً في المجتمعاتِ الشرقيّة. هذا المرضُ ليس إلا نتيجةً لتخلّفنا الاجتماعيِّ والحضاريِّ، أو قد يكون سبباً له، إذ يصعب التفريقُ بين السببيّةِ والنتيجةِ في هذه الحالة؛ فكلاهما مترابطان.



كانَ ذاكَ الرجلُ عظيماً خلّدهُ التاريخُ بإنجازاتِهِ وأفعالِهِ. دخل مجلساً وجلس عند الباب متواضعاً، فجاء أحدُهم وقال له: "سيدي، لك الصدارةُ"، فردّ قائلاً: "الصدارةُ حيث أجلسُ". كان هذا الرجلُ ممتلئاً كالغصن المثمرِ، الذي يحنو بثقله. أمّا في مجتمعاتِنا المصابةِ بداءِ المظهريّةِ، فإن أمثالَ هؤلاء قلّما يُفهمون، لأنهم يعيشون في عالمٍ يقدّس الشكلَ على حساب الجوهرِ. هؤلاء الذين يعانون من المظهريّةِ هم كالأغصانِ الصفراءِ الفارغةِ التي لا تحملُ ثماراً، ولكنّها دائماً ما تبحثُ عن التصدُّرِ في كلِّ شيءٍ، تلبسُ لباسَ اللاشيءِ وهو الغرورُ وتتباهى بما لا تملكه.



إنّ هؤلاء يشبهون إلى حدٍّ كبير الإعلاناتِ التجاريةَ التي تروّجُ لمنتجاتٍ تبدو براقةً ومثاليةً في ظاهرها، لكنها عند الاستخدامِ تكشف عن جودتها المتدنية. كذلك هم أصحابُ النزعةِ المظهريةِ في مجتمعاتِنا، يقدّمون أنفسهم أو يُقدَّمون على أنهم الأفضلُ، لكن في واقع الحال، عندما يتعرضون للاختبارِ العمليِّ والحقيقيِّ، يظهر عجزُهم وتفاهتُهم.



لقد تحوّلت الوظيفةُ في مجتمعاتِنا إلى تمثيلٍ لأبشعِ صورِ البيروقراطيةِ، حتى أصبحت الشرَّ المجرّد، حيث يعشعش فيها الفسادُ الإداريُّ بكلِّ أشكالِهِ. هذا الفسادُ ليس إداريّاً فقط، بل أخلاقيٌّ وسلوكيٌّ وتربويٌّ أيضاً. لقد أصبحت الوظيفةُ مكاناً يحتضن الفسادَ ويتغذى عليه، إذ تتعطل القيمُ وتنعدم الكفاءةُ، ليصبحَ المظهرُ هو المعيارَ الأولَ والأخير.



إنّ عظمةَ الأمةِ لا تُقاسُ إلّا بقدرتِها على التمييزِ بين العظيمِ والتافه، بين من يستحق التكريمَ ومن يستحق الإهمال. الأمةُ العظيمةُ هي التي تزن أبناءها بموازينِ الدقةِ والحكمةِ، على شاكلةِ "ميزان المتنبي" الذي يرى في العظيمِ شخصاً تصغرُ في عينه الأمورُ الجليلةُ، وفي الصغيرِ شخصاً تتضخم في عينه التفاهاتُ. أمّا في مجتمعاتِنا، فإنّ التفاهاتِ هي التي تسود، والمظهريّةَ هي التي تضربُ بجذورِها عميقاً في تربتِها.



في الإدارةِ والبيروقراطيةِ، أصبح "المكانُ" هو كلَّ شيءٍ، وأصبحت الصدارةُ مرتبطةً بمن يشغلُ المكانَ بغضِّ النظر عن كفاءتِه أو استحقاقِه. أمّا الشخصُ الذي يشغلُه وفقاً لمعايير الفسادِ الإداريِّ، فغالباً ما يكون لا شيءَ. الفرقُ شاسعٌ بين منْ يُعَظَّمُ بالمكانِ وبين مَنْ يَعْظُمُ المكانُ به. الأولُ يبقى حماراً مهما زُركش بالزينة، بينما الثاني يضع الصدارةَ حيث يكون هو، حتى لو كانت تلك الصدارةُ في موقعٍ قمامة.



لم أرَ عظيماً يحملُ في قلبهِ نزعةَ المظهريّةِ؛ فالعظمةُ الحقيقيةُ تتجلّى في البساطةِ والتواضعِ، وفي العملِ الصادقِ الذي يرفعُ الإنسانَ بفعلهِ وليس بمظهرِه. أمّا أولئك الذين يفتقرون إلى المحتوى الحقيقيِّ للعظمةِ، فينشغلون بتوافهِ الأمورِ ويجعلون من البيروقراطيةِ زينةً يتباهون بها، كأنما هم في معركةٍ للظهورِ لا للإنجازِ.



هؤلاء الأفرادُ ليسوا سوى تجسيدٍ لمصالحَ تافهةٍ صنعتهم، فخلقوا على شاكلتِها. وأولئك الذين صنعوهم، صنعوهم وفقاً لمبدأ: "إذا أردت السيطرةَ على شخصٍ، فأشعره بالعظمةِ الزائفةِ". والوسيلةُ لتحقيقِ ذلك هي في أنْ يُمنح ما لا يستحقُّ لمن لا يستحقُّ، ليصبح نظامُ الفسادِ هذا آليةً تكميليةً تدورُ في حلقةٍ مفرغةٍ، تعزّزُ من قيمِ المظهريّةِ وتدمّرُ قيمَ الجوهرِ والإنجاز.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل ظاهرة القضاء والقدر!
- مَاذَا بَقِيَ؟!
- ما هي المادة؟!
- عاتبيني!
- النَّفي الجدلي: فهم التناقضات وتحليل التغيرات
- تأملات!
- الإرادة الحرة: بين القضاء والقدر وصراع الذات!
- كثيراً ما!
- العدم فكرة غبية!
- تجليات!
- المفاوضات حول إنهاء الحرب على غزة: إلى أين؟!
- العالَم الذي جَعَلَتْ منه الولايات المتحدة ضاحيةً لها!
- مرايانا!
- أَخْرُجُ في اللَّيْلِ
- السَّطوُ!
- إسرائيل... الوجوه المتعددة لعملة واحدة!
- جلنار أو زهر الرمان!
- -الحريديم-.. القنبلة الموقوتة في -إسرائيل!
- عودة الاغتيال السياسي إلى أميركا: خطر الحرب الأهليّة
- مشروع 2025.. خطة للحكم أم وصفة لتدمير أميركا؟


المزيد.....




- عشرات القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منهم 6 باستهداف ...
- وسط حرب الرسوم.. استثمارات صينية وتركية جديدة لإنشاء مصانع ف ...
- السويداء.. إسرائيل تقصف قوات سورية بعد اشتباكات دفعتها لدخول ...
- ما الذي يحدث في كردفان في السودان؟
- ترامب لبي بي سي: -أشعر بخيبة أمل من بوتين... لكنني لم أنتهِ ...
- غارات إسرائيلية على البقاع الشمالي في لبنان توقع 12 قتيلا
- موجة حر قاسية وصيف ملتهب.. المغرب يستنفر أجهزته لمواجهة الحر ...
- الاتحاد الأوروبي في مواجهة تهديدات ترامب الجمركية.. ما الاست ...
- في صربيا.. الروسيون والبيلاروسيون عالقون في فراغ إداري
- فرنسا: رئيس الوزراء يقترح إلغاء عطلتين رسميتين في سياق توجها ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - المظهريَّة!