أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإلاه خالي - -تفكرت ولاد الناس- أبناء الأصول من أهل السودان














المزيد.....

-تفكرت ولاد الناس- أبناء الأصول من أهل السودان


عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)


الحوار المتمدن-العدد: 8101 - 2024 / 9 / 15 - 04:52
المحور: الادب والفن
    


لن أنسى ريناد السوداني عرَفتُه في ليبيا. لن أنسى إيهاب السوداني عرَفتُه في بولندا. لن أنسى أونور، أوهاج، "تاج السر"، و"سر الختم"، سودانيون عرَفتُهم في الجزائر إبان العشرية السوداء. السودانيون لا يُنسَوْن.
ما يحصل في السودان يدمي القلب، أزمة إنسانية واحتراب داخلي مقيت. ثلاثون سنة من حكم الكيزان حَوَّلَت سلة غذاء العالم إلى بؤرة للجوع والعوز. في النهاية هذا ما يفعله الإسلام بالبلدان.
علِمَتْ إيمان أنني من أصول مغربية فجاءت ملتمسة مني الترجمة الفرنسية لنص غنائي تؤديه المغربية الصاعدة "آسية لولو".
سارعتُ لتلبية طلب إيمان، كيف لا وهي من السودان.
النص مكتوب بالدارجة المغربية تحت عنوان "تفكرتك يا ولد الناس"، وهو نص اهتمت فيه المغنية باللحن على حساب الكلمة حيث وضعت النوطة الموسيقية ثم راحت تُركِّبُ عليها الكلمات، فوقعت في أخطاء دارجية.
لقد ترددت في الأغنية عبارة "تفكرت ليام لِّي كنا بجوج"، وكان عليها أن تقول "تفكرت ليام مْلِّي كنا بجوج"، لأن اللفظ الدارجي "لّي" يقابله عربيا اسم الموصول "الذي" أو "التي"، واللفظ "مْلِّي" تُقابله في العربية أداةُ الظرف "حينما". فقولها "تفكرت ليام لِّي كنا بجوج" لحنٌ لغوي في اللسان الدارجي يُقابِله في العربية لحنُ قولِكَ "تذكرتُ الأيام التي كنا اثنين معا"، كلاهما يجرحان السمع.
وتكررت في النص عبارة "جْرحي لقديم مَيْبْراش مَيْنْسَاش"، والسليم في الدارجة أن تقول "مَيْتَّنْساش" لأن الجرح يُنسى ولا يَنسى.
كما تكررت جملة "مْلِّي قَصِيتْ" بمعنى "لَمّا قاصيت"، والصحيح دارجيا قولُها "شْحال قَصِيتْ" أي "كَمْ قاصَيْت"، لأن المعاناة لا تكون لحظية وإنما هي حالة تمتد في الزمن فترة.
أنهيتُ الترجمة الفرنسية والنقد النصي وأرسلتُ لإيمان باكورة جهدي، بعدها وَجَدْتُني أتذَكَّر أبناء الأصول من أهل السودان:
تذكرت أونور: قاسَمَني الزنزانة خمسة شهور وكان يعاني من ألمٍ حاد في منكبه ويبيت الليل متأوها صارخا من شدة الألم. فقَدَ نصف عقله جراء التعذيب. ورغم آلامه كان ينشد بين الفينة والأخرى قصائد ترفع كل مخلص صدوق إلى عنان السماء. وضعوه معي في الزنزانة ظنا منهم أنه شكل من أشكال التعذيب النفسي! كانوا يحملونه كل صباح إلى خشبة الجلد والتعذيب إلى أن جاء يوم ذهب فيه ولم يعد! فيما بعد أخبرني أحد الإخوة أن أونور لفَظَ أنفاسه الأخيرة معلَّقا أمامه في الخشبة!.. أونور سنلتقي يوما..
تذكرت أوهاج: رجل هادئ في طبعه، رزيـن في حديثه، مثـقـف وذو قـلب كبـيـر، كان يكتب الشعر ويقرضه في المساجد فترتفع الهمم. ذات يوم نزل من الجبل فوقع في قبضة العـسكر. انقضت أيام واكتشفنا وسط غابات الأرز حـقـيـبـتـيـن. كان الدم يـسـيـل منهما. فتحـنا الحقيـبة الأولى فذهـلت: رأس رجـل مقطوع مجـدوع الأنف والشفتـيـن مـوضوعا بيـن ذراعـيـن وساقـيـن! في الحقيـبة الثانية وجدنا باقي الأطراف! أخبرني أحد الإخـوة أنـها أطراف أخينا أوهاج! تمالكتُ نفسي. انحنيت على الرأس وقبَّلتُه في جبهته. نظرتُ إلى السماء وساءلـتُ نفسي: هـل عـرف التاريـخ حـربا بمثـل هـذه القـذارة؟ لماذا نحـن هـنا؟ مـن أيـن أتـيـنا؟و إلى أيـن نحـن ذاهـبـون؟
تذكرت "تاج السر": شهمٌ طيب الأخلاق، في الأربعينات من عـمره. ما زلت أذكره وهو يستقبلني بتحيته السودانية الأصيلة، يربت على صدري بكفه مرّات وهو يقول: "أنت الزول ابن بلدي". قضى "تاج السر" سنوات وسط انفجارات البارود، فمنذ أن نمَت له لحـية حـمـل بـنـدقـيـتـه بـيـن يـديـه ورحـل إلى أفغانستان، خاض هـناك غـمار الحرب ثمان سنوات ثم عاد إلى الجزائر يقطعها من شرقها لغـربها ومن شمالها لجنوبها مقاتلا "أعـداء الإسلام وأولياء الشيطان"، لقد صار العـنف جزءا من طبيعـتـه. كان "تاج السر" ينغمس في صفوف العساكر غير مبال حتى وقع بين أياديهم سجينا. مرت شهور وأخبرني بوحمامة أمير لواء تاكسانة أنهم أسروا عنصرا نظاميا قبل يومين واعترف بأن العسكر عذبوا في ثكناتهم "تاج السر" أبشع تعذيب، وفي النهاية حشروه في كيس وأحكموا إغلاقه ثم شدوه إلى حَجَر ثقيل ورموه في البحر! ما زلت أذكرك "تاج السر" وما زلت أذكر صوتك مرنما "أخي أنت حر"..
تذكرت "سر الختم": قـضى جـل حـيـاته بـيـن الـتـلال والـرمال مناطحا العسكر في أرض الإسلام إلى أن وجد نفسه أميرا يقود ألفا من المجاهدين. وصلَت الأخبار بقدوم العـسكـر إلى عـيـن الزرقة. فانتذب "سر الختم" رجالا للنزول. اسـتـأذنـتـه في الخـروج فأعـطاني مسـدسا من صنع ألماني وَواقٍ من الرصاص. أدى الجميـع صلاة الحاجة ثم وزعـت الذخـيـرة عـلى الـرجال تحـت سحابة باردة من الضباب. قبل أن نصل إلى عين الزرقة وفي منبسط أجرد باغَتَنا لواءٌ من العسكر كان كامنا متربصا ينتظر قدومنا. هجم علينا الأعداء فدارت معـركة بالمتـفجرات والرصاص. سالت دماءنا وانـثـتـرت جثتنا في كل مكان. تراجعـنا متهالـكـيـن لائذيـن بالجـبال والأحـراش البعـيدة والقـنابل تـتـقاطر عـلينا من كل حدب وصوب. تلقى "سر الختم" رصاصة في صدره وأخرى في رأسـه ورغم ذلك واصل المشي حتى وقـف مترنحا والدماء النازفة تخضب وجهه وصـدره وتسـيـل فوق ذراعـيه. هـوى عـلى وجهه إلى الأرض مستسلما لجراحـه، ولكـنه رغـم آلامه ابـتسـم وتـمتـم بـبضع كـلمات الـتـقـطتُ منها كلمة "الله" ثم غاب. حفرنا قبرا للشهـيـد وواريناه الـتـراب! ما زلت أذكرك يا "سر الختم"..
أذكركم جميعا، أشعـر بكم، تعـيشون في قلبي بذكراكم الطيبة وبأخلاقكم العالية، ترقبوا "رهائن العبث"، رواية أفصحت فيها عن شيء من مكنونات صدري تجاه "ولاد الناس" من أهل السودان.



#عبدالإلاه_خالي (هاشتاغ)       Abdelilah_Khali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -دوماج- قصيدة تختزل معاناة صديقي براء
- نادية في -رهائن العبث- -7-
- نادية في -رهائن العبث- 6
- نادية في -رهائن العبث- -5-
- نادية في -رهائن العبث- -4-
- من -رهائن العبث- 3
- من -رهائن العبث- 2
- من -رهائن العبث-
- وداعا سيد القمني.. يا مُعَلِّم المسلمين..
- -عبدالعلي حامي الدين- وتقديس النص القرآني
- أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة بيرغ نموذجا- الج ...
- أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة بيرغ نموذجا- الج ...
- أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغات الأجنبية -ترجمة بير ...
- أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغات الأجنبية -ترجمة بير ...
- أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغات الأجنبية -ترجمة بير ...
- أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغات الأجنبية -ترجمة بير ...
- إلى حبيباي
- أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويجي بيرغ نم ...
- أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويجي بيرغ نم ...
- أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويجي بيرغ نم ...


المزيد.....




- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...
- جدل في أوروبا بعد دعوة -فنان بوتين- إلى مهرجان موسيقي في الج ...
- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...
- مسرحية ترامب المذهلة
- مسرحية كوميدية عن العراق تعرض على مسارح شيكاغو
- بغداد تمنح 30 مليون دينار لـ 6 أفلام صنعها الشباب


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإلاه خالي - -تفكرت ولاد الناس- أبناء الأصول من أهل السودان