|
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري -الصَّائِمُ-
فاطمة شاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 8097 - 2024 / 9 / 11 - 10:15
المحور:
الادب والفن
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعر العراقي أسعد الجبوري "الصَّائِمُ" النص :
"المؤمنُ الطارئ بالشهرِ الهِجريّ العابر ، بطلٌ هزيلٌ بأطولِ مسلسلٍ دراماتيكي على باب الحَارة. وسلاماً على الصائمين طِوَال الأعوام."
القراءة :
في هذه الشذرة إشارة بارعة إلى وهم طقوسي يعتقده الشخص الممارس امتيازا خاصا بشهر عربي محدد المكان والزمان؛ وبشخص هو المسلم الذي أعتبر ته ثقافته أنه ينتمي إلى : "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف؛ وتنهى عن المنكر..." إنه بممارسته يتحول بطلا أسطوريا يتبوأ بهذا السلوك، مقاما لايصله إلا من درَّب الجوع على الإيمان ،لأن الجوع في ثقافة الوعي كفر واستغلال واستلاب ؛ وليس تأشيرة مرور إلى عوالم عصية على من يقف ضد الجوع باعتباره علامة على القهر والاستعباد والخضوع الذي يمارسه المتخمون بفائض جوع الآخرين.. وصفه أحد المفكرين بالثعبان يمص جيوب الفقراء... إنه الراسمال الذي يصنع هوة طبقية سحيقة بين من يملكون أدوات الإنتاج تخول لهم المِلْكية استغلال الآخرين، ومن لايملكونها فيكونون خاضعين لسلطة هؤلاء... معادلة الجوع والإيمان معادلة دينية هدفها المباشر إختبار مدى صلابة الذات؛ وتمرينها على لذة الصبر طيلة شهر؛ يمكن الصائم من اجتياز شعرة معاوية... وهو بهذا يكون في ذاكرة الدين شخصية الدراما الدينية؛ مقدما نموذج الكاريزما المسلم الذي يصمد أمام أعتى تجربة تجعله أهْلا ليُحْسَبَ من الناجين من تجربة العذاب والمحاسبة زمن القيامة حيث: " لاتزر وازرة وزر أخرى" ولايمكن لأحد أن ينوب عن غيره ولو كان أقرب أهله... تبدو قضية الإضراب الطوعي /القسري بوصفه إرادة ذاتية/و لاذاتية تقهر الجسد وإن كانت مائدة الفوز بالإفطار تعوض يومه الخالي من مكونات تغذية الجسم وترويته... تجربة الصيام لشهر تمثل تجربة الذات في رؤيتها لذوات مقابلة؛ لكنها تعيش شهرا أطول من عام لأنها جربت الصوم كرها لااختيارا بفعل شروط خارجية تجعله البطل الخرافي... هل في الجوع بطولة...؟ نعم حين يرتبط بوعي سياسي هدفه الضغط للحصول على مطالب معينة وهو (الإضراب عن الطعام) قد يقود إلى استشهاد المعني بذلك، لكنه صيام بوعي ومسؤولية سجل التاريخ شهداءه كثيرا... أليس من يموت جوعا شهيدا... ؟ونعرف حتى داخل النسق الديني قد اعتبر محرضا للقتل... "لوكان الفقر رجلا لقتلته" والواقع يشهد جرائم قتل دوافعها التجويع والتفقير لكنه فعلا رجل تمثله شبكة علاقات معقدة في مجتمعات يكون فائض القيمة في جيوب الأغنياء نتيجة سرقة الفقراء، وليس اعتباطا قول : "كاد الفقر أن يكون كفرا" أليس الجوع كفر بالحياة والذات والآخر والعالم والله..؟ ولولا التجويع ما كانت للرأسمال دماميل تنفر صديدا وعرقا من أجساد الفقراء نتيجة صوم مزمن؛ فهناك من لايملك قيد رمق، هناك من يعيش شظف العيش ؛ هناك من يعاني تحت عتبة الفقر... هناك من لاينال الحد الأدنى للأجور رغم أنه يعمل في قطاع أو خدمات ما... فكيف نعادل بين طرفي الحياة : الجوع كفر والجوع إيمان...؟ هل يستوي الجوعى الذين يعيشون تجربة أبدية بجوعى تجربتهم مؤقتة محددة بميقات مضبوط ومخصص؛ وبفوائد ميتافيزيقية تتحقق فيما بعد الحياة... ؟ إنها البراغماتية تدفع الصائم أن يلوذ بجوع مدته طلوع الشمس إلى غروبها؛ ممتنعا عن شهوتي الجسد من أكل وشرب وجنس قمعا لحيوانيته كما يتوهم ؛وهي حاجيات بيولوجية تحدد طبيعة أي كائن حي طبيعي؛ علما أن الواقع يشهد العكس لأن الممنوع مرغوب؛ الشهر الذي يتحول فيه طلب الجنس مضاعفا، رغم أن مطلب ترويض الجسم على الإمتناع عن تحقيق رغباته المشروعة، الشهر الذي تصير فيه متطلبات الزينة وإلا غراء مطلبا ليليا لدى الإناث بعد الإفطار... ملاحظتي ذلك من معاينة الصوم في المغرب... نتيجة ذلك أن الشهر الهجري هو شهر استعراض للأطعمة وللموائد وإشهار الأكلات،وتحويل الشارع العربي والإسلامي إلى كرنفال سنوي تكون فيه العمرة سياحة دينية تكميلية للسياحة السنوية الحج... هدفها جمع المال بدعوى الزكاة وتوزيع ذلك على الفقراء... أو ليس جوع الفقراء طوال الأعوام زكاة تعفيهم من الصوم والفدية... ؟ أليسوا هم فدية الصوم..؟ صورة دراماتيكية تفضح مفارقات واقع جوعى شهر بانتهازية غائية، وجوعى السنين باستغلال طبقي واضح ازداد مع تفاقم الوضع الراهن تحت ضغط العولمة كسياسية تجويع وتفقير وتصويم دائم لفئات هشَّة روحيا وهشَّة اجتماعيا؛ لاتملك إرادة الإمتناع عن الصوم خوفا ممن يحكمونهم هنا أرضيا ومَن يعتقدون تعذيبه لهم سماويا... استلاب مقنَّن بقوى فكرية وأيديولوجية تستند إلى ثقافة العادة والطاعة والخوف دون مساءلة : هل يحتاج الله إلى تجويعي كل العمر أنا المعدم الفقير الجائع بحكم واقع يسيطر فيه ذوو السلطة المادية والفكرية، والدين سلطة أخطر حين لاتجد مقاومة ذاتية من طرف المقهورين بسؤال : وأنا الصائم دوما هل يجوز لي الإفطار يوم القيامة... ؟ وأنا الصائم عن سبق إصرار وترصد ألا يجوز لي الإفطار شهرا وأنا صومي يمتد طوال العمر...؟ أينا البطل الصائم المناسباتي أم الصائم المداوم... ؟ إنها صورة موجعة قدمت ببلاغة التقابل بطولة مزيفة وبطولة حقيقية لكنها بطولة قائدها الوعيُ اللاّواعي بشروط التجويع المفروضة... ولكن استلاب الصائم المدمن جوعه؛ أعقد من صائم لايجوع حتى في شهر الجوع الإحتفالي؛ لأنه لايشعر بذلك مادامت مائدة الإفطار لاتشبه من لاموائد لهم خاصة زمن الحروب بأشكالها المعقدة ... فصوْمُه لايستفز صومه الفكري ليتساءل : هل يحتاج الله إلى صومي هذا الشهر ولماذا أتساوى في الصوم فقط مع الذين لايعرفون طعم الجوع إلا شهرا ولكنه ينتهي كل يوم عند الغروب، ولاأتساوى معهم في اقتسام الثروات التي يسيطرون عليها، بينما الصائمون طوال عمرهم يصومون دون حدود ودون تحديد وقت لإنهاء مسلسله..؟ لأن صومهم ممتد نهارا وليلا، فهم مغيبون عن المطالبة بحق الحياة بدل المطالبة بحق الموت... هكذا ينتهي الأستاذ المميز بنقد لاذع لأزمة الجوع وتزامنها مع واقع العولمة بحروبها السياسية والفيروسية... نقد يقدم صورة غرائبية بلذة الجوع ضد الجوع... نقد يمسخ صورة البطولة الوهمية وسباق المسافات إلى عالم الغيب... إنها الصورة الإبداعية التي تمارس تحويل واقع موجع إلى لوحة جميلة لوحة عنوانها : أيتها البطولة استيقظي من ركوب الريح....! شكراااا أيها المبدع المفكر المختلف..
#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري -الرَّغِي
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعرة المغربية زكية المرموق -أَتْبَ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعرة المغربية زكية المرموق -طِفْلَ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري -الْكُرَة
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري -مَازَالَ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعرة المصرية سمر لاشين -أُدَخِّنُ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر المصري أحمد عبد الحميد -وَلَيْ
...
-
قراءة سجالية بين الأستاذة فاطمة شاوتي والأستاذ المختار الحمر
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة المغربية نبيلة الوزاني -فِي
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي في نص الشاعر اليمني عبد الغني المخلافي -م
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعرة التونسية فاطمة نصيبي -أُرِيدُ
...
-
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة التونسية فاطمة نصيبي -تَعَلّ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر الفلسطيني فريد غانم -كُرْسِيٌّ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر الفلسطيني فريد غانم -مُعَادَلَ
...
-
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة المغربية تورية لغريب -حَرْفٌ
...
-
مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر المصري محمد عكاشة -قَالَ-
-
قراءة فاطمة شاوتي في مقطع من نص الشاعرة السورية فيروز مخول -
...
-
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعر المغربي مصطفى لفطيمي -نُبُوَّ
...
-
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة المغربية نبيلة الوزاني -بِاس
...
-
قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة المغربية نبيلة الوزاني -رِسَ
...
المزيد.....
-
أندريا بوتشيلي.. الذي أعاد الاعتبار للموسيقى الكلاسيكية
-
وفاة الفنان السعودي عبد الله المزيني عن 84 عاما
-
وداعاً نجم طاش ما طاش .. وفاة الفنان السعودي عبد الله المزين
...
-
الباحث الإسرائيلي آدم راز يؤرخ النهب.. كيف سُرقت الممتلكات ا
...
-
هكذا علق الفنانون السوريون على سقوط نظام الأسد
-
تابع بحودة عالية مسلسل قيامة عثمان 173 Kurulus Osman مترجمة
...
-
اكتشاف بقايا بحرية عمرها 56 مليون عام في السعودية
-
أ-يام قليلة تفصلنا عن عرض فيلم “Hain”
-
أيمن زيدان اعتذر.. إليكم ردود أفعال فنانين سوريين على -تحرير
...
-
6 أفلام جسدت سقوط طغاة وانهيار أنظمة استبدادية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|