مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري -مَازَالَتِ الشَّمْسُ-

فاطمة شاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 13:29
المحور: الادب والفن
    

مقاربة فاطمة شاوتي لنص الشاعر العراقي أسعد الجبوري
"مَازَالَتِ الشَّمْسُ"




مدخل :
حين يكتبك صوت الكبار في منبر بحجم الإمبراطور مع المبدع المختلف الذي لايتكرر ،تكونين قد رسمت لملامحك صورة ثقافية تحتمل أن تمضي وسط العتمة والصبار، لتمثل شعلة من نور ونار، لاتطفئها خراطيم الفراغ....
إنه Asaad Al-Jabbouri
الكلمة المتفردة /
الصورة المبهرة /
الخيال الجامح /
إنه البديل المعرفي
والطاقة المتجددة/
والتحفة البصرية/
التي تحرك الرمال الواقفة على ناصية الشمس، حين تحترق تُسدل أشعتها...
كلمات تفتح المسارات الغامضة في قمصان اللغة، لتكون جسدا إبداعيا ينتهك طابوات الكتابة ،ويخترق جدران العادة الإرسالية دالاًّ ومدلولاً في متن يتميز بذائقة لاأحد يتجرأ على نسخها أو مسخها، لأنها الطاقة الشمسية البديلة،الطاقة فوق العادة....

إنه الشاعر /المبدع /المفكر داخل دماغه يهدمه يبنيه بكيفيات غرائبية؛ تحدث رعشة لايعرفها إلا المتذوق حرفه برعشة أطول؛ وإدهاش أعمق؛ وصوت أبلغ....
إنه الشاعر العراقي الذي ينفث السحر،
لايكتب بل يموت في دماغه بكل ما أوتي من ملكات التخييل لغة وصورا....
فشكرا علمتني أن صخرة سيزيف ستسقط من فوق ظهره إذا أدرك سر اللعبة بين الحجر والحجر....

هكذا يكون التفاعل اللاّاعتيادي مع مقتطعات نصية، تشكل بنية شذرية بدلالات متعددة....
شكراااا حين أكتب بوعيك /
شكراااا حين تنشر هذا الوعي بتمثيلية شاعرة تكتب اللاّممكن ممكنا من خلال ذائقة لاتشبه سواك...
لها قيمتها ومفاتيحها، التي أضاءت أصابعي فطارت فراشات في إمبراطورية الحرف...
الحرف الجيد يصنع قارئته أيضا على مستوى جودته...
منحتني أجنحة الغيمات فأمطرت كلمات وكلمات....

النص:

"ما زالَتْ الشمسُ بثوب النوم ..
ما زالَ الديكُ في المصارعة ..
ما زالَ الفؤادُ في الباص ..
ما زالَ رأسُ الحلمِ بالحائط..
ما زالَ النسرُ فوق أشجار الزيتون يُصَوّرُ مسيرةَ النمل الأحمر.
ما زالَت المياهُ تغسلُ الدماغَ بملابسهِ في البانيو..
ما زالَ البريدُ على الدرّاجة متثائباً ويحملُ رسائلَ المتعبين..
ما زالَت عقاربُ الزمنِ ضائعةً تحت الرمال..
ما زالَت الشهوةُ تغلقُ باباً في الطينِ وتفتحُ ألفاً في الزنجبيل..
وما زالَت المرأةُ تذهبُ للصيد في الصحارى،
ولا تعودُ إلا بالثعابين.
فيما تحملُ القصيدةُ سورَ الصين ،
وتطلقُ ساقيها مَرجحةً على حبل الاستواء.
ليسَ أفظع من سبات الهوى.
ولا أجمل من القَدَمِ البصير."

_

__ القراءة :

1_المدخل / العتبة / والقفلة قد تكون نفيا لِلْ(مازال) /
حمولة النص ككل...
لعبة المازال الإحدى عشر تطوق النص بكامله، إنها التيمة المتعددة الرؤوس ،
تقول رسائلَها الإحدى عشر تلتقط روائح واقع، تعفن في أرض تؤجل النهضة...

2_ (الشمس) صورة واضحة على البيات السياسي والثقافي العربي،
لم يغادر غرفة النوم...
النهضة نائمة في إنتظار ما...

3_ (الديك) صورة x قد تعني كائنا بجينات عربية، يمارس صراع الديكة لعبة أمريكا اللاتينية...
وصف يُسقطه النص على الشعوب المتصارعة دون نتائج...

4_ (الفؤاد) لهفة الناس مرتادو الباصات، يركضون لتحقيق أقل من حياة...

5_ (رأس الحلم) معلق على جداريات تتأمل صوره دون أن تغدو واقعا ملموسا ،إنه الحلم المبتور...

6_ (النسر) إحالة للقوة الوهمية للسلطة العربية، تنشد السلام..
و (أشجار الزيتون) صورة تعبيرية تعكس معنى السلام، والسلام يتابع مسيرة (النمل الأحمر)، الذي تمثله شعوب قهرتها دولهم؛ وتواطؤها مع الهيمنة الغربية...

7_ أما (الدماغ) فهو لم يغتسل من ثيابه المهلهلة، كناية عن الأفكار البالية وعن كونه دماغا لم يعرف حركة تعرية مهما حاول...
إنه يحمل رواسب ثقافته المتجذرة في اللاّوعي الجمعي العربي...

8_(البريد) متثائب يؤجل الوصول...
رسائله لاتحمل سوى الألم والتعب والضياع وعدم القدرة على اللحاق بركب المُعوْلِمين الذين قطعوا أشواطا طويلة في مسار هم الحضاري، مقابل البريد العربي يعاني من عوائق الكسل والتعب والتأخر؛ لايمكنه أن يحقق سبْقا تاريخيا في ظل الهيمنة العوْلَمية...
وصف مجازي لوضعية الاختناق العربي في ظل سلط ضعيفة تابعة لمراكز القرار خارج إرادة السياسة العربية....

9_ مفهوم (الزمن) في تصور الذهنية العربية، زمن سائب لاضوابط دقيقة تحكمه...
لهذا هو زمن مصاب بالهدر والإعاقةفي إشارة من المبدع إلى ضياعه في الرمال،
قصد به أن العقلية العربية عقلية متصحرة فارغة من الفكر التنويري، وهو وصف يعكس واقعا حقيقيا يعتبر الزمن العربي ميتا...

10 _ يقدم موقفه من (الشهوة) كمشكلة جنسية تكون مفتاحا لإشكالية ثقافية، تتعلق بما يعرف ب:
الثورة الجنسية كتحليل للتربية الجنسية، تعرض لها النص بتقابل تعارضي...
(تغلق بابا في الطين
وتفتح ألفا في الزنجبيل)

11_ المشهد الأخير يصور( المرأة) كامراة لها علاقة بالصورة الغابوية، حين تكون علاقتها بالآخر مجرد علاقة حيوانية، غايتها القنص وليس إقامة علاقة إنسانية ،لها نتائج سلبية تحول المرأة ضحية، ويتحول الرجل ثعبانا يلدغ امرأة ...
صورة واقع العلاقة الموبوءة كعلاقة لاإنسانية، تتحول فيها العلاقة إلى علاقة اصطياد، تدل أن المجتمعات العربية ذات طبيعة حيوانية، تلبس فيها العلاقات بين الناس لباسا فوضويا، يسوده قانون الغلبة للأقوى والبقاء للأصلح ...
يعني أننا نعكس علاقات لاتحقق إنسانيتها في مجتمع، تحكمه العقلية الذكورية ،وتكون ممتلئة بالخدع تنفث سمومها ،
فجسد العلاقة بين المرأة والرجل جسد قابل للافتراس ومفتاح الإشباع الجنسي...

12_ ينتهي إلى تصوره للقصيدة :
هي (القصيدة) المجنحة التي يقدمها كتحدٍّ، يتمثل في كونها تحمل الواقع بكل أثقاله ،وتشبه في تصور أسعد الجبوري سورا أعظم، وهو هنا يقدم النص في هذه النقطة الأخيرة على أن الشعر يملك قوة كبيرة لتحقيق تحديات الثقافة بكونها بوابة لاستشراف المستقبل...

خاتمة النص:_
وبكامل يأسه ينظر الشاعر إلى الهوى كأنه سبات عميق،
لكن إرادة الخطو أماما تجعل إمكانية الحياة ممكنة التجلي في صورة واضحة المعالم...
وقد عبر عن هذا :
(أفظع من سبات الهوى
ولاأجمل من القدم البصير)
نهاية تؤرخ لما يعْتور الواقع من نوم عقيم
ولكن إذا كانت الخطوات متعقلة، فإن النتائج واعدة...
حلم التصور البديل قد يحمل بذور تجسيده واقعيا،
لكن في أي زمن... ؟
سؤال لاجواب لدى الرؤية المقترحة القدم البصير والصحو من سبات الهوى، لأن الهاوية في إنتظار ساعة حائط، سقطت ومازالت جاهدة تتسلق الجدار لعلها ترنُّ...
فهل سترنُّ... ؟
متى... ؟
أين... ؟
كيف... ؟
ولمَنْ... ؟
ومع مَنْ... ؟
ولأجل مَنْ... ؟
حمولة مكثفة في نص أكثر كثافة لواقع مكتوف اليدين، معصوب العينين، معاق الحركة...
فشكرااا لهذا الحلم المقصوص الجناحين بهذه (المازال) العتبة والقفلة...
(المازال) تحول المحال ممكنا، ف(المازال الحلم) داخلنا /داخلك...
لكنه لايفقد الرغبة في الطيران في أفق يبدو غير منفتح يا سعد !

#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل