أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح محسن جاسم - الأخير والأول معا














المزيد.....

الأخير والأول معا


صباح محسن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
تتأملني مرحبة بحنو ٍمميز. أنّـى أديـر بوجهي وعلى مدار فضاء مكان جلوسي على كرسي أبيض من البلاستك بمساند ضيقة ، تطالعني بوَلـَه وجوه عاصرتها..غلب عليها الجد والأعتداد بالنفس. كان لي مع بعضها ذكريات. لكنها ما صمتت يوما وما فتئت تحادثني فينتابني نوع من خجل .. أني كبرت بما فيه الكفاية لأكون شيخا لا يقو على اداء جهد اضافي لا يساعده قلبه على تحمله ، تلك كانت حجتي المتهرئة.
كنت أرقب بين الحين والآخر تلك المرأة الجالسة بمحاذاة الجدار المقابل تحت صفوف تلك الصور. ربما كانت لوحدها في مثل حر الظهيرة ذاك من قيظ آب اللاهب.
حضرني وجه زوجتي ثم تباعا جاءت بقية اجزاء الجسد المسجى . كانت شعلة ًمن نشاط. تذكرت كيف انها رقصت مرة رقصة خاصة بإيماءات ريفية جنوبية بايقاع خاص موحي بفرح طقوسي عميق. كانت تجمع ساعديها وهي تميل بجذعها ورأسها يتوسل ظفيرتها الطويلة الى أحد جانبي جسدها الأهيف الرقيق ثم تقفز مصفقة بكفيها وهكذا تتكرر الحركة الى الجهة الأخرى.أذكر أيضا كيف فتنتني تلك الحركة الراقصة فرسمتها بواسطة شعرة من ظفيرتها لصقتها على ورقة بيضاء .. ويا الله كنت أجيد رسمها تماما ! ظلت محتفظة بالصورة فترة تجاوزت الخمسة وثلاثين عاما من حبنا الممتد.
صرت أعتقد أن برتقال ديالى خاص جدا. من يأكل منه ويلذ له مذاقه فقد تطبّع طيبا جنيّا.
نسيت لون الأعلام التي حفــّت تطوّق المبنى وجانبي المدخل. ما عدت اذكر اي نقش كان داخل زاويتها الخفاقة النظيفة. لكني اذكر جيدا لونها المنفرد ووجه ذلك الرجل الذي ترتسم على محياه ذات الحزْم الذي تحمله الصور المرفوعة أعلا جدران القاعة كيافطة عريضة طويلة.
الوجه المألوف من الجدية ما أفرحني وجدد الأمل في داخلي كمن ينفخ في رماد أيامي لتتوهج بقايا جمرات معاندات لم يخبون.
بدا الرجل الآخر منشغلا وهو ما عناني أمره. سألت صاحبي عن أسمه.. وسرعان ما نسيته . لم تعد الذاكرة بقوة رجعها. اشار صاحبي ناصحا مكررا اسمه لسؤالي ثالثة وهو يؤشر الى صورة في المنتصف قبالتي تماما:
- ذلك الشهيد ابن هذا الرجل. ثم واصل:
- ذلك اسم ابنه مدون اسفل الصورة وستقرأ اسمه ايضا ولن تنساه بعدها.
قلت بعد ان تعارفنا: أتعرفها البصرية من بعقوبة المتزوجة من الرمادي؟
كان يعرف أمورا كثيرة .. هالني ما يتمتع به من قوة ذاكرة!
قال لي مؤكدا ما كان يدور في رأسي: لقد قتلوها لكنها ما تزال تصر على العودة للحياة!
بدأت صالة الأستقبال تزدحم بزائريها. همست لصاحبي : ِلمَ الزحام ؟
تطلع إليّ بابتسامة عريضة مجيبا بما يوحي استفزازي : دورة تثقيفية.
تفقدت ذلك الوجه الجاد الذي التقيته مؤخرا ، لقيته بين جمع من الوافدين منشغلا كعادته. انتبهت الى لون عينيه وشيب غزا فوديه. لم التفت الى صاحبي وحديثه مع والد الشهيد الذي قدمني اليه ، ربما سيذكرني لاحقا بعد سنين العذاب والأهوال. كنت أتابع ذلك الوجه الجاد رغم حر الظهيرة - وقتٌ يتخذه آخرون للقيلولة !- بقي في انشغاله ..
دخل القاعة شاب لم أميز ملامحه أولا لوقوفه عند باب القاعة تاركا خلفه نور الظهيرة دلف بعدها إلى الداخل متخذا مكانه وسط أحدى المجموعات. لم أصدق عيني حين عرفت فيه ( مشتاق) أو معتز أو ربما شهاب ، ذلك الشاعر الوديع بزغب لحيته الخفيفة الناعمة. دهشت للسرعة التي جعلته يلتحق بهؤلاء الزراع ! تذكرت وجه صديق لي تغرّب منذ زمن طويل اعتاد أن يشاكس في كونه الأخير من ذلك النوع من الرجال المجدين المحتشدين أمامي.
مضيت أراقبه بإستمتاع وهو يسقي ضيوفه بأكثرمن قدح للماء. انتبهت ، ِلمَ يحضرني كأس صديقي المغترب الذي شد ما تباهى أن يرفعه في الأعياد معلنا سلسلة بطولاته الدونكيشوتية المحببة ؟! رحت انحاز بمقارنتي الى هؤلاء الورثة الجُدد.
فاجأني ذلك الوجه يبتسم للمرة الثانية وهو يرفع قدح الماء الممتليء في اشارة لتحيتي ، ثم عاد ليتحدث الى ضيوفه دون أن يلاحظ يدي بحركتها الخجلة التي أقنعت أصابع كفها التظاهر بأمساكها المرتبك للقلم.
دخل الجميع قاعة المحاضرة فيما بقيت أتأمل شريط الصور. لم يفارقني صديقي القديم الجديد وهو يرفع كأسه لا بل قدح مائه الزلال. فجأة وجدت وجهي أو من يشبهني بين حشد الصور. تأملتني .. سافرت في كل تقاطيع الوجه ، توقفت أخيرا عند غمازات زاوية عيني البعيدة التي تشبه طيات مظلة سيدة صينية .. كانت ابتسامتي مميزة حقا.
كم كنت وديعا !



#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراشة المستنقعات
- قبلة من وليد حسن الإنسان الفنان الشهيد
- جوْزتُنا تَنضو ثيابها
- كفاح حبيب .. نتونس بيك وانت معانا
- عصفور المشهداني ، ديك بريمر وقندرة شارلي شابلن
- عصفور المشهداني ، ديك برايمر وحذاء شارلي شابلن
- تنوع- لبابلو نيرودا
- ما يشبه الضحك .. ما يشبه البكاء
- النهرُ سمكة
- تلك الزهرةُ البريّة
- بيضتا هرّ - قصة قصيرة -
- مما وراء السوريالية
- مواساة لشجرة البمبر
- عذابات يحيى
- الفعل .. بستان
- أكنيتا فالك .. الحبّ وضده
- أكنيتا فالك : الحبّ وضدّه
- سهراب : الحبّ ُ كلّ شيء
- أطوارُ .. كعادتها تضحكُ
- !أسطورة الوحدة الوطنية


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح محسن جاسم - الأخير والأول معا