|
أدب الناشئة ودوره في تعزيز الرواية التاريخية والهوية الفلسطينية
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 14:24
المحور:
الادب والفن
1 يلعب الأدب الفلسطيني بشكل عام دورًا بارزًا في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، ويعد مكونًا رئيسًا من مكوناتها، ويساعد على صقل الشخصية وبنائها وتحفيزها على حب الوطن، وعلى التضحية في سبيله، والصمود فوق ترابه بغض النظر عن كل الصعوبات. ينطبق ذلك على كل فئات المجتمع بمن فيهم الأطفال والفتيات والفتيان، ولا يقتصر دوره على تعزيز الهوية الوطنية، بل إنه بالنظر إلى تحفيزه على حب الوطن يعمل في الوقت ذاته على تعزيز الرواية التاريخية الفلسطينية؛ التي تقود بالضرورة إلى دحض رواية الآخر الصهيوني المحتل القائمة على التزوير والكذب واختلاق الوقائع، ومحاولات خلق تاريخ متخيل غير مستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق وسبل البحث العلمي غير المتحيز بشكل مسبق. 2 ويبدو أنه من تحصيل الحاصل القول إن الظروف غير الطبيعية التي يعيشها مجتمعنا من جرّاء استمرار الاحتلال الإسرائيلي، لا بدّ من أن تترك أثرها على سلوكيات الناس، ولا بدّ من أن تنحو بهم نحو الضيق مما حولهم من ظواهر، ومن ممارسات، ثم تتحوّل نحو الداخل بسبب عجزهم المؤقت عن إزاحة الاحتلال من واقعهم، فيمارسون العنف ضد أبناء شعبهم في الوطن الواحد، كما يمارسون العنف ضدّ أقرب الناس إليهم في الأسرة الواحدة، وبالذات ضد المرأة وضد الأطفال. ومما له دلالته أن التراث العربي الإسلامي حافل بالقيم الإيجابية التي تحضّ على التسامح والتراحم والمعاملة الحسنة والصفح عن المسيئين، ويمكن الاستشهاد بأدلّة من القرآن الكريم ومن الحديث الشريف، ومن تراث المسيحيين الفلسطينيين والكتاب المقدّس، تعزّز كلها هذه القيم الإيجابية لتنظيم حياة الناس وللسموّ بواقع المجتمع. هنا يأتي دور الأدب لينهض بالدور المطلوب منه، وليعمق من خلال النصوص الجميلة الممتعة المفاهيم الإيجابية التي تنص عليها الديانات السماوية، ولإضافة قيم من واقع الحال، ومن قلب التجارب التي تخوضها القوى الوطنية الفلسطينية، وينجزها المفكرون والمثقفون والأدباء والكتاب، رجالًا ونساء؛ لخلق حالة راسخة من التربية الوطنية المستندة إلى أسس صحيحة وإلى عناصر مؤكَّدة؛ لا تجرفها سلبيات المرحلة ولا تتقاذفها الأهواء المتأرجحة، فتمكث في الأرض، وتظل تفعل فعلها في أنفس الأطفال واليافعين والشباب والكهول رجالًا ونساء في كل الأوقات. 3 ومما له دلالته أيضاً؛ أن تنشط في بلادنا الندوات الثقافية والمؤتمرات التي تتمحور حول موضوع التسامح في أوساط طلبة الجامعات وفي المجتمع بشكل عام، وكم بالحري تأسيس تلك القيم وتعزيزها لدى أطفالنا منذ أيام نشأتهم الأولى في البيت وفي الحي وفي المدرسة، لوقف ظاهرة التنمر وممارسة العنف ضد زملاء الصف أو أبناء الحي الواحد والقرية الواحدة والمدينة الواحدة. وفي السياق ذاته يبدو مفهومًا التحذير من ظاهرة التطرف الديني في المجتمع، والاندفاع نحو المزيد من التعصّب، ونفي الآخر ابن المجتمع الواحد وإقصائه، وغياب مبدأ الحوار، مما يشكل تهديداً للسلم الأهلي، وحرية الرأي التي تضمنها القوانين المرعيّة المقرَّة ولوائح حقوق الإنسان، وكل ما من شأنه خلق مجتمع قوي متطلع نحو التحرر من الاحتلال، وبناء حياة سليمة صحيحة لأبنائه وبناته ورجاله ونسائه من دون تمييز أو اضطهاد. 4 ويبدو من تحصيل الحاصل القول إن علاقات المصير الواحد والمواطنة التي تجمع المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين لا تحتاج إلى برهان، ومن يدقّق في رموز عصر النهضة والتنوير، وفي التركيبة القيادية للحركة الوطنية الفلسطينية وأحزابها وقواها السياسية منذ مطلع القرن العشرين حتى الآن، يجد حضوراً بارزاً لقادة سياسيين ومفكّرين وأدباء مسيحيين فلسطينيين، لعبوا وما زالوا يلعبون أدواراً مهمة في حياة شعبهم الفكرية والسياسية؛ وهو الأمر الذي لا يقبل التمييز ولا التعصب ولا الإقصاء. مع ذلك؛ فإن انتشار العنف الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين الممتد منذ سنوات طويلة، لا يمكن أن يمرّ دون أن يترك أثره على نفوس الأطفال، حيث تنمو لديهم نزعة العنف وعدم التسامح وعدم تقبل الآخر، جرّاء هذا العنف الذي يلاحظونه في الواقع وعلى شاشات التلفاز، وجرّاء المعاملة القاسية التي يتعرضون لها في أسرهم، هذه المعاملة النابعة من تردي الأوضاع الاقتصادية للأسر، ومن تأثّرها بمجمل الأوضاع غير الطبيعية المحيطة بها؛ ما يتطلب اهتمامًا خاصًّا وجهودًا مخلصة مثابرة. 5 إن أدبنا المحلي الموجّه للأطفال وللفتيات والفتيان، حافل بحكم وظيفته التربوية، بمخالفة ما هو سائد في المجتمع من مظاهر عنف وقسوة، ومن صعوبة تقبّل الرأي والرأي الآخر الناتجة عن ضعف تجذر الحداثة والديمقراطية في مجتمعنا، وبسبب الخلافات الإيديولوجية الحادة في هذا المجتمع. ثمة في هذا الأدب ما هو معاكس تماماً لهذا السائد المقيت، أي أنه أدب معني بالترويج لمظاهر السلوك العصري المنفتح على التسامح وعلى الديمقراطية، وهو أدب يعي رسالته على نحو جيد، ويضع في اعتباره أن يخلق التأثير المطلوب في نفوس الناشئة الذين نعلّق عليهم الآمال لاستلام راية النضال من أيدي الجيل السابق، والمضي بها قدمًا نحو الخلاص من الاحتلال، ونحو صيانة الكرامة الوطنية للناس في ظل الحرية والاستقلال. والسؤال: كيف تعاملت الكتب الأدبية في فلسطين من قصة ورواية وأشعار ونصوص مسرحية وتمثيليات وأغان وأفلام ومسلسلات وفن تشكيلي مع الأطفال ومع الفتيات والفتيان؟ هل سمحت لهم/ن بحرية التعبير عن ذواتهم؟ هل سمحت لهم/ن بتحرير طاقاتهم/ن وتصريفها من دون زجر أو قمع أو تخويف وعقاب؟ هل سمحت لهم/ن بطرح الأسئلة وحرية القبول والرفض؟ كيف تعاملت هذه الكتب مع الفتاة ومع المرأة ومع قضية المساواة بينها وبين الرجل، وبين الفتى والفتاة؟ كيف تعاملت مع ذوي الاحتياجات الخاصة؟ باعتبار ذلك مؤشراً على درجة تسامح المجتمع، وعلى مدى الاهتمام بهذه الفئة من البشر، الذين هم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، ولا يجوز إهمالهم/ن وتركهم/ن ضحية للألم والمعاناة! كيف تعاملت هذه الكتب مع الأرض ومع الطبيعة، ومع مظاهرها المختلفة من أشجار وحقول وحيوانات وطيور، ومن كون الأرض عرضة للمصادرة والاستيطان؟ وكيف تعاملت مع الإنسان نفسه ومع حقه في استخدام عقله دون وصاية أو تحريم أو تجريم؟ 6 أسئلة كثيرة بالإمكان إثارتها حول علاقة أدب الأطفال المنجز في بلادنا مع الأطفال ومع الفتيات والفتيان، وبالطبع ثمة إنجازات في هذا الميدان، وما زلنا نطمح إلى مزيد من الإنجازات. ولست أدعي أن الأنشطة الثقافية الموجّهة للأطفال وكل المنجزات التي تقوم بها جهات عدّة في مجتمعنا، لا تعطي نتائج إيجابية لتغيير بعض مظاهر السلوك السلبية السائدة في المجتمع الفلسطيني، وفي العلاقة بين أفراد هذا المجتمع. ذلك أن الترويج لنزعة التسامح والتخفيف من استفحال العنف لدى الأطفال الفلسطينيين، عبر مختلف الأنشطة التربوية والثقافية والفنية والترفيهية، ومن خلال تبني النتاجات الأدبية والفنية للكاتبات والكتّاب الفلسطينيين، وللفنانات والفنانين المعنيين بالكتابة للأطفال وبتقديم العروض الفنية، وتشجيع الأطفال على قراءة الكتب الأدبية التي تحمل قيماً عصرية، والاهتمام بالنتاجات الفنية المختلفة، له إسهامه الأكيد في خلق جيل جديد قادر على استيعاب نزعة التسامح، وقادر في الوقت ذاته على التعامل مع أبناء مجتمعه بعيدًا من العنف وضيق الأفق والكراهية وعدم التقبّل، وذلك بفعل التدرب على القيم الجديدة واستيعابها والاقتناع بها وتحويلها إلى سلوك راسخ دائم. غير أن هذه الجهود الإيجابية لن تنجز الشيء الكثير لأطفالنا ما دام السبب الرئيس للعنف، وهو الاحتلال الإسرائيلي، جاثماً فوق أرضنا ومهددًا لحاضرنا ولمستقبلنا. مع ذلك ينبغي علينا ألا نكثر من استخدام شمّاعة الاحتلال لنعلّق عليها كل مظاهر قصورنا وتقصيرنا، ذلك أننا قادرون على بناء قوانا الذاتية برغم وجود الاحتلال، وقادرون على خلق حركة أدبية وفنية متطورة تصل نتاجاتها الراقية إلى عقول الناشئة وإلى مشاعرهم، لتترك فيهم الأثار الإيجابية المطلوبة التي ننتظرها ونرجو تحقّقها اليوم قبل الغد، وفي كل حين.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توفيق زياد في ذكراه الثلاثين
-
رشيد ونفيسة/ ست قصص قصيرة جدا
-
تأملات على هامش الصراع
-
الأدب بوصفه تعبيرًا عن الجرح
-
باسم خندقجي أسير بثلاثة مؤبدات شاعر وروائي
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس4
-
أنا ومدينتي الأولى القدس3
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس2
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس
-
ما قلّ ودل3/ على هامش هذه الحرب
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى8
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى7
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى6
-
القدس في كتابات الاسيرات والأسرى5
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى4
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى3
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى2
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى
-
تحية وسؤال
-
للحلم بقية/ مجموعة قصصية للأسير سائد سلامة
المزيد.....
-
أندريا بوتشيلي.. الذي أعاد الاعتبار للموسيقى الكلاسيكية
-
وفاة الفنان السعودي عبد الله المزيني عن 84 عاما
-
وداعاً نجم طاش ما طاش .. وفاة الفنان السعودي عبد الله المزين
...
-
الباحث الإسرائيلي آدم راز يؤرخ النهب.. كيف سُرقت الممتلكات ا
...
-
هكذا علق الفنانون السوريون على سقوط نظام الأسد
-
تابع بحودة عالية مسلسل قيامة عثمان 173 Kurulus Osman مترجمة
...
-
اكتشاف بقايا بحرية عمرها 56 مليون عام في السعودية
-
أ-يام قليلة تفصلنا عن عرض فيلم “Hain”
-
أيمن زيدان اعتذر.. إليكم ردود أفعال فنانين سوريين على -تحرير
...
-
6 أفلام جسدت سقوط طغاة وانهيار أنظمة استبدادية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|