أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - أنا ومدينتي الأولى: القدس4















المزيد.....

أنا ومدينتي الأولى: القدس4


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 14:23
المحور: الادب والفن
    


7
ولنعد إلى الوراء، إلى القدس في النصف الأول من القرن العشرين.
من يقرأ يوميات خليل السكاكيني عن تلك الفترة يجد صورة للقدس باعثة على الاهتمام مثيرة للتأمل، بالنظر إلى ما كانت تمور به من حراك اجتماعي وثقافي.
كانت المدينة قد بدأت التفتّح على الحياة العصرية منذ مطلع القرن العشرين. وكان خليل السكاكيني، المربي والأديب والمفكّر، واحداً من أبرز شخصيات نخبتها المثقفة. وهو لم يحصر نشاطه في مجال التربية- حيث كانت له اليد الطولى في تحديث مناهج تدريس اللغة العربية- بل إنه ثابر على تأليف الكتب ونشر المقالات الأدبية والفكرية في الصحف والمجلات، وعلى إلقاء المحاضرات في النوادي والمدارس، ولم ينقطع عن تدوين يومياته طوال نصف قرن إلى أن حضرته الوفاة، بحيث جاءت هذه اليوميات سجلاً وافياً لنشاطه العملي ولأحوال بيته وأسرته، وللأدباء الذين كانوا يتردّدون على البيت، ولاجتهاداته في شؤون المجتمع والسياسة والفكر والدين واللغة والأدب والتربية والأخلاق.
ولم يكن فضاء المدينة مقتصراً على تجمّع الأدباء ومساجلاتهم، بل إنه اتسع ليشمل الفعاليات السياسية التي أخذت في التبلور، رداً على سياسات الانتداب البريطاني وعلى مخططات الحركة الصهيونية الهادفة إلى الاستيلاء على فلسطين. وتشكّلت آنذاك الجمعيات الإسلامية المسيحية في القدس وغيرها، إلى جانب تشكّل الأحزاب السياسية. وتأسست تجمّعات للمرأة الفلسطينية إلى جانب تأسيس النوادي، وإصدار الصحف والمجلات. ونشطت النوادي في تقديم الحفلات الغنائية والعروض المسرحية، كما نشطت دور السينما في عرض الأفلام.

8
الآن، ورغم العزل والحصار والتضييق على القدس بمختلف الوسائل والأشكال، فثمة حضور للقدس في الأدب، في القصص القصيرة والروايات وفي الشعر. عدد غير قليل من الشعراء الفلسطينيين والعرب كتبوا وما زالوا يكتبون قصائد عن القدس، عن الوضع الاستثنائي القاسي الذي تعاني منه المدينة. كتبوا عنها باعتبارها رمزاً دينياً وثقافياً، وكتبوا عن فرادتها وما فيها من تعددية وقابلية لأن تكون حاضنة لأشواق البشر على اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم، ولم ينسوا أثناء ذلك وقبله وبعده أنها مدينة عربية فلسطينية لها امتدادها العريق في التاريخ.
وثمة حضور للقدس في النصوص القصصية والروائية والسير والمذكرات واليوميات التي كتبها كتّاب فلسطينيون وعرب. تحضر القدس بأحيائها القديمة، بشوارعها ومقاهيها ومساجدها وكنائسها، بناسها الذين لهم طبائع وعادات وأنماط معيشة وأساليب في تحصيل العيش، مشتقّة من طبيعة مدينتهم ومن انفتاحها على العالم؛ ما يؤكد على ضرورة إيلاء المدينة أهمية خاصة في مزيد من النصوص الأدبية والفكرية القادرة على الدفاع عن طابع المدينة الأصيل الذي يُراد تزويره؛ للتماهي مع المقولة الكاذبة التي تدعي أن القدس هي عاصمة إسرائيل إلى الأبد.
للقدس أيضاً حضور في الأفلام الروائية والوثائقية التي أخرجها سينمائيون فلسطينيون، وكذلك في الأعمال المسرحية، وفي الأغاني، وفي لوحات فنية لرسامين فلسطينيين في الوطن وفي الشتات.
وثمة أنشطة ثقافية دورية في القدس مثل ندوة اليوم السابع التي تعقد في مقر المسرح الوطني الفلسطيني كل أسبوع، علاوة على ما يضطلع به المسرح من أنشطة أخرى ثقافية وفنية، وهناك عروض مسرح "سنابل" في النوادي وفي المدارس، وكذلك مهرجان القدس للموسيقى الذي تنظمه كل عام "مؤسسة يبوس للإنتاج الفني"، وتدعو إليه مغنّين وفرقاً فنية فلسطينية وعربية وأجنبية، واضطلاع بعض دور النشر بإصدار كتب تُعنى بماضي القدس مثلما تعنى بحاضرها ومستقبلها.

9
أظن أن مقولة الفيلسوف الألماني ثيودور أدورنو تعبّر عن حالة الشعب الفلسطيني حين قال: "الكتابة هي وطن من فقدوا أوطانهم".
إذ حين يكون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني مقيمًا بعيدًا من وطنه، ويعيش منذ سنوات طويلة في بلدان عربية شقيقة، وفي عدد من بلدان الشتات الأجنبية، وحين تكون الغالبية العظمى من هذا النصف المقيم في الشتات قد ولد بعيدًا من أرض فلسطين، فإن الكتابة هي التي تقوم بجَسْر الهوّة بين الواقع المعيش بكل نواقصه وبين الرغبة في الانتماء للوطن مثل بقية شعوب العالم التي لها أوطانها.
عند هذا الحدّ بالذات تستطيع الكتابة أن ترمّم الهوية الوطنية الممزقة، وتمنحها امتدادًا ملائمًا في الزمان والمكان، مثلما تستطيع أن تخلق معادلًا موضوعيًّا للفردوس المفقود إلى أن يعود الحق إلى أصحابه، ويعود اللاجئون والنازحون والمشردون الفلسطينيون إلى وطنهم.
كلّنا نعرف المقولة الصهيونية التي تقول: "الكبار يموتون والصغار ينسون" بأمل موهوم لعلَّ هذا الوطن الذي تمَّ الاستيلاء عليه بأبشع عمليّة استعمارية استيطانية إقصائية إحلاليّة مسنودة بالقمع والتنكيل والقتل ينتهي إلى أن يتخلى عن هويته الأصلية وعن تاريخه العصيّ على النسيان.
لقد أثبتت الحياة أنّ صغار الفلسطينيين لم ينسوا، وهم يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة على أتمِّ صلة بالوطن، وأتمِّ انتماء إلى أن يعودوا إلى الوطن.
وللتدليل على أهميّة الذاكرة في صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي فإن الصهاينة يسعون بكلّ السبل لمحو ذاكرة الأجيال الصاعدة في فلسطين عبر تزوير المناهج المدرسية في القدس، وشطب كل ما له علاقة بالتاريخ العربي ومن ضمنه تاريخ فلسطين القديم والمعاصر، وتغيير أسماء المدن والشوارع والساحات واستبدالها بأسماء عبرية مستمدّة من التوراة، ومن ثم عبر اختلاق ذاكرة والترويج لها على أوسع نطاق للإيهام بأن فلسطين أرضٌ يهودية أبًا عن جد، والحقيقة غير ذلك بطبيعة الحال، فإنّ حضور العرب الفلسطينيين وتجذرهم في فلسطين وفي القدس منذ آلاف السنين يدحض دعاية الحركة الصهيونية التي تُعدُّ موجة من موجات الاستعمار الحديث، شجَّعتها ورعت خطواتها ومشاريعها الاستعمارية الاستيطانية الإحلاليّة دولٌ استعماريّة بدءًا من بريطانيا وانتهاء بالولايات المتحدة الأميركية .
وفي نهاية المطاف، ورغم القمع والقتل والمعاناة، فلا بد من انتصار الحق الفلسطيني على حكّام إسرائيل الصهاينة، تشهد على ذلك مظاهر التأييد والتضامن والمساندة التي تبديها شعوب العالم الرافضة لحرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون الآن.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا ومدينتي الأولى القدس3
- أنا ومدينتي الأولى: القدس2
- أنا ومدينتي الأولى: القدس
- ما قلّ ودل3/ على هامش هذه الحرب
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى8
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى7
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى6
- القدس في كتابات الاسيرات والأسرى5
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى4
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى3
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى2
- القدس في كتابات الأسيرات والأسرى
- تحية وسؤال
- للحلم بقية/ مجموعة قصصية للأسير سائد سلامة
- رواية وليد أبو بكر: العدوى... دفاع عن الأمل ضد اليأس
- على هامش الحرب الأخيرة2
- عن كتاب محمود شقير: غسان كنفاني... إلى الأبد/ بقلم: سعيد مضي ...
- القدس وحدها هناك/ لا شيء في القلب غير القدس/ للكاتب محمود شق ...
- عن كتابين لمحمود شقير/ على خطى سندباد مقدسي/ د. بروين حبيب
- تأملات على هامش الحرب


المزيد.....




- الفيلسوف برنارد هنري: ألا تعلمون أن الحرب العالمية الثالثة ق ...
- وثائقي لبي بي سي حول حرب جعلت الإنسان -مجرد رقم-
- بين أزيز الرصاص.. الشاب -أبو نحل- يبدع في خيمته
- مصر.. قرار جديد بشأن إذاعة القرآن على أنغام الموسيقى
- بسبب -آيات قرآنية على أنغام الموسيقى-.. النيابة المصرية تتحر ...
- مكتبة قطر الوطنية.. رؤية عالمية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخ ...
- نجمة أمريكية تختفي من المسرح فجأة وسط ذهول الجمهور (فيديو)
- مغني الراب الأمريكي -ديدي- يواجه 6 تهم جديدة بالاعتداء الجنس ...
- أهم عشرة أفلام تناولت الانتخابات الرئاسية الأمريكية
- مسلسل العبقري الحلقة 4 مترجمة بجودة عالية قصة عشق


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - أنا ومدينتي الأولى: القدس4