|
التراشق بين مصر وإسرائيل: دروس المآلات والممكنات
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 8031 - 2024 / 7 / 7 - 00:48
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
مع الإشارات التي تأتي من دولة الاحتلال بقرب الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية في رفح، يطرح السؤال نفسه كيف انتهت جولة رفح عسكريا وسياسيا، ولصالح من؟ خاصة بأن هذه الجولة لم تكن تشمل الداخل الفلسطيني أو محور المقاومة المرتبطة بالدعم الإيراني فقط، إنما شملت الجولة مصر.. إن لم تكن هي محور التراشق المركزي في عملية رفح العسكرية.
نمط "الحد الأدنى" ومحدداته بداية يجب النظر للنمط التاريخي الذي تعتمده القاهرة في سياساتها الخارجية منذ مرحلة ما بعد إزاحة الإخوان في عام 2013م، وهو النمط الذي يمكن الإشارة إليه بسياسة "الحد الأدنى" ومحاولة التقليل من الخسائر وتقليل مساحة الملفات المفتوحة، وتقليل مساحة الاشتباك بقدر الإمكان. هذا النمط يمكن العثور عليه في ملف سد النهضة، وفي ملف العلاقات المصرية السودانية، وفي ملف التعامل مع السياسات الخارجية تجاه المنطقة في فترة دونالد ترامب الأولى، ويمكن القول إن محددات وجود هذا النمط تتمحور حول حالة الارتباك الداخلي والاستقطابات التي تفجرت فيما بعد ثورة 25 يناير، وفي الوقت نفسه كان الارتباك الخارجي حاضرا أيضا لأن شبكة العلاقات المصرية التاريخية أصيبت بالارتباك الشديد بعد إزاحة دولة ما قبل 2011م، ثم إزاحة دولة الإخوان، من ثم سعت دولة ما بعد 2013م لمحاولة استعادة التوازن شيئا فشيئا داخليا وخارجيا، مثقلة بلحظة تاريخية شديدة التعقيد والتدافع دوليا وإقليميا.
متغيرات مصرية تواكبت مع التراشق! حين نعود لموضوع التراشق المصري الإسرائيلي في عملية رفح العسكرية؛ سنجد أنه تواكب مع عدة متغيرات داخلية مصرية شديدة الأثر على المستوى الاقتصادي، ذلك بعد وصول عجز الميزانية لمستويات قياسية، ووصول التضخم وزيادة الأسعار لمستويات غير مسبوقة، وندرة في العملة الاجنبية أثرت على توفير بعض الاحتياجات الأساسية من السلع والمكونات المستوردة، ووصلت للذروة مع توقف بعض المصانع عن العمل لعدم توفر الغاز لعملها، وكذلك القطع الدوري للكهرباء وتناوبه في المدن المصرية.
تمثلات التراشق وإشاراته على المستوى المعلن ذروة التراشق كانت الإعلان عن وفاة أحد الجنود المصريين على الحدود وفق عدة روايات لأسباب الاشتباك مع قوات الاحتلال "الإسرائيلية" عبر الحدود، وكذلك الخلاف على تعريف الوجود الإسرائيلي في منفذ رفح واحتلال محور صلاح الدين/ فيلادلفيا، وهل يكسر اتفاقية السلام المبرمة بين مصر و"إسرائيل" وملاحقها أم لا! وأخيرا تدمير محور رفح نهائيا والتسريبات الإسرائيلية بتفاهمات مع مصر لنقله لمنطقة أخرى. ثم التسريبات التي قام بها الإعلام "الإسرائيلي" لصورة على زي عسكري لأحد الجنود تشمل صورة إسرائيل الكبرى متضمنة أجزاء من مصر، وأخيرا تصريح وزير التراث "الإسرائيلي" بضرروة احتلال سيناء المصرية، مروجا لـ"تي شيرت" عليه صورة سيناء ضمن حدود "إسرائيل".
بين وجهتي نظر لنتيجة التراشق ومآلاته!! من ثم من وجهة نظر معينة يبدو أن "إسرائيل" انتصرت في التراشق بينها وبين مصر، وخرجت منتصرة بعدما احتلت معبر رفح ودمرته وسيطرت على محور فيلادلفيا/ صلاح الدين، ويروج بعضهم لكونها تعد منطقة عازلة جديدة بمحازاة المحور، ورغبتها في عمل جدار أسفل الأرض وأعلاها لمنع إقامة الأنفاق بين مصر وقطاع غزة مستقبلا. ولكن من وجهة نظر أخرى (سياسة الحد الأدنى) يرى البعض أن مصر واجهت مشروع التهجير وتصدت للضغوط الخارجية في هذا السياق، وأن عملية رفح العسكرية تواكبت مع تفجير عدة تناقضات داخلية لمصر كي يتم التأثير على قرارها الاستراتيجي وسياساتها الخارجية الناعمة والخشنة إزاء "إسرائيل"، وأن هذه التناقضات التي تفجرت كانت برعاية أمريكية وأممية شملت دور صندوق النقد، ودورا يزن الكفة ويجعلها في حالة تعادل ما للاتحاد الأوربي في حزمة مشاريع اقتصادية في المؤتمر الذي عقد مؤخرا.
المحور المركزي: سؤال المستقبل وفي الواقع بين وجهة النظر التي ترى انتصار "إسرائيل" ووجهة النظر التي ترى صمود مصر وفق معايير "الحد الأدنى"؛ يمكن النظر بقلق إلى سؤال المستقبل وإلى أين يمكن أن يصل المآل بمصر وحضورها الإقليمي والدولي، وفق هذه المعادلات القائمة وممكناتها..
غياب السردية الجيوثقافية الكبرى تبدو المشكلة من وجهة نظر موضوعية هي غياب السرديات الكبرى (بعد تفكك سرديات القرن العشرين.. القومية الاشتراكية والخلافة الإسلامية)، أو الاستراتيجيات البديلة الفاعلة لمصر، ومحددوية الاختيارت المطروحة على الطاولة، ومن وجهة نظر ليست متشائمة بقدر ما هي واقعية، فإن استمرار التصورات الجيوثقافية والجيواستراتيجية نفسها وفق متغيرات الوضع الإقليمي ومتغيرات الوضع الدولي، يعني استمرار تآكل الحضور المصري وانكماشه على نفسه في معظم الملفات الخارجية ذات الصلة.
ثبات المدخلات = ثبات المخرجات وتكرراها لأن هناك قاعدة معروفة تقول إنه إذ لم تتغير المدخلات فإنها ستؤدي إلى ظهور المخرجات ذاتها وتكرار النتائج نفسها.. وأن دولة ما بعد 2013م أمست غير قادرة على اتخاذ قرارات جذرية تغير معادلتها الوجودية في المنطقة والعالم، وأنها أصبحت تدور حول نفسها غير قادرة على مواجهة المأزق الوجودي وتحدياته. تتحرك مصر وفق معادلة جيوثقافية وجيوسياسة معكوسة؛ تسعى لإدارة الموارد وفق تصورات تكتيكية وظرفية رد فعل، ولا تستبق الوضع الراهن برؤية مبادرة طويلة المدى تعيد ترتيب نظريتها الوجودية والعامة في المنطقة والعالم..
العائق النفسي للعبور للمستقبل: شبكة الدعم النفسي للإدارة السياسية وتفعل مصر ذلك لسبب بسيط وواضح للغاية؛ هو حالة التشبع النفسي بالصراع السياسي مع الإخوان ومتلازماته النفسية والتنظيمية والاجتماعية، وعدم القدرة على تجاوز هذا السياق ونشوته المخدرة متسببة الإدارة السياسة الحالية بأزمة انسداد غير مسبوقة في تاريخ مصر المعاصر، لأنها تسحب معها البنية الثقافية المصرية لفكرة الاحتجاج والصراخ المجرد والاعتراض والمعارضة البحتة، وانشغلت الجماعة المصرية برمتها بذلك، مغيبة لحد بعيد عن النظر للخطر المحدق بالبلاد، وأصبحنا في حالة عبثية لا طائل منها.. وخطورة ذلك أنه لا السلطة السياسية، ولا المعارضة المصرية، ولا البنية الثقافية المستقلة، أصبح عندها بديلا واعيا وسردية ممكنة لمواجهة المأزق التاريخي.
الدرس: ما بعد الاستقطاب النفسي وممكنات المستقبل البديل الممكن؛ هو تجنيب دعاة الفتنة وتفجير التناقضات من جانب دولة ما بعد 2013م ومن جانب المشهد الاجتماعي والثقافي المصري وأصواته الاجتجاجية، والعمل من خلال "كتلة جامعة" تركز في الحفاظ على "مستودع الهوية" المصري، واستعادة حضوره في مستوياته وطبقاته الإقليمية والدولية، والسعي لبناء نظرية جيوثقافية جديدة لمصر، تتجاوز تمترس دولة ما بعد 2013م والأصوات التي تزايد في الدفاع عنها، وتتجاوز التمترس المضاد لمشهد المعارضة الاحتجاجية البحتة التي ترفع الصوت رفضا لمآل الحال.
وإذا لم نفعل ذلك فإن المزيد "الاضمحلال الحضاري" لابد قادم
معركة رفح كانت آخر محاولات جس النبض تجاه مصر؛ وإذا لم تبادر مصر وتتخلى عن سياسة رد الفعل و"الحد الأدنى"، فالقادم سيكون سيئا للغاية... مهما كانت محاولات تسويقه إعلاميا بارعة، ومهما ارتفع صوت الاحتجاج ضده عاليا مدويا.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
-
المقاربة الجيوحضارية للعالم: مصر والعراق والذات الحضارية الم
...
-
مصر ومقاربة ما بعد الشرق أوسطية: حقيقة الحرب في رفح
-
سيرة ذاتية- حاتم الجوهري
-
مصر ومعاهدة السلام: بين الالتزام الدولي والرؤية الاستراتيجية
...
-
محددات التراشق الخشن والناعم بين مصر وإسرائيل.. مقاربة صعود
...
-
زيدان ومؤسسة تكوين: خطاب الاستلاب في مرحلة حرب غزة
-
الحرب واستجابات الصدام الحضاري: روسيا والصين وإيران.. والدرس
...
-
رفح: ما بين التكتيكي والاستراتيجي تصعد وتخفت الأمم
-
البيان الشعري لصدور ديوان: -نساء الممالك البعيدة-
-
السردية الإسلامية وتعالقات الحضارة المطلقة: المعضلة العربية
...
-
حقيقة حرب غزة: سيناريو صفقة القرن الخشن
-
في ضرورة إزاحة جيوثقافية مصر فيما قبل 7 أكتوبر
-
عملية رفح الباردة: سياسة حافة الهاوية بين الاسترتيجي والتكتي
...
-
الصهيونية وتعالقات الحضارة المطلقة: الماركسية والليبرالية وا
...
-
حرب غزة: بؤرة الصدام الحضاري الثالث وأفق المستقبل
-
فلسطين والأفريقانية: بين جنوب أفريقيا التحريرية وأثيوبيا الع
...
-
مبدأ الجيوثقافية المستدامة: البدائل السياسية للعرب فيما بعد
...
-
الأزمة والمسارات: محور المقاومة وسؤال اللحظة الاستراتيجية
-
تناقض الاستراتيجي والتكتيكي: 2024م وتفاقم أزمة الجغرافيا الث
...
المزيد.....
-
عضو في الكونغرس يتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي بحجب معلومات ح
...
-
تركيا تؤكد استعدادها لإسقاط الطائرات الإسرائيلية في حالة -دع
...
-
نائب مصري يوجه رسالة -للناعقين- عن مصر بعد أحداث سوريا (فيدي
...
-
-i24NEWS-: الولايات المتحدة وإسرائيل تنسقان هجوما ضد إيران ل
...
-
أحمد الشرع: نعتزم تحويل سجن صيدنايا إلى متحف
-
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يمشي للمرة الأولى منذ خضوعه ل
...
-
إعلام إسرائيلي: أغلبية ساحقة مع صفقة شاملة ونتنياهو يناقض نف
...
-
تركيا تحذر إسرائيل من الاستفزاز بسوريا وتعيد فتح سفارتها بدم
...
-
مصر.. وفاة -طبيب الغلابة- في الإسماعيلية
-
تركيا تحذر إسرائيل من خطورة استراتيجيتها لتدمير امكانات قياد
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|