|
فلسفة الجمال في الحاضرية الوجودية
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 7998 - 2024 / 6 / 4 - 10:21
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في مناقشة موضوع الجمال والإدراك الواعي في الحاضرية الوجودية، يُمكن التطرق إلى الأسس والمنهجيات الرئيسية التالية: الوجود والوعي: تؤكد الحاضرية الوجودية على أهمية الوعي بالوجود وتجربة اللحظة الحاضرة. فالجمال يُنبع من الاتصال الحي والمباشر بالواقع، وليس من مجرد التأمل العقلي أو التصورات المجردة. الانفتاح والحضور: تدعو الحاضرية إلى الانفتاح على التجربة الحسية والانغماس فيها، بدلاً من الانشغال بالتفكير والتحليل. فالجمال يُكتشف من خلال الحضور والاستغراق في اللحظة الراهنة. الفرادة والشخصية: تؤكد الحاضرية على أهمية الخبرة الفردية والانطباعات الشخصية في إدراك الجمال. فالجمال لا يخضع لمعايير موضوعية جامدة، بل يتشكل وفقاً لتجربة الفرد وسياقه الوجودي. اللغة والتعبير: تُركز الحاضرية على استخدام اللغة والتعبير كوسيلة للكشف عن الجمال وإبرازه. فالعمل الفني أو الأدبي الجميل هو ذلك الذي ينجح في التعبير عن تجربة الوجود بصورة حية ومباشرة. الجمالية والأخلاق: في بعض التوجهات الحاضرية، يُرتبط الجمال بالأخلاق والقيم الإنسانية العليا، بما يجعل من الجمالية مسؤولية وجودية وليست مجرد متعة حسية. في ضوء هذه الأسس والمنهجيات، يُمكن فهم الجمال في الحاضرية الوجودية كتجربة حية ومباشرة للوجود، تتسم بالفرادة والشخصية، وتتجلى من خلال اللغة والتعبير، وقد ترتبط بالقيم الأخلاقية العليا. هناك مجموعة من العوامل الرئيسية التي تؤثر في تجربة الجمال والإدراك الواعي: خبرات الفرد السابقة وطبيعة وجوده في العالم، السياق الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد، مرحلة الحياة والمشاعر التي يعيشها الفرد في لحظة إدراك الجمال. درجة الحضور والانفتاح على التجربة الحسية في اللحظة الراهنة، مستوى التركيز والاستغراق في تفاصيل الموقف الجمالي، درجة التحرر من التفكير المفرط والانشغال بالذات. مهارة الفرد في التعبير عن تجربة الجمال بلغة حية ومؤثرة، القدرة على نقل الانطباعات والمشاعر الداخلية للآخرين، استخدام اللغة بصورة موحية وذات بُعد فني/جمالي. الاتصال بالقيم الإنسانية العليا ربط تجربة الجمال بمعاني وقيم وجودية كالحرية والحقيقة والخير، إدراك الجمال كتجسيد للقيم الإنسانية والروحية، ارتباط الجمالي بالأخلاقي في تجربة الفرد. هذه العوامل المتداخلة تشكل بمجملها طبيعة تجربة الجمال والإدراك الواعي في إطار الحاضرية الوجودية، بما يجعلها خبرة فريدة وشخصية لكل فرد ومنها: ربط الجمال بالحرية إدراك الجمال في الطبيعة أو الفن كتجسيد للحرية والانطلاق من القيود، تقدير الجمال في التعبير الفردي عن الذات والخروج عن المألوف، ربط الجمال بالإحساس بالحرية والتحرر من الضغوط الخارجية. ربط الجمال بالحقيقة إدراك الجمال في الفن أو الفلسفة كطريق للكشف عن الحقيقة الوجودية، ربط الجمال بالصدق والصفاء في التعبير عن الواقع الداخلي للإنسان، تقدير الجمال في الأعمال التي تعكس الحقيقة بعمق وشفافية. ربط الجمال بالخير إدراك الجمال في الأفعال والممارسات الإنسانية الطيبة والنبيلة، ربط الجمال بالقيم الأخلاقية كالرحمة والعدل والتضحية، تقدير الجمال في الأشياء والظواهر التي تحقق الخير وتنمي الإنسانية. ربط الجمال بالمعنى الوجودي إدراك الجمال كتجسيد للمعنى والغاية من الوجود الإنساني، ربط الجمال بالبحث عن الحكمة والتحقق الروحي للذات، تقدير الجمال في الأشياء والتجارب التي تشبع الحاجة للمعنى. هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للفرد في إطار الحاضرية الوجودية أن يربط تجربة الجمال بالقيم الإنسانية العليا، مما يغني تلك التجربة ويضفي عليها بُعداً وجودياً أعمق. الجمال موجود في الطبيعة، فإن الجمال هو خاصية موضوعية كامنة في الأشياء والظواهر الطبيعية، الجمال هنا يُنظر إليه كجزء من النظام الكوني الأكبر، والذي يمكن اكتشافه والتعرف عليه عبر الحواس والتأمل، هذا يعني أن الجمال موجود بشكل مستقل عن الوعي الإنساني وينتظر أن يتم اكتشافه. وفقًا لهذا المنظور، فإن الجمال هو نتاج للنشاط الإدراكي والوجداني للإنسان الجمال. هنا لا يُنظر إليه كخاصية موضوعية، بل كبناء ذهني وعاطفي ينشأ من خلال تفاعل الإنسان مع العالم. هناك إمكانية لوجود الجمال في الأشياء التي لا تنتمي للطبيعة أيضًا. في الحاضرية الوجودية، يمكن أن ينشأ الجمال من خلال الصنع والإبداع الإنساني: الفن والتصميم الأعمال الفنية والتشكيلية كالرسومات والنحت والعمارة يمكن أن تحتوي على خصائص جمالية متميزة، الجمال هنا ينبع من الإبداع البشري والمهارات الفنية المتطورة. الهندسة والتكنولوجيا التصاميم الهندسية والأشكال التكنولوجية المبتكرة قد تحمل في طياتها جماليات خاصة، الجمال هنا يكمن في الإتقان الهندسي والابتكار التكنولوجي. الإبداعات الثقافية والاجتماعية الممارسات الثقافية والتقاليد الاجتماعية المتطورة قد تنطوي على عناصر جمالية، الجمال هنا يرتبط بالمعاني الرمزية والقيم الحضارية المتوارثة. الجمال لا ينحصر فقط في الطبيعة، بل يمكن أن ينشأ أيضًا من خلال الإبداع والابتكار البشري في مختلف المجالات. وهذا يوسع من مفهوم الجمال ويجعله متعدد الأوجه في الحاضرية الوجودية. مفهوم الجمال في الحاضرية الوجودية مع فلسفات أخرى الفلسفة المثالية في المثالية، يُنظر إلى الجمال كصفة موضوعية مطلقة وكامنة في عالم المثل والجواهر الأزلية، الجمال هنا له وجود متعال ومستقل عن الإدراك الإنساني. الفلسفة الواقعية في الواقعية، يُنظر إلى الجمال كخاصية موجودة في الأشياء الطبيعية والمادية، الجمال هنا له أساس موضوعي في الحقيقة الخارجية. الفلسفة البراغماتية في البراغماتية، يُنظر إلى الجمال كتجربة فردية ذاتية مرتبطة بالنفع والفائدة العملية الجمال هنا يتحدد بناءً على المنفعة والتأثير الوظيفي. في الحاضرية الوجودية، على عكس هذه المناهج، يُنظر إلى الجمال كتفاعل جدلي بين الواقع والخبرة الإنسانية. فالجمال ليس مطلقًا ولا موضوعيًا بالكامل، ولا مجرد تجربة ذاتية. بل هو نتاج التفاعل الحاضر بين الإنسان والعالم في سياق وجودي محدد. وبذلك يتسم بالتعدد والتغير والسياقية. هذه الرؤية الوجودية توسع مفهوم الجمال وتجعله أكثر ارتباطًا بالتجربة الإنسانية المعيشة والمتحققة في الزمان والمكان. هناك عدة عوامل رئيسية تؤثر في تطور تصورات الجمال عبر الزمن في السياق التاريخي والحضاري:
التطورات الفلسفية والفكرية تأثير الفلسفات المختلفة كالمثالية والواقعية والوجودية في تشكيل مفاهيم الجمال، ظهور نظريات جديدة في علم الجمال والفنون. التطورات الفنية والثقافية ظهور أساليب وحركات فنية جديدة كالرومانسية والانطباعية والحداثة، تغير المعايير والأذواق الفنية والجمالية في المجتمع. التطورات التكنولوجية والصناعية ظهور وسائل إنتاج وتقنيات جديدة للفن والتصميم، تأثير الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي على الأشكال الجمالية. التغيرات الاجتماعية والثقافية انتشار الحركات الاجتماعية والثقافية المختلفة وتأثيرها على الأذواق الجمالية، تغير القيم والمعايير الجمالية بتغير البنى الاجتماعية والأنماط الثقافية. التفاعل مع الثقافات الأخرى التبادل الثقافي وانتشار التأثيرات الفنية والجمالية بين الحضارات، ظهور أشكال جمالية هجينة نتيجة التفاعل الحضاري. هذه العوامل المختلفة تؤدي إلى حالة من التطور المستمر والتحول في تصورات الجمال على مدار التاريخ. وهذا يؤكد على طابع الجمال كظاهرة متغيرة وليست ثابتة، بل تتشكل في إطار السياق الحضاري والتاريخي التطور التكنولوجي له تأثير كبير على الأشكال الجمالية في العصر الحديث، ويمكن إبراز بعض هذه التأثيرات الرئيسية: ظهور أشكال جمالية جديدة ظهور أشكال فنية وتصميمية جديدة مثل الفن الرقمي والتصميم بالحاسوب، ابتكار أساليب وتقنيات إنتاج فنية متطورة كالطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي. تطوير الأشكال التقليدية تطوير الأشكال الجمالية التقليدية كالرسم والنحت باستخدام التكنولوجيا الحديثة، ظهور أساليب هجينة تمزج بين التقليدي والتكنولوجي. تغيير في معايير الجمال ظهور معايير جمالية جديدة مرتبطة بالتقنيات والوسائط الرقمية، تغير في تفضيلات الجمهور واهتماماتهم الجمالية نحو الأشكال التكنولوجية. زيادة إمكانات التعبير والتجريب تزايد فرص التجريب والإبداع الفني باستخدام التكنولوجيا، ظهور أشكال تعبيرية جديدة تستفيد من إمكانات التقنية. تعزيز قيم الحداثة والمعاصرة ارتباط الأشكال التكنولوجية بقيم الحداثة والمعاصرة والتقدم، تأثير التقنية في تشكيل الذوق العام نحو الجمال المعاصر. بشكل عام، فإن التطور التكنولوجي يفتح آفاقًا جديدة لتطوير وتنويع الأشكال الجمالية في العصر الحديث، ويساهم في تحول مفاهيم وتصورات الجمال بما يتناسب مع المستجدات التقنية والثقافية المعاصرة. لذلك، يمكن القول إن الثقافة تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وتغير مفهوم الجمال ضمن منظور الحاضرية الوجودية، كونها تحدد السياق الذي ينشأ ويتطور فيه هذا المفهوم. بناء على ما تقدم في منظور الحاضرية الوجودية، يتم تعريف الجمال بطريقة مختلفة عن المفاهيم التقليدية للجمال. هناك بعض الخصائص الرئيسية لتعريف الجمال في الحاضرية الوجودية:
الحاضرية الوجودية ترفض فكرة الجمال المطلق أو المثالي. فالجمال ليس صفة موجودة في الأشياء بحد ذاتها، بل هو ناتج عن تجربة الإنسان وتفاعله مع العالم. الجمال يتشكل في سياق تاريخي وثقافي محدد. فما يُعتبر جميلًا في زمن معين أو مكان معين، قد لا يُعتبر كذلك في زمن آخر أو مكان آخر. الجمال ليس موضوعيًا بالمعنى المطلق، ولكنه أيضًا ليس ذاتيًا بالكامل. إنه تفاعل بين الموضوعي والذاتي في تجربة الإنسان الحاضرة. الجمال ينشأ من خلال تجربة الإنسان الحاضرة للعالم. فالإنسان لا ينظر إلى الجمال كصفة ثابتة في الأشياء، بل كتجربة متجددة في لحظة الحاضر. الجمال يتضمن التعبير عن المعنى والقيم التي تهم الإنسان في واقعه الحاضر. فالجمال ليس مجرد صورة جميلة، بل تجربة ذات معنى وقيمة. بهذا المعنى، فإن تعريف الجمال في الحاضرية الوجودية يتجاوز المفاهيم التقليدية ليشمل تجربة الإنسان الحاضرة للعالم في سياقاته الثقافية والتاريخية المختلفة. وفقًا للحاضرية الوجودية، فإنه يمكن أن يكون للجمال بعض الجوانب الموضوعية في بعض الحالات، على الرغم من أن الجمال في جوهره هو تجربة ذاتية وحاضرة للإنسان، ولكن في النهاية، يؤكد المنظور الوجودي أن الجمال لا ينبع من خصائص موضوعية محددة في الأشياء، بل من تجربة الإنسان الحاضرة والمتفاعلة مع العالم. فالموضوعية في الجمال تبقى جزئية وليست مطلقة. لا يوجد تعريف موحد للجمال يمكن تطبيقه عبر جميع الثقافات. فالجمال هو مفهوم ثقافي وسياقي بطبيعته، ويتأثر بالمعتقدات والقيم والتقاليد والتفضيلات المختلفة في كل ثقافة.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاضرية الوجودية والمفاهيم الاساسية للنظرية النسبية العامة
-
الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية
-
الحاضرية الوجودية والتهافت القيمي
-
الانسان في الحاضرية الوجودية كائن محكوم بالحرية اركيولوجيا
-
الفلسفة الحاضرية الوجودية والوجودية
-
الحاضرية الوجودية ودور التحرير اللاهوتي ثقافيا
-
الحاضرية الوجويدية و التأمل الاخلاقي
-
الحاضرية الوجودية والقرارات الأخلاقية في العالم الافتراضي
-
الحاضرية الوجودية الشاملة ووحدة الوجود
-
الحاضرية الوجودية ومبدأ عدم اليقين
-
الفلسفة الحاضرية الوجودية الشاملةوالدين
-
انزياحات العولمة والحاضرية الوجودية
-
الحاضرية الوجودية والنظرة الكونية لستيفن هاوكنك
-
العمل الصالح في الحاضرية الوجودية الشاملة
-
الحاضرية الوجودية وتصديق الوهم
-
الحاضرية الوجودية الشاملة ومفهوم الزمن والموت
-
التاريخ والتحولات في الحاضرية الوجودية الشاملة
-
الحاضرية الوجودية الشاملة و تحقيق السعادة والرضا
-
الحاضرية الوجودية وما بعد البراكماتية
-
تأثير الحاضرية الوجودية الشاملة فلسفيا
المزيد.....
-
-سبيس إكس- تطلق مجموعة أقمار صناعية للاتصال المباشر بالهواتف
...
-
صالات فارغة وطائرات مروحية مدمرة.. لقطات من مطار حلب الدولي
...
-
اكتشاف جديد قد يفتح آفاقا لعلاج مرض باركنسون
-
اجتماع ثلاثي في بغداد بشأن سوريا.. ومقتل 20 مدنيا بقصف جوي
-
كيف سيدعم العراق سوريا ضد -جبهة النصرة-؟
-
سكان كاليفورنيا يسجلون مشاهد لمياه مسابح تهتز بشدة بعد الزلز
...
-
-حماس-: تصريحات سموتريتش حول ضم الضفة الغربية انتهاك صارخ لل
...
-
ستيفن سيغال يتمنى للشعب الروسي النصر في العام الجديد
-
الأردن يدعو مواطنيه المتواجدين في سوريا إلى المغادرة في أقر
...
-
ماكرون يستقبل ترامب وزيلينسكي قبل افتتاح نوتردام
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|