أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 24















المزيد.....

تاريخ الخرافة ح 24


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7990 - 2024 / 5 / 27 - 02:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


2. آليات التخريف الفكري
في البدء لا بد من الإشارة إلى حقيقية منطقية تتعلق بالمعرفة بشكل عام، وهي (أينما وجد نظام معرفي ثابت فإن أية نظرة سطحية له ستعتبر خرافة، فتكون النتيجة أن الخرافة لها وجود حقيقي وثابت، وأن التوجهات الفكرية للمجتمعات البشرية لا يمكن أن تحدث فيها تغييراً في ما يخص هذا الوجود الحقيقي والراسخ، بدليل أن جميع التجمعات البشرية التي لها نسق ثقافي فكري، سواءٌ كان أجتماعيا أو غيره، ترى في معتقد الآخر مجرد خرافة)، فما هو عندي حقيقة بالنسبة لي لا تقبل الجدال لأنها من سنخ إيمانياتي وما عند الغير فكر شاذ ومختلف ولا يملك المشروعية اللازمة ليكون حقيقة.
المستفاد من هذه الفكرة أن النظام أو النسق الثقافي والفكري يعتمد على محددات ما وفقا لخياراته ورؤياه تصنف المعرفة حسب معاييره الخاصة، الراسخ منها هو ما يتسق مع ثوابته حتى لو كانت غير منطقية ولا عقلانية بما يكفي ليس لصاحب النسق فحسب بل كنظره عامة، ما عداه يكون سطحيا متقلقلا أو مهتزا حتى يكتسب الجدية ويتحول إلى جزء من النسق أو النظام، ومتى ما تحول بالفعل لا ينظر له على أنه أمر طارئ وسطحي، بل جزء من المكون الثقافي والمعرفي للمجموعة البشرية، إذا تتولد الخرافة أولا في زوايا بعيدة منفردة أحيانا.. ثم تنمو وتكبر وتترسخ من خلال ما يساعدها على الأندماج بالنسق الثقافي، وهنا لا يكون العقل والمنطق هو العامل الرئيسي لرسوخها بقدر ما يكون الشعور بما في الفكرة من قدرة على مداعبة مشاعر الاحتياج أو التلبية لدى الفرد.
من هنا فإن الخرافة كجزء من عالم المعرفة البشرية وجزء من النسق الثقافي والحضاري لأي مجتمع، يتبه غي نشؤه وتطوره وأمتداده افقيا على ذات العوامل التي تتحكم لنسق المعرفة ونسق العلم وتشترك معهم في السيرورة والصيرورة، السبب والتعليل يعود أساسا لكون العقل البشري في الجزء المسئول عن ولادة وأبتكار المعرفة والأفكار وقبل أن تخرج الفكرة للخارج يسير في نفس الطرق والأليات المشتركة، إلا ما يخص العلم مثلا وحتى الفن لأرتباطهما بالمنطق والبرهان والتجريب للأول، والذائقة الجمالية وحسن التصور في الثاني وهذا قليل الأحتكام له في موضوع الأفكار والمعارف الأخرى، لأنها ستخضع للمنطق الأجتماعي والثقافي لاحقا.
في هذا الإطار نجد مفكرا مهما من أساطين الفكر المعرفي مثل "ميشيل فوكو" يفرق بين الحقب الثقافية وبين السيرورة المتطورة، فهو ينفي مثلا أن النسق الثقافي تصاعدي بالضرورة كمحصلة زمنية أو تأريخية، أو أنه يعتمد على التراكم الذي يجتمع في الذاكرة العقلية فيصنع لنا أفكار متطورة، ففوكو يقول أن الحكم النهائي للفكرة مرتبط بالحقبة التي نشأت فيها، ولا علاقة بمقدار المتراكم أو الإرث الفكري بها، ويرى أن العصور أو الأحقاب المعرفية لا تخضع إلى منطق التقدم التاريخي بدلالته الزمنية، أو على وجه الدقة، ليس هناك تراكم معرفي، انما هناك أحقاب معرفية لها سماتها، ربما تتقاطع مع الأحقاب التي تلتها أو تتمفصل معها، فربما نحن ننظر من رؤية عصرنا الراهن إلى خرافة القرون الغابرة نظرة ازدرا، ولكنها وفي لحظتها التاريخية التي ولدت فيها وشاعت كانت تعد منجزاً مقدساً لا يضاهيه آخر، هذه النظر حقيقي جدا لأسباب عديدة أن أي فكرة بعض النظر عن علميتها ومنطقيتها هي وليدة حاجة راهنة ومستوجبة وإنعكاس عن طريقة وأليات التفكير التي تحكم الواقع.
فالحاجة أحيانا للفراغ الذي يجب ملؤه بالخيال هو جزء من معالجة نفسانية حقيقية لطغيان منطقة المادة على وجودنا الجاف، أفكار ومفاهيم مثل الحلم والأمل والخيال والتصور والكذب هي في الحقيقية أجزاء إبداعية من عقلنة الواقع وترطيبه وكسر الحدة المادية فيه، فمثلا نرى المفكر” أريك فروم” يقول أن الإنسان وفي كل عصر يحتاج إلى الوهم للبقاء وهنا يقصد هذه المساحة الإبداعية التي ذكرتها، وربما هو يعتقد أن حاجة الإنسان للأمل ولو على مستوى الخرافة قد تعطيه فسحة من الحرية ضد الصرامة والقوننة المنطقية التي تحيل حياتنا إلى جحيم مستقيم جاف وقاسي، الخرافة حين نشاهدها تحيط بنا وتسيطر على العقول نجد العقلانيون يندهشون من قدرتها على البقاء فاعلة ولها أنصارها، ولكن أولئك الخرافيون فرحون في طيات أنفسهم أنهم متسامحون قليلا مع الشدة والصرامة العلمية والمنطقية، هنا لا نمتلك إلا أن نعتقد بأن لهذا العصر وكل عصر ميزته التي تجتمع بين التفكير الخرافي وبين النسق العقلي والعلمي على سطح واحد.
يقول عمار السواد في مقالته الموسومة "بدائل الخرافة.. عقلنة اللامعقول " في الحوار المتمدن معقبا على موضوع الحاجة للمساحة الرطبة أو الجزء الروحاني من حياتنا، نافيا أن تكون هذه المساحة مشغولة بالصحة والواقعية (لا تعني هذه الحاجة ان للكثير من الغيبيات وجودا واقعيا يمكن التوصل الى صحتها.. ما يمكن ادراكه وتعقله واثباته هو ان الانسان بحاجة الى الغيب، غير ان هناك فرقا عميقا بين الحاجة للغيب والخرافات وتقديسها، وايضا يوجد فرق كبير بين عقلنتهما ووجدانيتهما، فالخرافات وعموم الغيب ذات سمة فردية يستحيل اثباتها، وتحولها الى سياق اجتماعي او وجود منتشر يأتي من خلال عاملي التقديس والعقلنة)، فهو ينطلق في تقيمه لوجود الخرافة تماما كما يبررها ”أريك فروم” وينسبها للحاجة الطبيعية في السياق الأجتماعي للإنسان مشاعر أحاسيس تفاعلات الخ.
ولكن هناك سؤال يخطر بالبال وهو من الأسئلة الأفتراضية بالتأكيد، فحوى هذا السؤال هو، لو أن الإنسان تقيد بالقوانين العلمية وينضبط بالمنطق بشكل ألي دون أن يخرج من عقله أفكارا له أو بها جزء من الخيال أو الوهم أو حتى الأمل، هل نتصور كواقع أن الخرافة لن يكون لها وجود في الواقع؟، السؤال الأخر كيف نتصور هذا العالم المنطقي العلمي الجاف الصارم الذي لا يتحرك إلا بالقوانين؟، والسؤال الثالث هل من الممكن أن يعيش الإنسان ذي التكوين والتكيف المزدوج بين عقله ونوازع النفس في هذا العالم؟ ويستطيع أن يتعايش ويستمر بهذا الحال ويبدع ويفكر وينتج معرفة، الجواب على السؤال الأخير، لا أظن أنه يستطيع أن يتكيف بأي حال مهما كانت الصورة تبدو واضحة وبينة أمامه، لأن الجانب العاطفي والأحاسيس الداخلية ستتحول إلى مثل السم الداخلي فيميته ويميت أي محاولة للمعايشة والتأقلم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الخرافة ح 23
- تاريخ الخرافة ح 22
- تأريخ الخرافة ح 21
- تأريخ الخرافة ح 20
- تأريخ الخرافة ح 19
- تأريخ الخرافة ح 18
- تأريخ الخرافة ح 17
- تأريخ الخرافة ح 16
- تأريخ الخرافة ح 15
- تأريخ الخرافة ح 14
- تأريخ الخرافة ح 13
- تأريخ الخرافة ح 12
- تأريخ الخرافة ح 11
- تأريخ الخرافة ح 9
- تأريخ الخرافة ح 10
- تأريخ الخرافة ح 8
- تأريخ الخرافة ح 7
- تأريخ الخرافة ح 6
- تأريخ الخرافة ح 5
- تأريخ الخرافة ح 4


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يشكل لجنة لمكافحة سرقة المساعدات الغربية في ...
- الأردن.. حريق كبير بأشجار حرجية في عجلون (فيديو)
- كييف ستطلب بيانات حول سحب توقيعي العراق والأردن من بيان -قمة ...
- لابيد: كان على نتنياهو حل الحكومة بدلا من مجلس الحرب
- بسبب ارتفاع الحرارة.. إيقاف تفويج الحجاج إلى الجمرات في الذر ...
- عائلة نائبة رئيس كولومبيا تتعرض لإطلاق نار
- الاحتلال يعلن إصابة 16 جنديا ويحرق صالة المغادرين في معبر رف ...
- انطلاق حملة انتخابات البرلمان الفرنسي ومخاوف من أقصى اليمين ...
- إذاعة الجيش الإسرائيلي: تأسيس فرقة جديدة لجنود الاحتياط
- إعلام إسرائيلي: يجب التحقيق بشفافية في أسباب تدمير مدرعة الن ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 24