أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 22















المزيد.....

تاريخ الخرافة ح 22


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7988 - 2024 / 5 / 25 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


العقل البشري بطبيعته مبدع في التصور والتخيل وهذه الميزة الفريدة تجعل من الوجود ممكن ومقبول مع كل الصعوبات والإشكاليات التي مر بها الإنسان، هذه الميزة تحسب له وقد وظفها بأتجاهات عديدة وحسب مقتضيات الحال، عندما تنشأ خرافة بالتأكيد لا يمكن أن تنشأ عن فراغ أو أنها مجرد جهل ظهر فجأة على سطح الفكر، الخرافة صورة إبداعية بالتأكيد والإبداع نشاط عقلي صرف، لكن الأسباب ودرجة النضج العقلي وقوة التصور ودقته تحد من نشوء الأوهام الفكرية التي تصنع وتتقبل الخرافة ثم يتم العمل بها، في المثال السابق قراءة النصوص تجري على مستويات متباينة في البحث عن الدلالة والمعنى والقصدية، وكلها تعمل معا في داخل منظومة متشعبة من العلوم والمعارف والمقدمات والمؤهلات، في ظل هذه المنظومة تنحسر التخيلات والأوهام في حدود جدا ضيقة، وتكاد تكون من الأخطاء العقلية الطبيعية وليست أوهاما وتخيلات.
إذا الخرافة لا تنشأ في المحتوى الديني بذاته ولا حتى بعمله الطبيعي داخل الحاضن البشري الطبيعي والمستهدف أصلا، وحين يكون المترجم للنص يترجمه سلوكا ومعرفة وأمين عليه، الخرافة الدينية ما لم تملك جذور عقائدية سابقة للنص الديني مع توفر قراءة غير قصدية معتمدة على الوعي أو العقل اللا مباشر السابق للنص لا تظهر ولا يمكن أن تكون، في عقائد الإنسان القديم أن الآلهة متعددة ومتنافسة ومتزاحمة، ولها عالم حقيقي يشابه عالمنا من كونهم يتصرفون كما يؤمن القدماء وحتى بعض المعاصرين كما يتصرف البشر، يتصارعون يتقاتلون يتحالفون يتزوجون يغضبون ينتقمون من بعض يعملون الدسائس والمؤامرات والمقالب فيما بينهم، هذه الصورة لا تزال تخيم في عقل الإنسان بدرجة أو بأخرى حتى في عقل من يدعي الإلحاد.
فعندما يتناول موضوع تأملي عن نص فيما يخص الله وصفاته وأفعاله ومكوناته، يرجع سريعا إلى الخلف ليستحضر صورة مقاربة لما يريد أن يفهم من النص، فمثلا لو أخذنا نصا دينيا وهو (فأذنوا بحرب من الله ورسوله)، العقل المتدين يسترجع صورة الأرباب الذين يحملون السيوف والرماح والجيوش لمقاتلة أعدائهم وخصومهم وحروبهم المدمرة، فلا عجب عندما يقول أحد المؤمنين (أن الحسين قتل بسيف جده أو بسيف الله)، هنا يعيد في عقله الواعي ما هو مرسوم في عقله اللا واعي القديم من أن الله محارب يقود جيشا من المسلحين لا يتوانى أن يفعل كل شيء حتى بأحبابه، فقد فتل بعض الآلهة أباءهم كما قتل بعض الآلهة أبنائهم وحبيباتهم وأزواجهم.
المنطق العقلي يفرض ان نقدم نوعا من القراءة التحليلية التفكيكية لكل ما يصنف على أنه خرافة دينيو، الهدف الأول من ذلك عزل الفكرة الدينية عن التشويش المصاحب لوجود الخرافة، ثانيا البحث عن الأسباب النفسية أو الواقعية لنشوء هذه الخرافة وتصنيفها وفق منهج عملي لتكون واحدة من أساسيات دراسة الخرافة ومعالجتها بروح علمية منهجية مدروسة، فالخرافة لا تحارب بمجرد الإنكار ومحاولة تشويه العقل أو الدين بها، والحل ليس أيضا بالكف عن الإيمان بما في الدين من إرشاد ومنهج حياتي، ولكن بتقليل التدخل في فرض ورفض المعتقدات على أناه مولد للخرافة ومنبع للتفكير الخرافي، وعلينا أولا أن نفهم الخلل في إيماننا ومقدار ما يؤثر منه على سيرورة وجودنا وصيرورة حياتنا.
فدراسة تلك المعتقدات بشكل علمي وتجريد عال من الأنتماء في الضد أو الـ مع وتقييمها على أسس منهجية صارمة وتبريرها ما يمكن تبريره ونقد الذي لا يملك مقومات منطقية أو عقلية أو صلة حقيقية بالدين بما يمثله كجزء من إيماننا العام، وهذا المنهج النقدي التفكيكي العملي والعلمي لن يؤدي إلى عزل الدين والله من حياتنا كما يخشى المتدين، ولا يمثل غي النهاية أعتداء على مقدسات ويقينيات المتدين، بل هي عملية رد مثل هؤلاء لله وللدين بالحسنى وتصحيح مسارات المعرفة المؤدية إلى الحق، فإذا كانت أفكارنا لا تتكون قبل أن نعي بالواقع وبالذات ونسمو بها، فكيف نعي بإيماننا الحقيقي الذي يؤثر على حياتنا وسلوكنا بعمق دون أن نعي الطريق الأصوب والحقيقي الذي يقودنا للمعرفة الكاملة؟ صحيح أن لكل منا طريق إيمان خاص بنفسه لكن الواقع يقول حتى هذه الخصوصية يمكن أن تدمر الجميع بالنهاية من خلال الأنتقال والأنتشار للعقائد والأفكار المغلوطة، دون أن يعترض الجهد النقدي والمعرفي العلمي المسئول أخلاقيا وقيميا أو يتقاطع معها.
البعض يحاول الخلط بين الدين وبين الخرافة الدينية وأعتبارهما تحصيل حاصل من توهين العقل وربطه بعالم الغيب الأفتراضي، لذا فالحل عنده أو كما يتراء له هو في رفض الجميع الخرافة والدين، وبهذا يمكنه التخلص من الشعور بالدونية مع السماء وتقديس الفوقية الموهومة، هذا الرأي أبشع من الخرافة ذاتها بل هو جهل مركب ناتج عن معرفة ضالة خيالية لا أساس لها إلا في عقل مصاب بالزهايمر التفكيري، فمعالجة الخرافة بالخرافة ليس إلا ضربا من الجنون اللا مبرر، فالدين معطى وجودي تاريخي فرض واقعه على الوجود لما يحمل من جدية وقدرة على بناء المجتمع، لذا صار من أهم الضروريات التي يحتاجها الإنسان ليستمر مسالما مع العقل ومنتميا للمنطق ولطبيعة الأشياء كما هي، وإنكار الضروريات هو إنكار للعقل في قراره كما هو الإيمان بالخرافة الذي يعني إنكار حق العقل في الأعتراض والرفض.
السؤال الذي يجب أن يبحث بدقة ويجب أن نعي فيه ما يمطننا من إدراك الخطر الحقيقي من وجود الخرافة في المجتمع، هو ....لماذا العقيدة بشكل مركز وحقيقي تنشأ بها الأفكار الخرافية؟ طالما أننا بينا الفرق بين الفكرة الدينية وبين الخرافة المبنية على الفكر وليس الفكرة الدينية، هل لأن الدين يتعامل معه بدون ضوابط وحدود صارمة؟ أم لأن الفكر الديني بطبيعته الغيبية يسمح للعقل أن يتجاوز الحدود العقلية والمنطقية إلصاقها بالعيب كمنهج عام؟، الإجابة في جزء منها نجدها في مقالة الكاتبة الكويتية "شيماء ملا يوسف" فتقول (المعتقدات الدينية تهتم بقضايا كلية كالطبيعة، والغرض من الكون، ومعظمها تحتوي على رمز أخلاقي سامي يتحكم في سلوك البشر، بينما الخرافات تهتم بقضايا كتجنب سوء الحظ، وجلب الحظ، والتنبؤ بالمستقبل، والوقاية من الضرر والشر والشفاء والوقاية من الأمراض، متمثلة في وجود كائنات أخرى قائمة على الأسطورة والسحر).
إن كان في جواب السيدة الكاتبة الكثير من الصحة لكن هناك خرافات أبعد من ما أشرته وتتعلق بقضايا كلية، منه مثلا خرافة عذاب القبر وسؤال منكر ونكير وغيرها من القضايا التي تسللت للدين من الوثنيات القديمة حين لم يكن الموضوع مفصلا ومطروحا بالشكل الذي جاء في نصوص الأديان، لنعد للنص وللخرافة في مقارنة عن الكلي والجزئي، يقول النص ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ آل عمران 30، هذا النص يخص يوم الحساب تحديدا ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ الزمر 69، فحساب منكر ونكير وعذاب القبر ليس لها في الفكرة الدينية الحقيقة أي وجود، لكن عندما نعود لأساطير الديانة القديمة وخاصة العراقية السومرية وما تلاه نجد هذا الأصر واضح ومدون وأعتقادي كلي وهو ما نجده مثلا في قصة ديموزي وعشتار.
إذا التفريق بين الخرافة الدينية والفكر الديني لا يتعلق بمقدار ما تحمل الخرافة من رؤية جزئية أو كلية، وإنما بما فيها من مساحة غير منضبطة ولا محددة بحد العقل والمنطق الأصولي الذي يسمى بقانون الأشياء، هذا القانون عندما يلصق وصف شجرة على كائن ما، إنما يتحرى أولا عن العوامل المشتركة التي تفرد الشجر عن غيره من الأشياء بشكل مؤكد، فصناعة شجر مثلا من مواد حتى لو كانت طبيعية أو صناعية كالشجر الصناعي البلاستيكي أو غيره وإن أخذ شكل وهيأة الشجرة، لا يمكن عد هذا الشيء شجر حقيقي مهما بالغنا في دقة الصنع والتصوير، فالشكل لا يفصح فقط عن الكائن دون مكنونه الحقيقي من نمو وحياة وتكاثر وانتاج وملائمة للطقس والمناخ وبداية ونهاية، كل هذا لا يمكن وضعه على شجر صناعي، لذلك لا يمكن تصنيفها وفق قانون الأشياء كشجرة طبيعية.
هكذا هي الخرافة لا يمكن وصفها خرافة حتى تمتلك ما سبق وإن ذكرناه من شروط ومميزان تتعلف بفهمنا لما هو خرافة أو شبيه بها، أحيانا تكون الخرافات مصنعة ومرادة لذاتها وتنتشر وفق منهج ويجري ترسيخ التعامل بها على أنها لزوم وواجب، هذه ليست خرافات بقدر ما هذه إضلال وتغرير وحرف عن الحقيقية، عندما قاسم إبليس آدم وزوجه بأنه لهما من الناصحين وأغراهم وغرهم وكذب عليهم، لم يكن يفعل أو يصنع خرافة، بل أراد أن تزل أقدامهم عن طريق الله وعما في عقولهم من أفكار ووصايا ربانية، كذلك الحال عندما تتخذ جهات دينية أو تتلبس بواجهة دينية وتسعى لبناء منظومة أفكار خارج فكرة الدين الأساسية، ها المتحصل منها ليس بخرافة وإن كانت تماهي شكلا بالخرافة، إنما في الحقيقة هذا تخريب عقائدي وتكفير لا واعي هدفه هدم الدين واخراج الناس منه.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأريخ الخرافة ح 21
- تأريخ الخرافة ح 20
- تأريخ الخرافة ح 19
- تأريخ الخرافة ح 18
- تأريخ الخرافة ح 17
- تأريخ الخرافة ح 16
- تأريخ الخرافة ح 15
- تأريخ الخرافة ح 14
- تأريخ الخرافة ح 13
- تأريخ الخرافة ح 12
- تأريخ الخرافة ح 11
- تأريخ الخرافة ح 9
- تأريخ الخرافة ح 10
- تأريخ الخرافة ح 8
- تأريخ الخرافة ح 7
- تأريخ الخرافة ح 6
- تأريخ الخرافة ح 5
- تأريخ الخرافة ح 4
- تأريخ الخرافة ح 3
- تأريخ الخرافة ح 2


المزيد.....




- سقطت من طائرة!.. كتلة جليدية ضخمة تخترق منزلًا على بعد أقدام ...
- وزارة الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة القتلى في القطاع واستمرار ا ...
- -ترمي لهدم النظم الأساسية في البلاد-.. أمن الدولة الكويتي يق ...
- الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد مدمرة أمريكية وسفينتين في ...
- نهاية مأساوية لشاب قتل والدته بطريقة وحشية في محافظة المنيا ...
- وفاة 14 حاجا أردنيا أثناء أداء مناسك الحج بسبب الحر الشديد و ...
- إعلان مؤتمر سويسرا: 80 دولة تتفق على وحدة أراضي أوكرانيا كأس ...
- حزن تجاوز المدى.. غزة تستقبل العيد بأسى وفقد في كل بيت وصلاة ...
- كعك العيد على نار الحرب في غزة: نساء نازحات في دير البلح يبد ...
- السلطة والسياسة


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 22