أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 17















المزيد.....

تأريخ الخرافة ح 17


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الخرافة ومستقبل المعرفة _ 1
يقول الكاتب العراقي ياسين النصير في مقالة صحفية له في طرح يبدو غريبا للبعض وإن كان يحتوي على عمق فكري واقعي وخرافي آن واحد، فعنده الخرافة مستلزم معرفي ووجودي لا مجال للهروب منه أو التخلص من شقيق المعرفة التاريخي، فالخرافة أيضا ضرورية لمعالجة جزء من الجفاف الروحي بسبب طغيان المادية المتجردة من الظر للرؤية البشرية العميقة، لذا فهو يرى (علينا نحن التنويريين أن نطعم الخرافة بما يمكن أن يكون بديلا لها، لا شيء يتغير نحو الأفضل إلّا من خلال جنسه الأكثر تقدما، علينا أن نبتدع خرافات ولكن بطريقة علمية، وهو ما تقوم عليه الألعاب واشكال التفاهم الاتصالية، فالكومبيوتر مثلا خرافة علمية، لكنه متحقق لكونه امتلك ما يغير فيها الخرافة الساذجة عن فهم العالم، فالأنموذج الذي يراد منه النقلة الحداثوية للمستقبل يجب أن تصاحبه الخرافة حتى لو لم يعتمدها، والأمور لا تسير على قدم واحدة في مجتمع يجنّد للخرافة كل طاقاته الروحية والمادية ويرسّخها في المدرسة والثقافة والسياسة والتعليم والعلاقات الخارجية وحتى نظم المواصلات الحديثة).
لنترك هذه الرؤية ونذهب لفكرة أخرى ولنستعرض مستقبل الخرافة من خلال ما يقوله المفكرون والمثقفون وأهل المعرفة عن هذا المستقبل، مثلا يقول الألماني هيرمان جلازر المؤرخ الثقافي، والذي يعتقد في "ضرورة الوعى بأن قدرة العقل البشرى على فهم كل شىء خرافة"، وبأن كل ما هو بشرى هو بشكل أو بآخر سردية أو أسطورة «خرافة»!، مصيرها سيكون آجلًا أو عاجلًا إلى الزوال والإحلال بأسطورة جديدة مختلفة كما علمنا التاريخ، فهو أيضا لا ينفي أن تذهب الخرافة إلى الزوايا المظلمة المتروكة أو المنسية، كلما ما في الأمر أن العقل البشري لا يترك ولعه وديدنه في صنع الخرافة والتشبث بها لأنها ضرورية نعم لوجود التفكير المستمر، أنا أجد أنها ضرورية لأنها تريح العقل البشري بين الشوطين ربما أو لأنها ترضي غرور داخلي أحيانا، المهم أن الخرافة ومنذ أن عرف الإنسان طريق العلم والمعرفة، فهي تتوالد معهما بمستويات عديدة وبمفاهيم متبدلة في كل مرة.
في هذا المجال ربما أمتلك فكرة لها من القوة والواقعية ما نجد صداها في الكثير من الكتابات الفكرية والفلسفية القديمة والمعاصرة حول الخرافة والعلم والمعرفة، وهي (أن الخرافة برمزيتها أو بفعلها الواقعية جزء من طبيعة الإنسان ولا يمكن أن يتخلى عنها، ثانيا الخرافة ليست مرحلة إدراكية يصلها الإنسان ويغادرها، النقطة الأخيرة لا يمكن أن يخلو زمن ما أو معرفة بشرية من شكل خرافي أو لمسة خرافية حتى في ظل المعرفة والعلم اللا محدود)، هذه الرؤية يمكن أن نقرأها بأفكار برغسون مثلا حول الخرافة الرمزية، ودورها في خلق الغرض، كما نجده يفند رأي فرويد وتصوره حول إمكانية اعتبار الخرافة والعلم مراحل معرفية، مشيراً إلى ضرورة توخي الحذر في هذا التصور بل الأوفق برأيه اعتبارهما علامات ثقافية متجاورة متوازية يسيران على منحنى متقابل بسرع مختلفة وتفيد كل منهما من الأخرى، مشدداً على أن أهمية التفكير الخرافي ليست كما تصور بعض القدامى في العصور الوسطى، من أن الحديث عن جمل يطير أشهى من الحديث عن جمل يسير بحسب قول المقدسي (المتوفي 380هـ)،
هل يعني هذا الكلام والذي أخنا شيئا بسيطا من أراء البعض حول مستقبل الخرافة الذي يرتبط بضروريتها الواقعية، أم أن ما أوردناه يمكن قراءته من وجه أخر، من وجه أن الإنسان كائن حالم شديد الحساسية تجاه الواقع والوجود عندما لا يجد مجالا متاحا لعقله ليتحرك في وضع مدى طبيعي، أنا أظن أن الموضوع أكبر من الضرورة والحاجة والطبيعية، الموضوع متعلق أساسا بطبيعة المعرفة وبداياتها وصولا لعمليات الإثراء والتنامي فيها، فالمعرفة ليست قوانين ومناهج ووسائل، بل قبل ذلك تكون تأمل وانفعال ورغبة طبيعية في تحدي العقل لما حوله، فضوليا وأحيانا منهجيا حتى لا يشعر بالعجز.
يقول أحدهم وأنا أرى ما يقوله بين رحلة بين الحق والباطل (أن الشعوب تبدأ بالأساطير والشعر وتنتهي بالمنطق العلمي والفلسفة)، هذا القول في وجه منه صحيح فالفلسفة ولدت في محاولة عقلية صارمة لفهم ما لا نعرف من ما نعرف أيا كانت التسمية ومنها الخرافة، والشعر خيال عظيم وحلم جائل في الفضاء الإبداعي وتصور تأملي عابر للمادية لكنه حسي أيضا، وبالنهاية فهو رسوم ذهنية لا تمت لواقع الواقع باس مادي، الأسطورة ومنها الخرافة والأوهام الجمعية كلها مكونات المعرفة الأولى والتي أنطلق بها الإنسان لعالم اليوم تتمتع بنفس أوصاف الشعر، وعندما تتطور رحلة الشعر والأسطورة إلى مل يقوله فلسفة وعلم حقيقي ولكن ليس بمفهوم الإبدال والإحلال الموضوعي، فما زلنا نصنع شعرا وخيالا وخرافات بل ونصنع أساطير ولكن هذه المرة يمكن عدها أساطير علم ومعرفة.
هناك سؤال ربما يكون جدليا بالنهاية وبالعمق المعنوي أكثر من كونه بابا للمعرفة المرجوة، ما معنى أن ينحاز وعينا في جانب منه إلى الخرافة رغم الثورة عليها فلسفياً وعلمياً بوصفها ثمرة الوعي الشقي أو البائد أو المتخيل اللا واقعي واللا منطقي كما يعرفها البعض؟، الحقيقة للجواب على هذا السؤال لا بد أن نعرف هل حقا أن وعينا هو من ينحاز؟ أم حاجتنا للتوازن الروحي والمادي هي التي تأخذ بمقود الوعي لهذا الأنحياز؟ ثم ما معنى أن الوعي بنحاز لا سيما عند الذين يجعلون من الوعي نشاط وجودي غير مرتبط بالعقل بشكل مفصلي، ثم عن أي وعي نتكلم؟ عن وعي الذات بوجوده أو وعيها بما يعزز من حضورها الوجودي؟ أم عن وعي المجموع الذي يترابط ويتشارك على موضوع أو قضية عامة أو متصلة بنفس الذات؟ عن وعي حقيقي أو ما يبدو وكأنه وعي وفق قياسات متباينة ومختلفة.
من الحقائق التي يجب أن نقر بها كما يقول سعيد الجعفر (أننا نعيش في زمن الخرافة) وقوانينها الذاتية بالرغم من أننا في عالم لا يعترف بالقوانين والحدود، هذه الإشكالية تؤكده رؤية وتنفيه رؤية أخرى تبعا للزاوية المنظورة بأسباب وعلل وتبريرات، تأكيد الرجل هذا وهو ما يفسّره قائلاً (إن النسق الثقافي العربي اليوم قائم على تصديق الخرافات ونظرية المؤامرة والتنجيم وتشعباته والمعجزات وانتظار المخلص، وهذه المظاهر كلها تنتمي إلى عصر الميثوس ما قبل العقل ما دام العالم يعيش في ازدهار العقل، لا بل بحسب فوكوياما نحن نعيش اكتمال التاريخ ونهايته)، هذه الزاوية التشاؤمية ترينا جزء من عبث العقل المأزوم وليس عقل التحليل والتصنيف والفرز المنطقي,
أولا ليس العقل العربي له ميزة خارج واقعه وسيرورة الواقع وصيرورة الفكر في هذه السيرورة، هناك في هذا العالم نجد الكثير ممن يعاني غربة المنطق في واقعه بل غربة المعرفة ذاتها لكن الجزء الصغير الذي يكافح من المعرفة لأجل إثبات هويته حقق المنجز الإبداعي الفذ منفردا، بدل تسييد اليأس والخيبة ومحاولة الخوض في وحل الهزيمة في ظلام دامس ودون هدف، قد يكون الكاتب الجعفر أكثر تحسسا من الجانب المظلم للقمر وهذا بالتأكيد تحصيل واقعه، لكن الواقع يقول أن المجتمع العربي وبمفهومه " النسق الثقافي العربي" هو جزء من أممية النسق الثقافي البشري وغير منفصل عنه ولا بعيد عن تأثير التبادل والتواصل في عالم الهيمنة بالعولمة والحداثة وما بعد الحداثة، فالنظر على أن البشر يحمل تأريخه وهو ذاهب للنهاية والأكتمال جزء من هذه النظرة اليائسة العبثية الوجودية، التي لا مصداق وجودي لها عند من يفهم الوجود وقوانينه ومعادلاته، فالتاريخ وجد ليستمر إلى ما لا نهاية ولا يكتمل مطلقا طالما أن الذرة المادة الأولى في الوجود يكمن فيها قانون الحركة والبقاء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأريخ الخرافة ح 16
- تأريخ الخرافة ح 15
- تأريخ الخرافة ح 14
- تأريخ الخرافة ح 13
- تأريخ الخرافة ح 12
- تأريخ الخرافة ح 11
- تأريخ الخرافة ح 9
- تأريخ الخرافة ح 10
- تأريخ الخرافة ح 8
- تأريخ الخرافة ح 7
- تأريخ الخرافة ح 6
- تأريخ الخرافة ح 5
- تأريخ الخرافة ح 4
- تأريخ الخرافة ح 3
- تأريخ الخرافة ح 2
- تأريخ الخرافة
- أثر الجغرافية البيئية والبيئة الجغرافية في صياغة الشخصية الف ...
- هل الشخصية العراقية علمانية الجذور والتكوين؟.
- العلماني جذور نفسية وتأريخية في الشخصيى الفردية والعامة
- التناقض بين العلمانية ومفهوم الطاعة للمقدس... الحرية معيار


المزيد.....




- رد -ساخر- من بايدن على اتهام ترامب بأنه وراء إدانته في قضية ...
- أوباما يوضح -أهمية- المقترح الذي أعلنه بايدن لوقف القتال في ...
- شرطة نيويورك تعتقل نشطاء خلال مظاهرة رافضة للعدوان على غزة
- فيديو لـ-توليد السحب في السعودية-.. ما حقيقته؟
- -سنتكوم- تؤكد تدمير أربع مسيّرات تابعة للحوثيين
- فرنسا تمنع شركات إسرائيلية من المشاركة في معرض للسلاح.. وغان ...
- ماذا يعني دخول ترامب السجن لجهاز الخدمة السرية؟
- السياسة الأميركية واحتجاجات الجامعات
- الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن
- فيديو لمتظاهر مؤيد للفلسطينيين يحتج في مباراة بطريقة -غريبة- ...


المزيد.....

- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 17