أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25















المزيد.....

جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان لأحداث 25 يناير 2011 في مصر تأثيراً مُزلزلاً على الجسم السياسي المصري المُوغل في القدم. جمهورية الجيش صُنعت من الورق. هذا ما عَرَّته تلك الأحداث الكاشفة. لقد تأسست الجمهورية منذ 1953 من وحول الجيش، الذي هو المؤسس الشرعي لها. حول هذه النواة الصلبة، نجح الجيش في تحشيد وتعبئة المجتمع المدني المصري في معظم تياراته الرئيسية. من نقابات العمال والفلاحين إلى النخب المهنية والبيروقراطية؛ من شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة القبطية إلى التيارات الدينية غير الرسمية مثل الإخوان المسلمين والسلفيين؛ من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى الصحف والمطبوعات ودور النشر. حتى التنظيمات النسوية والحقوقية تم تكييفها بالمقاس لتعمل ضمن دولاب الدولة الرسمي. كذلك الأحزاب السياسية، من الموالية إلى المعارضة للنظام مثل الشيوعيين والإخوان. بإيجاز، اعتقد الجيش أنه قد جَيَّش وسَيَّس القطر المصري كله في صفه، تحت عصاه وجزرته. لكن 25 يناير أبانت غير ذلك. لقد تساقطت مؤسسات الدولة المدنية الرسمية كأوراق التوت في عاصفة رياح 25 يناير العاتية. حينها وقف الجسد السياسي الرسمي عارياً بالكلية، لا يملك سوى صخرة الجيش لكي يحتمي بها.

كفاية ليست سوى حركة تنظيمية معارضة اختارت، عكس التنظيمات المدنية الأخرى، أن تعمل بعيداً عن ومن خارج الهيكل التنظيمي المدني للدولة. وانطوت تحت مظلتها نفس التيارات الرئيسية التي تدعي المؤسسات الرسمية المختلفة تمثيلهم في عضويتها: القوميون والإسلاميون واليساريون والعلمانيون والليبراليون. لكن عضوية كفاية كانت ذات طابع مختلف- جميعهم من خارج الشخصيات المتحالفة أو المتعاونة مع الدولة بصورة أو بأخرى. هناك قوميون وإسلاميون ويساريون وعلمانيون وليبراليون أعضاء ويعملون في المؤسسات الرسمية التي أنشأتها وترعاها الدولة. هؤلاء لم يكونوا أعضاء في كفاية. بل اقتصرت عضويتها على أشخاص موازين لهؤلاء، من غير الرسميين وغير المعترف بهم والملاحقين حتى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للدولة. في قول آخر، عضوية كفاية غَطَّت نفس التوجهات والانتماءات التي كان يُفترض أن تُغطيها المؤسسات الرسمية واستَوعبت أطياف المجتمع المدني المصري غير الرسمي، غير المُمثل ضمن منظمات المجتمع المدني الرسمية، من أقصاه إلى أقصاه في توازٍ كامل مع دور ووظيفة المؤسسات الرسمية. بذلك تكون حركة كفاية قد قَسَّمت المجتمع المدني المصري إلى فُسْطَاطَيْنِ، أحدهما فوقي بالأعلى يتبع الدولة ويخدم مصالحها والآخر تحتي بالأسفل من المواطنين العاديين ويُعبر عن همومهم. من هؤلاء الأخيرين تألفت عضوية حركة كفاية.

بمجرد توفير الإطار التنظيمي الجامع بين هذه التيارات المدنية المتناقضة جوهرياً في مذاهبها وتوجهاتها وأهدافها، اكتشفت كفاية في نفسها قوة غير مسبوقة في مواجهة كيانات رسمية قد شُيدت من الورق أخذت تتطاير الواحدة تلو الأخرى بسرعة أدهشت حتى كفاية نفسها. اختفت كل مؤسسات الدولة الرسمية كما لو كانت غير موجودة من الأصل، من النقابات الرسمية مروراً بالبرلمان بغرفتيه وصولاً إلى القوات الأمنية والشرطية التي ألقت السلاح وأَخلت مقراتها تفادياً لمواجهات دامية مع مواطنيها الذين يُفترض أن توفر لهم الحماية والأمن. في مثال دال واحد، يتبع الدولة مئات الآلاف من المساجد، وأضعاف هذا الرقم من الوعاظ والدعاة. ميزانيتها السنوية لهؤلاء تتخطى مليارات الجنيهات. هذا بجانب الأزهر الذي تغطي مؤسساته التعليمية الدينية كل ربوع مصر. مقابل الولاء للدولة وتحشيد وتعبئة قلوب الناس العاديين في صفها، تحظى هذه المؤسسات الرسمية بامتيازات ربما لا يفوقهم فيها سوى الجيش فقط. رغم ذلك، كما أبانت أحداث 25 يناير، كانت صرخة واحدة من ميكروفون تافه من شخص لا يحظى بأي امتياز من الدولة الرسمية ومُلاحق أو مُراقب من قبل أجهزتها الأمنية مثل أبو إسحاق الحويني أو حازم صلاح أبو إسماعيل كافية لكي تستنفر جحافل من المصريين العاديين لمحاصرة أعتى مؤسسات الدولة الرسمية، من المدينة الإعلامية والمحكمة الدستورية إلى أقسام الشرطة وأمن الدولة إلى ثكنات الجيش ذاته. من دون حماية الجيش، لا مؤسسة مدنية رسمية واحدة استطاعت أن تَحشد وتُعبئ لحمايتها المصريين العاديين الذين يُفترض أنهم أصحاب المصلحة فيها. كذلك، لم يستطيع حتى التنظيم السياسي الأكبر المدعوم من الدولة والمحتكر للسلطة منذ عقود طويلة، الحزب الوطني الديمقراطي، أن يمنع المواطنين الذين يفترض أنه يُمثلهم من حرق مقراته أمام عينيه. كما رأى الجميع بأعينهم، عقول وقلوب وأحلام المصريين كانت حرة وطليقة في مكان آخر، ولم تكن حبيسة جدران المؤسسات التي أنشأها الجيش. أمام أول امتحان جاد، تبخرت هذه المؤسسات والمليارات التي أُنفقت عليها في غمضة عين. لقد انهارت من مجرد صدى صرخات أطلقتها حناجر مُهَمَّشة وغاضبة لم تحتويها الدولة الرسمية وحرمتها من حقها الطبيعي في الوجود والحياة الحرة.

حين تهاوت جمهوريته من حوله وأمام عينه، وجد الجيش نفسه أمام أسوأ كوابيس أي جيش وطني على الإطلاق- إما أن يوجه سلاحه إلى صدور مواطنيه الذين يُفترض أن يحميهم أو يحاول احتوائهم بطريقة أو بأخرى. وبعد تجربة الأول في حدود ضيقة ولم يُسفر عن نتيجة، استقر الجيش على الخيار الثاني- الاحتواء. رغم ذلك، كشفت حركة كفاية وما فجرته من أحداث في 25 يناير ثلاثة دروس رئيسية يجب ألا تمر مرور الكرام على الجسم السياسي المصري، الرسمي وغير الرسمي.

1- المؤسسات المدنية التي أنشأتها جمهورية الجيش ورق بلا قيمة، لا تساوي إطلاقاً ما يُنفق عليها ويُستثمر فيها؛ لا هي قادرة على حشد المواطنين حول الدولة، ولا حتى حماية نفسها منهم. لأنها من خلق الدولة ومتماهية معها، لا يرى الناس العاديون أنها تخدم أو تُمثل مصالحهم. بل هي تخدم وتُمثل مصالح الدولة التي أنشأتها وتحتضنها وتنفق عليها وترعاها.

2- اتحاد الأخوة المصريين الأعداء معاً، ولو لبضعة أشهر، قادرٌ على أن ينسف جمهورية الجيش من الجذور. كان طبيعياً ومتوقعاً ألا يُعمر ائتلاف كفاية طويلاً، بالنظر إلى التناقضات المُهلكة فيما بين مكوناته الرئيسية. لكنهم حين اجتمعوا على هدف مشترك- اسقاط النظام- أسقطوه. بعد ذلك لم يفلحوا في شيء، لأن تناقضاتهم العقائدية العميقة جعلتهم أشبه بالأخوة الأعداء. ائتلافات الضرورة المُلحة من هذا النوع قد تتكرر، ويمكن تطويع التناقضات الحادة تحت سخونة الأحداث الجلل. المحن الكبرى قد تضطر حتى ألد الأعداء إلى الاتحاد والتكاتف معاً لحين تجاوز المحنة المحدقة بالجميع.

3- لا جمهورية من دون جماهير. الدرس الذي أعطته كفاية بوضوح تام هو أن النظام يفتقر إلى قاعدة جماهيرية واسعة وحقيقية من المصريين العاديين. هل يستطيع النظام فتح قنوات مع هذا النهر المدني الهادر ويسبق إليه حركة كفاية جديدة؟ هل يستطيع ترقية جمهورية الجيش ومؤسساتها المصطنعة بالأعلى إلى جمهورية شعبية من المواطنين الطبيعيين المُتشكلين بالأسفل من طين التربة المصرية؟ أم يُكابر ويواصل الاستثمار في مؤسسات باهظة الكُلفة وفاتنة البريق والأُبهة لكنها تطايرت في أحداث 25 يناير كأوراق التوت الذابلة؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرعية الحكم والأمر الواقع
- من خواص العقل العربي المعاصر- حماس عينة
- اللهُ في السياسة
- هيا بنا نَكْذب
- حقيقة الأجهزة السيادية في الدولة الوطنية
- لماذا نَظْلمُ النساء؟
- لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر
- لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام
- ديمقراطية دقلو
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش


المزيد.....




- في ضربة لنتنياهو.. استقالة بيني غانتس من حكومة الحرب
- حزب الوحدة الشعبية ينعي الرفيق القائد الوطني والقومي التقدمي ...
- سموتريتش عن استقالة غانتس: هذا بالضبط ما كان يهدف إليه السنو ...
- ماكرون يعلن حل البرلمان الفرنسي ويدعو إلى انتخابات تشريعية ف ...
- -وول ستريت جورنال-: السعودية والولايات المتحدة تقتربان من إب ...
- الهند: في نتائج أسوأ من المتوقع... مودي يؤدي اليمين الدستوري ...
- عاجل | ماكرون يعلن حل البرلمان الفرنسي ويدعو إلى انتخابات تش ...
- هنية: أي اتفاق لا بد أن يتضمن وقفا دائما للعدوان الإسرائيلي ...
- صحيفة روسية: أوكرانيا باتت ساحة لاختبار أسلحة غربية متطورة
- -رئيسة دائرة التحريض-.. شقيقة الزعيم كيم توجه تحذيرا لكوريا ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25