أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابرام لويس حنا - المَصادر القديمة اليونانية لإسطورة الطوفان مع مُقارنتها بالملحمة التوراتية والأكادية، مع رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الرابع عشر) –الطوفان–















المزيد.....



المَصادر القديمة اليونانية لإسطورة الطوفان مع مُقارنتها بالملحمة التوراتية والأكادية، مع رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الرابع عشر) –الطوفان–


ابرام لويس حنا

الحوار المتمدن-العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 14:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هاجم سيلسوس رواية الطوفان، قائلاً :-

(ثم نجدهم يتحدثون عن طوفان و فلك رهيب /وحشياً احتوى على كل الاشياء، ثم نجدهم يتحدثون عن حمامة و غراب كَرسل، مُزورين و مُغيرين بحماقة قصة ديوكاليون، لقد اعتقدوا انها لن تنكشف /تظهر للعيان، لقد اعتقدوا انهم يخترعون فقط قصص للأطفال الصغار) (1)

فكان رد أوريجانوس عليه كالتالي:-

(والآن لنلاحظ مدي العداء –الغير لائق بفيلسوف– الذي يظهره هذا الرجل تجاه الرواية اليهودية القديمة، فهو لم يقدر الاعتراض على تاريخية الطوفان غير مدركاً ما يعترض عليه ضد الفلك و ابعاده، فطبقاً للراي العام بعد قبوله بطول الفلك البالغ ثلاثمائة ذراعاً، بينما كان يبلغ عرضه خمسون و ارتفاعه ثلاثون ذراعاً، اعتقدوا انه من المستحيل الاحتواء على كل الحيوانات التي كانت على الارض، اربعة عشر عينة من كل حيوان/ وحش طائر و اربعة من كل حيوان/ وحش نجس، -بالرغم – من وصف سيلسوس الفلك بكونه: "رهيباً/وحشياً محتوياً على كل الاشياء بداخله" فسبب وصفه "بالوحش" لأن بناءه استغرق مئة عام وبلغ طوله ثلاثمائة و عرضه خمسون و ارتفاعه ثلاثون، و على هذا المنوال لماذا لا نستعجب بالأبنية/الهياكل التي تُشبه المدن الواسعة، البالغ طولها تسع آلاف وعرضها الفان وخمسمائة ذراعاً ! فلماذا بالأحرى لا نستعجب من هذا التصميم المُحكم الذي تمكن من تحمل العاصفة التي سببت الطوفان؟) (2).
نلاحظ أن رد أوريجانوس اكتفي فقط بالدفاع عن ابعاد الفلك بالرغم ان سيلسوس لم يهاجم ابعاده، فسيلسوس ادعى فقط ان الرواية اليهودية هي نسخة مُزورة من الرواية اليونانية لأسطورة ديوكاليون Δευκαλίων Deucalion (3).

يلاحظ C. John Collins وجود اتفاق واسع ان القصص ما بين النهرين بحيث توفر سياق مهم لفهم رواية طوفان سفر التكوين، إلا ان هذه القصص التي كتبت أولاً بالسومرية ثم بالأكادية ليس لها صلة بالعهد الجديد الا لو كانت بالفعل كُتب باليونانية، وهذا ما فعله بيروسوس Berossus البابلي الذي قدم خدمة حيوية عندما سجل تاريخ البابليين باليونانية (في أوائل القرن الثالث ق.م)، مع سوء الحظ لم تصل الينا الاعمال الاصلية، إلا ان لوسيوس كورنيليوس الكسندر بوليهستور Lucius Cornelius Alexander Polyhistor ( اوائل القرن الاول ق.م) استخدم بيروسوس كمصدر رئيسي له، فنقل من كتابات بيروسوس التالي : -

(" في كتابه الثاني الذي احتوى على تاريخ الملوك الكلدانيين العشرة و فترة كل واحد منهم ...[نقراً] حسب كتابات الكلدانيين انه بعد فترة الملك أرديس Ardates التاسع جاء الملك أكسيسوثروس /سيسثروس Xisuthrus Sisithrus العاشر (4) ، و في عهد الملك أكسيسوثروس Xisuthrus وفي ليلة ما ، رأي هذا الملك في حلم ان الإله "كرونوس" يحذره من طوفان سوف يَغمر الارض ويهلك الحرث والنسل ، وفي اليوم الخامس عشر من شهر "دايسيوس Daisios " [الشهر الثامن من السنة المقدونية] ومن ثم فإن عليه ان يكتب تاريخ البشرية منذ بدايتها وان يدفن ما يكتبه في مدينة سيبار Sippara بلد الشمس حتى لا يضيع في طوفان سوف يدمر كل شيء ، كما أمره كذلك ان يبني فلكاَ يأوي اليه، ويسأل "أكسيسوثروس" ربه عن المكان الذي يبحر اليه بفلكه هذا ، فإذا به يجيبه " إلي الآلهة" ، ولكن بعد تصلي من اجل خير الناس" ويصدع الملك بأمره إلهه و أن ـيني فلكاَ طوله مائة والف ياردة (خمس ستاديون stadium) (5) وعرضه أربعمائة واربعون ياردة (اثنين ستاديون stadium) يجمع فيه كل اقربائه واصحابه ويخترن فيه زاداً من اللحم والشرب فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور و ذوات الاربع، ثم غرق الطوفان الارض وعندما أنحسر عنها أطلق الملك سراح بعض الطيور التي عادت اليه ثانية، ثم أطلقها بعد ايام، فإذا بها تعود و أرجلها ملوثة بالطين وحين يُكرر الامر ثالثة لا تعود الطيور الى الفلك فيعلم الملك ان الماء قد انحسر عن الارض ونظر من كوة في السفينة فنظر الشاطئ الذي يتجه اليه وهناك أستقر الفلك عند جبل حيث نزل الملك و زوجه وابنته و قائد الدفة، و سجد الملك لربه وقدم له القرابين ثم اختفي هو ومن معه و بحث الذين ما يزالون في الفلك عن الملك ورفاقه ولكنهم لم يجدون لهم اثراً ...ثم سمعوا صوتاً يدوي في الهواء يطلب منهم ان يتقوا الالهة ويكفوا البحث عن المختفين لان الآلهة قد اختارتهم لكي يسكنوا الى جوارها ثم أمرهم الصوت بالعودة الى بابل والبحث عن الكتابات المفقودة هناك وان يوزعوها فيما بينهم كما أخبرهم الصوت ان الارض التي يقفون عليها انما هي ارض أرمينيا Armenia وهكذا عاد القوم - دون المختلفين- الى بابل واستخرجوا الكتابات المدفونة في سيبار وشيدوا مدناً كثيرة واعادوا الارض المقدسة وعمروا بابل بنسلهم) (6).

يُمكن اختصار التشابهات بين الرواية التوراتية والسومرية الأكادية اليونانية في هذا الجدول:

1- في النص التوراتي يذكر (الإله يُحذر رجلاً فاضلاً وهو نوح من الطوفان)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (الإله يَظهر لرجل فاضل وهو أكسيسوثروس و يحذره من الطوفان).

2- في النص التوراتي يذكر (نوح هو العاشر من الآباء البطاركة)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (أكسيسوثروس هو الملك العاشر).

3- في النص التوراتي (يُأمر نوح ببناء فلك)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (يُأمر أكسيسوثروس ببناء فلك).

4- في النص التوراتي (يأمر نوح بأخذ بعض الأفراد و كل الحيوانات)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني (يُأمر أكسيسوثروس بأخذ بعض الافراد وكل الحيوانات).

5- في النص التوراتي (أعطى الله أبعاد الفلك لنوح)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن ( أعطي الإله كذلك ابعاد الفلك لأكسيسوثروس).

6- في النص التوراتي يذكر أن (كل البشر أخطأوا ما عدا الذين ركبوا مع نوح)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (كل البشر أخطأوا ما عدا الذين ركبوا مع أكسيسوثروس).

7- في النص التوراتي (غمرت المياه كل الجبال وكل المناطق)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (المياة غمرت كل الجبال كل المناطق).

8- في النص التوراتي (فتح نوح طاقة/ نافذة الفلك)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (أكسيسوثروس فتح طاقة/ نافذة الفلك).

9- في النص التوراتي (أطلق نوح الطيور ثلاث مرات للكشف عن الأرض)، وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (أكسيسوثروس الطيور أطلق كذلك ثلاث مرات للكشف عن الارض).

10- في النص التوراتي يذكر (استقر الفلك على جبل أراراط) وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (استقر الفلك على جبل).

11- في النص التوراتي (قدم نوح بعد الخروج من الفلك ذبائح وبنى مذبحاً) وفي النص السومري الأكادي اليوناني يذكر أن (أكسيسوثروس قدم بعد الخروج من الفلك ذبائح و بنى مذبحاً).

وكذلك نقل أبيدينوس Abydenus (وهو مؤرخ اغريقي ، يرجع لأوائل القرن الثاني ق.م) تلك القصة عن بيروسوس Berossus مثلما ما أوردها لوسيوس كورنيليوس Lucius Cornelius الا انه أوردها ببعض الاختصار الغير مُخل بالقصة، الا انه يضيف التالي:

(...فيما يتعلق بالسفينة فهي لا تزال موجودة في أرمينيا و اعتاد السكان تَشكيل الاساور والتمائم من خشبها) (7).

بينما اكتفي أبولودورس الأثيني Apollodorus of Athens (وهو مؤرخ ولغوي يوناني، ولد حوالي 180 ق.م ، توفي في حوالي سنة 120 ق.م ) بالنقل عن بيروسوس قائلاً:-

(ومن التاريخ الذي وصل الينا من بيروسوس Berossus ...انه عقب موت أوتيارتس Otiartes حكم ابنه أكسيسوثروس Xisuthrus الذي في فترته وقع الطوفان العظيم و جملة الملوك عشرة) (8).

و كذلك ينقل يوسيفوس فلافيوس Josephus Flavius من بيروسوس Berossus ويذكر ان هناك أجماع بين المؤرخين في عصره ليس بشأن وجود بقايا السفينة فحسب بل بشأن الموقع ايضاً كالتالي:

(يذكر كل المؤرخين الأجانب (البرابرة) هذا الطوفان و هذا الفلك ، ومن بينهم بيروسوس الكلداني Berossus the Chaldean فأثناء وصفه لظروف الطوفان ،يذكر ما يلي: " يُقال انه ما زالت هناك بعض الاجزاء من هذه السفينة في أرمينيا Armenia عند جبل كورديانس و ان بعض الناس كانوا قار/زفت السفينة لصنع منها تمائم /طلاسم" ، وكذلك هيرونيموس Hieronymus المصري الذي كتب التاريخ القديم لفينيقيا (العاديات الفيـنيقية) و مناساس Mnaseas و غيرهم من العظماء الذين يذكرون نفس الشيء، ويروي نيقولاوس الدمشقي Nicolaus of Damascus كذلك القصة في كتابه السادس والتسعين، كالتالي : هناك في أعالي منياس Minyas بأرمينيا جبل عظيم يدعى بارس Baris و كما تذكر القصة وجد العديد فيه من الذين فروا أثناء الطوفان ملجاً أميناً ، و أن الرجال الذين كانوا في السفينة استقر على قمته ؛ وقد بقيت بقايا الخشب محفوظة هناك لفترة طويلة؛ قد يكون هذا الرجل هو نفسه الذي كتب عنه موسى مشرع اليهود) (9).

وقوله:

(أما الآن فلسوف أمضي قدماَ في سرد الشواهد الواردة عنا في سجلات الكلدانيين ومؤلفاتهم التاريخية، وهي شواهد تتطابق في كثير من عناصرها مع المعلومات المدونة في سجلاتنا عن الشعوب الاخرى، وشاهدي على هذه المعلومات هو ببيروسوس وهو شخص كلداني المولد ولكنه معروف في الاوساط المشتغلة بالعلم والمهتمة به، حيث إنه بَشر في أوساط قرائه الإغريق أعمالاً وكتباً عن علم الفلك والفلسفة لدي الكلدانيين، وكان بَيروسوس هذا يَحذو حذو السجلات البالغة القدم فإنه مثل موسى يَسرد حادثة الطوفان والدمار الذي حاق بالجنس البشري إبانه ، ويتحدث عن السفينة λάρνακος التي تم بواسطتها إنقاذ نوح (10) مؤسس جنسنا عندما رست به على قمم الجبال الأرمينية) (11).

و قبل بيروسوس نجد أفلاطون (428 - 348 ق.م) الذي وصف في كتابه القوانين Laws انه قد وقع طوفان عظيم ، والذي ترتب عليه جعل الناجين يَعيشون معيشة بسيطة للغاية والتي جعلتهم أفضل من الناحية الاخلاقية بالمقارنة بنا "نحن خلفائهم" ثم طور الناس الحكومات و القوانين، وعادوا كما كانوا يُفرقون بين الخير والشر :-

(الأثيني : وذا فما رأيكما كلاكما في الاساطير القديمة؟ هل وراءها أي نوع من الحق؟

كلينياس : آية أساطير تعني؟

الأثيني: أعني تلك التي تروي الدمار المُتكرر على الجنس البشري بسبب الفيضانات والأوبئة والأسباب المتنوعة الاخرى التي لا تكاد تترك من الأحياء إلا عدداً قليلاً.

كلينياس: يجب أن يكون ذلك النوع من القصص موضع التصديق الكامل لدي أي شخص.

الأثيني: حسناً جدا، فلنفترض أننا بصدد أحدى عملية فناء من العمليات المتنوعة، وأعنى تلك العملية التي حدثت مرة بسبب الفيضان.
كلينياس: وما هي النقطة التي تُريد أن تلاحظها بصدده؟

الأثيني: هي أن العدد القليل الذي نجا من الدمار العام يجب ان يكون قد جمع أفراده من رعاة الجبال، فظلوا كمجرد عدد من الجذوات الطفيفة من النوع البشري، وقد تُركت بغير إطفاء بين شواهق القمم.

كلينياس: ولم لا ؟ ذلك أمر واضح.

الأثيني: أناس كهؤلاء كانوا مضطرين بالطبع ألا يكونوا على غير إلمام بالحرَّف (الأعمال اليدوية) بمعناها الواسع وفوق كل شيء ، على غير إلمام بحيل سكان المدن في خداع بعضهم لبعض وسبق بعضهم لبعض بل وفي بقية مكائدهم التي يوقعون بها الشر بأنفسهم.....وافترض أننا نستطيع أن نقول أن حالة الإنسان في وقت النكبة كانت تمتلئ بالرعب وكان إقفار الارض من السكان واسع الانتشار بحيث كانت أقاليم فارغة غير مسكونة ، وكان معظم الحيوان قد نفق ولم تبق إلا قطعان قليلة من الماشية... ولكن بالنسبة لمدينة ما أو لدستور أو لتشريع وهي موضوعان حوارنا هل نستطيع ان نتصور عندما ننظر للأمر من زاوية واسعة ، إن اضعف الذكريات منها قد حفظت.

كلينياس: مؤكد ان شيئاً منها لم يَحفظ.

الأثيني: والآن فذلك هو الظرف التي قامت عليه وصدرت عنه كل حياتنا الفعلية بما فيها من تركيب وتعقيد و بما لها من مدن ودساتير وعلوم وقوانين بل وربما فيها على السواء من شر وخير اخلاقي كثير.

كلينياس: أنا لا اتعبك تماماً في ذلك الاتجاه.

الأثيني: ولماذا يا سيدي الطبيب؟ أنستطيع ان نفترض أن اهل ذلك العصر وقد كانوا جاهلين بنعم المُدن وبما لها من لعنات عديدة يمكن ان يكونوا ناضجين بحيث يتقبلوا الفضيلة والرذيلة بمعناها الأخلاقي؟

كلينياس : ذلك سؤال جيد ، ونحن نقدر النقطة التي أثرتها.

الأثيني: وهكذا بمرور الزمن وبتعدد الأجناس أضحت الحياة كما وجدناها بالفعل..... وقد أختفي كل الصراع المدني والحرب طوال هذه الفترة ، فوحدة الناس جعلتهم أصدقاء يألف بعضهم بعضاً و الآخر انه لم يكن هناك عراك على اسباب البقاء...ولم يكونوا متباينين وذوي مستويات مختلفة تحت ضغط الحاجة ، كما أنهم لم يستطيعوا مُطلقاً ان يصبحوا أغنياء في غيبة الذهب والفضة، فالجماعة التي لا يشكل الغني والفقر عضوية فيها تنتج بانتظام نماذج متينة الخلق لأنه لا مكان فيها للقوة والخطأ ولا للمنافسة والتحاسد ولذلك كانوا أناس طيبين من ناحية ما ومن ناحية أخرى من أجل بساطتهم التي كنت مضرب الامثال، لقد كانوا بسطاء الى حد انهم عندما يسمعون عما نسميه عدلاً او حماقة يسلمون بما نقول مطيعين كما لو كان ما نقول حقائق معصومة، ولم يكن هناك أحد من الخبث كما هو الحال الآن ، وكانوا يعتقدون ان ما يقال لهم عن الله والإنسان صحيح وكانوا يعيشون به) (12).

فأفلاطون هنا استخدم قصة الطوفان ليستخلص منها حكم وحقائق فهو لم يتكلم هنا عن أي بطل او سبب الطوفان فهي من ضمن الحكايات/ الاساطير القديمة οΐ παλαιοί λόγοι.

وقد توسع افلاطون في رواية الطوفان في محاورة الطيماوس/ التـِيمئس / تِيماوس Timaeus عند التحدث على اسطورة ذفكَلين/ ديوكاليون Deucalion وزوجته بيرة Pyrrha التي من الواضح انها نفس قصة الطوفان التي كان يقصدها في كتابه القوانين لأنه ذكر ان الناجين اصبحوا رعاة في الجبال، و هنا يعطي افلاطون لمحة ان الطوفان نشأ نتيجة خلل اخلاقي في البشرية بقوله (و طهرت الآلهة الارض بالطوفان)، الا انه اعتبر ان ذاك الطوفان مثل باقي الكوارث المدمرة والمختلفة التي تقع من الحين والحين الآخر بدون سبب مُحدد ، كالتالي:

(اكرتيس Critias: ... فقال عندئذ أحد اخوتي ...إن صُولُن Solon هو احكم الحكماء وانه حتي في الشعر ايضاً اجود الشعراء و أوفرهم نبلاً وتحرراً.

فطرب اكرتيس و سر جداً ، وقال "يا أمِيننذرس Amynandros لو لم يَمل الى الشعر من باب التلهي فقط ، بل جدّ فيه نظير الآخرين ونشط له، و أنجز الرواية التي جاءنا بها من مصر، لما فاقه شهره في ظني أحد من الشعراء في يوم من الايام لا هسيودوس ولا هوميروس ولا أي شاعر آخر".

فسأله الفتي ، وما انت تلك الرواية يا اكرتيس؟

فأجاب : كان صولن يتكلم فيها عن أجلّ مأثره و اشهر كل المآثر التي اجترحتها هذه الدولة ولكن بسبب تراخي الزمن وهلاك ابطالها لم يبلغنا نبأها.

فقال الشيخ:" هناك في الدلتا المصرية حيث يتشعب مجرى النيل منطقة تدعي سَائِسِ / سايس Sais (13)، و المدينة الكبرى التي تقع بها تلك المنطقة تسمي كذلك بمدينة سَائِسِ / سايس Sais ومنها خرج الملك آمِزِس/ أمازيس Amasis(14)، وكانت إلهة المواطنين هناك تُدعى نيث / نيت Neith و يقول المصريون انها الإلهة نفسها التي يدَعوها الهيلينيون أثينا Athene ، ذهب صولن الى تلك المدينة ، ولقي لديهم حفاوة كبري ، وسأل كهنتها الذين كانوا الكهنة الأكثر حذقاً في قضايا كهذه تتعلق بالعصور الغابرة ، واكتشف أن لا هو ولا أي شخص من الهيلينيين الآخرين عرفواَ شيئاُ جديراً بالتنويه بشأن الأزمنة القديمة ، وابتغي مرة يدفعهم للحديث عن تلك الحوادث الغابرة ، فشرع يتكلم عن أقدم أمور دولتنا عن فورونيوس Phoroneus(15) الذي يُطلق عليه "الرجل الأول" (16) و عن نيوبي / نيوفيNiobe (17) و راح يروي أسطورة ذفكلين /ديوكاليون Deucalion و بيرة Pyrrha ، كيف نجوا من الطوفان وعاشا من بعده و أخذ يٌسلسل الذين انحدروا منهما ويحاول مما يقول أن يتذكر عدد السنين وان يحسب مدي الازمان.

وقال احد الكهنة وكان متقدماً جداً في السن ، قال : أوه يا صولن إنكم أيها الهيلينيون لستم سوى أطفال وليس بينكم إنسان مسن احد ، أعني إنكم كلكم فتيان في الفكر والعقل إذ لا تحتفظون فيها زعماً قديماً مستمداً من نقل أو تقليد عتيق وليس عندكم علم عتقه الدهر ، أما سبب ذلك هو ذلك الدمار الذي أحدثته قوى النار والماء ، وقد حلت بهم نوائب أخرى أقل خطورة واتخذت عشرة آلاف شكل غير شكل النار والماء.

فالقصة التي ترددت عندكم وعندنا ايضاً وهي أن فايثون Paethon بن هيليوس (Helios الشمس) شد خيول مركبة ابيه و إذا عجز عن قيادتها بنفس طريقة والده فأحرق كل شيء كان على وجه الارض و تحطم هو نفسه بصاعقة وهلك ، تلك القصة التي اتسمت بزي الاسطورة وشاعت ، أما الحقيقة فهي أن انحرافاً يقع للإجرام الدائرة في الفلك حول الارض ، فيسبب حريق هائل لما على الارض فتهلك الكائنات على وجه الارض بناء مستعرة (18) إلا انه يتكرر على فترات وحقب طويلة ،ويكون أولئك الذين يعيشون على الجبال والاماكن المرتفعة أكثر عرضة للهلاك من أولئك الذين يسكنون ضفاف الانهار و شواطئ البحر .

اما النيل فهو مُخلصنا في الحالات الأخرى من تهلكة الفيضان ، فعندما يبغي الآلهة من جديدة تطهير الارض فيغرقونها بالمياه ، و هنا ينجو من الغرق المقيمون في الجبال...وفعلاً ما كنت تسلسله الآن من أنساب يا صولن ، في استعراضك احداث بلادكم لا تختلف الا قليلاً عن خرافات الصبية فأنتم أولاً تذكرون طوفاناً واحداً غطى وجه الارض ، مع أن فيضانات كثيرة قد حدثت قبله...كانت دولة الأثينيين مُزدهرة في العصور الغابرة قبل أعظم بوار انتاب البشر بالمياه، وامتازت وتفوقت في الحرب واشتهرت في كل الامور شهرة واسعة ، ويُقال إن مآثرها كانت آجلّ المآثر واجملها ، وان نظمها السياسية كانت أبهى نُظم تحت السماء سمعنا بها"...فسجلاتنا تذكر أيّة قوة ضخمة أخمدتها دولتكم ذات يوم، ففي جزيرة الأطلنطس نشأت سلطنة ملوك عظيمة وعجيبة وبسطت سيادتها على الجزيرة كلها وعلى جُزر أخر كثيرة ومساحات شاسعة من القارة ...وقد تجمعت هذه برمتها ووحدت شملها وحاولت ذات مرة في اجتياح واحد ان تستعبد كل البقعة الواقعة في أرجائكم وارجائنا ...فبدت عندئذ عزة دولتكم يا صُولن، وأظهرت فضلها وبأسها للبشر أجمعين ، إذ تزعمت الجميع برباطة جأشها وضروب فنونها في الحروب ، وقادت اليونان...وقهرت المجتاحين وتغلبت عليهم ونصبت أقواس النصر وصانت الذين لم يقعوا قط في العبودية من أن يمسوا أرقاء وحررتنا نحن الاخرين جميعاً ...وتعاقب الزمن وحدثت هزات أرضية هائلة وطوفانات ، وفي يوم واحد وليلة شديدة دهماء خُسفت رقعة من بلادكم وتواري معها كل جيشكم جملة ، وكذلك توارت جزيزه الأطلنطس في لجة البحار وانمحي أثرها...) (19).

وكذلك ذكر أفلاطون في مُحاورة اكرتيس Critias الذي هو تتمة مُحاورة الطيماوس Timaeus ان طوفان ذفكلين كان هو الطوفان الرابع ، اذا وقع اذا أربع طوفانات كان الطوفان الذي على عهد ذفكلين هو الرابع، كالتالي:-

(...فقبل كل شيء لم تكن حالة هضبة الأكروبوليس على ما هي عليه اليوم إذ انقضت عليها في ليلة واحدة أمطاراً انهمرت انهماراً خارقاً فأذابتها وجردتها من التربة وصحبتها هزات أرضية ، وقبل الهزات كان هناك فيضان ماء هائل، كان هذا هو الطوفان الثالث قبل الكارثة التي حلت على عهد ذفكلين) (20).

وكذلك تكلم أبولودورس Apollodorus في عمله المُسمى "المكتبة "Bibliotheca عن الطوفان ، ذاك العمل الذي يُعتبر الآن مَنسوب زوراَ الى أبولودورس لذا يُعرف بـ" مكتبة أبولودورس المزيفPseudo Apollodorus" الا انه يُمكن تاريخه لبعد منتصف القرن الاول ق.م ،فقد وجد لويس فيلدمان Louis Feldman (21) بعض المَصطلحات الفنية المُشتركة في كلاً من مكتبة أبولودورس و بين قصة الطوفان التي أوردها يوسيفوس في عاديات اليهود Antiquities قائلاً :

(هناك تشابه مُذهل بين لغة يوسيفوس عند ذكره : (ان الله وضع في "ذهن /حكمة"ὑποθεμένου" نوح أداة و وسيلة الخلاص μηχανὴν .. καὶ πόρον ) (22).

وبين رواية أبولودورس للطوفان (الذي تاريخه غير مؤكد الا انه من المحتمل ان يكون مُعاصراً ليوسيفوس) تلك الرواية التي نقرأ فيها ان ديوكاليون قام بصنع فلك بناءاً على : (نصح / حكمة ὑποθεμένου" بروميثيوس) (23).

بل يتضح أكثر أن يوسيفوس كان بالفعل يُفكر في ديوكاليون لأنه استخدم الكلمة اليونانية λάρνακα (24) لوصف الفلك وهي ذات الكلمة التي استخدمها أبولودورس (1.7.2) بدلاً من الكلمة التي استخدمتها السبعينية κιβωτός/ν (التكوين 6 : 14).

إلا انه من المحتمل كذلك ان يوسيفوس تبني لفظة λάρνακα والتي تصف الفلك مباشرة من نيقولاوس الدمشقيNicolaus of Damascus الذي قال: (هناك في أعالي منياس Minyas بأرمينيا جبل عظيم يدعى بارس Baris و كما تذكر القصة وجد العديد فيه من الذين فروا أثناء الطوفان ملجاً أميناً ، وانقذ كذلك الرجال الذين كانوا في الفلك λάρνακος والذي استقر على قمته والتي بقيت بقاياه محفوظة هناك لفترة طويلة؛ وقد قد يكون هذا الرجل هو نفسه الذي كتب عنه موسى مشرع اليهود) (25).

أما ما قاله أبولودورس Apollodorus أو أبولودورس المُزيفPseudo Apollodorus هو كالتالي (26):-

(وانجب بروميثيوس ديوكاليون (27) وحكم مناطق التي حول فثيا Phthia و تزوج بيرة ، ابنه إبيميثيوس Epimetheus و باندروا اول امرأة صنعتها الآلهة، وعندما اراد زيوس القضاء على بني بشر العصر البرونزي، و بناءا على نصيحة بروميثيوس أخذ ديوكاليون في صنع صندوق (وعاء محكم = الفلك λάρνακα) و زوده بالمؤن وصعد فيه مع بيرة، و قام زيوس بغمر الجزء الاعظم من اليونان بالأمطار الغزيرة التي كانت تهطل من السماء، و هلك كل الناس ماعدا قلة فقط استطاعت الفرار الي الجبال العالية التي كانت بجوارهم، فقط غمرت المياه كل العالم خارج البرزخ [أي برزخ كورنثوس Isthmus] و بيلوبونيز /جزيرة بلوبس Peloponnesus ، وغمرت المياه ثيثالي Thessaly جزئيا، بينما استطاع ديوكاليون ان يهرب طافيا على البحر لتسع ايام وليالي، منجرفا الى جبل بارناسوس Parnassus وعندما توقف المطر، هبط هناك وقدم ذبيحة لزيوس أله الهروب [أي أله النجاة] فأرسل زيوس هرمس Hermes إليه وسمح له باختيار ما يَريد، فاختار البشر ، وتحت ارشادات زيوس رفع – بروميثيوس- احجاراً و رماها من فوق رأسه ، التي ما لبثت الا و ان تحولت الى رجالاً ، و ما لبثت الاحجار التي رمتها بيرة – زوجته- الى نساء ، ولهذا كان يُطلق على البشر مجازاً λαοὶ laoi من λίθοι lithoi اي حجر (28)، وانجب ديوكاليون ابناء من بيرة ، فأولاً انجب هيلين الذي يقول عنها – من البعض- ان اباها هو زيوس ، و انجب أمفيكتيون Amphictyon الذي حكم أتيكا بعد Cranaus كراناوس ، و انجبوا كذلك ابنه تدعي برتوجيـنيا Protogenia التي اصبحت والدة إيثليوس Aethlius من زيوس (29) ).

وهكذا ذكر لوقيانوس أو لوقيان السميساطي Lucian of Samosata ( ولد عام 120 م) الطوفان اليوناني لديوكاليون في "الآلهة السورية De Syria Dea" كالتالي (30):

(وحسب ما وصل إليّ من معلومات عن قدم المعبد - أي المعبد الموجود في المدينة المقدسة هيرابوليس Hierapolis و عن الإلهة التي باسمها تم تشييده فقد حصلت على العديد من الإجابات منها ما كان مُقدساً أو ساذجا ، ومنها ما كان خرافياً بصورة مُطلقة ومن هذه الإجابات ما كان ايضاً يمت بصلة الى البربر، والي آراء اليونانيين وسأسردها لكم كلها دون أن اتبنى واحدة منها. حيث زعم عامة الشعب أن ديوكاليون Deucalion او سيسثوس Sisythus (31) هو الذي بنى المعبد، و ديوكاليون هذا هو نفسه الذي حدث له الطوفان ولقد بلغني وانا في اليونان قصة الطوفان هذه، وهناك ما يروونه عنه على وجه التقريب:
لم يكن جنسنا البشري الحالي هو الأساسي لان الجنس الاول ابيد بكامله، وقد خرجت الشعوب الحالية من عرق آخر أخذ يتكاثر منذ ديوكاليون ، فأوائل الرجال يروون إنه بسبب اغراقهم في تطرفهم راحوا يرتكبون أعمالاً مُخزية فلا يرعون عهداً ولا يقلبون الغرباء ]متجاهلين قدسية القسم والضيافة[ ، ويتعاملون بقسوة مع المتوسلين ، فوقعوا بسبب الاعمال في طامة كبري: حيث تفجرت الارض فجأة فخرج قدر هائل من المياه، وهطلت امطار غزيرة وتضخمت الانهار بالمياه المتصاعدة، وغمر البحر حيزاً واسعاً من الارض، وامست اليابسة مغطاه بالمياه، وهلكت البشرية، بيد أن ديوكاليون كان هو الرجل الوحيد الذي بقي حياً ليؤسس بفضل حكمته وتقواه ذريه جديدة واليك كيفية نجاته:

كان لدى ديوكاليون مَركب وضع فيه أولاده وزوجاته ثم ركب هو ، وما إن اعتلى المركب حتى أبصر خنازير وخيولاً و اسوداً وحيات ومن جميع الحيوانات التي تدب على الارض ،راحت جميعاً تسعى اليه أزواجاً أزواجاً فقبلها كلها (32)، ولم تؤذه واحده منها، لأن صداقة وطيدة حلت بينهم بأمر الإله "زيوس" ، ثم طفا المركب بهم جميعاً، طول مرة ارتفاع المياه، هذا ما يتحدث به اليونانيون فيما يتصل بديوكاليون.

واستمراراً لهذه القصة يروي أهالي هيرابوليس Hierapolis "اسطورة مدهشة" و هي أن ثقباً نجم في أرضهم وان كل مياه الطوفان غارت فيه، وإن ديوكاليون إثر هذه الحوادث أقام المذابح، كما شيد معبداً فوق هذه الثقب باسم الآلهة هيرا، ولقد رأيت هذه الثقب تحت المعبد، وهو صغير جداً في هذه الايام، فهل تراه كان كبيراً في الماضي؟ لست أدري ، الذي أعلمه انه صغير جدا وهم إيماناً منهم بهذه الأسطورة يجلبون إليه ماءاً من البحر مرتين في السنة ، ولا يقتصر جلب المياه هذا على الكهان وحدهم بل يتعاون لجلبه كل سكان سوريا والجزيرة العربية و ما وراء الفرات ،فيمضون الى البحر يجلبون بدورهم المياه ويرقونها أولا في المعبد ،ولا تلبث هذه المياه أن تتجمع وتغور في الثقب الذي على الرغم من صغره قادر على ابتلاع كمية ضخمة جدا منها وهم بعملهم هذا يعتقدن بأنهم يحافظون على عادة كان يحييها ديوكاليون في هذا المعبد وتعتبر في آن واحد ذكرى شقاء الانسان و إحسان الالهة).


كذلك ذكر أوفيديوس Ovidius نسخة كاملة من رواية الطوفان اليونانية لديوكاليون الا انه ذكرها باللغة اللاتينية، في تلك الرواية نري انه من اسباب الطوفان هو التدهور الاخلاقي للإنسان وليس فقط تحدى الآلهة مما أدي لمعاقبة الجنس البشري (وهو عنصر بارز في الإصدارات السامية من الطوفان و سمة غائبة تقريباً عن القصص اليوناني) ، بالإضافة لذكره التحدي من العمالقة الموازية لنص التكوين 6 : 4 اليوناني والذي اتي على ذكر العمالقة بكلمة γίγαντες أي العمالقة، وعقابهم من اسباب الرئيسة التي أدت للطوفان، بالطبع كان هسيودوس Hesiod (القرن الثامن ق.م) احد المصادر الرئيسة له، فهو اقدم مَصدر معروف ذُكر فيه ديوكاليون، لكنه ذكر فقط انه كان ابن بروميثيوس (33) و (أن زيوس ابن كرونوس بناءاً على حكمته التي لا تسقط حكمته اعطي لديوكاليون احجاراً جمعها من الارض ، ومن تلك الحجارة صنع البشر الفانون و لهذا اطلق عليهم بشراً λεκτους εκ γαίης λαους ποτε Δευκαλίωνος) (34)، وكذلك يصف هسيودوس لعمالقة كما ذكرنا من قبل (35)، إلا انه بكل تأكيد الشاعر أوفيديوس لن يقتصر على ما رواه هسيودوس، فكتب:

(وعاش الناس على السلب والنهب لا يأمن الضيف مضيفة ولا يطمئن الزوج لحمية ولا يثق الاخ بأخية غاض الود من صدور الناس واصبح كل من الزوج والزوجة مَصدر شقاء للآخر وغدت زوجات الآباء تدسن السم في الطعام لأبناء أزواجهن والاباء يتآمرون على موت آبائهم وعلى الخلاص منهم وحل العقوق بالوالدين محل البر بهم ولم يَعد للتقوى مكان في القلوب ، كما خرج الناس على طاعة آلهتهم فعم الارض البلاء وسالت الدماء ، فهجرتها أسترايا (36) العذراء آخر من كان على الارض من ارباب السماء.

وتطلع العمالقة الى الأثير لا يبغون أن يكون أمناً كما لم تَعد الأرض أمناً، ولكي يغزوا ملكوت السموات جعلوا الجبال جبلاً فوق جبل حتى يرقوا الى حيث النجوم ، وعندما أرسل عليهم سيد الكون القدير صواعقه ، فتداعي جبل أوليمبس ...وإذا تحت ذلك الركام الهائل جثث العمالقة هامدة واذا الارض قد غُطيت صفحتها بدماء أبنائها العمالقة. ولكي تبقي الحياة متصلة، قيل أن الارض قد نفثت من روحها في هذا الدم الدافئ فكانت مخلوقات لها سمات البشر عَمرت الأرض من جديد، غير أنه سرعان ما خالف هؤلاء أمر الآلهة وثارت فيهم ثائرة ذلك الدم المسفوح الذي خلقتهم الأرض منه، فغطت قلوبهم و عدا بعضهم على بعض....وصاح بعض الآلهة مناصرين جوبـيتر فيما قّرر مطالبين إياه بالمزيد، على حين لزم آخرون الصمت ، غير أنهم قد ساءهم جميعاً ما سوف يلقي البشر من عذاب، وما سوف تكون عليه الارض بعد ان يقضي على الجنس البشري كله، وما سوف تكون عليه معابدهم في الارض بعد أن لن تجد منهم من يختلف اليها مقدماً القرابين ...واحس رب الارباب ما يساور أربابه من خوف فأعلن فيهم أن الامور سوف تجري دون إضرار، وانه سوف يَخلق بشراً غير البشر يختلفون عنهم الاختلاف كله وسيولدون من اصل سوف يكون معجزة من المعجزات.....و أخذ جوبيتر يعم العالم بسيول جارفة تأتي على البشر أجمع ، فحشد رياح الشمال .. وضم إليها الاعاصير التي تبدد السحب الكثيفة ثم أرسل رياح الجنوب من مَحبسها فثارت تضرب بأجنحة مُبللة في غياهب الظلمات ..ثم ما لبثت ان القت فيها سيلاً متدفقاً عم الارض وفاض في ارجائها ...ولم يفلت مبني من هذه الكارثة إلا دمرته موجة أعتى من الأولى فتخاوى سطحه تحت الماء ، واختلط الامر فلم تعد ثمة حدود بين الارض والبحر بل غدت الارض كلها بحرا بلا حدود... واذا هذا الفيض قد غطى التلال وبلغ ذروة الجبال واذا الجنس البشري قد فنى أكثره ومن نجا منهم اهلكه الجوع....كان ثمة جبل شامخ هو جبل بارناسوس Parnassus له قمتان تكادان تلمسان النجوم وتخترق سطحه السحب رسا عليه الفُلك الذي كان يَحمل ديوكاليون و زوجته، وكان ديوكاليون بن بروميثيوس خير البشر وألزمهم للطريق السّوىّ ، وكانت زوجته بيرا /بيرة ابنه إبيميثيوس أكثر النساء إجلالاً للآلهة، كان أول شيء فعله الزوجان أن اتجها بالشكر الى ربات الجبل والى ثيميس Themis ربّة الوحي الكاشفة عن الغيب ،فقاما يَصليان لهن من أجل نجاتهما ، ورأي جوبيتر الارض وقد ملائتها المياه الآسنة و أنه لم يبق من الرجال الذين بلغت عُدّتهم آلافاً غير واحد هو ديوكاليون و لم يبق من النساء اللاتي بلغت عدتهم آلافً غير واحدة وهي بيرا ، وكان من عباد الآلهة المخلصين لذلك نجوا من الهلاك وسلمت لهما حياتهما. ...وعادت الحياة سيرتها الأولى....ثم وقفت بيرا لجانب ديوكاليون يضرعان الى الرب أن يلهمهما العون...ثم تقدما الى مذبح الإلهة المقدسة ثيميس ... فركعا خاشعين وتوجها الى الإلهة ثيميس قائلين: "هل من مَطمع في أن تستجيب الإلهة الى صلواتنا الخالصة فترفع عنا غضبها، ألهمينا يا ثيميس كيف نقوى على إصلاح ما حاق بالجنس البشري ، أيتها الرب الرحيمة كوني لنا عوناً في محنتنا" واخذت الربّة الشفقة بهما فتمتمت بهذه النبوءة: "أخرجا من معبدي وضعا على رأسيكما غطاء ...واتركا وراءكما عظام أمّكما الجليلة (37) "...فهبطا من على رأس الجبل ورأساهما مغطيان...واخذا يُلقيان الأحجار وراءهما كما أشارت الربّة .

من يصدق ما حدث بعد ذلك ولا ان التاريخ الخالد يشهد به؟ فإذا الأحجار تلين واذا هي تتشكل أشكالاً واذا هذه الاشكال على صور هياكل آدمية رغم أنها لم تكن ذات سمات واضحة بل كانت أشبه بتماثيل من الرخام لم يَكتمل نحتها ولم تُصقل بعد، ثم ما لبث أن استحال الحجر لحماً فكسا تلك الهياكل العظمية ، كما استحالت العروق التي كانت تتخلل الصخور عروقاً في تلك الاجسام الآدمية وكان كل حَجر يلقيه ديوكاليون يأخذ صورة الرجال ، و الحجر التي تلقيه بيرا يأخذ صورة المرأة" . والى هذه النشأة القاسية الصلبة يُعزى كل ما في الجنس البشري من عَنف وغَلطة وقسوة فكما نشأ كان) (38).

وكذلك نجد اشارة عرضية لطوفان ديوكاليون عند مُختلف الكتبة من امثال ارسطو ( 322 ق.م - 384 ق.م) ، والذي يعتقد ان الطوفان كان مَحلياً وانه نتج عن دورة طبيعية مُتجددة، فنجده يقول :

(يفترض بعض الرجال الذين نظرتهم ضيقة ان مثل تلك التغيرات في الكون انها تحدث في لكل العالم، ولهذا نجدهم يقولون ان البشر يجف و لا ينمو الا ببطء ، فقد لاحظ انه يحدث في كثير من الاماكن عن السابق، ولكن هذا صحيح جزيئاً فقط، فبالرغم انه بالفعل كثير من الاماكن جافة الآن وكانت سابقاً مغطاة بالمياه، ولكن على الجانب الآخر النقيض صحيح كذلك تماما، فكثير من الاماكن غزاها البحر، و لا يجب ان نفترض ان العالم في طور الصيرورة [التغير] ، فمن السخف ان نعمم هذا عن الكون كله بسبب تغيرات صغيرة تافهة ، فحجم وكتلة الارض لا يقارن بكل تأكيد بالعالم /الكون كله، فإننا يجب علينا ان نعتبر تلك التغيرات مثلما ما يحدث في الشتاء فمرة يأتي شتاء عظيم مع فائض من الأمطار الغزيرة ، لكن هذا الفائض لا يحدث في نفس المكان، ولدينا مثال على هذا ، ففي عهد ديوكاليون حدث طوفان وقع بشكل رئيسي في العالم اليوناني وخصوصاً في هيلاس Hellasالقديمة عند دودنا Dodona و أخيلوس Achelous عندما غير النهر مساره....وبعد أن تهطل الامطار بوفرة في فصل الشتاء ... تجف تلك المناطق اكثر فأكثر ، وتعود الدورة نفسها من جديد) (39).

يذكر بلوتارخ Plutarch ( 46 - 120 م) طوفان ديوكاليون بشكل عابر ، إلا انه يشير لإطلاق حمامة ، مما يجعلنا نستـتنج انه اعتمد على المصادر السامية (سواء بابلية او توراتية)، كما تعامل بلوتارخ مع الطوفان كتاريخ وشخصيات ديوكاليون وبيرا على انهم شخصيات تاريخية كالتالي:-

(منذ وقت طويل في روما ، تم تعليم العديد من الافيال وضعيات خطرة مثل التقلبات و الالتفاتات حول بعضها البعض، الا انه يكون هناك من بينهم أغبي من بقيتهم، لهذا يتم عقابه بسبب غباءه ، الا انه يُرى في منتصف الليل وبدون أي قوة ترغمه يُمارس دروسه ويتدرب عليها من نفسه. يحكي مرة أجنو Agno قصة فيل كان نشأ في بيت في سوريا ، الا ان حارسه كان يعطيه نصف كمية الشعر كل يوم ، و مرة عندما كان صاحب المنزل متواجداً، و كان الحارس يضع نفس الكمية ، قام الفيل ببسط خرطومه وفصل الكمية جزئيين متساويين ، فكشف ببراعة ظلم الحارس، ومرة أخرى خلط الحارس الحجارة والأوساخ بالشعر ، فقام الفيل بأخذ تراباً و القاه على اناء اللحم الحارس. هناك قصة آخري ، فعندما حاول بعض الاولاد في روما استفزاز فيل ، فأخذوا بوخز خرطومه بالنهايات الحادة لأقلامهم الحديدة ، فقبض على احدهم بخرطومه، و رفعه في الهواء كما لو كان يَقصد سحق احشاءه، فصاحت الجماهير بصخب ، فانزله على قدميه معتقداً انه عاقبه بما فيه الكفاية لإخافته. وبما نحن قد بدأنا في التكلم، فلا اعتقد اننا نستطيع ان نهمل متجاوزين مكر الثعلب ، فهناك تشابه بينه و بين التالي ، حيث يخبرنا المُخبرون بالأساطير (علماء الاساطير)عن الحمامة التي أرسلها ديوكاليون من الفلك ، والتي رجعت اليه مرة اخرى ، ومعنى انها عادت اليه مرة اخرى ان العاصفة لم تتوقف بعد، فهي تطير مبتعدة عندما يكون الجو مستقر و هادئ ، بالمثل عندما يُريد التراقيون Thracians عبور نهر متجمد ، فهم يطلقون ثعلب لمعرفة ما اذا كان الثلج يتحمل ام لا ، فيسير الثعلب برفق على الجليد، واضعاً أذنيه على الثلج، فاذا سمع صوت مجرى المياه قريبه من سطح الثلج تحته، يدرك ان الثلج ليس عميقاً لكنه رقيقاً، فيتوقف و يرجع ، ولكن ان لم يذكر أي ضوضاء يستمر بجسارة مبتعداً) (40).

وكذلك قوله:

(يَخبرنا المؤرخين ان اول ملك للثيسبروتيين Thesprotians و المولوسيين Molossians بعد الطوفان هو فايثون Paethon الذي جاء الى مدينة إبيروس Epirus مع بيلاسغوس Pelasgus، و يقول البعض ان ديوكاليون وبيرا هم الذين اسسوا حصن دودونا Dodona واقاموا هناك بين المولوسيين Molossians) (41).

وكذلك اشار عالم الجغرافيا باوسانياس Pausanius/ Pausanias (القرن الثاني الميلادي) في عمله المُسمى بـ "وصف اليونان De-script-ion of Greece" في العديد من المرات الى ديوكاليون و الطوفان، كالتالي:

[1.18.8] يقول الأثينيين أن معبد زيوس الأولمبي القديم بناه ديوكاليون ، و يستشهدون على ذلك من أن ديوكاليون عاش في أثينا وقبره ليس بعيداً عن المعبد الحالي.

]1.40.1[ يقول الميجارين Megarians ان احدى حوريات ربات الينابيع تزاوجت مع زيوس ، و انجبت منه ماجاريوس Megarus الذي استطاع الهرب من الطوفان في عهد ديوكاليون بانه صعد الى مُرتفعات جرمانيا Gerania الذي لم يُسمى بهذا الاسم الا فيما بعد.

[5.1.3] اول من حكم تلك الأرض كان إيثليوس Aethlius ابن زيوس و برتوجيـنيا Protogenia ابنه ديوكاليون، وانجب إيثليوس إنديميون Endymion

[10.6.2] والان هذه المدينة [لـيكوريا Lycoreia] كما تحكي القصص قد غَمرتها الامطار التي سَقطت في زمن ديوكاليون، الا ان سكانها قدروا على الهروب من العاصفة حيث صعدوا الى قمة جبل بارناسوس Parnassus حيث قادهم الى هناك عواء الذئاب، وقادتهم تلك الوحوش لهناك ، لهذا اطلقوا على المدينة اسم لـيكوريا (جبل الذئاب)

[10.8.1] يرى البعض ان ربطة الاغريق التي كانت تتجمع في دلفي انشاءها أمفيكتيون Amphictyon ابن ديوكاليون (42).

اما فيلو الاسكندري فقام بمساواة نوح و ديوكاليون وكذلك آخرين:

(لان الأعداد الغفيرة من الرجال الخاضعين للظلم لا يُقارنوا برجل واحد يعيش وفقاً للعدل، هذا الرجل الذي يطلق عليه اليونانيين ديوكاليون و يسميه الكلدانيين نوح، و الذي في وقته وقع الطوفان العظيم. [IV]

و ان تعمق أي شخص حقاً في المعرفة الحقيقية، فسيكون قادراً على كشف الخالق و حاكم هذا الكون ، فكما تقول العبارة الشائعة : "يرفعون انفسهم من أسفل لأعلى"، فهم قد احضروا (دخلوا) لهذا العالم كما لو كان مدينة محفوظة بقوانين مُذهلة، ناظرين الارض بجبالها و سهولها ، مليئة بالغلال (المحاصيل) و البذور و الفاكهة و كل انواع الحيوانات و البحار و الانهار و البحيرات مُختلفة الانواع [عذبة او مالحة] ، سواء أكانت نتيجة فيضانات الشتاء او الينابيع الأزلية...و درجة نسيم الهواء الرائعة و الجو و التغيرات المتناسقة و المُرتبة جدا و دوران مواسم السنة، والشمس والقمر والكواكب والنجوم وكل ما في السماء مُرتب ، بل العالم كله يدور بترتيب و نظام يَدعو للدهشة ، كل هذه الاشياء تدعو للعجب ...فهي لم تَنتج من تلقاء نفسها و لكنها من صنع خالق ... هؤلاء الرجال المُدهشين الاعلى من الاخرين رفعوا انفسهم من اسفل لأعلى كما لو كانوا تسلقوا سلماً ناحية السماء، هذا السلم هو التأمل في اعماله وتكوين تصورات مَحتملة عن لله من خلال المنطق المتصل. ولكن اذا قدر أي شخص على فهمه بنفسه بدون الحاجة لأسباب تساعده على ادراكه فهم خدامه المخلصين و المقدسين و حقاً هم عباده المخلصين، هذا هو الرجل الذي يُطلق عليه في اللسان الكلداني اسرائيل ، وفي اليونانية " رؤية الله". [VII]

وبعد الايمان يحصل الانسان على جائزة أخرى وهي الفرح بعد ان اكتسب الفضيلة كهبة من الطبيعية كما لو كان شخصاً منتصراً بدون أي صراع، لهذا يَطلق الاغريق على هذا الرجل "الضحك" بينما يًسميه الكلدانيون "اسحق"، فالضحك الجسدي هو رمز لتلك الفرحة الغير المرئية المتواجدة في العقل، والفرح هو أفضل و اجمل الاحاسيس الجميلة العقلية. [VIII]) (43).


وكذلك ساوى يوستينوس الشهيد St. Justin Martyr بين نوح و ديوكاليون في دفاعه الثاني قائلاً:-

(ويؤجل الله نهاية العالم وانهياره حيث يهلك الاشرار من الملائكة والناس ، وسبب هذا التأجيل هو البذرة المسيحية والتي يعرفها [الله] أنها سبب بقاء العالم ولو لم يكن الامر هكذا لما تَمكنتم من فعل ما تفعلون بتأثير من الشياطين الاشرار ولكن ستنزل نار الدينونة وسيتلاشى كل شيء مثلما اجتاح الطوفان قديماً ، ولم ينجُ أحد إلا شخص واحد مع أسرته وهو من ندعوه نوح وأنتم تدعونه ديوكاليون ومن ولد كثيرون بعضهم اشرار والبعض الآخر ابرار ونحن نقول ان العالم سوف يحترق بالنار في النهاية وبهذه الطريقة وليس كما يعتقد الرواقيون بأن كل الاشياء سوف تتغير الى اشياء اخرى بحسب عقيدة التحول الشائنة) (44).

يُشير ثيؤفيلوس الأنطاكي Theophilus of Antioch الى ان رواية نوح هي التاريخ الصحيح، معترضاً على افلاطون بوجود اكثر من طوفان ، الا انه في ذات الوقت يَشير الى ان الاسم الحقيقي لبطل الطوفان هو نوح الذي قد يُطلق عليه كذلك ديوكاليون، قائلاً :

(18 بالنسبة لأفلاطون الذي قال بأنه عندما حدث الطوفان ، فإنه قد لم يغطي كل الارض لكنه غطى فقط السهول لأن الذين فروا الى التلال العالية انقذوا انفسهم، و لكن هناك من يقول ان ديوكاليون و بيرا انقذوا من خلال فلك (صندوق) وبعد ان خرجوا من الفلك ، رشقوا الحجارة خلفهم ، و بذلك انتجوا بشراً من خلال الحجارة λίθοι lithoi ،و من هنا جاءت تَسميتهم بشراً λαοὶ laoi ، و البعض يقولون ان كليمـنـيـوس Klymenos كان متواجداً في [هذا] الطوفان الثاني. كل هذا يدل على ان الذين كتبوا تلك الاشياء و تفلسفوا /تكهنوا بتلك الامور البائسة / الحقيرة و الغير إلهية و الغبية ، على النقيض من نبينا خادم الإله موسى ، ففي روايته لتكوين العالم يخبرنا بتفاصيل الطوفان و لم يأتي على ذكر خرافة ديوكاليون او بيرا او كليمـنـيـوس و لا ان الطوفان غطى فقط السهول و لا ان الذين هربوا فقط للجبال هم الذين نجوا.

19 فنوح وبكل وضوح قال انه لن يكن هناك طوفان آخر ، بل على العكس وعد بانه لن يكن هناك طوفان مرة اخرى ،كما انه لم يوجد بالفعل ولن يوجد ابداً ]في المستقبل[، ذاكرا نجاة فقط ثمان بشر فقط انقذوا بالفلك الذي اعده تحت اشراف الله ،ولم يكن هذا بواسطة ديوكاليون ولكن بواسطة نوح الذي يعني [اسمه] راحة، وكما قلنا في مكان اخر كيف صاح بالطوفان القادم عل البشر في ذاك الوقت ، ناطقاً : " تعالوا δεῦτε deute، يقول /داعيا καλἐω kaleó الرب لكم بالتوبة "و لهذا السبب [يُمكن] ان يناسب نوح لقب ديوكاليون Deute kalein ) (45).

اما ثيودور الصقليّ Diodorus Siculus (القرن الاول ق.م) فقط ذكر نظرية شبيه نظرية تشارلز داروين لتطور الكائنات، معترضاَ على الطوفان الجماعي كالتالي:-

(يقول المصريون إنه في البدء عندما خلق العالم ظهر الإنسان أولا في مصر وذلك لاعتدال مناخ البلاد ولطبيعة نهر النيل فإن هذا النهر الوافر الإنتاج الذى يهيئ الغذاء الذى ينمو نموا طبيعيا يقيم بسهولة أود المخلوقات بمجرد نشوئها ... وهم يحاولون أن يدللوا على صحة ما يذهبون إليه من أن المخلوقات قد ظهرت أولا في أرضهم؛ بأن الأرض حول طيبة تخرج إلى يومنا هذا فى بعض الفصول جرذان كبيرة الحجم غفيرة العدد إلى حد يملاً الناظر عجبا من هذه الظاهرة؛ وبعض هذه الجرذان تتخذ سمتها حتى الصدر والقدمين الأماميتين .وتأخذ في الحركة، في حين أن بقية الجسم لم يتشكل بعد . وما يزال طين الأرض باقيا على حالته الطبيعية. ومن هذا يتضح أنه في البدء عندما تكون العالم وصار مناخ الأرض معتدلا . كان نشوء الإنسان لابد في أرض مصر لأن سائر أنحاء المعمورة في الحقيقة لا تخرج الآن في أي مكان منها واحدة من أمثال هذه الكائنات الحية. ففي مصر وحدها يمكن ان ترى بعض المخلوقات في طريقها إلى الحياة على هذا النحو غير المألوف. وبالجملة؛ فهم يقولون إنه إذا كان أكثر الكائنات الحية قد هلكت في الطوفان الذى حدث في عهد ديوكاليون فمن الجائز أن يكون سكان مصر الجنوبية قد نجوا. لأن هذه البلاد عديمة الأمطار في الغالب. أما إذا كان الهلاك عاما - كما يؤكد البعض - وكانت الأرض قد أنجبت من جديد أنواعا حديثة من الأحياء. فإنه - حتى على هذا الفرض - يكون مبدأ ظهور الكائنات الحية أخرى بهذه البلاد؛ ذلك أنه عندما اقترنت الأمطار الغزيرة التي هطلت على جميع الأنحاء؛ بالحرارة التي تسود مصر أصبح المناخ في غالب الظن شديد الملاءمة لخلق جميع الكائنات الحية من جديد. وحتى في أيامنا هذه؛ قد يرى المرء في آخر موسم الفيضان بعض الأنواع من المخلوقات في حالة نشوء واضحة في جميع أنحاء مصر التي تغمرها مياه الفيضان ذلك أنه عندما تنحسر مياه النهر وتجفف الشمس حواف الطين تنشأ الحيوانات فيما يقولون: فيكون بعضها تام التكوين . في حين أن البعض الآخر لا يزال في طريق التكوين ملتصقا بالأرض ذاتها) (46).


وفي النهاية أسرد المختصر المفيد في أسطورة نوح وأولاده مع رأئي للأصل الأسطوري لقصته، مِن المعلوم قديما أن الأرض كانت تُشبه بسفينة سائرة على المياة التي كان يُطلق عليها (نون) نِسبة لصوت تساقط المياة والأمطار على الأرض، لذا تم تَشبيه النون (المياة) بالذات التي ترفع سفينة الحياة (الأرض) التي تحوي كل المخلوقات ولذا نُسب (نوح נֹ֖חַ) بصورة مُباشرة إلى (النون) أي إلى المياة، ولأن الأرض يُحيط بها (الظلام) مِن كل ناحية، لذا صُبغت أو دُهنت سفينة الأرض بالغار كقوله (اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ، تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ) (تك 6: 14).

ولأن نوح يُمثل المياة، وكما ذكرنا من قبل أنه كان يُعتقد أن الأرض يُحيط بها المياة والظلمة من كل ناحية، وعلى هذا فإن الشمس تشرق من المياة مثلما تخرج الحياة من ظُلمة المياة، وبالتالي فإنه من المفترض أن أسماء أبناء (نوح/ المياة) الخارجين من مياهه يحملا أسماء ذات علاقة بالشمس التي تخرج من المياة الكونية، وهذا بالفعل ما نجده، إذ نوح أنجب (سام وحام ويافث שֵׁ֖ם חָ֣ם ָיָ֑פֶת) كقوله (وَكَانَ نُوحٌ ابْنَ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ. وَوَلَدَ نُوحٌ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ) (تك 5: 32)، وهو ما تم التركيز عليه حين تم الخروج من الفُلك ومن الظلمة كالتالي (وَكَانَ بَنُو نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الْفُلْكِ سَامًا وَحَامًا وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ) (تك 9: 18)، فالشمس (تسمو) من الظلمة وهو يمثل (الشروق) أولاً ثم (تحمو) حرارتها وهو يمثل وقت (الظهيرة والانتصاب) ثم تغرب الشمس وترحل وتبعت أي (تفت أو يفت יפת) فالاسم الأصلي ليس يافث ولكن (يفت) من جذر (فاتَ) أي (نزل وغَرب) (47)، وعلى هذا فإنه من المؤكد أسطورية قصة نوح و أولاده لغوياً و روائيًا.

بل حتى وأبعاد فلك نوح هي أبعاد إسطورية، إذ يقل الكتاب (وهكذا تصنعه ثلثمائة ذراعًا يكون طول الفلك، وخمسين ذراعا يكون غرضه، وثلاثين ذراعًا يكون ارتفاعه) (تك15:6)، وهنا شُبهت السفنية برحم الأم التي تحمل الحياة والنور في بطنها (9 اشهر)، فهكذا (ابعاد الفلك) يجب ان (تحمل الحياة بداخلها) وهذا ما نجده من أطوال السفينة (300 ذراعاً طولاً و 50 ذرعاً عرضاً و 30 ذراعاً إرتفاعاً)، فطول السفينة هو ست اضعاف عرضه (300/ 50 = 6) وعلى هذا يتبقي من (الدرجات التسع الكاملة هو 3 درجات) وهو ناتج طرح (9 – 6) ومن المعروف أن مرحلة الإرتفاع والانتصاب تمثل (90 درجة)، وعلى هذا فإن ارتفاع الفلك يجب أن يكون (90 درجة/ 3 درجات = 30 ذراعاً)، ويمكن حِسابها بطريقة أخرى بإن الكتبة التوراتيين إستخدموا معرفتهم بأن ابعاد السفنية الرومانية يجب ان تكن (10:1 من القوادس الحربية) (47)، ومن خلال معرفتهم وجود (ثلاث مراحل للإرتفاع) مثل (الثلاث المراحل للشمس وهي الشروق والإنتصاب ثم الغروب والموت) فعلى هذا (30 : 300) تبعاً للنسبة (1: 10)، لتبقى لنا العرض الذي اختاروه (خمسين) وذلك لأن الأرض في المُعتقد القديم كالكرة أو كالحلقة ولشكله الدائري، لذا إرتبط رقم خمسة חָמֵשׁ وخمسين بآشياء لها الشكل الدائري كقوله (خَمْسِين عُرْوَةً صَنَعَ فِي الشُّقَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَخَمْسِينَ عُرْوَةً صَنَعَ فِي طَرَفِ الشُّقَّةِ الَّذِي فِي الْمُوَصَّلِ الثَّانِي. مُقَابِلَةً كَانَتِ الْعُرَى بَعْضُهَا لِبَعْضٍ) (خروج 36: 12)، ( فَإِنْ كَانَ تَقْوِيمُكَ لِذَكَرٍ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً إِلَى ابْنِ سِتِّينَ سَنَةً، يَكُونُ تَقْوِيمُكَ خَمْسِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ عَلَى شَاقِلِ الْمَقْدِسِ) (لاويين 27: 3)، مثل صوابع اليد (خمس أصابع) لتشكل اليد المُدورة.

كما يجب علينا مُلاحظة أن ذاك التصوير أي تصوير المياة بكونها ذاتاً تحمل سفينة الحياة أي (الأرض) مشهود له في مصر كما نرى من تصوير نوت وهي تحمل سفينة الارض على ذراعيها (49).

وبهذا أكتفي بهذا القدر لأوضح إنتشار أسطورة الطوفان، مع المَيل لكون أن أقرب يمكن تصوره لتلك الأسطورة هو الأصل المصري، ولكن حتى وإن لم يكن الأصل المصري هو المصدر، فذاك التصور وتلك القصة يُمكن تخليقها بسهولة ويُسر مع معرفة إن (النون) يحمل (سفنية الحياة والأرض) ومنه (تخرج الحياة وتنتشر).



الملاحظات والحواشي
=================
(1) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 41.

(2) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 41.

(3) لعل الاسم اليوناني Δευκαλίων له إرتباط بالجذر السامي (دخولاً) مِن ((Δκλ التي حُرفت فيما بعد إلى (دوخلاً ومن ثم إلى دوكلاً ثم ديوكاليون بعد قلب التنوين إلى نون)، ومن المُحتمل أن يكن معناه (الداعي) مِن (تعالوا δεῦτε deute ويقول /داعيا καλἐω kaleó)، راجع (ثيؤفيلوس الأنطاكي ، الى أوتوليكوم Ad Autolycum ، الكتاب الثالث ، المقطع 18 ، 19).

(4) في النسخة السومرية يُسمى بَطل قصة الطوفان زيوسدرا Ziusudra (الذي يعني الذي جعل الحياة طويلة كناية عن خلوده) و قد ذكره المؤرخ البابلي بيروسوس بعد تلهين اسمه بأكسيسوثروس Xisuthrus Ξίσουθρος من الاصل الكلداني Ziusudra ( الذي طال عمره ) أو Zi-Susru (حياة السماء أي الذي احيته السماء) (فاضل عبد الواحد على ، الطوفان في المَراجع المسمارية ، ص 35 ، حاشية 25) مع مقارنتها بـ James Francis Katherinus Hewitt (MDCCCXCIV = 1894), The Ruling Races of Pre-historic Times in India, Southwestern Asia and Southern Europe , p 385.

(5) ستاديون (باليونانية στάδιον ، باللاتينية stadium) هي وحدة قياس يونانية قديمة للأطوال والمسافات، كانت تعتمد على مقدار محيط الملاعب الرياضية في ذلك الوقت، وفقا للمؤرخ اليوناني هيرودوت فإن قيمة 1 ستاديون تساوي 600 قدم يوناني.

(6) Isaac Preston Cory (1832), Ancient Fragments of the Phoenician, ChaldÆan, Egyptian, Tyrian, Carthaginian, Indian, Persian, and Other Writers, Second Edition, London: William Pickering , p.26- 27.

(7) Ibid, p.32- 33.

(8) Ibid , p.30- 31.

(9) يوسيفوس، العاديات اليهودية (التاريخ القديم لليهود Antiquities of the Jews)، الكتاب الاول ، المقطع 93- 94.

(10) نَدري أن بَيروسوس كان يَتحدث في الأصل عن أكسيسوثروس Xisuthrus وبالتالي لا يعني تغيرها على يد يوسيفوس الى نوح الا انه كان يعتبر بطل رواية الطوفان البابلية هو نوح مما يوضح مدى درجة تأثر يوسيفوس بالأساطير البابلية اليونانية لدرجة تحديده الناجي من الطوفان البابلي بنوح واستخدام مُصطلحاتها، فأولاً يذكر في مستهل كلامه ان هذا الطوفان وهذا الفلك هو مذكور من جميع المؤرخين الاجانب (البرابرة) ويستشهد ببيروسوس وهيرونيموس المصري ومناساس الباتراسي Mnaseas of Patara (انظر Ant 1.93-94)، وبما إنه مذكور من كل المؤرخين وانه ذات الفلك فكيف لا يكون بطل ملحمة الطوفان البابلية هو نوح اذا ؟ ، و الشيء الأكثر جدراه بالملاحظة قوله :

(..وبعد مُرور سبعة أيام اخرى ،ارسل حمامة ليعرف حالة الأرض ، إلا انها رجعت اليه وهي مُلطخة بالطين و أحضرت معها غصن زيتون، حينئذ عرف نوح ان الارض خالية من الطوفان ، الا انه انتظر سبع ايام اخرى..) ( (يوسيفوس، العاديات اليهودية، التاريخ القديم لليهود Antiquities of the Jews، الكتاب الاول ، المقطع 92).

في حين إن نص سفر التكوين يَنص على (فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا) (تكوين 8: 11)

و هو لا يحتوي الجزئية التي كتبها يوسيفوس عن عودة الحمامة ملطخة بالطين، إلا انها تظهر عند ببيروسوس:

(وعندما أنحسر عنها أطلق الملك سراح بعض الطيور التي عادت اليه ثانية ،ثم أطلقها بعد ايام ، فإذا بها تعود و أرجلها ملوثة بالطين)

راجع؛

) Isaac Preston Cory (1832), Ancient Fragments of the Phoenician , p.26- 27 / Louis H. Feldman (1998), Studies in Josephus Rewritten Bible , Supplements to the Journal for the Study of Judaism 58, ISBN: 9789004108394, 27-29).

(11) يوسيفوس، ضد أبيون Against Apion ، الجزء الأول ، المقطع 130 ، أو الجزء الاول ، المقطع 19.

(12) افلاطون، القوانين Laws ، الكتاب الثالث ، المقطع 677 - 680.

(13) سائس Sais هي مدينة صا الحجر بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، اسمها في عهد الفراعنة "صاو" وحرفها الإغريق إلى "سايس Saïs" وتسمى في العصر الحديث صا الحجر، كانت عاصمة لمصر الفرعونية في عهد الأسرتين 26 و 27، راجع https://en.wikipedia.org/wiki/Sais,_Egypt

بينما يري البير ريفو هي مدينة السويس القديمة (البير ريفو ، الطيماوس و اكريتيس، ترجمة فؤاد جرجي بربارة (1968)، ص 182).

(14) الملك آمِزِس/ أمازيس Ahmose هو الملك احمس الثاني من السلالة 26.

(15) فورونيوس Phoroneus هو مؤسس مدينة أرجوس Argos و أول حكامها من البشر .

(16) طبقاً لباوسانياس Pausanias (القرن الثاني الميلادي) فقد عرف فورونيوس بلقب الرجل الأول دلالة على أنه الأول في سلالة النسب الخاصة بملوك مدينة أرجوس وهو أول من اسس مدينة أرجوس بوصفه أول حاكم بشري أول من أقام حضارة على أرض أرجوس. (نسرين أمير سيد ، المؤتمر الدولي السابع: الحياة اليومية في العصور القديمة فورونيوس أسطورة أرجوس وإنجازاته الحضارية في ضوء المصادر اليونانية واللاتينية، جامعة عين شمس - مركز الدراسات البردية و النقوش، العدد 3 ص 539).

(17) كانت خطيئة نيوبي Niobe الكبرى ادعاءها أنها - وهي الفانية- أعظم وأكثر خصباً من ليتو Lētṓ (إلهة الخصوبة) ، لقد أهانتها بشكل بالغ و سعت ايضاً من خلال فعلها الكلامي الى تدمير الفارق بين الآلهة و البشر، فتدخل أرتميس Artemis و أبولو Apollo الى المشهد لمعاقبتها على ادعائها ، وذلك من خلال سلبها أطفالها ، وظلت جثثهم غير مدفونة لتسعة أيام ثم دفنتهم الآلهة، وعادت نيوبي إلى وطنها وظلت تبكى حتى حولها إلى حجر حيث تبكي على خسارتها للأبد.

(18) يفسر لوكريتيوس Lucretius اسطورة فايثون Paethon على كونها اشعة الشمس في سياق انتصار النار على الماء كالتالي:

(بوابة الموت لم تُغلق في وجه السماء والشمس والارض والبحار ذات الامواج العالية بل إنها مفتوحة وتنظرها بفمها الوحشي الواسع ، حيث ينبغي الاقرار بأن هذه الاشياء لها ميلاد ، لأن الاشياء ذات الجسد الفاني ليس بإمكانها ان تصمد الى ما لا نهاية أمام القوة الهائلة للزمن من العصر السحيقة الى عصرنا الراهن، علاوة على ذلك ، فالعنصرين الكبيرين بالكون (النار والماء) يتناحران كثيراً فيما بينهما ، بعد وقوعهما في حرب آثمة ، ألا يمكنك رؤية أن نهاية ما يُمكنها ان تضع حداً لهذا الصراع الطويل ؟ قد تأتي هذه النهاية عندما تتفوق الشمس وحرارتها على الأنهار ، بعد تبخير جميع المياه ، ، بيد أنهما الى الآن لم ينجحا في محاولتهما ، فالمجاري المائية تمد بالكثير من المساء ولذلك فإنها تهدد بإغراق كل شيء من الخليج العميق للمحيط، ولكن تهديداتها تذهب سدى، حيث إن الريح العاتية تقلص من المسطحات المائية و شمس السماء تبخرها بأشعتها، والريح والشمس على يقين أن بإمكانهما تجفيف كل شيء قبل ان يتمكن الماء من ان يحقق أهدافه وهكذا فإن هذين العنصرين يُطيلان من أمد الحرب الهائلة بينهما ذات الصراع المتكافئ....على الرغم من أن الاسطورة تروى ان النار فيما مضى كانت لها الهيمنة على الارض ، فإن الماء ذات مرة انتصر وهيمن على السهول، لكن الغلبة كانت للنار إذا أحرقت والتهمت مناطق كثيرة من الارض، عندما قامت خيول الشمس بقوتها الثائرة والشاردة بجذب فايثون Paethon خارج مدار السماء كله فحلق فوق الأرض كلها، لكن الأب القدير وقد استشاط بغضب عارم، أسقط فايثون Paethon الطموح من فوق الجياد الى الارض وكان إله الشمس في مواجهته أثناء سقوطه، فأمسك الشمس مصباح العالم الخالد واعاد الجياد أدراجها بعد تفرقها وربطها وهي ترتعد، ثم سار بها في مدارها وامسك بزمام الامور ، تلك هي الرواية التي تغني بها الشعراء القدماء من الاغريق وهي بعيدة كل البعد عن الحقيقة والتفكير السديد، لأن النار يُمكن ان تكون لديها القدرة على الانتصار عندما يتجمع الكثير من ذرات مادة النار من اللانهائي ثم تقع الكارثة بعد ذلك، فإما أن تخبو قواها بطريقة او بأخرى او يحترق العالم بالعواصف الحارقة ثم يَفنى تماما) (لوكريتيوس ،في طبيعية الأشياء On the Nature of Things ، الكتاب الخامس ، القطعة 375- 405).

(19) افلاطون، الطيماوس / التيمئس Timaeus، المقطع.21 a- 25 d

(20) أفلاطون، اكرتيس Critias ، المقطع 112 a.

(21) Louis H. Feldman (1998), Studies in Josephus Rewritten Bible , Supplements to the Journal for the Study of Judaism 58, ISBN: 9789004108394, 27-29.

(22) العاديات ،الكتاب الاول ، المقطع 76 = Ant. 1.76.

(23) أبولودورس، المكتبة، الكتاب الاول، المقطع السابع، السطر 2.

(24) Ant. 1.77.

(25) Ant. 1.94-95.

(26) أبولودورس، المكتبة Bibliotheca ، ترجمة السير جيمس فريزر ، الكتاب الأول، المقطع 7، راجع كذلك Apollodorus, The Library. Translated by Sir James George Frazer (1921), Loeb Classical Library, Volume 121 . Cambridge, MA, Harvard University Press London, William Heinemann Ltd., P. 53.

(27) يعلق السير جيمس فريزر James George Frazer ان مُعلق الإلياذة لهوميروس (الكتاب الأول ، المقطع 126) استشهد بهذا المقطع كله من ، رواية أبولودورس لديوكاليون و بيرة ، مع بعض التغيرات الطفيفة جدا، والذي اشار لأبولودورس كمصدر له، انظر https://www.theoi.com/Text/Ap1b.html (حاشية 105).

(28) انظر كذلك (هسيودوس، دليل النساء Catalogues of Women ، المقطع 82).

(29) استشهد معلق الالياذة لهوميروس بهذا المقطع عن اطفال ديوكاليون (الكتاب الثالث عشر، المقطع 307) ، والذي اشار لأبولودورس كمصدر له (المرجع السابق، حاشية 109)، راجع https://www.theoi.com/Text/Ap1b.html وكذلك الجغرافي باوسانياس في عمله (وصف اليونان) قائلاً : إن (اول من حكم تلك الأرض كان إيثليوس Aethlius ابن زيوس و برتوجيـنيا Protogenia ابنه ديوكاليون، وانجب إيثليوس إنديميون Endymion) )باوسانياس، وصف اليونان، الكتاب الخامس، الجزء الاول، المقطع 3) https://www.theoi.com/Text/Pausanias5A.html

(30) لوقيان السميساطي ، الآلهة السورية، المقطع 12 – 13، The Syrian goddess being a translation of Lucian s De dea Syria, with a life of Lucian by Herbert A. Strong (1913), Edited with notes and an introd. by John Garstang.

(31) يذكر عالم الأثار جون غارستانغ John Garstang أن لوقيان يُطلق على ديوكاليون اسمه السوري أو سيسثروس Sisithrus أي أكسيسوثروس Xisuthrus. [Ibid, p.31] .

(32) يلاحظ جون غارستانغ John Garstang ان تلك النسخة من الطوفان بالرغم انها تذكر انه القصة اليونانية الا ان لديها القليل من التشابه من الاسطورة اليونانية بل من الواضح ان اصلها هو شرقياَ ، فهي تشترك في الكثير من العناصر مع الاساطير البابلية أي طوفان أكسيسوثروس Xisuthrus الذي سجله بيروسوس Berossus او طوفان أوتنابشتم Uta-Napishtim لملحمة جلجامش المحفوظة على ألواح من القرن السابع ق.م من مكتبة آشور بانيبال، وتظهر كذلك بصورة منفصلة على الواح ملك من السلالة البابلية الاولى و الذي يعود تاريخها الى حوالي 2100 ق.م ، وكذلك مع اسطورة نوح الكتابية لسفر التكوين. فالاختلاف الرئيسي عن الاسطورة اليونانية هي ان من أنقذ فقط كان ديوكاليون و بيرة ، و تمت اعديت البشرية بطريقة اعجازية، بناءاً على نصيحة زيوس او كما يروي أوفيديوس Ovidius (أوفيد) انه بناءاً على رؤيا من الآلهة ثيميس Themis بدلاً من زيوس (انظر اعلاه رواية أوفيد)، بالإضافة الى ذكر لوقيان لدخول الحيوانات ازواجاً هو ما نجده في النص البابلي: "وحملت كل ما عندي من مخلوقات حية واصعدت على ظهر السفينة عائلتي و أقاربي واصعدت على ظهرها حيوان الحقل وحيوان الببر المتوحش [ملحمة جلجامش، سطر83- 85] [Ibid, p.51, n.22].

(33) هسيودوس ، دليل النساء Catalogues of Women ، المقطع 1.

(34) هسيودوس ، دليل النساء Catalogues of Women ، المقطع 82.

(35) راجع (انساب الآلهة. ، المقطع 176 – 85).

(36) أسترايا Asteria هي بنت زيوس و ثيميس ، وكانت قد عاشت في الارض بين البشر طوال العصر الذهبي ، وهي ربة العدل الخالدة ، وقد تغني بها الشاعر فرجيليوس Vergilius في اناشيد الرعاة الأنشودة الرابعة، و يحكي انها آخر من هجر الارض حين تفشي الشر بين الناس و انها كانت تعيش على الارض وكانت تختلط مع الرجال ذو العرق الذهبي الذين اطلقوا عليها العدالة ، وكانت تجمع شيوخ الشعب معاً في السوق او في الشوارع و تحثهم لكي يكونوا أكثر لطفاً و اكثر عدلاً ، لكي لا يكون هناك نزاع ، او كراهية او صراع ، ولكن مع العرق الفضي كانت العدالة اقل اختلاطاً بهم ، ولكنها كانت تشتاق ان تفعل معهم مثل ما فعلته مع العرق الذهبي ، ولذلك كانت تذهب بمفردها في الظهر من التلال لكي توبخهم بسبب شرهم ثم ترجع مرة اخري ، ثم ماتوا و خلفهم العرق البرونزي، ولكن العرق الذهبي ابغض العرق البرونزي بسبب صناعتهم للخناجر وقطع الطرق وأكل للحم الموهوب للسماوات ، لكنها بالرغم من هذا كانت تظهر لهم في الليل لتذكريهم بخطيتهم ولكنها بغضتهم لذا طارت إلي السماء و اتخذت مكاناً حيث يمكن النظر إليه في الليل ويراه الرجال بالقرب من Bootes كوكبة العواء، راجع James L. Kugel (1990), Poetry and Prophecy: The Beginnings of a Literary Tradition ,p 66.

(37) المقصود من الأم هنا هي "جايا /غايا " الأم الارض، أي يأخذوا حجارة من الارض.

(38) أوفيد، مسخ الكائنات Metamorphoses، ترجمة د. ثروت عكاشة، راجعه على الأصل اللاتيني د. مجدي وهبة ، الهيئة المصرية للكتاب 1992 ،الكتاب الاول، المقطع 143- 437.

(39) ارسطو، الآثار العلوية Meteorology، الكتاب الاول، الجزء 14.

(40) بلوتارخ Plutarch، الأخلاق Moralia، فصل على ذكاء الحيوانات de sollertia animalium، المقطع f 968 = القطعة 12.

(41) بلوتارخ Plutarch، السير، حياة بيروس Pyrrhus، المقطع الاول.

(42) باوسانياس ، وصف اليونان De-script-ion of Greece ، انظر Pausanias. De-script-ion of Greece. Translated by Jones, W. H. S. and Omerod, H. A. Loeb Classical Library Volumes. Cambridge, MA, Harvard University Press London, William Heinemann Ltd. 1918.

(43) فيلو، المكافآت و العقوبات On Rewards and Punishments. ، المقطع IV ، VII، VIII

(44) يوستينوس، الدفاع الثاني، الفصل السابع.

(45) ثيؤفيلوس الأنطاكي ، الى أوتوليكوم Ad Autolycum ، الكتاب الثالث ، المقطع 18 ، 19.

(46) ثيودور الصقلي، خزانة التاريخ /مكتبة التاريخ Bibliotheca Historica، الكتاب الاول، المقطع 10، نقله من اليونانية وهيب كامل (2013)، تحت عنوان "ديودور الصقلي في مصر" ، دار المعارف، 31-32.

(47) تعتمد المعاجم على أن معنى )יפת) هو (يفتح أويوسع) كقوله (يَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ יַ֤פְתְּ אֱלֹהִים֙ לְיֶ֔פֶת فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ) (تك 9: 27)، ولكن في الواقع فإن المعنى الأدق هو (ينزل)، فيوسع هو (רחב) وليس يفتح (יפתח) فالعدد يجب أن يُترجم إلى (يجعل الله نزول ليافت/ للغروب في مساكن سام)، فسام يرتبط بشروق الشمس كما شرحنا، وهذا يعني إن مساكنه قبل الخروج الشروق تقع في الجهة السفلى (في الظلمة) وهو مسكن (الغروب والنزول) أي مسكن يافت، ولذا تدعى (كِسر الخُبز) بـ (פת) فهي (بواقي الخبز أو نوازل الخبز) بل حتى إننا نجد اللفظ العربي المشهور يُدعى (كِسر الخبز) فالِكسر هي الشىء المسكور والنازل من الشىء الكامل، ولذا استخدم فعل (פתה) بعنى (نزل أو غرب) وليس (فتن أو غوي) كما هو مَشهور ومستخدم في الترجمات العربية، فالفعل هو (פתה وليس פתן)، لذا يجب أن تتُرجم أعداد مثل (وَإِذا رَاوَدَ יְפַתֶּ֣ה رَجُلٌ عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ) (خر 22: 16) إلى (وإذ نزل رجل بعذراء لم تُخطب) وهكذا مِا على شاكلته وأمثاله.

(48) Unger, Richard W. The Ship in Medieval Economy 600-1600 Croom Helm, London. 1980, p. 102-4.

(49) بردية كتاب الموتي Anhay، الأسرة 20، https://www.britishmuseum.org/collection/object/Y_EA10472-7 .



#ابرام_لويس_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختصر المفيد في أسطورة نوح وأولاده، والأصل الأسطوري لقصته
- التحقيق النصي لإعتماد رسالة بطرس على رسالة يهوذا والجحيم الي ...
- سيلسوس وأخنوخ مع التحقيق النصي لإعتماد رسالة يهوذا على سفر أ ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثال ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثان ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الحاد ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء العاش ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء التاس ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثام ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الساب ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الخام ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الخام ...
- الرؤية الأصلية لخلق العالم وآدم وحواء وشجرة الحياة وشجرة معر ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الراب ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثال ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثان ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الأول ...
- علاقة الترجمة اليونانية (السبعينيَّة) بالملك بطليموس الثاني ...
- تفسير مقطع (الفاصلة اليوحناوية) بدون إضافة الفاصلة (رسالة يو ...
- إثبات أصالة الفاصلة اليوحناوية من خلال (الدليل الداخلي)


المزيد.....




- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابرام لويس حنا - المَصادر القديمة اليونانية لإسطورة الطوفان مع مُقارنتها بالملحمة التوراتية والأكادية، مع رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الرابع عشر) –الطوفان–