أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابرام لويس حنا - رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثالث) – مُعاناة الإله وفكرة العناية الإلهية –















المزيد.....

رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثالث) – مُعاناة الإله وفكرة العناية الإلهية –


ابرام لويس حنا

الحوار المتمدن-العدد: 7910 - 2024 / 3 / 8 - 11:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يَورد أوريجانوس إعتراض سيلسوس على خلق العالم في (أيام) بقوله (إن الشيء الأكثر غباء εύηθέστερον هو خلق العالم في عدة أيام، فالسماء لم تكن قد صنعت بعد وكذلك الأرض و لم توجد شمس لتدور حولها، فكيف توجد اذا أيام ؟) (1).

كما ذكر كاتب كتاب (أسئلة مع أجوبتها للمستقيمن) وهو عَمل مزيف منسوب ليوستينوس الشهيد pseudo Justin قد كتبه شخص وثني أو مسيحي مَجهول (بأنه مِن غير المعقول أن تتواجد الأيام قبل أن تتواجد النجوم (2)

يشبه نقد سيلسوس لخلق العالم في ستة أيام بالجدل الأبيقوري الذي سجله لنا شيشرون في كتابه (طبيعة الآلهة De Natura Deorum) والذي أنصح بقراءته بشدة، والذي فيه يجادل جايوس فيليوس Gaius Velleius (الناطق بلسان المدرسة الأبيقورية) كوينتوس لوسيليوس بالبوس Quintus Lucilius Balbus (الناطق بلسان المدرسة الرواقية) بينما يتحدث غايوس كوتا Gaius Cotta ( الناطق نيابة عن الفلسفة الشكوكيّة الأكاديميّة لشيشرون).

حيث أعترض جايوس فيليوس على فكرة العناية الإلهية وخمول أو سكون الآلهة، فالكون إن أعتبر مَخلوقاً بعد فترة أو وقت مُعين من الزمن، فهذا يعني أن الله كان (خاملاً، ساكناً)، فهل كان خاملاً لكي (يتجنب التعب؟!) وهل ينال التعب والخمول من الذات الإلهية؟ وهو المفترض أن يكن (المُنزة مِن كل شعور وتعب؟!) على عكس سفر التكوين الذي يجعل الذات الإلهية ينال منها التعب أو الخمول والتوقف عن العمل كقوله (وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ، فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ) (تك 2: 2) ألعل لهذا السبب قال المسيح لليهود (أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ) (يو 5: 17)!، فكيف يتعب الله من الأساس إن كانت كل تلك الأشياء خاضعة له ولإرادته ؟! وكيف يُمكن القول بإن الله يعتني بنا إن كان من غير المفترض بأن يشعر بأي شىء من عالمنا سواء أكان (ندم أو فرح أو إعتناء أو غضب)، ولأنه من غير المُمكن أن تتأثر الآلهة بشىء، ولأن العناية تتطلب الإهتمام والاهتمام مصدره الهم، والهم هو أثر وتغيير في الذات، وهو ما لا يُمكن حدوثه لأن الذات الإلهية غير مُتغيرة وعلى هذا فإنه لا يوجد إعتناء أو عناية إلهية حقًا، وهو ما نجد له صدى في قوله (وإستراح الله بعد إتمام عمله) كأنما دخل في حالة من الجمود وعدم الفعالية أو عدم الخلق مَرة أخرى مُكتفيًا بالمُلاحظة و إرساء قواعد و العقاب والثواب !!، وفي الكلمات التي سنقرها لجايوس فيليوس الأبيقوري التي ألقاها على بالبوس الرواقي نجد تضمينه مُلاحظته على إرتباط الأيام بحركة السماء والأرض، فكيف إذا تقول الرواية التوراتية بخلق الكون في (ستة أيام) والشمس خُلقت في اليوم الرابع كقوله (وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ، وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ، فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلِتَحْكُمَ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا ) (تك 1: 14- 19) ونُلاحظ إشارته كذلك إلى أزلية الكون لأنه إن كان الله قادراً على مَعرفة المُستقبل مُتميزاً بالإرداة الحرة و الدوام والتنزيه عن كل شعور وألم، وغير نائم أو خامل، فمن المفترض أن يكن العالم قد وجد، إذا هو يُدري بإنه سَيوجد حتماً (بعلمه المٌسبق) و لانه (غير خامل) و مُنزة (عن التعب) و كل شىء (خاضع له ولأمره) فبالتالي إن وجود الكون مُرتبط بالأزل حتى وإن كان الكون مَخلوقاً، فقال:

(أتسال لماذا ظهرت تلك القوى فجأة كبناة للعالم، هل كانت الآلهة نائمة لدهور لا تحصر ولا تعد، لا أقصد تلك الأزمنة المُرتبطة بالعالم، التي تتكون من أيام وليالي والناتجة عن الدورة السنوية، لأني أدري أن الأزمنة لا يمكن أن تتواجد بهذا المعنى بدون الحركة الدائرة للسماء، ولكني اقصد الأزل الذي لا يمكن قياسه بالفترات الزمنية و الذي يرجع قديماً لأبعد نقطة في المالانهاية، ولهذا أسألك يا بالبوس Balbus لماذا العناية الإلهية (برونويا πρόνοια Pronoia) (3) امتنعت لفترة غير محدودة من العمل، هل لكي تتجنب التعب؟ إن الإله لا يمكن أن يتعب ولم يكن من الأصل هناك تعب لان كل العناصر سواء أكان هواء السماء أو الأجسام النارية أي المكونة من النار، و الأراضي والبحار فهي خاضعة لإرادته الإلهية) (4).

في حِين كان رد بالبوس Balbus عليه بأن العناية الإلهية هي عناية الكون والطبيعة وهي (العقل ، الذكاء ، التصميم، البصيرة) (5)، فالكون من البداية حكيماً و إلهياً (6)، فالذي يحتضن الأشياء العاقلة الأدنى منه يجب أن يكون إلهياً وعاقلاً وهو الكون (7)، قائلاً :

(إن الكثير من الكائنات الإلهية ليست خاملة عن العمل و هي تفعل ما تريده بدون تعب مجهود مُتعب أو شاق لأنها لا تتكون من عروق أو أعصاب أو عظام، فأجسامهم ليست من ذاك النوع الذي يجعلها ترتعب من السقوط أو الضرب أو الخشية من المرض وغيرها من الاحتمالات لنقول بأن الآلهة لا تفعل شيئاً، ففي الحقيقة إن الأمر ليس كذلك، فالآلهة وهبت اقصى دجات الجمال ومسكنها هو في أنقي مناطق السماء و يبدو من تحركاتها و مسارها بأنهم قد اجتمعوا معاً للحفاظ و لحماية كل شيء) (8).


المراجع والحاشيات:
===========
(1) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب السادس، الفصل 60.
(2) أسئلة مع أجوبتها للمستقيمين Quaestiones et responsiones ad orthodoxos، السؤال الثالث و الستون.
(3) اشتق لفظ العناية الإلهية أو التدبير الإلهي providence من الكلمة اللاتينية providentia التي ترجمها شيشرون و سينيكا إلى برونويا προνοια،
لخص إدوارد أرنولد Edward Arnold العناية الإلهية الرواقية قائلاً:
(من ضمن المبادئ الأساسية للرواقين مبدأ أن الكون تحكمه العناية الإلهية، و يؤكد شيشرون على أن كلمة ‘العناية’ هي مجرد اختصار لمصطلح ‘العناية الإلهية’، و أن الرواقية تؤكد على أن ‘الكون تحكمه بصيره إلهية’) فالعناية الإلهية مركزية للرواقية فبدونها تفقد النظرية الأخلاقية والسيكُولُوجِيّة الرواقية الكثير من تماسكها وممارستها العلاجية، ولهذا فإن ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius الفيلسوف الرواقي كتب: (إن استياءنا من ظروف حياتنا هو نتيجة لإنكارنا العناية الإلهية) (ماركوس أوريليوس، التأملات Meditations ،الكتاب الرابع، المقطع 3)، ويصرح كذلك إبكتيتوس Epictetus الفيلسوف الرواقي: (إن أول شيء يجب تعلمه كما ينصح عليه الفلاسفة هو إن هناك إلهاً وانه إله يمارس العناية الإلهية للكون) (إبكتيتوس ، الخطابات Discourses ،الكتاب الثاني ، الفصل 14)، فالحياة غالباً ما تكون صعبة فنحن لا نتحكم في الظروف التي نواجها ومع ذلك فإننا نتحكم في أفكارنا حول تلك الظروف، يمكن للتجارب أن تجعلنا نشعر بالمرارة أو يمكنها أن تجعلنا أفضل، فالعناية الإلهية مثل المدرب الذي يعدنا لمواجهة مصاعب ومشقات الحياة ، فمثلاً طبيعة هرقل Hercules الحقيقة لم تكن معروفة بدون التحديات التي واجها، فالتجارب كشفت عظمته والا لكان سينام و سيعيش في الرفاهية (إبكتيتوس، الخطابات Discourses ،الكتاب الأول ، الفصل 6) و هكذا فإن تجاربنا تشكلنا وتكشف لنا تميز شخصيتنا الحقيقي ،هذا إن قمنا بالتركيز على ما هو بأيدينا و تركنا لما ليس لنا قدرة عليه ووثقنا بأنه متروك للعناية الإلهية )إبكتيتوس ، الخطابات Discourses ،الكتاب الأول ، الفصل 1(، فكما وصفه إبكتيتوس بالكلمات الآتية: (الصعوبات هي التي تكشف ما يمكن أن يصل إليه الإنسان و عندما تُصدمك صعوبات، تخيل أن الله مُدرباً يُدربك في صالة الألعاب الرياضية و يجبرك على مواجهة خصماً شاباً قوياً، وإن كنت تتسأل عن غرضه ؟، فالجواب: لكي تكون فائز أولمبي، وهو ما لا يمكن أن تحققه بدون عرق) راجع (إبكتيتوس ، الخطابات Discourses ،الكتاب الأول ، الفصل 24).
(4) شيشرون، طبيعية الآلهة ، الكتاب الأول ، الفصل التاسع.
(5) شيشرون، طبيعية الآلهة، الكتاب الثاني، الفصل الثالث والعشرون.
(6) شيشرون، طبيعية الآلهة ، الكتاب الثاني ، الفصل الثالث عشر.
(7) شيشرون، طبيعية الآلهة ، الكتاب الثاني ، الفصل الحادي عشر.
(8) شيشرون، طبيعية الآلهة ، الكتاب الثاني ، الفصل الثالث والعشرون.



#ابرام_لويس_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثان ...
- رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الأول ...
- علاقة الترجمة اليونانية (السبعينيَّة) بالملك بطليموس الثاني ...
- تفسير مقطع (الفاصلة اليوحناوية) بدون إضافة الفاصلة (رسالة يو ...
- إثبات أصالة الفاصلة اليوحناوية من خلال (الدليل الداخلي)
- معضلة إقامة بني إسرائيل في مصر (400 أم 430) والرد على التَبر ...
- علاقة الترجمة اليونانية (السبعينيَّة) بالملك بطليموس الثاني ...
- تحليل رواية سوتونيوس و ديو كاسيوس عن الحركة المسيحية
- فحص شهادة تاسيتوس عن حركة المسيحيين والمسيح، والتحول مِن الم ...
- تحليل شهادة بلينوس الصغير (عام 111 م) عن المسيحيين
- إنجيل بَطرس بين (المسيحية الظَهْوِرِية والجسدية) مع وصف الكن ...
- تطورالسامية العربية والعبرية من المصرية القديمة، (آمين، أمن) ...
- تطور اللغة العربية؛ تصحيح قراءة الإله المصري (الوطيد) بدلاً ...
- الأصل الأسطوري لقصة قايين وهابيل
- التصور الأصلي لخلق الإنسان (آدم وحواء) وقصة سقوطهما
- من هُو المسِيح ؟! (خُلَاصَة رِحْلَة بَحْث)
- كيف وُجد الكون مِن لا شيء
- استخدام أسطورة الغدر اليونانية على الأنجيل - يهوذا و تاربيا ...
- إلوهيم، يَهْوَه، شجرة معرفة الخير والشر، شجرة الحياة (إعادة ...
- دائرية الأرض في الفكر اليهودي (الأرض المسطحة)


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابرام لويس حنا - رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثالث) – مُعاناة الإله وفكرة العناية الإلهية –