أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزي حامد الهيتي - الدرويش وحكاياته عن المشهد الثقافي العراقي المعاصر















المزيد.....

الدرويش وحكاياته عن المشهد الثقافي العراقي المعاصر


فوزي حامد الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 7928 - 2024 / 3 / 26 - 19:32
المحور: الادب والفن
    


لكل كاتب مهاراته والتفاتاته الذكية فضلا عن ما اكتسبه من خبرة طويلة تجعل لنتاجه السردي خصوصية يتفرد بها عن غيره من نتاجات تناولت الموضوع ذاته. هذا ما نتلمسه بكتاب ( حكاية الدرويش والحلاج ) للدكتور طه جزاع . فالكتاب لم يكن فقط سرداً للسيرة الذاتية للعلامة كامل مصطفى الشيبي، بل توثيقاً للمشهد الثقافي العراقي والفلسفي بخاصة لمدة قرن كامل، شاهده أستاذ كبير شارك فيه وكان شاهدا عليه وروى الجزاع الحكاية عن لسانه. ونجح الجزاع بخبرته الصحفية أيضاً أن يرصد ويوثق زوايا دقيقة شخصية وخاصة عن الدرويش الحاكي كامل مصطفى الشيبي .. مزاجه .. جرأته واقدامه على تخطي الصعاب .. ميله الصوفي .. طقوسه في التأليف والتحقيق .. وعاداته في الكتابة، فضلا عن توثيقه للنتاج العلمي الكبير وبيان ظروف وأجواء كل عمل علمي قام به الشيبي الدرويش. والكتاب فضلا عن كل ذلك أعاد نشر مقابلات صحفية نُشرت في صحف ومجلات، فضلا عن مقاطع مطولة لمقالات هي أقرب لأوراق بحثية من كونها مقالة صحفية فكان هذا الجهد لوحده يعد عملا توثيقياً للعلامة الشيبي، تغني وتفيد من يرغب في الكتابة عن الشيبي باحثاً مدققاً محققاً ومتصوفاً له آراء وأطروحات في هذا المجال الفلسفي، وندعو في الوقت ذاته، وزارة الثقافة على جمع وإعادة تحرير ونشر البحوث العلمية المنشورة في مجلات علمية عديدة، فضلا عن مقالاته الصحفية وهي كما قلت أوراق بحثية تفوق الكتب والبحوث العلمية أهمية، نشر منها ما يناهز المئة مقالة طويلة فقط في جريدة العراق، كذلك جمع مقابلاته الصحفية، وكل ما تركه الشيبي وراءه من أوراق وقصاصات. فهي كنز معرفي خلّفَهُ عالم جليل لا يمكن تعويضه بسهولة.
في الكتاب نتعرف على الحلاج وسيرته وآرائه وعن التصوف مفهوماً وشخصيات وحركة فكرية في بغداد منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وما بعده من قرون طوال، فالتصوف هو ( لب الأديان ومنطلقها ومنه – الأديان – تفرعت واستبانت موضوعاته من تشريع وأخلاق ومناهج. ص 58 ) كما يحده درويشنا الشيبي. فالأصل في التدين هو التوجه إلى الله سبحانه ( بالنية الصادقة والاخلاص الحقيقي ولا عبرة بالشكل والقالب والتفصيلات. ص: 58 ) فالدين واحد عند الله والتشريعات مختلفة بحسب الملل. ويهذا المعنى يصدح الحلاج بقوله :
تَفَكَّرتُ في الأَديانِ جِدّ مُحَقّق فَأَلفَيتُها أَصلاً لَهُ شَعبٌ جَمّا
فَلا تَطلُبَن لِلمَرءِ ديناً فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ الأَصلِ الوَثيقِ وَإِنَّما
يُطالِبُهُ أَصلٌ يُعَبِّرُ عِندَهُ جَميعَ المَعالي وَالمَعاني فَيَفهَما
وقريباً من هذا المعنى لمفهوم الدين يذهب الشيخ محي الدين ابن عربي. يقول :
لقد كنت قبل اليوم أنكِرُ صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دانِ
لقد صار قلبي قابلا كلَّ صورة فمرعى لغزلانٍ ودير لرهبانِ
وبيت لأوثان وكعبــة طائف وألواح توراة ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني

ويوسع درويشنا الشيبي في عرض رؤياه وقراءته لمفهوم الدين الصوفي هذا وينقب لنا عن أصوله في ثقافتنا العربية الإسلامية وما قبل الإسلام. فالصوفي هو إنسان نذر روحه لنشر رسالة السماء بين البشر متخذاً من سلوك سيدنا اسماعيل عليه السلام وربيطُ البيتِ الغوث بن مر اليماني فضلا عن سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه الذين تفقهوا في علوم الدين وتمسكوا سلوكياً بأوامره ونواهيه وأخلصوا العبادة لرب العالمين بحبهم لخلقه والتفاني في خدمتهم وهدايتهم على الطريق القويم، ... اتخذوا من كل هذه المرجعيات هادياً ومرشداً لهم في فكرهم وسلوكهم.
ونتعرف في الكتاب أيضاً على مذاهب التصوف الإسلامي واتجاهاته وليس فقط بالحلاج .. الشخصية التي نالت اهتمام الشيبي بحثاً ودراسة وتحقيقاً لسيرته ونتاجه الفكري، بل شخصيات أخرى، منها الشخصية الصوفية المجهولة عند أغلب دارسي التصوف محمد الخواص بن جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخلدي البغدادي – 253 – 345 هج ) المعاصر للحلاج ( 244- 305 هج ) أحد مؤسسي الإتجاه الصوفي في المدرسة البغدادية والمدونيين لتاريخه. فضلا عن شخصيات صوفية معروفة مثل الجنيد البغدادي وعبد القادر الجيلاني الذي حاول الشيبي أن ينفض عن سيرته كل الأوهام والخرافات التي سطرها محبيه حول شخصه في دراسة مهمة قدمت في بحث عنه في مؤتمر عقد بالجزائر1987، أملاً بتعريف الناس بهذه الشخصية المهمة ليستمر دورها الإصلاحي المتجدد، فالكيلاني وفق الشيبي كان مهموما بالوحدة الدينية للمجتمع الإسلامي وكان رائداً في قيادة الناس نحو الحب والتآخي وترك التعصب في المذهب ومارس ضغطاً على سلاطين عصره للقيام بواجباتهم أزاء الرعية. لا شك أن انتشال الصورة الناصعة الحقيقية للشيخ عبد القادر الكيلاني يعد عملا مضنياً صعباً لما كان لهذه الشخصية وما زال من تأثير وأتباع حاكوا حوله روايات وحكايات شوهت سيرته وأبعدتها عن المعقول. ووقف الدرويش الشيبي في حكاياته طويلا عند شيخ الإشراق شهاب الدين ابو الفتوح السهروردي المقتول ( 549 – 585 هج )، صاحب المدرسة العرفاني التي عارض فيها المدرسة المشائية العربية التي سادت بعد الفارابي. وأهم ما توقف عنده الشيبي في حكايته عن شيخ الإشراق السهروردي كشفه عن ملابسات وأسباب قتله فهو مثل الحلاج كان ضحية للصراعات السياسية في عصره، وما أبعد سيرة ومشاغل هؤلاء الشيوخ عن السياسة وألاعيبها وأساليبها القذرة.

أما المشهد الثقافي العراقي المعاصر فكانت ثمرات حكاية درويشنا عنه غنية وجديدة في تفصيلاتها.
منها وقوفه عند المشهد الفلسفي خارج أسوار الأكاديمية معرفاً بشخصيات مهمة مبرزاً نتاجاتها العلمية مبتدءا بالوقوف عند غنى الإرث الفكري للمجتمع العراقي التي أسهمت قديماً ببروز أهم المدارس الفكرية في العصور الوسطى .. في البصرة وفي الكوفة قبل أن تصبح بغداد لاحقاً موطن العلم وقبلة العللماء لقرون طويلة .. جمعت داخل سورها إرث المدينيتن فضلا عن مراكز العلم القديمة من الأسكندرية ونصيبين الى الرها وجندسابور وكل العلم البابلي والحراني فضلا عن الهندي واليوناني .. هذا الغنى والتوع في الأصول الثقافية خلق من العراق فضاء خاصة لا يشبهه أي فضاء آخرى أجاد وصفه ابن حديد المعتزلي حين قال( وطينة أهل العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء وأصحاب النحل العجيبة والمذاهب البديعة ، وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر وبحث عن الأدلة والعقائد ) .. بلد بهذه المواصفات يبقى ولاداً بالرغم من قرون القحط والجدب العثمانية قد أزهرت رياح الفكر فيه عند أول قطرات الحرية والإستقلال مثل الرصافي الذي أنتج كتابه الخطير ( الشخصية المحمدية سنة 1933 ) والزهاوي الذي أثار في كتاباته روح النقد الإعتزالي. ويسرد لنا الشيبي المشهد الفلسفي خارج أسوار الأكاديمية ليكشف لنا عن نتاج غني وغزير مغيب عنا تماماً منها كتابات الشيخ محمد رضا الزنجاني النقدية للفكر الغربي الحديث مثل مراجعاته لفتجنشاين شيخ الوضعية المنطقية الجديدة وتعريفه بالنظرية النسبية لأنشاين. كذلك الشيخ محمد رضا المظفر العالم والمنطقي صاحب الإسلوب السلس والعبارة المشرقة. ويوقف الشيبي طويلاً عن لحظة تأسيس قسم الفلسفة سنة 1949 ذكر أهم أساتذته وأسماء الدورات الأولى فيه ومنهم مدني صالح وحسام الآلوسي فضلاً عن أسماء أخرى درست الفلسفة في هذه المدة خارج قسم الفلسفة والتحقت فيه لآحقاً لتقدم خدماتها العلمية وقدم سرداً لأبرز الكتب الفلسفية التي صدرت في تلك المرحلة كما قدم سرداً تاريخيا لتطور القسم وماشهده من معوقات خلال مسيرته حتى استقر به الحال خلال ثمانيان القرن الماضي حين ضم من الأساتذة الكبار المتخرجين من أرقى الجامعات العالمية فكان بذلك نواة مهمة لظهور أقسام فلسفية أخرى في الجامعات العراقية الأخرى. التعريف الذي يقدمة درويشنا عن الدرس الفلسفي في العراق المعاصر ويحسن عرضه محاوره الدكتور طه جزاع غني ً وفيه معلوات مهمة لمن يهتم بتدوين تاريخ نشأة الدرس الفلسفي في العراق المعاصر.



#فوزي_حامد_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم المواطنة وتحديات العصر - الجزء الثاني
- المواطنة وتحديات العصر- القسم الأول
- التعليم وما أدراك
- ابن رشد واشكالية المعقول والمنقول
- مدني صالح .. في جدوى الفلسفة
- ابن خلدون في عيون وردية
- الرابح في الانتخابات
- ثابت شعبان والفعل الاصلاحي التنويري
- لو اسمعت حيا يارفاعي
- السجناء السياسيين ومؤسستهم العتيدة
- ماركس ضد الماركسية
- نحو بناء مجتمع مدني مفتوح
- هل هناك حل لازمة العنف الطائفي في العراق
- الصراع الحضاري والحلم الفلسفي : قراءة اولية في فلسفة مدني صا ...
- الوداع الاخير لمدني صالح ... الانسان الفيلسوف


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزي حامد الهيتي - الدرويش وحكاياته عن المشهد الثقافي العراقي المعاصر