أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - الندم الثاني















المزيد.....

الندم الثاني


سميرة الوردي

الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


خروج حواء من الجنة
( حب وشوق يُفجر الصخر يملأ الكون بهاء ، كلما أسير في شوارع غربتي تتراءى وجوهكم أمامي حتى فقدتُ قدرتي على البقاء ) .
كانت هذه مقدمة رسالته الأولى لها ، كلما قرأتها يعاودها شعور الندم ، إفترشت حديقة الدار الصغيرة متأملة رسائله القديمه ، تعيد قراءتها بلهفة كأنها عاشقة لتوها ، تمسك بيدها زهرة تُداعبها كشهرزاد ألف ليلة وليلة تجوس معابد مدنها القديمة تقطع وريقاتها تستطلع مكانتها في قلبه لتستقر آخر ورقة متساقطة على أعقاب كلمة يحبني ، لم يكن ما حققاه في حياتهما هينا ، لم تتعب في حياتهاكثيرا ، منذ خطبته لها تمكن من توفير ماتحلم به وأكثر تركت دراستها لضيق ذات اليد ، أقنعها بضرورة التعليم أعادها إليها بعد أن وفر لها ظروفا تساعدها على إكمالها ، بنى لها دارا كبيرة ، إلا أنه نزولا لرغبتها حول حديقتها الواسعة الى مجموعة شقق يستفيدون من إيجاراتها ، سارت حياتهما رخية ، رزقا بأولاد ، لم تسع للعمل ، أغناها عن الركض وراء الوظيفة ، وبالرغم من قيام الحربين في البلاد وتأثيرها الحاد في شريحة واسعة من المجتمع لم تؤثر عليهما كثيرا أو مباشرة ، استطاعوا توفير أشياء كثيرة عجز الآخرون عنها ، ولكن هذا اليسر الذي ميزها عن غيرهالم يعد يرضيها ، الخوف من المستقبل أدارها في طاحونته كما لف الكثيرات غيرها ، أصبح السعي والبحث عن رزق خارج البلاد هدف الكثيرين ، فرق العملة يوفر لها ماتحلم به من ثروة ، أجبرت زوجها على السفر ، نزولا لرغبتها شد الرحال على غير هدى ، كم تمنى وهو يودعها لو تتراجع عن رغبتها ، الحاجة لتواجده معهم أقوى عنده من رغبة السفر فهو لم يعد شابا وكل عمر له متطلباته ، فاصابته بضغط الدم المرتفع يشعره بالخوف من السفر والفراق ، لم تدع لعواطفها أو عواطفه حرية التعبير ، رحل عنها ولم تطفر من عينيها حتى دمعة شوق وحنين ، من حسن حظه في المرة السابقة عثوره على عمل في بلد آخر ، بقي فيه ثلاث سنوات ، وها هي رحلته الثانية التي أجبر عليها ،لم يرغب في العودة الى ذلك البلد ، اخذ يشكو لكل من أصدقائه عن عدم إرتياحه لسفره وخوفه أن تكون جهوده غير مجدية كالمرة السابقة ، لكنها ضغطت عليه لم تترك له مجالا للرفض ، هو أيضا يعتقد بقرارة أعماقه ان في رأيها شيئ من الصواب ، أعتاد أن ينفذ لها رغباتها ، سارت به الحافلة ، قطعت الاف الكيلومترات تاركا قلبه وراءه ، لماذا لم يصر في رفضه السفر ولم يضعف لرغبتها ، لو كانت تحبه صدقا أكانت ستضغط عليه كما فعلت ! لم يشك يوما في نواياها ،لم يطرأ في ذهنه أنها قد تحب غيره أوقد تخونه ، أحس بشيء من الغباء ، لماذا لم يطرأ هذا الموضوع على خاطره ، أبعد الفكرة لم تعد شابة صغيره ولكنها أمراة وفيها لم يكمل عبارته أستغفر ربه ، ضغط نفسي كالكابوس تناول حبة من دوائه ، لم يعد صغيرا تجاوز الخمسين ، ألم تفكر أنه قد يصيبه مكروه وهو في غربته ! كبت دموعه ، كيف سيتصرف أبناؤه وهو بعيد عنهم ، هل سيعود أبنه البكر الى سلوكه غير المرضي أم سيلتزم بما عاهده به ، إشتياق لابنته الصغرى ، رغبة ملحة أن يكون جنبها يرفعها عن ( الكنبة ) عندما تغفو أمام التلفاز ، كم من مرة منع امها واخوتها من إيقاضها ليحملها الى فراشها بالرغم من آلام ظهره ، ما أن تشعر بدفئ يديه حتى تقبله عائدة لغفوتها ، من سيحل لهم معضلاتهم الدراسيه ، اتُدخل الغرباء لداره بعد غيبته ، استغفر ربه ثانية وحَمّلَ نفسه مسؤولية ما يحصل له ، من مقعده نظر الى الجالسين في الحافلة ، نفض عنه حواراته والتفتَ الى جليسه مازال شابا فتيا بالرغم من الشعيرات البيضاء الظاهرة على فوديه ، سأله دون سابق معرفة
ـ: متزوج ؟
ـ لا.
ـ أحسن .
حسده في سره ، فهو خلي البال من هوس النساء ، الأم الأخت لسن بقسوة الزوجه ولا لهن متطلباتها . لم يكتف من محدثه بهذا الحد بل عاود أسئلته
ـ: مالذي أجبرك على السفر ؟ كان سؤاله غبيا فعلا ، نظر جليسه اليه مليا ، مستغربا سؤاله
ـ : كأنك بعيد عما يحصل من أحداث وأزمات سياسية واقتصادية في البلد . ارتبك قليلا ، وبدلا من ترك صاحبه لحاله ، واصل طرح أسئلته سأله عن مهنته ، أجابه الرجل أنه صاحب أعمال حره لأنه كان موظفا في احد المصارف وتقاعد لعدم كفاية الراتب ، تشعب الحديث بينهما ، قضيا الطريق يبثان همومهما ، وصلا الى البلدة التالية التي هي مراد الشاب تبادلا العناوين وتوادعا ، انطلق ثانية في حافلة اخرى على طريق وعرة تنقله الى مبتغاه .
وحيدا تهاجمه الشكوك والوساوس يتذكر أشياء لم يعر لها أهتماما في السابق ،لم ُتبد غيرتها عليه حين حدثها عن فتاة شابة وامها تَعّرف عليهن في رحلته الأولى ، قَدّم مساعدات لهن واصبح على اتصال بهن ، نظرت اليه بلا مبالاة مواصلة حديثها عن فرق العمله وما تستطيع جمعه خلال رحلته هذه وتعويضها لما كسبه وخسره من رحلته الأولى ، النقود التي جناها من غربته الأولى اشترى بها سيارة غالية الثمن على أمل أن يرتفع ثمنها فتباع ولكن الأسعار هبطت فجأة فهبط سعرها الى أقل كثيرا من ثمن شرائها ، باعها ولم تعوض النقود التي صُرفت عليها ، هاله ان زوجه لم تتعض من هذه التجربة بل أرادت أن يعوضها ماخسره وأكثر . عض شفتيه ندما ، تخلى عن أهله لأجلها بل جافاهم بسببها ،لم يشعر بالندم إلا الآن ، لماذا أصر على عدم زيارة أبيه وهو على فراش الموت ، أمن أجل حاجة تافهة أصر على موقفه ! ، أمن أجل أثاث أرادته زوجه أخذه منه أبوه وأعطاه لأخته قاطعهم كل هذه السنين ! ، إنه لم يكن بحاجة له ولكنه نزولا عند رغبتها أراد أخذه ، أخته تجاهل توديعها مالذي حدث له ، سخر من نفسه جاءت صحوته متأخرة جدا ، نظر الى المسافرين عسى أن يجد من يعقد حديثا معه ينسيه وخزات الضمير ، جنسيات مختلفه ضمت الحافلة ، أمامهم طريق طويل وشاق ، نظر جنبه فرأى جليسه يغط في نوم عميق ، سلى نفسه بقراءة موضوع يتيم كتبه أيام دراسته في الجامعه ، حاول مراجعته وإصداره في كتيب إلا أن انشغاله بجمع المال والفشل في الأحتفاظ به شغله عن تحقيقه ، لماذا لم يكن كأبيه (رحمه الله ) الذي رأى الحياة من منظار (المال وسيلة وليس غاية ) ،لم يدرك معناها إلا متأخرا ، شب والتقى بها ليصبح المال غايتهما ، أخذ حبة ضغط ثانية ، أباح له الطبيب حبتين إذا شعر بضغط نفسي حاد عليه ، ، لم يكن أبوه رجلا عادياكانت له سمعة حسنة بين من بني جيله ولم يُعرف بطمعه أو جشعه ، رجل عصامي أهتم بتربيتهم وتخريجهم بمؤهلات علميه بعد وفاة امهم متنكرا لحياته رافضا الأقتران بأخرى خوفا عليهم من أذى زوجة الأب ، كيف تناسى أباه بعد كل هذه السنين ، إنتفض من مقعده ، الحزن أقوى من أن يتحمله ، الطريق ممل هذه المره فقد عنصر الأثارة التي استشعرها في المرة السابقة .
سار باتجاه الشوارع التي عرفها سيتصل بأصدقائه الذين سكن معهم وساعدوه ، ذهب الى الوزارة في اليوم التالي لوصوله عسى أن يجد وظيفته السابقة ، لم يجد الموظف الذي يعرفه ، تغير واحتلت مكانه موظفة جديدة أبلغته أن قبول طلبات التعيين ستكون أواخر الشهر القادم ، خرج من الدائرة وكأنه رشق بماء ساخن ماذا سيفعل وأمامه مايقارب الشهرين أو أكثر لتسلم أول راتب إن تعين ! ؟ ، ممن سيستلف ولم يبق من معارفه القدامى سوى اثنين من جنسيات مختلفه والأثنين لهما عوائل يحولان لها ما يكسبانه ، تثاقلت خطواته .
وقف أمام سماعة التلفون ، عد نقوده قبل أن يدير القرص وجدها قليله لاتفي بثمن المكالمة لزوجه ليبلغها بحاجته للنقود ، عليه أن يدبر أمره ، تلفن للمرأتين فهو الآن بحاجة ماسة لهن ، سبق أن ساعدهن كثيرا ، شعور بالأرتياح أصابه حين ردت عليه الأبنة مرحبة ، أتفق معها على موعد خارج محل سكناها ، آواصر من الألفة ربطتهما وكأن فترة سفره قربت مابينهما ، اعتمد عليهن فترة الشهرين قدمن له المساعدة بكل رحابة صدر ، بعد انقضاء الشهرين واستلامه أول راتب سدد ما اقترضه منهن . مرحلة جديدة بدأت ، أعتاد على رأيتهن ، مشاعر من المودة والحب نشأت رغما عنه ، مقارنة غير ودية بينهن وبين زوجه محاولة منه أن يضع صورتها في مخيلته حاجزا له كلما التقاهن ، سقطات منها أصبحت تعذبه لم يعرها أدنى اهتمام في السابق ، صورتها وهي تكنس الطريق أمام الدار وأمام المارة من الرجال بغير أكتراث ، معاركها الكثيرة مع المستأجرين ،لم تكتف بهذا الحد بل دفعته الى معركة وصل فيها الأمر الى حد إطلاق النار بينه وبين أحد المستاجرين فتدخل رجال الشرطه واوقفوه ثلاث ليالي لحين انتهاء التحقيق ، أُفرج عنه بكفالة ، مشاعر الخجل من أصدقائه والمقربين اليه من تهوره وحمقه لازمته حتى بعد رحيله .
حب تأجج في جوانحه ، لم يكتب رسائل لعائلته كالسابق ، حتى المكالمات القليله التي يجريها معهم مقتضبه مما أثار شكوك زوجه ، سألته مرارا عن سبب برودته معهم وقلة رسائله ، تهرب من الأجابة .
حسم أمره وقرر أن يصارحها بعد أن وجد استجابة من الفتاة وترحيبا من امها في تزويجها له بالرغم من فارق السن ، شعور الحاجة لرجل يسندهن في غربتهن قابع في اعماقهن ، لم يجدن من هو أفضل منه ، برر لنفسه فعلته وجد أعذارا شتى لها ، فهو لن يكون اول الرجال ولا آخرهم .
منذ وصوله لم يرسل لعائلته سوى رسالة واحدة ماذا سيكتب لهم ، هل يخبر زوجه بارتباطه أم يخفي الأمر عنها ؟ ماذا سيقول أصدقاؤه عنه ، تغرب ليكسب لقمة العيش أم ليتزوج ثانية ، ثلاث سنوات قضاها بعيدا عنها لم تغير شيئا من طباعها ، في باديء الأمر قلقت وألحت عليه في مخابراتها ثم أعتادت حتى على تأخر المهاتفات والرسائل ، انصب همها على وصول النقود وفرق العملة ، حين يخبرها عن رغبته في العوده تعارضه وتشجعه على التحمل والصبر بالرغم من شكواها من الأولاد وصعوبة مسؤوليتهم الا أنها ستتحمل كل شيء لأجل أن يواصل عمله بعيدا عنهم ، القى تبعة مايجري له عليها ، إهتزت صورتها في أعماقه حتى لم يجد مايبرر عودته لها .
كم من مرة أمسك قلمه وحاول كتابة رسالة لها ولأولاده فتخونه الكلمات ولايجد مايكتب لهم ، معاناة اخرى اضيفت لهمومه .
بعد ثمانية أشهر اعتصرتها شتى المشاعر غضب خوف وندم استلمت رسالةً ، فتحتها بلهفة قرأتها بشوق متمعنة بالكلمات لم تجد كلمات الشوق والحنين التي كانت تجدها في رسائله السابقة ، وانما تبريرات زواجه من اخرى ، طوت الرساله وكأن أفعى لدغتها ، تُسمم كل حياتها ولا تدري على من تلقي لومها .



#سميرة_الوردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعد والله
- زينب والمسرح
- حكاية من زمن الموت
- مناجاة
- التلفاز
- الآن حان الدرس الأول
- الحب بعد الرحيل
- الندم الأول
- أعاصير
- تاريخ أسفارنا /الفارزة الأولى والثانية
- تاريخ أسفارنا / الفارزة الثانية
- في يوم ما
- صورة
- مكتبتي
- جنون
- لحظة من لحظات الحرب
- لاشيء يعدل الحرية
- المحبرة
- القداس
- إمرأة تتسلى في الشرفة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - الندم الثاني