أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميرة الوردي - القداس














المزيد.....

القداس


سميرة الوردي

الحوار المتمدن-العدد: 1715 - 2006 / 10 / 26 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم يكن تربطه بهم اي رابطة لامن بعيد ولا من قريب ، انما الفراغ والبطالة جمعتهم للجلوس على الأسيجة الكونكريتية التي أقامتها البلدية قبل الحرب حول الأشجار لحمايتها من عبث الأطفال ، أصبحت منتجعا للرجال الهاربين من سعيرها ، قد يكون في اجترار الماضي وتحليله متنفسا لهم لما يعانوه من كبت في الحاضر ، محاولين فك أزماتهم السياسية والأقتصادية الخانقه ، تخطوا سن الشباب ، بدا الشيب والصلع يرسم خطوطه الواضحه على رؤوسهم وفي خطواتهم التي أنهكها طول الأنتظار ، تزداد أعدادهم كل يوم وتُعرف اسماء جدد ، تزداد كؤوس الشاي الخارجة من البيوت القريبه اليهم حتى أصبح تواجدهم بهذه الطريقة يلفت نظر رجال الأمن والمخابرات ، أو من اعتاد كتابة التقارير ورفعها الى من هم أعلى منهم درجة حزبية .
محسودا من أصدقائه ، الكنيسة حلت جزءا من احتياجاته التي أفرزتها الحرب ، بعضهم لايستطيع الا التعبير عن حسده له علنا ، حصته من المؤونه تصله شهريا من الكنيسة بالإضافة لما يتسلمه من مواد كالتي يتسلمونها من الدولة والتي لاتسد أربعين بالمئة من احتياجاتهم الغذائية ، بالرغم من كل هذا يتطلع الى الهجرة بحثا عن الحرية . بمرور الوقت انحسرت العلاقات بينهم ، بابتعادالبعض خوفا من عيون الرقباء ، وسفر البعض الآخر بحثا عن الملجأ ، أو لايجاد فرصة عمل ، تفرق شملهم وبقي البعض منهم يتزاورون في البيوت خلسة عن الأعين .
أصبح جون واحدا منا ، فزيارته السريعة شبه اليوميه وحلم السفر المشترك بين الجميع قربته أكثر ، كل أحاديثه المفضلة عن السفر والخلاص ، انصبت أحلامه وأمانيه على امه التي هاجرت قبله بعشر سنوات ، تجاوز الخمسين وله اربع فتيات جميلات ، حرص عليهن مما يجري من أحداث غير طبيعية في المجتمع ، حكايات وأقاصيص كثيرة تُروى عن اختطاف الفتيات واغتصابهن وعن سرقات وجرائم لم يكن المجتمع عرفها من قبل ، لم تقتصر الأحداث على مقتل العديد من الشباب في الحرب وحرمان الجميع من الطعام والشراب بل امتدت الى قيام بعض الجرائم الاخلاقية بين الحين والآخر مما دفعه الى ادخال بناته لمدرسة الراهبات بغية المساعدة والحفاظ عليهن بالرغم من معارضتهن .
اعوام مرت ، صار اللقاء بجون ضروريا ومحملا بأخبار بعضها صادق والبعض الآخر أوهام وأحلام تدور همسا بين الناس ، جاءنا صباح أحد الأيام فرحا كصبي كسب شيئا ، أبلغنا عن قرب الأنفراج في السياسة الدوليه والأقتصاديه ، سمع أخبارا مؤكدة عبر هاتفٍ من امه وأخواته الثلاث المهاجرات أكدها له صاحب عمله القريب من السلطة ، عن قرب رفع الحصار عن البلاد وانفراج في الأزمة التي تعاني منها ، يلاطف كلبتنا التي تواصل هز ذيلها له كلما جلس متفيئا تحت شجرة النارنج يُوعدها بشوكولاته وعظمة ، من أول نقود يتسلمها بعد الحصار .
في أحد الأيام ولأول مرة اصطحب ابنته الوسطى ، بالرغم من طول العلاقة بيننا ، كان الغرض تدريسها لان امها لاتستطع القيام بمساعدتها وهو مشغول بعمله ، بعد أن درست ابنته لعبت مع الاولاد أحد أولادنا في سنها كانوا ودودين معها مما شجعه في اليوم التالي الى اصطحاب صغرى بناته التي أبت الرجوع معه . كل أحاديثه خلال السنوات دارت حول الوضع السياسي والاقتصادي وما يستجد في عمله . حدث مخيف مر به ، أُعدم صاحب عمله وهو شخصية هامه ومؤثرة في حياة البلد ، مما جعله في حالة رعب وانتظار خوفا على حياته مما زاد همه فلم يطق صدره بسره الذي كبته كل هذه السنوات ، فاضت أعصابه به معلنا عن يأسه من تغير أي شيء في حياته التي دمرتها الحروب ، فزوجه أصيبت بجنون لم يعرف الأطباء أسبابه ، إلا أنهم حذروه وأبلغوه بخشيتهم على بناتها منها ، ولم يستطيعوا التوصل ما إذا كان جنونها وراثيا أم نتيجة لتعرضها لهستيريا الحرب الأولى والثانيه ، نزلت دموعه رغما عنه ،لم يجد احرص منا على سره . لقد صدمنا بمآساته التي الهتنا الحياة عنها وبقدرته على تحمل العناء وحده ، فهي بحاجة دائمة الى تعاطي دواء غالي الثمن يستنزف الكثير مما يتجمع لديه من عمله وما يأتيه من المهاجرات ومن الكنيسة ، لكن حالتها تزداد سوءا . أوراق السفر تُعد له وكل أمله أن يرحل بها لينقذها ، لكن وفاة امه حطم معنوياته ، هي الوحيدة التي تستطيع سحبه من دوامته ومساعدته مساعدة فعليه فالقوانين في بلدها الثاني يُعطي للام فقط حق دعوة أبنائها ، أخرج منديله وجفف دمعه وعرقه وواصل حديثه عما حدث لزوجه قبل أكثر من عشر سنوات أيام الحرب الأولى .
الظلام دامس وقصف الصواريخ متواصل ، كان في عمله ، عندما سمع أن انفجارا حدث قرب بيته ، رجع مسرعا ، بصعوبة دخل البيت ، انتشر دخان هائل على المنطقة وتسلل الى البيوت ، بحث عن صغيرتيه وجدهن فوق فراشهن وقد جمدهن الخوف حتى لم يُجبن على ندائه ، لم يجد أمهن ، ضنها خارج البيت لسبب ما ، سأل عنها الأهل والجيران ، لم يعثر عليها الا بعد يومين مختبأة تحت السرير ترفض الخروج من تحته ، ومنذ ذلك اليوم وهو يتنقل بها بين الأطباء ولا علاج شاف لجنونها .
لم يأت جون كعادته حاولنا الأتصال به في بيته لكن لاأحد يُجيب وليس لدينا وسيلة أخرى للأتصال ، كنت أُنظف الحديقة عندما طرق جون الباب بعد شهرين ، ما أن فتحته مستغربا قطيعته حتى بادرني مصافحا بيد أما الأخرى فقدحمل بها عصا يتكأ عليها ، ماذا حصل لك ياجون وأنت القوي بيننا ؟
لقد حملت زوجي طابقين على سلالم المستشفى لأنقطاع التيار الكهربائي ، وتركتها في حالة خطرة فقد حصل لها أختلاطات مرضيه لاأول لها ولا آخر ولكن أخطرهن إصابة رئتيها بمرض خبيــث .لم يكمل حديثه أبتسركلماته مختنقا ، حياني منصرفا ملوحا بيده وكأنه يهرب من نفسه ، ناديته بأعلى صوتي الا انه كرر التحيه بيده دون أن يلتفت ، كررت ندائي خلفه متسائلا عن اسم المستشفى التي ترقد فيه زوجه لكنه رفع يده يكرر التحيه ولم يجب .



#سميرة_الوردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمرأة تتسلى في الشرفة


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميرة الوردي - القداس