أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - المحبرة














المزيد.....

المحبرة


سميرة الوردي

الحوار المتمدن-العدد: 1716 - 2006 / 10 / 27 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


رفعت قدميها كعادتها عندما تصل الى بوابة الحديقة ، تستطلع وضع البيت ، تستقرئ أحداثه في غيابها من خلال النوافذ الواسعة المطلة عليها ، فترى إن كان الأولاد قد عادوا من مدارسهم ، وجدته كعادته لا يبدو منه سوى شعره الذي شاب مبكرا ، أختفى جسمه خلف الأشجار وصندوق كبير صنعه عند النجار كمنضدة للتصميم الطباعي وبسبب ظروف الحرب وشحة الألوان وافلاس الناس اُُلغي المشروع وبقي جهاز التصميم يُستخدم كمخزن لما تبقى من أدوات الرسم والتصميم معا .
منذ زمن بعيد لم يمسك بفرشاته ، مرت عدة أشهر منذ أن انتهى من آخر لوحة رسمها بالزفت على ورق أسمر وجده مصادفة في مخزنه ، شحت الوانه والرغبة للرسم تنهشه .
كان يوما هادئا على غير العادة فقد أُسدلت الستائر على النوافذ ، وهذا يدل على نوم الأولاد بعد عودتهم من المدرسة ، منذ بدء الحرب والمدينة ترزح تحت قصف يومي متواصل ، مما اضطر كثير من الناس الى ترك منازلهم أو بيعها بثمن بخس ، أما هما فلم يستطيعا التضحية بالبيت ، عانا كثيرا في بنائه واعتادا عليه ، مواردهما الماليه لاتسمح بإيجاد بديل مثله أو أفضل منه ، دخلت الدار كانت الساعة تقارب الخامسة عصرا ، تبادلا التحية ، أبلغها أن الأولاد لم يتناولوا غداءهم ، فضلوا النوم انتظارا لعودتها ، هيأت لهم الطعام وأيقظتهم ، لم تستطع مشاركتهم فمزاجها متعكر منذ يوم أمس حينما سقط صاروخ قرب مدرستها وأباد عائلة أحد طلابها ،لم ينج من الموت سواه لتواجده في المدرسه . أزدحمت الاحداث أمامها ،لم تسمعها من أحد ذهبت الى موقع الحدث مع مجموعة من زملائها وزميلاتها ، صادف أن جيء بجثمان أحد الشهداء من جبهة القتال الى ذات الموقع الذي سقط فيه الصاروخ ليسلموه الى أهله لكن الأهل سبقوه في الرحيل ، مما أضطر ممن تبقى أحياء من المحلة الى دفنه بجوارهم ، واقامة الحداد عليهم . الشارع الذي امتدت البيوت على جانبيه وعلت خضرة الأشجار من اسيجة حدائقه حوّله الصاروخ الى هوة وركام هائلين . انتفضت بطولها الفارع من بين الأنقاض منتصرة على الموت ساخرة منه نافضة التراب عن جسدها وساقيها وما أن وصلت لذراعيها حتى صرخت مذعورة كأنها تذكرت شيئا : ولدي ثم تلفتت يمينا وشمالا باحثة ! مواصلة صراخها وبصوت أقوى أولادي ! انطلقت كالمجنونه فوق الركام تحفره بأصابعها .
لماذا لاتنامي إنك منذ يوم امس لم تغفي ولم تأكلي ، جفلت وكأنها سُحبت قسرا من عالم آخر ، فاجأته بقولها : لماذا لا نرحل ؟ قطب جبينه كعادته ، وسألها ، الى أين ؟ قالت : لا أدري ، ولكن الى أي مكان يُحترم فيه الأنسان . ضحك ساخرا ، في بلادنا وبكل امتدادتنا التاريخية ومؤهلاتنا لم نستطع التأقلم مع واقعنا ، فكيف إذا رحلنا وبدأنا من نقطة الصفر .
تركته عائدة الى المطبخ ثم خرجتْ الى الحديقة ، ثمار السدرة الناضجة تثير الرغبة في قطفها ، مدتْ يدها للثمرات القريبة مسحتْ احداهن راغبة في أكلها الا انها سرعان ما رمتها ، عافتْ نفسها كل أنواع الأكل منذ امس وهي تعاني مما شاهدته ، بكتْ بكاء مرا تحت ظلال الشجرة لكنه لم يُزِل موجة الكآبة واليأس التي أنتابتها .
ناداها زوجها طالبا منها مساعدته في البحث عن بقايا الوان متيبسة أحتفظ بها من باب الاحتياط وتحسبا من انقطاعها عنه وعدم مقدرته على شرائها ، نظرتْ اليه بأشفاق ، يمارس هوايته باصرار رغم كل الظروف .
توسلتْ بهما ابنتهما ابنة الثمانية اعوام أن يخرجوا من البيت قبل القصف الذي اعتادوا حدوثه في الثامنه مساء من كل يوم كما خيل لهم ، ولكن في بعض الأيام يشتد ليصبح مرتين في الصباح وفي المساء كيوم أمس . ركبوا السيارة ، وحملوا طعام العشاء وتجولوا في طرقات كثيرة محاولين قتل الوقت لحين تجاوز موعد اطلاق الصاروخ ، مرت الساعات ثقيلةً مُتعِبةً وما أن حلت التاسعة حتى عادوا الى دارهم واملهم أن يكون القصف انتهى ، ما أن وصلوا عتبة الدار حتى دوى في المكان إنفجار مرعب هز أركان البيت حتى بدا كأنه زحف الى الأمام ثم عاد لمكانه ، صرخت الأبنة ذات الثمانية أعوام أما بقية أخوتها فقد أخرسهم الخوف أحتظنتها امها وهدأتها ، القصف لم يكن عليهم بل على مقربة منهم .
سكن الاولاد وناموا من شدة الاعياء حاملين رعبهم معهم ، اما الأبوان ، عادا ليصففا مخزن التصميم الذي تركاه مبعثرا محاولين ايجاد مواد تصلح للرسم فوجدا بقايا الوان وقليل من حبر متيبس في قاع محبرة قديمة ( أكل الدهر عليها وشرب ) ، أخذ الأب غنيمته وذهب تاركها تتمم لملمة بقية ماتناثر من اشياء ، أنجزت مهمتها ثم لحقت بأولادها بعد أن انستها أحداث اليوم أحداث الأمس .
استيقظت متأخرة هذا الصباح ، نظرت الى صغارها بحب وخوف ورهبة من المجهول ، زوجها مازال مستيقظا أمام لوحة جميلة انجزها وهم نيام ، نهضت اللوحة من بين الركام مجسدة موضوعا ، ابتسمت لنفسها رغم الامها ، خيط رفيع من الامل في هذه الحياة .



#سميرة_الوردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القداس
- إمرأة تتسلى في الشرفة


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة الوردي - المحبرة