|
سعد والله
سميرة الوردي
الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:19
المحور:
الادب والفن
لم يجتز ساعاته الأُولى عندما كَبّر جده في أًُذنه كي يحميه الله من كل سوء ، حَبا ، مشى ، لم يدركوا الخطوة الأولى بل التالية ، سار خطوات سريعة نحو الحياة ، : ملامحه تدل على الذكاء إنه في الخامسة ، عَلّمتَه القراءة ، قال الأب مفتخرا ، قالت الأم بفزع : إنك لم تسمع أسئلته بالأمس عندما كنتُ اُُنيمه بالسطح ، الهواء العليل أطار النعاس من عينيه حدق في السماء سائلا : هل الله يشبهنا ؟ : استغفر الله . : هل هو نائم ؟ : لا : واقف ؟ : لا : إذا لم يكن نائما أو واقفا فهو جالس القرفصاء ، ضحكت الأم بخوف . حمل حقيبته المدرسية على ظهره ، حمى شديدة أصابته ركضت الأم والأب به ، ليالي القلق والسهر مؤلمة قام من المرض بسلام ، عناية الآباء بركة ، متألق الجبين فالفوز في الحياة يكسب البشر المسرة ، والكسب في الدراسة يمنحهم الأمل والطموح ، اجتاز كل مراحلها بتفوق أكسبته السعادة ، دق أبواب الوظيفة ، فلم يحظ بجواب ، من لم ينتم للبعث لا شيء له ، انتمى ، اعترض الأب والأخوة والأخوات ، الأم سكنها خوف أبدي أخرسها مطلقا ، تكرههم منذ مقتل أبيها ، لأن من فعل الجريمة يشبههم ، فهم لا يعترفون بالآخر ، بل الآخر عدو مبين لابد من ازالته ليزول أي فكر عداه ، اقنع سعد نفسه بأنه لاينتمي الى أبيه بل اليهم وانه سوف يؤمن بهم ، لكنه سوف لن يرتكب اي فعل يُطلب منه ، فيه أذىً للغير ، : إنك لست منهم وهم ليسوا منك ، اخرج من الداهية ياسعد ولا تدخل برجليك اليها ، لم يدم صوت أبيه طويلاً ف (الأمة العربية الواحدة ذات رسالة خالدة ) أقنعته بالإضمحلال فيها ، : انظر ياسعد فالكرة الأرضية واسعة والأمة العربية كبيرة ولكنها ليست وحدها ، فيها قبائل وأجناس ليتعارفوا وليتعاونوا ولا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى ، والإنتماء للوطن هو الأساس : اتركني ياأبي ، من لم ينتمِ لاحياة له ، اريد أن احقق طموحي ، دمعت عينا الأب راوده حلم قديم يتكرر ، طائر أبيض في السماء يسقط داميا تحت قدميه ، اغاني الجاز والهيبز تملأ البيت كلما حلت إجازته ، جند كغيره بل أغروه كي يُصبح ضابطا وهو الخريج من فرع مرغوب فيه في الجيش ، سُئل ، حاول التخلص من الإجابة لكنه حوصر بالوثائق ، : أليس أبوك مؤلف نشيد الجمهورية الأولى والذي كان يُتلى في المدارس ، أليس أبوك من قادة الحزب الديمقراطي ! أليس أبوك ! أليس أبوك ! ......... نظر الى أبيه وأهله نظرة عتاب ، ليته يستطيع تغيير تاريخهم أو تغييرهم ، لكنهم مع كل تساؤلاتهم لم يتركوه ، بل صار لغما ، عليهم الاستفادة منه وتحجيمه . بقي سعد في الثالثة والعشرين من عام 1981 في اليوم الثامن عشر من حزيران .... بحث الأب في كل مراكز الشرطة والمستشفيات فلم يجد أي خيط يوصله لسعده ، عاوده حلم الطير الذبيح ، جفاه النوم ، جاءه صوت أجش ، يأنبه على إهماله لإبنه ، وإنه سيجده في الطب العدلي : ليس لنا أعداء تبعثرت الكلمات وتردد صداها في هاتف الآخر المغلق لم يجدوا في غرفته أي دليل على القاتل سوى شيك بآلاف الدنانير ورسالة لم تُرْسَل لشخص في الخارج يبث فيها همومه ويشكو له مخاوفه وأحاسيسه وشعوره بأن عيون كثيرة منبثة في أركان البيت تتطلع اليه وتراقب أهله ، بعد يوم عُثر على القاتل لم تستمر محاكمته كثيرا لأن مسدسه هدية من القائد الضرورة القائد التاريخي .. بعد شهر عاود الصوت الأجش الإتصال طلب الأب ليكلمه : تعال غدا لتتسلم مكافأة الشهيد ( سيارة وعشرة آلاف دينار ) : قتيل وليس شهيد ( ابني ) ، جواب الأب أرعب الأم خافت على البقية من أولادها ..بعد شهر تجلجلت بالسواد اشترت فرشة عرس زاهية ، وسارت لزيارة قبر ابنها ، تفاجأت بالقبر وقد فرش فوقه العلم تسائلت واستنكرت ، لملمت العلم وطوته لتسلمه الى حارس المقبره ، فرشت شرشف العرس بديلا عنه . عادت في الليل محمرة العينين ولم تنهض بعدها .
#سميرة_الوردي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زينب والمسرح
-
حكاية من زمن الموت
-
مناجاة
-
التلفاز
-
الآن حان الدرس الأول
-
الحب بعد الرحيل
-
الندم الأول
-
أعاصير
-
تاريخ أسفارنا /الفارزة الأولى والثانية
-
تاريخ أسفارنا / الفارزة الثانية
-
في يوم ما
-
صورة
-
مكتبتي
-
جنون
-
لحظة من لحظات الحرب
-
لاشيء يعدل الحرية
-
المحبرة
-
القداس
-
إمرأة تتسلى في الشرفة
المزيد.....
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|