|
الاعلام وبرمجة الانسان
شريف حتاتة
الحوار المتمدن-العدد: 7904 - 2024 / 3 / 2 - 20:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الإعلام وبرمجة الانسان -------------------------- في السنين الاخيره اصبح في مقدره العلماء منذ بدايه الحمل التنبؤ ببعض الصفات الوراثيه للجنين هذه الصفات تشمل الحاله العامه للجنين وجنسه ذكرا ام انثى والتشوهات او الامراض التي يمكن ان يتعرض لها نتيجه وجود خلل في التركيب الوراثي وهكذا يستطيع الاطباء ان يتدخلوا باجراء عمليه اجهاض منعا للولاده الطفل يعاني من امراض خطيره تعقد او تعجز مدى الحياه. هذا التطور العلمي سلاح ذو حدين سلاح للخير وسلاح للشر ففي ظل نظام عالمي مبني على الاستغلال والاضطهاد للضعفاء يمكن استخدامه من قبل الاقوياء للتخلص من الذين لا يريدونهم اي إبادة اجناس او اعراق او انواع من البشر يرون ان لهم مصلحه في التخلص من وجودهم كما يمكن تغليب الذكور على الاناث او الاناث على الذكور في تكوين الاسر حسب القيم السائدة في مجتمع معين. وفي الولايات المتحده حدث تطور اخر تم زرع بويضه ملقحه في رحم امراه سوداء لثالث طفلا بشرته بيضاء هكذا يمكن ان تستخدم العلوم الوراثيه للقيام بالاعمال غايه في الشذوذ تدل على نظره مشوهه للبشر والقيم الانسانيه التي يجب ان تحترم. ولكن اذا كان يمكن برمجه الانسان وهو لا يزال جنينا في الرحم فان هذه البرمجه يمكن ممارستها ايضا وعلى نطاق اوسع بعد ان يولد ويصبح فردا في المجتمع فإلى جانب المؤثرات التي يتعرض لها الفرد داخل الاسره هناك اجهزه معينه تلازمه يوميا طوال حياته وتلعب دورا خطيرا في تكوينه الذهني والوجداني وحتى الجثماني خصوصا في مرحله الطفوله.
صنع المشوهين والمجرمين: ------------------------------------ على راس هذه الاجهزه يوجد التلفزيون الذي اخضع في السنين الاخيره لدراسات مهمه في عدد من البلاد ففي فرنسا مثلا اثبتت هذه الدراسات ان الطفل قبل سن الاثنى عشره يشاهد ما يقرب من 100 الف اعلان تلفزيوني فيؤدي به هذا السيل من الاعلانات الى تمثل مجموعه من القيم والانماط السائده في المجتمع بطريقه غير محسوسه بحيث تصبح جزءا من تكوينه النفسي في الوقت ذاته يتمثل المقاييس المرتبطه بها في نظرته الى الخير والجمال والعدل والحقيقه اي الى القيم الاربع الاساسيه التي تتكون منها الرؤيه الاخلاقيه والجمالية للعالم والتي تظل ثابته الى حد كبير منذ تلك المرحله المبكره. ان الاعلام التلفزيوني لم يعد يهتم بمدى صدق او كذب الاعلانات التي يذيعها عن المشاهدين فحملات الاعلان عن منتجات التجميل مثلا والكثير منها مشوه للجمال الطبيعي ومضر للصحه لا تعتمد على حقائق مثبته يمكن التاكد منها عن طريق التفكير المنطقي او الدليل العلمي بل يعتمد في تاثيره على الصور والالوان والاخراج الجيد واستغلال الرغبات المدفونه والغرائز الجنسيه وعلى محاوله الاستحواذ على اهتمام ورضا الجنس الاخر او الحصول على النجاح الاجتماعي او الوظيفي او حتى الدراسي والمهني بالاعتماد على الجاذبيه الجنسيه والجثمانية للمراه بالذات والى درجه اقل للرجل. بهذه الطريقه تثبت حملات الاعلان قيما معوجه وفاسده فالنجاح في مثل هذه الحالات لا ياتي من الجهد او الصبر او القدره على التفكير والابتكار او نوع الشخصيه وانما من عوامل اخرى لا تمت الى كل هذا بصله انها على العكس عوامل تغرس الاساليب الملتوية والمتدنية المرتبطه بتحويل المراه الى اداه للجنس فقط الى سلعه تباع وتشترى في سوق المتعه بدلا من ان تقدر كإنسان يفكر ويعمل ويساهم في بناء الاسره والمجتمع. هناك مجال اخر يبين خطوره الدور الذي يلعبه التلفزيون في تكوين القيم وهو المتعلق بالرسوم المتحركه الموجهه للاطفال والتي يتم انتاج اغلبها في امريكا واوروبا توجد قله من الرسوم المتحركه تتميز بخواصها الجماليه والشعريه وتؤدي الى اثراء الخيال والفكر في الاطفال اما الاغلبيه الساحقه فهي تصور العالم بطريقه بدائيه مسطحه مفعمه ومختلف صور التمييز والتفرقه بين الناس على اساس الجنس او اللون او المستوى الاجتماعي فالمثل الاعلى عاده ما يكون طفلا ابيض او شخصيه بيضاء البشره ذكوريه متفوقه ومتحركه تبدو عليها علامات الرفاهيه واذا صورت شخصيات بشرتها ملونه او سوداء او من وسط فقير فانها تبدو مخيفه او قبيحه او حتى مجرمه اما الاناث فضعيفات دائما باكيات خائفات عاجزات عن الإتيان بتصرف او فعل ايجابي الا نادرا. ان الاثر الخطير للتلفزيون على الاطفال يبدو واضحا اذا تعرضنا الى علاقته بالعنف في المجتمع ان الرسوم المتحركه التي يشاهدها الاطفال في امريكا بشكل منتظم تتعرض في المتوسط الى 41 حدثا او فعلا عنيفا خلال كل ساعه عرض هكذا تتم تربيه الاجيال القادمه حتى تكون مستعده لخوض الحروب او شن الاعتداءات والغزوات دفاعا عن مصالح الولايات المتحده في الخليج او القرن الافريقي او جزر الكاريبي او بقاع اخرى من ذلك العالم الذي اصبح يسمونه الجنوب وهكذا يتم اعداد افراد وجنود الاله الحربيه الامريكيه نفسيا منذ الصغر فلماذا نندهش عندما يحدث ما حدث في مدينه ليفربول بانجلترا عندما قتل صبيان لم يتعد سنهما احد عشر عاما طفلا عمره سنتان مقلدين بذلك ما شاهداه في فيلم من افلام الرعب كان اسمه لعب الاطفال. وقد نشرت جريده يونانيتد ستايتزنيوز انت وورلد ريبورت في عددها الصادر يوم 12 يوليو سنه 1995 تقريرا اعده الاتحاد الامريكي لعلماء النفس ذكر فيه ان الطفل الامريكي يشاهد التلفزيون لمده ثلاث ساعات يوميا في المتوسط وانه عندما يصل الى السنه النهائيه للمرحله الابتدائيه يكون قد شاهد ثمانيه الاف جريمه قتل و 100 الف فعل عنيف وفي هذا الشان اشار الطبيب الفرنسي المسؤول عن مركز العلاج النفسي للاطفال في مستشفى سانت ان بباريس الى ان الاطفال الذين يتعرضون لمثل هذا السيل الجارف من صور العنف يفرغون هذه الشحنه الخطيره في الاحلام المزعجه والكوابيس او يصابون بدرجات مختلفه من القلق العصبي ولكن عند مرحله معينه لا يبقى امامهم سبيل لإفراغ الشحنه الا في اللعب العنيف والتقليد والانتقال الى القيام بأفعال ممائله. الافلام والرسوم المتحركه والمسلسلات التي تعرض في امريكا وانجلترا وفرنسا وسائر البلاد الاوروبيه الاخرى يستورد التلفزيون المصري منها عددا يزيد او يقل حسب الظروف او تعرض في صالات السينما او يقلدها الانتاج التلفزيوني او السينمائي المصري اما العاب الفيديو الالكتروني فهي وسيله الترفيه الاساسيه التي يلجا اليها المراهقون والمراهقات في الغرب والتي اخذت تنتقل الى البلاد الاسيويه والعربيه ومنها مصر فقد فتحت لها صالات في بعض الفنادق الكبرى وفي اماكن اخرى ووسيله التسليه هذه تركز بشكل اساسي على القصص القصيره المصوره من نوع المغامرات ويعتمد فيها السيناريو في اغلب الاحوال على حروب حقيقيه حدثت في فيتنام او افغانستان او نيكاراجوا او الخليج او الصومال البطل فيها يخوض المعركه تلو المعركه للتخلص من خصم بعد الاخر وخط العنف يتزايد باستمرار لان الخصوم يتزايدون عنفا وخطوره مع تتابع الاحداث يقضي البطل عليهم تباعا بالقتل مستعينا بقوته الجثمانيه وشراسته يخنقهم بالاسلاك او يضربهم بالحجاره الضخمه او النبابيت او بالخناجر والسيوف او المسدسات والبنادق والرشاشات او يفجر فيهم القنابل والديناميت كل عمليه قتل من هذه العمليات لا تطلب من المشاهد سوى الضغط بالاصابع على احد الازرار او المفاتيح في جهاز الفيديو الالكتروني وبهذه الحركه البسيطه يتحول الموت موت الانسان الى مجرد حدث تافه او على الاقل عادي بينما الموت كمناقض المكمل للحياه وكجزء لا ينفصل عنها ظل احد ركائز الفكر والوجدان الانساني والفلسفي خلال الحضارات المتتابعه فاذا تحاول الموت الى شيء بسيط تافه فقد الانسان معنى حياته وقيمتها وفقد معها قمت كإنسان واتغرست في المشاهد المراهق طباع المجرم الذي لا يبالي بحياه الاخرين او حياته. والمراهق الامريكي عندما يصل سنه الى الثامنه عشرة يكون قد قتل ما يقرب من 40 الفا من خصومه عن طريق الضغط باصبعه على زر الكتروني دون ان يشعر بذره من الندم او تانيب الضمير هكذا تغرس الاجهزه عاده القتل والاستهزاء بحياه الانسان في التكوين النفسي للشباب والشبات انها تصنع الاجرام والمجرمين لان التعود على مشاهد العنف يجعل هذا العنف مقبولا بل يزيد المتعه التي يشعر بها الاطفال والمراهقون والشباب إزاءه. وتعتمد هذه الالعاب الالكترونيه على خلق عالم خيالي يتمتع فيه البطل بقدرات خارقه لينتقل الاحساس بممارسه هذه القدرات الى المراهق الذي يقف امام الجهاز،هو يضغط على الازرار عندما ينتهي الفيلم او الرسم المتحرك الذي كان يشاهده يعود الى العالم العادي فيشعر بضالته وبانه فقد ما كان يتمتع به من قدرات هكذا تخلق شخصيه مشوهه عاجزه عن ان تحيا في العالم الحقيقي شخصيه تسعى الى البقاء في عالم الخيال حيث تحتفظ بقدراتها غير العاديه الى القيام مثل البطل باعمال خارقه حتى تشعر بالرضاء عن نفسها وعن الحياه انها تصب خيالها واحساسها وطاقتها في هذا العالم العنيف الذي بدونهم لم تعد تشعر بان لها وجودا هكذا يصبح الانتقال الى ممارسه الاجرام طريقا مهدت له مشاهده هذه الالعاب. ==================================== من كتاب : العولمة والاسلام السياسى 2009
#شريف_حتاتة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسلام مجاهدى خلق
-
شفافية أم تغطية ؟
-
عمل المرأة فى العولمة
-
حول الاقتصاد العالمى الجديد
-
لحظات من الدفء فى بلاد الثلج
-
حديث الهجرة
-
أحاديث الترحال
-
ليس مهما جواز السفر
-
فى سوق الخلفاوى
-
هل يمكن أن نصنع مواطنا عالميا ؟
-
بنات الباليه المائى وبائع الخس
-
دفن - ذات - المرأة فى عيدها العالمى
-
بابل
-
عودة الحرباية
-
ثلاثة أيام فى تونس الخضراء
-
تأملات فى صورة
-
لماذا يبعون ؟؟ يوميات أستاذ زائر
-
عن الابداع والقهر
-
الصباح وحكايات الجُرن
-
فى المنتدى الاجتماعى العالمى ... بناء عالم آخر ممكن
المزيد.....
-
راماسوامي: سأقوم مع إيلون ماسك بـ-ترحيل جماعي للبيروقراطيين-
...
-
ترامب يكشف عن خطة إدارته بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا
-
آبل تطور حزاما لساعاتها الذكية بمواصفات خاصة
-
خبراء يحذرون من خطر منتجات التنظيف على الصحة
-
روسيا تحضّر لإطلاق قمر -Aist-2T-
-
روسيا.. مواصلة العمل على تصميم مروحية جديدة
-
روسيا تدرس إمكانية المساهمة في إطلاق برنامج -غاغانيان- الفضا
...
-
المعارضة الجورجية الموالية للغرب تستعد لشل العاصمة تبليسي
-
مفاجأة جديدة في تعيينات ترامب.. روبرت كينيدي المشكك باللقاحا
...
-
شغب وصيحات استهجان خلال مباراة إسرائيل وفرنسا بأمم أوروبا
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|