أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شريف حتاتة - حديث الهجرة















المزيد.....

حديث الهجرة


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7648 - 2023 / 6 / 20 - 20:51
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


------------------------
كانت الساعة قد قاربت على التاسعة مساء ، عندما انتهت مداولات الاجتماع التحضيري الخامس ، للمنتـدي الاجتماعي في البحر الأبيض المتوسط والذي انعقد في مدينة مارسيليا لمدة ثلاثـة أيـام. جمعـت أوراقـي وتوجهت إلى المطعم التونسي الذي تعود المشاركون والمشاركات تناول عشائهم فيه ، قبل أن يعودوا إلـى الفندق الذي كنا نبيت فيه.
لم أجد سوي مائدة صغيرة ، احتل أحد المشاركين أحد مقعديها تاركا الآخر خاليا. مربع الجسـم، كبيـر الرأس، ومفرطح الأنف ، تطل عينـاه الصغيرتان فـي الفراغ من تحت حاجبيه الكثتين.. بدأ عليه الحزن في وحدته، كالموظف الذي خرج على المعاش ، وأصبحت الحياة لا شئ فيها يتطلع إليه. ترددت في الإقدام خشية قضاء وقت العشاء في حديث ممل، لكن معدتي الخاوية أخذت تحتج على الانتظار ، فأقدمت وجلست أمامه.
ولأنني تخلصت من عادة الصمت الذي لا مبرر له ، فتحـت معه الحديث. قدمت نفسي ثم سألته عن اسمه، وعن البلد التي أتي منه. قال : " اسمى إدوار باطمانيان ، وأنا فرنسي". قلت :" لكن هذا الإسم يوحي بأنك أرمني". فقال: " نعم أصلي من "أرمينيا".. هاجر جدي منها إلى مصر حيث عمل حوذيا لمدة سنوات، ثـم تركها إلى فرنسا واستقر في ليون، والتحق عاملا فـي أحـد مصانع النسيج، كان نشطا، وطموحا فأخذ يناضل في النقابة حتى أصبح أحد القادة المحليين المهمين. أنجب خمسة أطفـال عمل أحدهم في المصنع الذي عمل هو فيه، وأنـا ابـن هـذا العامل الذي ارتقى ، ليصبح عاملا فنيا وجاهد حتى أرسلني إلى الجامعة في باريس ، حصلت على دكتوراه في الكيمياء وأصبحت أستاذا ، أدرس لعدة سنين إلى أن انتقلـت إلـى المختبرات الكيميائية في مدينة "مارسيليا"، والآن أصبحت على المعاش".
سألته: " ما الذي جعلك تشارك في هذا المنتـدى؟ ". قـال "أبي كان مناضلا مثل أبيه. أصبح قائدا نقابيـا وانضـم إلـى الحزب الشيوعي ، وأنا كذلك كنت عضوا في الحزب الشيوعي ، لكننى تركته وصرت أنشط في الحركة التي تسعى إلـى إقامـة عولمة لصالح الشعوب، وليس لصـالـح كبـار الرأسماليين. تطوعت في الوقت نفسه للقيام بالترجمة الفورية ، لأننى أجيـد الإنجليزية والإيطالية إلى جانب اللغة الفرنسية".
بعد أن تناولنا طعام العشاء ، انتقلنـا إلـى مقـهـي قريـب لنواصل الحديث، وظللت أسأله وأستمع إليه حتى ساعة متأخرة من الليل. كانت معلوماته وخبراته في الحياة واسعة جـذبتني إليه. وكان ذكيا فيه حيوية كبيرة. اختفى الحزن مـن وجهـه وأخذ يحدثني عن أشياء كثيرة ، لاسيما عن تجاربه كمهاجر فـي فرنسا ، حيث عانت منها أسرته سنين طويلـة. كـان حديثـه عـن سياسات الهجرة إلى أوروبا، والتي احتلت مكانـة مـهمـة فـي مداولات الحكومات المنضمة إلى الاتحاد الأوربي مهما، تذكرت أثناءه كيف أن غالبية الشباب في بلادنا يحلمون بالهجرة إلـى بلد أجنبي.
كان المشاركون والمشاركات الذين حضروا الاجتماع فـي مارسيليا منتمون إلى عدة بلاد. جاءوا من أسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، وتركيا، وسوريا، ومصر، وفلسـطين، وتونس، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وشـارك واحـد مـن إسرائيل ، عضو في مجلس إدارة جمعية تدافع عن الجنـود الإسرائيليين الذين يرفضون توجيه بنادقهم ضد شعب فلسطين، ويطالبون بإنهاء الاحتلال وحقه في تقرير المصير.
أولى هذا الاجتماع أهمية خاصة للدفاع عـن حقـوق المهاجرين، وعن حق التنقل الحر بين بـلاد البحـر الأبـيض المتوسط . ففي هذه الأيام أصبحت مسألة الهجرة مـن الـبـلاد العربية والإفريقية إلى أوروبا ، ، مثارة على نطاق واسـع فـي الاتحاد الأوربي، وفي الدول المنضمة إليـه. كمـا أن هنـاك سياسات جديدة تتعلق بها أصبحت قيد البحـث فـي المجلـس الأوربي ، وفي حكومات الدول التي يتوافد عليهـا المـهـاجرون بأعداد كبيرة، وهي سياسات إن نفذت سيكون لها آثار عميقـة على مستقبل الملايين من الشباب العربي ، الذين تركوا بلادهـم ليعيشوا في أوروبا، وعلى مستقبل الملايين الحالمين بـالهجرة إليها.
يرى المجلس الأوربي أنه أصبح من الضروري الوصول إلى سياسة أوربية موحدة للهجرة. وفي 11 يناير الماضـى أصدر ما سمى "بالكتيب الأخضر" طرح فيه بعـض التساؤلات على الحكومات المعنية وطلب منها، ومن مختلف الجمعيـات، والهيئات، والمراكز البحثية المهتمة بهذه القضية ، أن تنـاقش سياسات الهجرة، وأن تقترح ما تراه مناسبا في هذا الشـان عن حلول. وتتطلب من وجهة نظر حكامهـا ، الاتفاق علـى رؤية واضحة . فهناك مشاكل سكانية تزداد حدة في البلدان الأوربية ، منها الانخفاض المستمر في عدد السكان بسبب امتناع الأوربيين عن الإنجاب، انخفاض يقترن بارتفاع في متوسط العمر، وزيادة نسبة المسنين الذين لا يعملون، ولا ينتجون ، بل يعتمدون على عمـل غيـرهم في الإنتاج، والخدمات.
تشير الدراسات التي أجرتها مراكز البحث ، إلى أنه خـلال الفترة من ۲۰۱۰ و ۲۰۳۰ ، ستفقد بلاد الاتحاد الأوربي عشرين مليونا من الأيدي العاملة نتيجة هذه الظـواهر السكانية، ولا يوجد سبيل لسد هذا العجز المتوقع سوى فتح أبواب الهجـرة المشروعة. في هذا السبيل يقترح بعض المسئولين تحديـد " كوتا"، أي حجم عدد المهاجرين الذين يمكن قبولهم في كل بلد. لكن الحكومات تجنح إلى الاحتفاظ باسـتقلالها ، في تحديـد السياسة التي تراها مناسبة، ولا تريد أن تتنازل عنه للاتحـاد الأوربي ، الذي يجمع خمسا وعشرين دولة ، كثيرا مـا تختلـف مصالحها.
توجد مشكلة أخرى تتعلق بسياسات الهجرة غير مسـألة العودة. فمع التقدم التكنولوجي السريع في جميـع المـجـالات ، تميل بعض الحكومات إلى فتح أبواب الهجرة أساسا ، أمام الذين حصلوا على تكوين علمي، وخبرة علمية في بعض المجـالات الإنتاجية، والخدمية. وهذا هو ما قررته ألمانيا مثلا في بدايـة سنة ٢٠٠٠ ، عندما فتحت باب الهجرة أمام القادرين على العمل في مجال المعلومات (العقول الإلكترونية) ، فأعلنـت أن العـدد الذي ستقبله هو 75,000 مهاجر.
مثل هذه السياسة نتيجتها تفاقم ظاهرة استنزاف العقول ، حيث ستحرم البلاد العربية من عقولهـا المفكـرة القادرة على المساهمة في ملاحقة قطار التقدم . كذلك الأمـر بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فهي تتبع سياسة انتقالية منذ سنين طويله، تسمح بهجرة .۸۰۰,۰۰ شخص إليها سنويا حسب نظام للأولويات. تعطى الأولوية للاعتبارات الأسرية ، ولأنواع معينة من المهارات. لذلك تخصص 114,600 فيـزا ، لأطفال، وأزواج، وزوجات المهاجرين الذين حصلوا على إقامة دائمة في الولايات المتحدة، و 65,000 لإخـوة وأخـوات المواطنين والمواطنات الأمريكيين. ثم بعد ذلك تقسم الشرائح کالاتی: 40,000 "لكـوادر" الشـركات المتعـددة الجنسية ، والأشخاص "أصحاب المهارات غير العاديـة ، و40,000 للمهنيين ذوى " التكــوين العـالي" و "القـدرات النـادرة"، و 40,0۰۰ للعمال المهرة، والعمال غير المؤهلين الذين يلبـون احتياجات خاصة.
في سنة ٢٠٠٢، أعطت الحكومة الإيطالية حـق الإقامـة المشروعة لعدد من المهاجرين غير المستوفين للشـروط القانونية وصل إلى 635,000، كما قررت التصريح بدخول 150,000 مهاجر جديد خلال سنة ٢٠٠٥، مع ملاحظـة أن نسبة كبيرة منهم ، تأتى من بلاد شرق أوربا لتتجه إلى إيطاليـا وغيرها.
أصبحت إيطاليا منذ سنة ١٩٨٠ ، من البلاد التـي ينتقـل إليها عدد كبير من المهاجرين . لكنها تفكر الآن في أن تحد من هذا التدفق بتنفيذ سياسة "الكوتا" ، وأن تقيم نظمـا تـحـول دون دخول المهاجرين غير القانونيين.
منذ أن وصل الاشتراکی "خوزيه ثاباتيرو" إلى الحكم في"إسبانيا" خلال شهر أبريل سنة ٢٠٠٤، انكبت الحكومة الجديدة على دراسة وضـع المهاجرين المقيمين فيهـا ، وعـددهم 2,500,000 أغلبهم من شمال إفريقيا، وأمريكا اللاتينيـة . فأعلنت أنها ستشرع في تقنين أوضـاع مـا لا يـقـل عـن 650,000 مهاجر خلال الفترة القادمة، لكنها لم تعلـن عـن السياسة التي ستتبعها في المستقبل ، إزاء المهاجرين الجـدد . علماً بأن أسبانيا تستقبل ٢٣% من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتجهون إلى أوروبا.
في فرنسا ، اتجهت الحكومات اليمينية إلى التخلص مـن أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير الشرعيين، ففـى سـنة ٢٠٠٤ تم طرد 15,000 مهاجر، وفي سنة ٢٠٠٥ أعلـن وزير الداخلية "دومينيك دي فيلبان" أنه تقرر طرد 20000 مهاجر.
عدد المهاجرين الذين يحصلون على إقامة قانونية فـي البلاد التي ذكرناها ، يصل إلى 1.400.00 سـنويا. لكـن الآن يوجد اتجاه قوى لتحديد عملية الهجرة، وإحاطتها بقيود أكثـر صرامة من تلك القائمة، وتوجيههـا بحيـث تخـدم أغـراض الشركات المتعددة الجنسية ومصالحها. هذه القيـود لا تتعلـق بعدد المهاجرين ، فحسب ولكن أيضا بأنواع المهاجرين . وهـدفها اقتصار الهجرة إلى حد كبير ، علـى ذوى المؤهلات العليـا، والخبرات الخاصة، وبحيث تتحول أوروبا ، إلى قلعـة منيعـة لا يستطيع أن ينفذ إليها ، سوى أولئك الذين تحتاج إليهم الأنظمـة الخادمة للرأسمالية الكبرى.
لقد تقلص حلم الهجرة إلى بلاد النفط منذ حرب الخليج الأولى. والآن تتجه أوروبا إلى غلق أبوابها أمام مئات الآلاف ، من الذين كانوا يتدفقون إليها. لم يعد حلم الهجرة واردا إلا في حيز ضيق .
وسيظل يضيق في السنين القادمة ، إلـى أن ينجح أنصار التقدم ، في شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط ، فى فرض حرية التنقل للناس بين البلاد ، بعد أن فرضت الرأسمالية حرية التنقل لرؤوس الأموال.
--------------------------------
من كتاب : " يوميات روائى رحَال " 2008



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحاديث الترحال
- ليس مهما جواز السفر
- فى سوق الخلفاوى
- هل يمكن أن نصنع مواطنا عالميا ؟
- بنات الباليه المائى وبائع الخس
- دفن - ذات - المرأة فى عيدها العالمى
- بابل
- عودة الحرباية
- ثلاثة أيام فى تونس الخضراء
- تأملات فى صورة
- لماذا يبعون ؟؟ يوميات أستاذ زائر
- عن الابداع والقهر
- الصباح وحكايات الجُرن
- فى المنتدى الاجتماعى العالمى ... بناء عالم آخر ممكن
- فقراء العالم يزحفون
- البحث عن ثغرة فى الحصار
- الأعداء الحلفاء
- الخوف من التقدم
- الاغراء الأخير
- هل أصبح المستقبل للجواسيس ؟


المزيد.....




- مصر.. نجل وزير سابق يكشف تفاصيل خطفه
- ذكرى تحارب النسيان.. مغاربة حاربوا مع الجيش الفرنسي واستقروا ...
- لبنان.. لقطات توثق لحظة وقوع الانفجار بمطعم في بيروت وأسفر ع ...
- القبض على الإعلامية الكويتية حليمة بولند لاتهامها بـ-التحريض ...
- مصر.. موقف عفوي للطبيب الشهير حسام موافي يتسبب بجدل واسع (صو ...
- -شهداء الأقصى- التابعة لـ-فتح- تطالب بمحاسبة قتلة أبو الفول. ...
- مقتل قائد في الجيش الأوكراني
- جامعة إيرانية: سنقدم منحا دراسية لطلاب وأساتذة جامعات أمريكا ...
- أنطونوف: عقوبات أمريكا ضد روسيا تعزز الشكوك حول مدى دورها ال ...
- الاحتلال يواصل اقتحامات الضفة ويعتقل أسيرا محررا في الخليل


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شريف حتاتة - حديث الهجرة