أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شريف حتاتة - فى سوق الخلفاوى















المزيد.....

فى سوق الخلفاوى


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7606 - 2023 / 5 / 9 - 00:02
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في سوق الخلفاوى
-----------------
عندما انتقلنا للسكن في حدائق شبرا أمام "جزيرة الوراق" ، أصبحت أذهب الى سوق "الخلفـاوي" لشـراء الفواكه والخضروات. فهي إحدى وسائلى لكسر العزلة التي يعاني منها منْ يقضون الساعات الطويلـة فـي القراءة والكتابة والتأمل بعيدا عن الناس، عن التعامـل مع الرموز، والأساطير، والخيالات ، بعيدا عن التدفق اليومي العادي للحياة.
أجتاز الحواري التي تصل بين كورنيش النيـل والأحياء "الجوانية" لحي شبرا، شـاقا طريقـي بـين صفوف الورش الصغيرة، ومحلات البقالة، وبائعي قطع الغيار، والجالسين على المقاهي يبتلعون كرسـيـا مـن الدخان، وكوبا من الشـاي، بين أطفـال المـدارس، والنساء العجائز يحملن أكياس الخبز والطعام تئن مـن تحتها مفاصل السيقان تأكلت مع الأيام، والموظفين، والعاطلين، والعمال. أتأمل شـجرة خضـراء ، مازالـت ترتفع وسط كتل الأسمنت والطوب البائسة الخرساء.
أعود الى حجمي الطبيعي ، في مدينـة أصبحت كـالوحش يعيش أغلب سكانها على هامش الحياة. أتساءل كيـف يمكـن تغيير كل هذا ، والذين يحلمون بالتغيير، ويتحدثون عنـه فـي الصحف والندوات ، مازالوا بعيدين عـن هـؤلاء ؟.
أرى نفسـى جالسا في اجتماع نظمته ثلاثة هيئات تعمل في المجال السياسي والاجتماعي العام. في صالة مستديرة ضخمة تمتـد حولهـا منضدة دائرية، ومقاعد وثيرة صنعت لإراحة الأجسام. عنـدماأرفع رأسي ، ألمح سقفها يرتفع مثل القبة في قصر من قصـور الأمراء، ونجفة كبيرة تتلألأ أضواؤها الذهبية علـى الوجـوه، وعلى صلعة أحد مندوبي الأحزاب جاء مثلى ليدلي بدلوه فـي "المكلمة"، في النقاش الذي كان عنوانه "مسـتقبل اليسـار"، وليحذر الحاضرين من التفكير في تكوين أحزاب جديدة.
دار النقاش حول كل شيء ، ماعدا التحركات الاجتماعيـة التي تزحف في كل ركن من أركان البلاد، مـن "الإسكندرية" حتى "أسوان"، فأدركت أن التاريخ قرر أن يأتى الخلاص ، مـن تحرك أناس من غير المجتمعين في هذه الندوة، وأنه على منْ لديهم الاستعداد أن يبحثوا عن هذه الحركات ، ليقدموا لهـا مـا تبقى لديهم من قدرات.
عندما جاء دوري للمساهمة في النقاش ، تساءلت كيـف غاب الحديث عن دور اليسار في الارتباط بالحركـة الشـعبية العالمية ضد عولمة الرأسمالية النيوليبرالية ، بينما تعانى بلادنا من حصارها، من وقوعها في فخ "السوق الحرة" ، ولا تستطيع الفكاك منها إلا بإيجاد رباط، وتضامن بين الحركـة الشـعبية المحلية وحركة الشعوب العالمية. وعن غياب أي حديث عـن وضع النساء في المجتمع والتهميش المتزايد الذي يعانين منه، في الحياة، والعمل، في المجتمع، والسياسـة خصوصـا بعـد استشراء نفوذ الفكر الديني الرجعـى وهزيمـة الاتجاهـات المتنورة. النساء تشكلن أكثر من نصف المجتمـع وعنصر جوهري في تركيبه ونسيجه. إن التقـدم أو التـأخر مرهون الى حد كبير ، بمدى تحريرهن مـن القيـود الرجعيـة المفروضة عليهن، وبمدى مساهمتهن في العمـل ، مـن أجـل إحداث تغيير ديموقراطي اجتماعي عميق.
قرأت على وجوه أغلب الحاضرين ذلك الجمود الذي يـنم عن الإعراض، أو ابتسامة صغيرة تعبر عن الإشفاق علـىَ أو السخرية منى. ترى متى يلتفت أنصار اليسار في مصـر ، الـى قضايا أصبحت جزءا من الممارسة المعتادة لحركات اليسار الجديدة في العالم.
الثوم الصيني
---------------------
في سوق "الخلفاوي" أعود الى تلقائيـة، ودفء النـاس العاديين، الى روائح وألوان الفواكه والخضروات المرصوصة أمامي بعناية. أتعرف على مشاكل الرجال والنساء من خـلال الحديث عن معدل ارتفاع الأسعار، عن نواحي تتعلق بالزراعة واستخدام المبيدات، والمخصبات، والهرمونات التـي تسـرع بالنمو، وتضخم أحجام الثمار، عـن قيمـة الجنيـه ومشـاكل السوق، والتوزيع والتجارة. وفي يوم من الأيام وقعت عينـيَ على رؤوس من الثوم كبيرة الحجم، بيضاء تبدو مختلفة عـن الثوم الذي تعودت على شرائه. سألت أحد البائعين عنه ، فأجاب أنه مستوردة من الصين. فاندهشت. ثوم من الصين ؟ . طـار خيالي فوق المحيطات ، الى ذلك البلد الضخم الذي وصـل عـدد سكانه الى مليار وثلثمائة ألف أي الى ٢٠% من سكان العالم. أغرق أسواقنا وأسواق العالم بمختلف المنتجـات، بـالملابس والمنسوجات، والصـنـادل و"الشباشـب" و"الشـرابـات"، بالراديوهـات، والكاســـــيتات، والمســـجلات، والحاســــــــات الألكترونية، وماكينات الخياطة، والدراجات الهوائية والبخارية، ولعب الأطفال والأدوات المنزلية وفي شهر رمضان بالفوانيس التي تغني "وحوى يا حوی". انتشرت هذه السلع الى الحد الذي جعلت الولايات المتحدة وبلاد الاتحاد الأوروبي ، تهـدد بفرض عقوبات اقتصادية على الصين ، إن لم تحد من هـذا الإغـراق ، وتتفق معهم على نظام للحصص.
ابتعت نصف كيلو من الثوم الصيني ، وأعطيت جـزءا منـه لابنتي "منى حلمي" فهي مولعة بأكل الثوم لأنه مطهر، وينظم حركة الأمعاء ، فضلا عن أنه يخفض نسبة "الكولسترول" الضار في الدم ، للذين يشكون مثلى من ارتفاعه. كان الفراعنـة يعتبرونه عنصرا أساسيا في طعامهم ، فاهتموا بزراعتـه ، وتحدث الكهنة القائمين آنذاك على الطب والعلاج ، عن بعـض فوائده الصحية وسجلوها في بردياتهم. الولايات المتحدة تعتبر الصين القوة الأساسية ا، لتي يمكـن أن تواجه هيمنتها على العالم. تريد أن تحـد مـن تطورهـا الاقتصادي . لكنها في الوقت نفسه ، لا تستطيع أن تحـول دون اندفاع شركاتها الكبرى نحو الاستثمار فـي هـذه البلاد ، ذات السوق والإمكانيات الهائلة خصوصا إزاء أزمة الركود المزمنة التي يعاني منها النظام الرأسمالي المالي . لقد حققـت الصـين إنجازات كبيرة ، منذ أن قامت بتطبيق السياسـات الاقتصـادية المرنة للراحل "دنج هسياو بنج"، وهي سياسات تعتمـد علـى قطاع الدولة في المجالات الاستراتيجية الهامة للاقتصاد مثـل الطاقة، والصلب، والآلات الإنتاجية الثقيلة، والاتصالات وعلى إطلاق يد القطاع الخاص تحـت رقابـة الدولـة وقوانينهـا، وتحكمها في سعر الصرف مقابل الدولار، وفي إحكـام نـظـام الضرائب. حققت معدلات للنمو تتراوح ما بین ۸ – ۱۰ % خلال السنوات التسع الأخيرة. وركزت علـى إنتـاج السلع المطلوبة في السوق العالمي التي لا تحتاج الـى تكنولوجيـة متقدمة ، مثل تلك التي تملكهـا الولايات المتحـدة وألمانيـا وبريطانيا، وفرنسا، وذلك حتى تتمكن من بناء قاعدة صناعية متينة، وتحقيق تراكم رأسمالي ومصرفي ، يسمح لها بالانتقـال إلى مرحلة تكنولوجية متقدمة بعد عشرين أو ثلاثين سـنـة حسب تقدير المخططين والخبراء في هيئاتها المختلفة، وحتـى يتم تدريب الكوادر المناسبة لهذا الانتقال.
في الوقت نفسه ، تمكنت الصين من القضاء على الفقر بين ۱۳۰ مليون من سكانها، ومن تطبيـق نظـام ديمقراطـي لا مركزى ، يسمح بتولي السكان المحليين في عدد كبير من المدن والمقاطعات شئون التخطيط، والتطوير، والتنفيذ عـن طريـق مندوبيهم المنتخبين محليا ، والذين يخضعون لنظـام يسـحب الثقة منهم إذا لم يحققوا آمال الرجال والنسـاء الـذين أعطوا لهم أصواتهم. مازالت المشاكل التي تواجه هـذا البلـد الضـخم كبيـرة ومعقدة. منها وجود ۷۰۰ مليون من سكان الريـف تحسـن مستوى معيشتهم ، وإن كانوا يعيشـون بأقـل مـن دولارين في اليوم، والتفاوت الذي ظهر بين أغنيـاء السـوق الحرة، والقطاع الخاص الرأسمالي ، وبين العمال والفلاحين في أغلب مدن ومقاطعات الصين، ووجود ما يقرب من مائة مليون عاطل يعيشون على الإعانات.
مع ذلك فإن التقدم الذي ما زالت تحرزه هذه البلاد ، ينبـيء بأنها يمكن أن تؤثر على ميزان القوة في العـالم، وأن تلعـب دورا أساسيا في تحديد مساره. الأمل هو ألا تتطور الصين في اتجاه يسعى الى قيام امبراطورية جديدة كما حدث في التـاريخ بالنسبة لغيرها من البلاد. وحتى الآن لم تظهر في نظامهـا الحاكم مثل هذه الاتجاهات. مع ذلك فـالملاحظ أن الشـركات المتعددة الجنسية أصبحت تستثمر أموالها في الصـيـن علـى نطاق واسع، وتقيم مصانع ومنشئات اقتصادية خاصة بها، أوتساهم بها في مشاريع الرأسمالية الصينية. لكن هذه المصانع والمنشئات ، لا تنتج أساسا للسوق المحلى وإنما تصدر منتجاتها للخارج ، مستفيدة من رخص الأيدي العاملة الصينية ، ومن شبكة البناء التحتية والخدمات المتوفرة فـي المنـاطق الجنوبيـة والجنوبية الشرقية من الصين.
سألت بائع الخضروات الذي أتعامل معه. رجل صعيدي،أسمر البشرة يلف رأسه بعمة كبيرة، وتبرق عيناه الصغيرتان بضوء قوى .
" رأيك إيه في الثوم الصيني يا عم عسران ؟ .
" ده شغل المستوردين يا دكتور. عـايزين يكسـبوا علـى حسابنا. هو التوم المصری ماله ؟ . دول مغرقنا بحاجات هتخرب بيوتنا ".
"تعرف الصين دى فين يا عم عسران " .
" لا والله. أعرف بس إنهم زى الجراد وبيزحفـوا علينـا. إنما إن جيت للجد ، هم شاطرين وبيجتهدوا في شغلهم".
------------------------------------------------------
من كتاب " يوميات روائى رحَال " 2008



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن أن نصنع مواطنا عالميا ؟
- بنات الباليه المائى وبائع الخس
- دفن - ذات - المرأة فى عيدها العالمى
- بابل
- عودة الحرباية
- ثلاثة أيام فى تونس الخضراء
- تأملات فى صورة
- لماذا يبعون ؟؟ يوميات أستاذ زائر
- عن الابداع والقهر
- الصباح وحكايات الجُرن
- فى المنتدى الاجتماعى العالمى ... بناء عالم آخر ممكن
- فقراء العالم يزحفون
- البحث عن ثغرة فى الحصار
- الأعداء الحلفاء
- الخوف من التقدم
- الاغراء الأخير
- هل أصبح المستقبل للجواسيس ؟
- شجاعة الابداع
- الابداع وتجربة الوعى الباطنى
- يوميات ايطالية


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شريف حتاتة - فى سوق الخلفاوى