أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - شريف حتاتة - أحاديث الترحال















المزيد.....

أحاديث الترحال


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7634 - 2023 / 6 / 6 - 00:58
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


---------------------------------
اليوم الثالث عشر من سبتمبر ۲۰۰۳. أقف على الشاطئ في "بيكس أيلاند"، جزيرة تقع قرب الساحل في ولاية "ماين" الأمريكية ، خضراء كالزمردة السابحة فـي المياه تتلألأ في الشمس الصاعدة في السماء ، تذكرني بجزيرة "الوراق " كنت أطل عليهـا مـن نـافـذتـي فـي الصباح.
أتأمل المحيط الأطلسي يمتد أمامي. أستمع إلـى الصمت ، فالمحيط هنا هادئ حاصرته وروضته الجـزر المتناثرة على طول الشاطئ. أمتص الهـواء النقـي، والجمال. أمتص الخضرة، وأشعىة الشمس، وزرقة المياه. أحيا لحظات الاطمئنان. فحتي عاصفة "إيزابيل" لن تصل إلى هذا المكان. أعلن خبراء الأرصاد الجوية أنها اتجهت من "الكاريبي" إلى ساحل نورث كارولينا عند الجنوب - فنزح عنها مائة وخمسون ألـف مـن السكان بعد أن أغلقوا بيـوتهم، وسمروها بـألواح الخشب.
أستغرق في المسافات، مسافات الـزمن، ومسـاقات الترحال. اليوم عيد ميلادي الثمانين، وصلت إلى سن الثمـانين قبل الفجر بقليل، وأنا في هذا المكان تفصلني عن بلادي آلاف الأميال. جبت العالم من أقصاه إلـى أقصـاه مـن أستراليا" و"الفيلبين" إلى "أمريكا الشمالية" وكنـدا" و "المكسيك". مـن الهند" و"ماليزيا"، و"تايلاند" إلى "أمريكا الجنوبية" و"البرازيل". من "إفريقيا الجنوبية" و تانزانيا" و"موزمبيـق " إلـى "ألمانيـا " و " هولاندا" و"السويد". ارتبطت بالحركة الاشتراكية منذ ثمانيـة وخمسين عاما، شاهدت انهيار النظم الشيوعية. شاهدت انهيار الاشتراكية الديمقراطية وانحيازها إلى صف الرأسمالية. واليوم أشاهد ولادة تيارات عالمية تستأنف المسيرة نحو الأهداف التي انحرف عنها غيرها. قضيت من أجل أفكاري ثلاثة عشر عاما في السجن بتهمة " قلب نظام الحكم بالقوة والإرهاب" رغم أنني لم أحمل سلاحا قط إلا سلاح الرأي. عشت عهد الملك " فـؤاد " والملك " فاروق" و"الإنجليـز"، و"عبـد الناصـر" و "السـادات "و " حسني مبارك"، و"الأمريكان". وربما أعـيش عهـد " جمـال مبارك" أو غيره من الحكام. تزوجت منذ أربعين عاما وأصبحت لي أسرة علمتني أشياء كثيرة كنت أجهلها من قبل.
في جامعة "ترومسو"
---------------------------------
وصلت إلى جزيرة "بيكس" راحلا مـن مدينـة اسـمـها " ترومسو" وهي مدينة صغيرة على شاطئ بحر الشـمـال فـي النرويج ، لا يزيد عدد سكانها على سبعين ألفا. أسست لنفسـها جامعة منذ عشرين عامـا، ومنحـت هـذه الجامعـة " نـوال السعداوي" الدكتوراه الفخرية تقديرا لأعمالها الأدبية، ونضالها الاجتماعي المستمر، فدعيت معها لحضور الاحتفال في الجامعة الجميلة المقامة مبانيها من اللدائن الملونة، والزجـاج يطـل الجالسون في مدرجاتها، ومكاتبها، ومكتباتها من خلاله علـى الخضرة، والأشجار. داخل المبـانـي فـي الصـالات نباتـات، وشجيرات، ومساقط صغيرة للمياه تنحدر على الجدران، لتجعل الطبيعة معهم على الدوام.
كان الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة ، جميلا في بساطته مختلفا عن نمط الاحتفالات التي حضرتها معهـا فـي جـامعـة "يورك" بانجلترا ، و"سانت اندروز" ، في "اسكتلاندا" أو غيرهمـا.
ففيهما كان الاهتمام بالطقوس ظاهرة بارزة ، توحي بسطوة العقلية الطبقية الأبوية . لكن جامعة ترومسو مختلفة عن هذه الجامعات، حديثة العهد متقدمة فكريا، ليس فيها جبروت مـنْ يعتبرون أنفسهم جالسين على عرش المعرفة والعلم. منحـت منذ سنتين أي في 15 مايو سنة ٢٠٠١ ، ذكـري تقسيم فلسطين الدكتوراه الفخرية لرجل إسرائلي يدعي "موردخـاي فنانو". ولما قرأت الكتيب الذي أصدره قسم التاريخ في الجامعة عن هذا الموضوع ، اتضح أنه يهودي ولد سنة 1954 في "مراكش" بالمغرب، وهاجر مع عائلتـه إلـى إسـرائيل سـنة ١٩٦٣، عندما كان سنه تسع سنوات، خدم في الجـيـش مـن سنة 1971 إلى ، 1974 ثم سرح بعد أن أدي خدمته، وبعد أن وصل إلى رتبة "صول". على أثر ذلك أنضم إلى جامعـة " تـل أبيب" ، ليقوم بدراسة الفيزياء لكنه أنهي دراسـتـه بعـد سـنة ليلتحق بعمله كفني في مركز أبحاث "ديمونا" للطاقة الذرية في النقب. سنة ١٩٧٩ شرع في دراسة الجغرافيا، والفلسفة فـي جامعة "بن جوريون" وتخرج فيهـا سـنة ١٩٨٣ ليواصـل دراساته العليا في مجال الفلسفة. أثناء سنوات الدراسة تطـور وعيه، وزاد نشاطه السياسي، فعارض الغزو الإسرائيلي للبنان سنة ١٩٨٢، وأصبح ناقدا للسياسة العدوانيـة التـي تتبعهـا دولته ضد الفلسطينيين. في خريف سنة 1985 ترك عمله في مركز "ديمونا" وسافر إلى الخارج، وبعد ذلـك بسـنـة يـوم ه أكتوبر سنة ١٩٨٦ ، نشرت جريدة "السنداي تايمز" الإنجليزية مقالا طويلا أستقت معلوماته من تحقيقات صحفية أجريت مـع فنانو"على مدار عدة أيـام تتضـمن صـورا فوتوغرافيـة ورسومات التقطها سرا، تثبت أن مركز "ديمونـا" للأبحـاث لا يقتصر دوره على الأبحاث المتعلقة بتطـوير الطاقة الذريـة للأغراض السلمية، وإنما قام خلال عدة سنوات بصـنـع عـدد كبير من القنابل الذرية بالتعاون مع جنوب إفريقيا.
بعد أن نشر هذا المقال اختفي "فنانو" . وفي أواخر شـهر نوفمبر اتضح أنه تم اختطافه، وتخديره وتكبيله بالسلاسل في "روما" بواسطة "الموساد" الإسرائيلي الذي تـولي نقلـه إلـى إسرائيل ، حيث صدر عليه حكم بثماني عشرة سنة سجنا بتهمة الجاسوسية والخيانة. أجريت المحاكمة في تكـتـم شـديد ، أودع بعدها في زنزانة صغيرة ليقضي اثنتي عشرة سنة مـن هـذا الحكم في الحبس الانفرادي ، محروما من أية زيارات. عندما قررت جامعة "ترومسو" أن تمنح "فنانو" الدكتوراة الفخرية ، كانت تريد أن تقول إن الضمائر الحية موجودة في كل مكان، ليس لها وطن، أو موطن دون سواه، وأنها ملك للعـالم يحب الاحتفاء بها والإعلان عنها. فقد كـان القائمون علـى شئون هذه الجامعة مقتنعين أن هذا الرجل ، لم يكـن جاسوسـا حصل على أسرار لحساب قوة أجنبية، أو خائنا باعها لمنفعـة شخصية، بل مواطنا عاديا ، ظن أنه عندما تم توظيفه كفني في مركز "ديمونا" ، أن الأبحاث التي سيساهم في إجرائهـا هـدفها استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وأنه عنـدمـا وقـع على تعهد بعدم إفشاء أسرار هذه الأبحاث كان الأمـر يتعلـق بالمنافسة العلمية، وملكية هذه الأبحـاث. لـم يتعهـد بتكـتم المشاركة في صنع أسلحة ذرية محظورة . كانت إسرائيل تنكـر في ذلك الوقت قيامها به. لذلك قرر أن يعلن على الملأ قناعته ، بأن دولة إسرائيل تنفذ سياسات حربية خطيرة للغاية في منطقة تتميز بكثافتها السكانية العالية، معرضة أكثـر مـن غيرها للمنازعات، وأن إلقاء قنبلة ذرية فيها يمكن أن يؤدي إلى موت ملايين من الناس، وإلى خراب سيكون مداه هائلا. إن فضـح " فناتو " لهذا السر كان دفاعا عن الإنسانية، عن حقها في الحياة، والسلام، وإعلانا عن معارضته للأساليب السرية المعادية للديمقراطية ، التـي يخفـي بـهـا الحـكـام سياسـتـهم وتصرفاتهم عن الشعوب ، التي يدعون تمثيلها خشية المعارضة التي يمكن أن تثيرها.
كان رأي القائمين على الجامعة ، أن الموقف الذي اتخذه يجسد معضلات ومآسي نعيشها في هذا العصر، ومنهـا معنى وحدود ولاء الفرد لدولـة بذاتها، وهشاشـة الديمقراطيـة المزعومة في عصر ازدواجية الكذب والتضليل ، الذي يمارسه الحكام عن طريق وسائل الإعلام، والتعدي الفاضح على حقوق الإنسان، ومخاطر الحرب في عصر أسلحة الدمار الشـامل ، والادعاء بأنها هي الضمان لحفظ الأمن والسلام في العـالم إذا ما بقيت احتكارا للدول الكبرى.
السباق نحو الهاوية
---------------------------------
شهدت هذه القضية تطورات سريعة ، منذ أن حصل "فنانو" على الدكتوراه الفخرية من هذه الجامعة، وأصبحت سياسـات الولايات المتحدة تثير التساؤل، والمعارضة على نطاق واسع، حتى في مدينة " ترومسو" البعيدة الهادئة ، حيث يتمتع السـكـان برغد معيشة غير عادي.
أثناء المحاضرتين اللتين ألقيناهما على الطلبة والطالبات، والحوارات التي جرت بيننا وبين أساتذة وأسـتاذات الجامعـة ، وأثناء الرحلة الجميلة التي قمنا بها إلى أحد الخلجان ، لاحظنـا وجود معارضة جماعية لسياسات المجموعـة الحاكمـة فـي الولايات المتحدة، وضد إسرائيل وعدوانها على شعب فلسطين، وضد احتلال العراق، وضد تطوير أسلحة الدمار الشـامـل فـى إسرائيل وفي أمريكا ، والتي كانت حجتها في غزو العراق وجود هذه الأسلحة فيها ، ثم ثبت كذب هذا الادعاء.
في الأسابيع الأخيرة ، وافق الكونجرس الأمريكـي علـى تخصیص ٢١ مليون دولار للأبحاث الذرية ، بهدف صـنع ما يسمونها "الأسلحة الذرية التكتيكية"، وهي أبحـاث سـتهدف الوصول إلى صنع قنبلة ذرية ، تستطيع أن تخترق سطح الأرض لتصل إلى استحكامات مدفونة في العمق، قنبلة ستكون قوتهـا التدميرية عشرة أضعاف تلك التي ألقيت على مدينة "تجازاكي" اليابانية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. كما تستهدف صنع قنبلة أخري ذرية ، قوتها تعادل ثلث قنبلـة " تجـازكي " يمكـن ، تركيبها في رءوس الصواريخ القريبة والبعيدة المدي.
يدعى "بوش"، ومعه عصبة الأصوليين المحيطين به أن سياساتهم هذه موجهة لمحاربة الإرهاب" وحفظ أمـن الـعـالم بينما هي تدفعه إلى منحدر خطير، إلى استئناف التسابق فـي صنع أسلحة الدمار الشامل، فالدول الأخرى تسعي إلى التسلح الوقائي الذري، أو الكيميائي، أو البيولـوجي ضـد ضـربات أمريكية وقائية محتملة، مما قد يؤدي إلى ردود فعل لا يمكـن تقدير مداها، أو عواقبها، كما أن هذه العصـبة تولـد بـاسـم محاربة الإرهاب إرهابا متزايدا يتسلل إلـى حركـات مقاومـة الاحتلال كما يتضح في "العراق"، و"أفغانستان".
أعادت إلىَ "أم كلثوم"
------------------------------------
لم نقض الأيام كلها في الحديث عن الحـرب، وأسلحة الدمار، والمخاطر التي تهدد حياة الناس، فمدينـة " ترومسـو" تهتم بالثقافة والأدب، والفن. لاحظنا ذلك في كثرة المكتبـات. لذلك نظم المسئولون عن برنامج زيارتنا اجتماعا لنا في مقهى يقوم بعمل لقاءات بين الكتـاب والشـعراء والفنانين ، وبـين الجمهور طوال أيام الأسبوع. وفي الأمسية التي خصصت لنا وجدنا المقهـي مزدحمـا بالرواد جلسوا، أو وقفوا للاستقبال، فالأغلبيـة كانـت مـن الشباب. تحدثنا عن حياتنا، وعن تجربتنا الأدبية لمدة نصـف ساعة. ثم دار حوار ، كان موضوعه "هل يجب أن يتخطى الكاتب الفاصل بين العزلة التي تفرضها الكتابة عليه وبين المشـاركة في قضايا الجماعة ؟.
كانت أمسية ممتعة قضيناها في جو من الود، والحماس، أمسك فيها الحاضرون بهذا المحور، ولم يتركوه. لم يقاطع أحد منهم الآخر. كان الجميع يستمعون في صمت إلى منْ يتكلم. تكلموا، وسألوا، وأضافوا، وضحكوا ثم فـي نهـايـة الأمسية ، حيونا واقفين، وتقدم بعضهم لاحتضاننا، ومن بينهم امـرأة قصيرة القامة، في وجهها ملامح لها مسحة آسيوية، وعينـان سوداون تشعان ببريق قوي يخطف الأبصار. قالت لنـا نـائـبـة مدير الجامعة التي رافقتنا طوال الأيام أنها مغنيـة مشهورة عالميا، وأنها من سكان المناطق الواقعة فـي أقصـي شـمال "النرويج"، و"السويد"، و"فنلندا" عددهم مائتـا ألـف، ويطلـق عليهم وصف شعب "سامي" أو "اللابلاندر"، إنهم يطالبون بقدر من الاستقلال الذاتي ، فقد عانوا طويلا من الاضطهاد، والتجاهل. طلبنا من نائبة رئيس الجامعة أن تدعوها إلى العشاء في الليلة التي حددتها لاستقبالنا، وهكذا أتيح لنا أن نستمع إلى صـوت نادر، إلى هذه المرأة الآتية من شعب فقير، بدائي منـزو فـي أقصي الشمال يحيا وسط الثلوج، وفي الظلام ، ما عدا مدة ثلاثة شهور في العام، صوت ذكرنا "بـأم كلثوم" لاتسـاع سـلمه الموسيقي، ودرجاته، وتنويعاته. كانت تغني بـلا جـهـد كـأن صوتها صوت الطبيعة، فلما ذكرت لها هذا الانطباع قالـت :أغنياتي اسمها "الشمس والريح".
قالت لنـا مـضـيفتنا ، انهـا ترفض أن تغنـي إلا فى المهرجانات، والاجتماعات الشعبية معبرة عـن أمـال وآلام شعبها، والشعوب كلها، أعطتنا أسطوانة مدمجة فيهـا بعـض أغنياتها، حملتها معي لأسمعها وأسمعها لغيري.. لا زلت أتذكر أن اسمها "ماري بوين برش".
سياسيون وجوههم مشرقة
---------------------------------------------
في اليوم التالي ، اصطحبنا " نوال " وأنا ، شاب اسمه "استيبان" في جولة حول المدينة سيرا على الأقدام. "واستيبان" متخصص في "علم النفس" حضر مؤتمر "جمعية تضامن المرأة العربية" السـادس في القاهرة، فجاء من "أوسلو" العاصمة عندما سمع بزيارتنـا إلى "ترومسو". قادنا إلى سوق الفلاحين وهناك عرفنا بصديقته الفرنسية، تحضر من "فرنسا" بسيارتها إلي الأسـواق وتبيـع السترات الصوفية، فأصرت على إهدائنا سترتين لنرتديهما في الشتاء.
بعد أن انتهينا من التجول في السوق، قادنا "استيبان" إلى شارع طويل ليست فيه سيارات، مزدحم بعدد كبير من النـاس أغلبهم من الشباب. كان بعضهم يوزعون النشرات، والكتيبات، ويقفون عند الأكشاك الخشبية التي اصطفت علـى الـجـانبين مزدانة بالأعلام، واللافتات والصور، والبالونات الملونة. أخـذ يشرح لنا أن الانتخابات المحلية في "النرويج" ستجري بعد أيام ، فأخذنا ننتقل بين الأكشاك التي أقامتها الأحزاب المختلفة بهدف الدعاية لمرشحيها ، وصرنا نتوقف عندها لنتحدث مع المندوبين، والمرشحين والمرشحات. لفت نظرنا أن أغلـبـهـم كـانـوا مـن الشباب ، وأن نسبة النساء بينهم كانت مرتفعة ، علـى الأخـص بين مرشحي الحزب "الأشتراكي" يجنح إلى اليسار أكثـر مـن أقرانه في الدول الأوروبية الأخري، و حزب "الخضر"، والحزب "الديمقراطي"، والحزب "الشيوعي". كانت الوجـوه فـي هـذه الأكشاك مبتسمة، ضاحكة، وكان عدد مـن هـؤلاء الشـباب والشابات يعزفون على القيثارة، أو في آلات النفخ، بينما فـي كشك الحزب "الليبرالي الديمقراطي" اليميني ، كان الواقفون فيه من الكهول، ووجوههم عليها سمات الجد . كانوا يرتـدون ملابس أنيقة ويوزعون الحلوى، والمشروبات مجانـا، ولمـا سألناهم عن رأيهم في سياسة الولايات المتحـدة، واحتلالهـا للعراق، وعن فلسطين، وعن الهوة المتزايـدة بـين الفقـراء والأغنياء في العالم ، كانت إجاباتهم كلها من نوع "هذه مشـاكل معقدة تحتاج إلى مناقشة". أو نحـن أنصـار الحـوار بـين الأطراف المتنازعة". أو "أمريكا لم تحارب ضد العراق من أجل البترول، وإنما دفاعا عن الديمقراطية". لكن عندما تناقشنا مع مندوبي ومرشحي أحزاب اليسار (الحزب الأشتراكي، الحـزب الديمقراطي، حزب الخضر، والحزب الشيوعي) كان مـوقفهم واضحا ضد الحرب، ضد العدوان على العـراق، وفـي صـف الشعب الفلسطيني.
في كشك الحزب الأشتراكي ، كانت تقف فتاة جذابة الملامح، مشرقة الوجه ظننا أنها إحدي المندوبات . لكن عندما سألناها ، اتضح أنها مرشحة لمجلس مدينـة "ترومسـو" ، وأن عمرهـا عشرون سنة، فعبرنا عن دهشتنا، وعن فرحتنا فـي الوقـت نفسه. وسألناها عن سبب اهتمامها بالسياسة، وترشيح نفسها للانتخابات، فأجابت (لأنني أريد أن أناضل من أجـل العدالـة، والحرية، والسلام في "النرويج"، وفي العالم. أن أخدم سـكـان مدينتي "ترومسو") . ثم لما تطرقنا إلى أسئلة أخري . قالـت "أنـا أقف مع كل المضطهدين في فلسطين، والعراق، وهنـا فـي "النرويج" حيث يوجد فقراء رغم ثراء البلاد، ومهاجرون لا ينالون حقوقهم أسوة بالمواطنين الآخرين، فالتقط لنا "استيبان" صورة لها ، وهي واقفة بيننا ونحن نحتضـنـها كـذكري لهذه اللحظات الجميلة في رحلتنا.

إلى "بيكس ايلاند"
----------------------------
كان طريق السفر إلى "بورتلاند" يمر عبر مطار "أوسلو" ثم "هيثرو" في لندن، وبعده إلى "بوسطن" في الولايات المتحدة. رحلة دامت عشرين ساعة في الطائرات ، نقلتنا من مدينة عنـد بحر الشمال في "النرويج" ، إلى مدينة عند أقصي شمال "المحيط الأطلسي".
هكذا بعدها بيومين ، وجدت نفسي واقفـا علـى شـاطئ جزيرة "بيكس" في عيد ميلادي الثمانين. بعـد قليـل سـأعبر المسافة إلى جامعة "سائرن ماين". سأستقل المعدية لمدة ربـع الساعة ، ثم أسير على قدمي مسـافة تستغرق ثلاثـة أربـاع الساعة، فقد قررت أن احتفل بعيد ميلادي ، عن طريق المساهمة في "ورشة عن الشركات المتعديـة للأوطـان، والعسـكرة، والحرب"، وهي إحدى الأنشطة التي كانت ستتم إعدادا لسلسلة من المظاهرات ضد الحرب، وضد سياسات حكومة "بوش" يوم ٢٥ أكتوبر الجاري في "واشنجتون" وفي منـات مـن المـدن الكبيرة والصغيرة داخل الولايات المتحدة ، وعلى نطاق العالم.
من كتاب : " يوميات روائى رحَال " 2008
----------------------------------------------------------



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس مهما جواز السفر
- فى سوق الخلفاوى
- هل يمكن أن نصنع مواطنا عالميا ؟
- بنات الباليه المائى وبائع الخس
- دفن - ذات - المرأة فى عيدها العالمى
- بابل
- عودة الحرباية
- ثلاثة أيام فى تونس الخضراء
- تأملات فى صورة
- لماذا يبعون ؟؟ يوميات أستاذ زائر
- عن الابداع والقهر
- الصباح وحكايات الجُرن
- فى المنتدى الاجتماعى العالمى ... بناء عالم آخر ممكن
- فقراء العالم يزحفون
- البحث عن ثغرة فى الحصار
- الأعداء الحلفاء
- الخوف من التقدم
- الاغراء الأخير
- هل أصبح المستقبل للجواسيس ؟
- شجاعة الابداع


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - شريف حتاتة - أحاديث الترحال