|
الليبرالية لا تملك أى حلول
عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 7889 - 2024 / 2 / 16 - 16:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال خمسينات و ستينات القرن الماضى فى خضم نضالات الأمريكيين السود ضد قوانين الفصل العنصرى ، أدلى السيد ”مالكوم أكس“ بتصريح لإحدى محطات الإذاعة ، عندما سأله المذيع : ”هل تعتقد إننا بدأنا نحرز تقدماً فى العملية السياسية ؟“ ، لتأتى إجابة السيد مالكوم فى غاية القوة و البلاغة قائلاً … ”لا ... لن أقول أبداً إننا نحرز تقدماً ، فإذا غرزت سكيناً فى ظهرى بطول تسع بوصات ، ثم سحبته بمقدار ست بوصات ، لا يمكنك أن تسمى هذا تقدماً ، التقدم الحقيقى أن تشفينى نهائياً من الجرح ، فسحب السكين بضعة بوصات أو حتى سحبه كله لن يفيد فى شىء طالما إن الجرح لم يشفى و لا يزال الدم ينزف …“
مشكلة الليبراليون فى بلادنا أنهم يختزلون كل شىء فى كلمة غامضة هى ”الديمقراطية“ ، و عندما تتحدث معهم عن التناقضات الهيكلية فى المنظومة الاقتصادية فى البلاد و تفشى ظاهرة الصراع الطبقى نظراً للتفاوت الكبير بين مداخيل الأفراد ، و كيف تتم عملية هدم البنية الصناعية التى وضِعت اللبنة الأساسية لها فى ستينات القرن الماضى ، لتتحول الدولة اليوم إلى الاعتماد على أقتصاد ريعى ، متمثلا فى إيرادات قناة السويس ، و بيع حقوق البحث عن البترول و الغاز و إدارة حقولها ، و تحويلات العاملين فى الخارج ، و أخيرا الاستثمار العقارى و بيع و تقسيم الأراضى ، ”لن تجد إجابة“ ، و عندما تسألهم مثلا عن موقفهم من القانون رقم 96 لسنة 1992 الذى رفع الحماية عن مستأجرى الأراضى الزراعية و مدى الظلم الذى وقع على الفلاح الفقير المستأجر للأرض ، ”لن تجد إجابة“ ، و عندما تتساءل عن رؤيتهم عن كيفية الإقلال من زيادة معدلات البطالة ، و ندرة فرص العمل ، بعد أن تخلت الدولة عن دورها ، أيضا ”لن تجد إجابة“ ، تلك الأشياء مثلها مثل السكين المغروس فى ظهورنا الذى تحدث عنه السيد ”مالكوم“ ، المشكلة الأكبر انهم لا يعترفون بوجود السكين من الأساس - لتستمر الدماء فى النزيف - …
كثيراً ما نقرأ فى النشرات التى يصدرها صندوق النقد أو البنك الدولى ، مقولة إن إندماج الاقتصاديات الوطنية ضمن آليات السوق المعولمة سيحميها من الفقر ، و إن هذا السوق هو الترياق الشافى من آفة ”الفقر“ اللعين و كل الأمراض الناتجة عنه ، إلا إن الحقيقة عكس ذلك ، فهذا الإندماج شديد التفاوت بين الدول النامية و دول العالم الأول ضمن منظومة العولمة أعاد عمليات استغلال كان العالم قد بدأ يتخلص منها خاصة فى فترات ستينات و سبعينات القرن العشرين ، مثل عمالة الأطفال ، و عقود العمل الاستعبادية ، و التخلص من سيطرة المركز الرأسمالى على اقتصاديات الدول النامية ، و لكن مع تراجع وهج التيارات اليسارية فى العالم منذ نهايات سبعينات القرن الماضى ، أعادة الرأسمالية عمليات الاستغلال فى أبشع صورها ، و الأكثر إيلاماً أن تلك العمليات الاستغلالية يتم اليوم تسويقها ، كجزء من خطط القضاء على الفقر فى دولنا النامية …
إن محاولات الغرب و دعمه للتيارات الليبرالية أو حتى التيار المسمى بـ ”الإسلامى“ فى بلادنا ، ليس حباً فى الديمقراطية أو لأن الغرب يحمل بين طياته قلب حنون نابض بالحياة و إيمان بحرية الاعتقاد الدينى ، على العكس تماماً ، فالهاجس الأول لديه هو مزيد من عمليات التدمير من خلال دمج الاقتصاديات الوطنية لبلادنا داخل منظومة السوق الحرة و العولمة ، طمعا فى مزيد من القوة ، لاحتكار الموارد الطبيعية ، و منع أى محاولات تنموية حقيقية مستقلة تقف نداً للشركات العالمية المسيطرة على المنظومة الاقتصادية و السياسية العالمية اليوم ”الاستعمار الجديد“ ، فالغرب لا يهمه ما يحدث من آثار سلبية لمجتمعاتنا من هذا الدمج ، و كلا التيارين – الإسلامى و الليبرالى - متفقين تماما مع الغرب فى الجانب الاقتصادى ، فقط احدهم يرفع شعارات علمانية فارغة لا تحمل أى رؤى حقيقية لحل المشاكل الغارقة فيها مجتمعاتنا ، و الآخر يحمل سيف الطائفية و العنصرية الدينية و التخلف الحضارى ممزوجاً بمخدر اجتماعى كبير هو الدين بقداسته ، و بالطبع لا يحملون أية حلول أو خطط مستقبلية حقيقية سواء للتنمية و القضاء على الفقر أو العدالة الاجتماعية التى يحلم بها المطحونين ...
إذا عدنا إلى عقدى الستينات و السبعينات ، حيث تمتعت بلادنا بمستويات منخفضة بشكل واضح من معدلات الفقر نتيجة للتوزيع الجيد نسبياً للثروة ، ساعدها على ذلك سيطرة حكومية على المنظومة الاقتصادية بشكل يحميها من تقلبات السوق العالمية ، هذا بالإضافة إلى إصرار النظام فى تلك الفترة المحافظة على موارد البلاد الطبيعية بعيداً عن أيادى الشركات العالمية ، و خطط تنموية معتمدة على الذات بدون السقوط فى متاهة الإقراض ، هذا الوضع كان غالبا فى دول العالم الثالث نتيجة للمنظومة الاقتصادية التى أتبعتها ، و التى حملت بين طياتها ملامح اشتراكية واضحة ، فنجد إن موقفهم منها دائماً سلبياً فهم يرونها ديكتاتورية ، وحشية ، قاسية ، على الرغم أن الحقيقة عكس ذلك تماما ، و إذا كان حدث بعض التجاوزات ، فلا يمكن بأى حال من الأحوال مقارنتها بما فعلته الليبرالية فى شعوب العالم ، و كيف تآمرت و دعمت الانقلابات العسكرية الديكتاتورية ضد الأنظمة المنتخبة ديمقراطياً أو ثورات التحرر الوطنى ، إن الليبرالية و أيديولوجية السوق المحررة التى دائما ما تتشدق بالديمقراطية و تعدد الآراء و حرية الاختيار ، فى حقيقتها تنبذ أى بدائل لها ، و ترى فى نفسها الخيار الوحيد المتاح ، و لا تسمح بأى حال من الأحوال بوجود أى نظام آخر يكون على نقيض معها أو ينافسها ، و هذا يتفق أيضاً مع ما يطرحه التيار الإسلامى فى بلادنا بما يحمله من قدسية إلا أنه فى نفس الوقت يحمل الكثير من العنصرية و الكراهية ، ويعمل عل تفتيت المجتمع برفضه و كراهيته للآخر ، فضلاً عن عدم وجود أية رؤى سياسية واضحة فى خطابه لذا وجد الاثنان ضالتهما معاً …
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحقيقة وراء الركود الاقتصادى !
-
لماذا نحن مغفلون ؟ !
-
خديعة الاشتراكية الديمقراطية
-
الثورة العالمية الجديدة فى القرن الواحد و العشرين
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (4)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (2)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (1)
-
الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (2)
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (1)
-
خطوات فى عالم الفلسفة
-
مغامرة الإبحار فى عالم محمود أمين العَالِمْ و ”فلسفة المصادف
...
-
الأخلاق بين الاغتراب و الدين و الرأسمالية
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثالثة عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثانية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة العاشرة)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة التاسعة)
-
الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثامن
...
المزيد.....
-
لكم وركل وفوضى عارمة.. فيديو من الأرض يظهر اشتباكات عنيفة في
...
-
كازاخستان.. قريبة نزارباييف تخضع لمحاكمة بقضية فساد
-
القوات الجوية الأمريكية تستعد لتوسيع اتهاماتها لمسرب وثائق ا
...
-
ماتفيينكو تؤكد ضرورة محاكمة المسؤولين عن مأساة أوديسا بعد ان
...
-
غضب رسمي أردني من -اعتداء- إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى
...
-
الولايات المتحدة تتهم روسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرا
...
-
ترامب: من الممتع مشاهدة شرطة نيويورك وهي تفض اعتصاماً مناصرا
...
-
زلزال يضرب شرق تايوان
-
الخارجية الأمريكية تؤكد رفض بكين مواصلة المفاوضات مع واشنطن
...
-
الخارجية السودانية تتهم بريطانيا بالتدخل والتواطؤ مع الدعم ا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|