أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عمرو إمام عمر - الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)















المزيد.....


الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)


عمرو إمام عمر

الحوار المتمدن-العدد: 7475 - 2022 / 12 / 27 - 20:33
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


التجارة الخارجية و السوق العالمى ، هما شرط و نتيجة للأنتاج الرأسمالى

كارل ماركس



مدخل

إن دراسة التاريخ الاقتصادى يعتبر المدخل الرئيسى للتعرف على كيفية نشوء و تطور العملية الاقتصادية المعاصرة و تعطينا القدرة على استيعاب الجدل الدائر بين المفكرين الاقتصاديين و السياسيين ، كذلك تجنب الأخطاء التى حدثت فى سياسات اقتصادية سابقة ، و ذلك حتى لا نقع فى مستنقع السيزيفية(1) ، و للتأكيد على الطبيعة الاجتماعية للاقتصاد و ارتباطه بكافة العلوم الاجتماعية الأخرى ، كالسياسة و الأخلاق ، و الجماليات و علم الاجتماع … الخ ، كذلك أدراك نسبية الأفكار الاقتصادية و عدم تمتعها بقيم مطلقة و ارتباطها بالظروف الزمنية و المكانية ، و بأهمية التميز بين علم الاقتصاد كمجموعة من القوانين و بين الاقتصاديين أنفسهم الذين يختلفون فى تفسيراتهم لأسباب مختلفة منها ما هو شخصية و مصلحية فى أحيان ، و موضوعية فى أحيان أخرى ؛فخلال العقود الثلاثة الأخيرة باتت الليبرالية الجديدة(2) مسيطرة على الفكر الاقتصادى خاصة بعد تبنى صندوق النقد ، و البنك الدولى و منظمة التجارة العالمية الدعوة إلى تحرير الاقتصاد و تحفيز الحكومات خصوصا الدول الفقيرة لفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية ، و تحرير سوق المال من القيود و التوجيه الحكومى ، و للأسف الشديد فتلك التوجهات تحمل أيديولوجية واحدة ذات هدف واحد هو خدمة مصالح رأس المال ، و من هنا شنت الليبرالية الجديدة هجوما شديدا على كل من الماركسية بالتأكيد و كذلك النظرية الكنزية التى سيطرت على العالم تقريبا خاصة من بعد الحرب العالمية الثانية حتى أوائل ثمانينات القرن الماضى ، و اليوم أصبح العالم يعزف على أنغام الاقتصاد الحر و الأسواق المفتوحة – ما أطلق عليه العولمة - ليستمع الأغنياء و هم فى مساكنهم الفارهة و قصورهم لأنين الفقراء و لتطرب خزائنهم و تثريها …

عندما يقرأ البعض منا البيان الشيوعى الذى وضعه كل من فريديك أنجلز و كارل ماركس يقع فى خطأ يمكن أن نطلق عليه ”الفهم الاستاتيكى لحركة للتاريخ“ ، فالتاريخ عند ماركس فى حالة حركة مستمرة ، فهو دائما فى عملية إعادة صياغة للحياة و مركباتها مما يفرض علينا مجهودا ليس بالهين لإعادة صياغة النظرية لتتلاءم مع حركة التاريخ ، و هذا ما فعله ”فلاديمير لينين“ عندما أشار إلى حركة الرأسمالية(3) و تطورها إلى الإمبريالية ، كذلك سنجد فى بداية البيان الشيوعى أعتمد كل من ماركس و أنجلز على المتناقضات الثنائية ، حر و عبد ، أرستقراطى و عامى ، سيد و خادم ، مالك و عامل ، تلك الثنائية المتعارضة لم تعد تتلاءم اليوم مع حركة تطور علاقات الملكية – و أنا هنا لا أنكر صحتها – بشكلها القديم ، لذا فعلى المحلل السياسى و الاقتصادى الذى يعتمد التحليل الماركسى أن يطور من رؤيته لحركة علاقات الإنتاج التى تمثل تركيبة متكاملة للعلاقات الاجتماعية لتتلاقى مع مستوى معينا من تطور القوة الإنتاجية و شكل الملكية ، خاصة حول المنتج الإجتماعى و تراكم رأس المال و تشكيل فائض القيمة …

الحقبة الاستعمارية و تصدير رأس المال و تراكمه

خلال الحقبة الاستعمارية شهدت دول المستعمرات ما يطلق عليه ”تصدير رأس المال“ ، و قد شاهدنا كيف تفوقت أنجلترا على دول العالم الغربى – الاستعمارى - فى عمليات تصدير رأس المال خلال القرن التاسع عشر ، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عن طريق احتكار الشركات الانجليزية للخامات الأولية فى دول المستعمرات و شراءها بأبخس الأسعار يتيح لها إعادة تصنيع تلك الخامات بتكلفة متدنية للغاية ثم إعادة تصدير المنتجات النهائية إلى دول المستعمرات و الدول الأخرى مرة ثانية ، و بالتالى فاستثمار راس المال فى العمليات الاحتكارية أتاح لها أسواقاً كبيرة لترويج منتجاتها و القدرة على مواجهة المنافسين و تحقيق أكبر ربح ممكن من خلال احتكار الخامات الأولية و بالتالى تخفيض الكلفة الإنتاجية …

الاستعمار و الإمبريالية

كثيرا ما نسمع مصطلح الاستعمار و الإمبريالية ، كذلك مصطلح كولونيالى و يقترن عادة المصطلح الأخير مع المصطلح الأول ، فكلمة كولونيالى Colonial حسب قاموس أكسفورد هى المزرعة أو المستعمرة(4) ، و فكرة الاستعمار قديمة بقدم التاريخ نفسه فحالات الهجرة و الاستيطان و الاستعمار معروفة و متكررة تاريخيا و أخذت أشكال عدة متنوعة ، و شاهدنا كيف تكونت الامبراطوريات القديمة من خلال الاستعمار من اشهرها الامبراطورية الرومانية القديمة ، اليونانية ، البيزنطية ، العربية الإسلامية ، العثمانية ، المغولية ، حتى الامبراطوريات الاستعمارية الحديثة من بدايات القرن السابع عشر حتى منتصف القرن العشرين تقريبا ، كذلك فى العالم الجديد (القارة الأمريكية) كان هناك امبراطوريات أهمها الامبراطورية الأزتكية فى أمريكا الوسطى و التى تشكلت ما بين القرن الرابع عشر و السادس عشر ، و فى آسيا الامبراطورية الصينية التى استولت على أجزاء كبيرة من القارة الآسيوية ، إلا أنه يعنينا فى الأساس هو الاستعمار الحديث و قد ميز الفكر الماركسى ما بين أنواع الاستعمار إلى قسمين ، ”الاستعمار المبكر (ما قبل الرأسمالية)“ ، و أخيرا ”الاستعمار الحديث الكولينيالى“ و هو ما يعنينا ، و قد تأسس جنبا إلى جنب مع بدايات تشكيل الرأسمالية ، فهو لم يكتفى بالاستيلاء على ثروات البلدان المستعمرة بل أنه أعاد بناء اقتصاديات تلك الدول وربطها به و أدخلها فى مجموعة من العلاقات المعقدة معه ، و إذا القينا نظرة على الخرائط السياسية للعالم من القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين سنجدها مصبوغة بألوان حمراء و زرقاء و خضراء ، فتلك ممتلكات بريطانية ، و تلك فرنسية و أخرى بلجيكية و برتغالية و هولندية و إيطالية ، و كانت تشمل قارات بأكملها مثل القارة الأفريقية حتى مصر و بلداننا العربية لم تكن إلا جزءاً من الممتلكات البريطانية و الفرنسية و الإيطالية ، فالعالم انقسم بين مالكون و مملكون ، تلك كانت أعظم الظواهر السياسية فى العالم ، و شكلت المنظومة الاقتصادية و التى لا زالت آثرها ممتدة إلى يومنا هذا …

السؤال الذى يجب أن نسأله ”ما هى طبيعة العلاقة بين راس المال و الاستعمار ؟“ ، و لإجابة هذا السؤال يجب أن نضع فى أعتبارنا ثلاثة وجوه للرأسمالية و أن نتعرف على الفوارق التى تميز كل منهم عن الآخر :
١. إن رأس المال فى الأساس علاقة اجتماعية ، فهو يمثل العلاقة داخل مجتمعات متناحرة بين ملاك و شغيلة
٢. إن العنصر المادى فى رأس المال من معدات و آلات و أرض و مال ، تؤثر على العلاقات الاجتماعية
٣. إن رأس المال أكتسى بصيغة ندرة النقود فهى مملوكة دائما للأقلية ، و هى الوسيط الأساسى الذى يحدد استخدام هذا النمط من الاقتصاد

إذا تتبعنا تاريخ الرأسمالية و على الرغم من الفتوحات التكنولوجية التى نجحت فيها نظراً لطبيعتها فهى بحاجة دائما إلى خلق منتجات جديدة و سوقا بشكل دائم لتصريفها و لتحقيق مزيداً من الربح ، إلا أنها فى نفس الوقت صنعت موجات متلاحقة من الحروب و الفقر و انعدام الأمن ليس فقط فى صفوف العمال و المزارعين بل نشرت ذلك ببلدان بأكملها فى المناطق المستعمرة و شبه المستعمرة التى خضعت لها ، تلك هى الطبيعة الحتمية للعلاقات الاجتماعية و السياسية التى تحكم بالعناصر المادية لرأس المال ، إن هذا الوضع الذى نراه اليوم من فقر و جهل و مرض منتشر فى البلدان المتخلفة و التى خضعت لسنوات طويلة من الاستعمار الكولينيالى الذى مارسته حفنة من الدول الرأسمالية عملت على تدمير أقتصاديات تلك الدول التى كانت تعيش فى كنف أقتصاديات ”حقبة ما قبل الرأسمالية“ بالتحكم فى بالمصادر الطبيعية بتلك الدول و تدمير محاولات أى نهضة صناعية بها ، و خلق أو إفساد الطبقة القديمة من النخب لصالحها ، إن السبب الرئيسى لفقر بلداننا هو فى هذا الاستعمار المستمرة آثاره حتى يومنا على الرغم من ”التحرر السياسى الشكلى“ الذى نعيش فيه إلا أننا لا زلنا تابعين للمركز الرأسمالى نتحرك على إيقاعاته و توجهاته ، فى المقابل وفرت السياسة الاستعمارية للدول ذات النمط الرأسمالى دعم غير عادى لبناء قاعدتها الصناعية من خلال فتح أسواق جديدة فى الدول المتخلفة نتيجة للهيمنة الاستعمارية ، و بالتالى خرجت الرأسمالية من أزمتها المتمثلة فى ضيق أسواقها الداخلية و المنافسة المستمرة مع الاقتصاديات الأخرى المماثلة لها مما ساهم فى تشكيل ما أطلق عليه ”التراكم الأولى“ ؛ خلال السنوات الأخيرة سرت موجة بين ”شباب اليوم“ إن الأزمات التى تعانى منها بلداننا العربية هى نتيجة لفترة ”التحرر الوطنى“ التى بدأت من أوائل خمسينات القرن الماضى ، و يرون فى الرأسمالية و الارتباط مع دول المركز الرأسمالى هى تذكرة الخلاص من معاناتهم إلا إن الحقيقة على العكس تماماً ، فطالما بقت بلداننا المتخلفة لا تعدوا سوى سوقا للمنتجات المستوردة من دول المركز الرأسمالى سيظل غياب صمام الأمان مستمر ، فالاعتماد على المستثمرين الأجانب و دعوات جذب الاستثمار ليست حلاً طالما إن هؤلاء يحتكرون التكنولوجيا الحديثة و المعرفة ، بل أنهم أيضا يحتكرون مفاتيح فرص التصدير و فتح الأسواق ، و يعنى هذا إن الاتكال على الاحتكارات الأجنبية من أجل التصنيع لا يغير من قواعد اللعبة الأساسية و هى التبعية ، حتى ما أعتاد عليه البعض من استخدام مصطلح ”الرأسمالية الوطنية“ ، فالاعتماد على الرأسماليين المحليين لا يغير من الأوضاع شيئا بل على العكس تماما سيزيدها سوءا ، فهؤلاء اضعف بكثير من أن يقوموا بمحاولات فك التبعية ، و ذلك بسبب إن محاولات التصنيع لابد و أن تشمل تكديس راس المال و لن يأتى هذا إلا على حساب الجماهير ، و من أمثلة ذلك البرازيل التى خطت خلال فترة السبعينات و الثمانينات خطوات واسعة فى التنمية الصناعية من خلال مشاركة رؤوس الأموال المحلية مع الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات إلا إن النتائج جاءت سلبية ، فقد زادت مديونية الدولة بشكل كبير ، و تدهورت أجور الطبقة العاملة ، و انخفضت نسبة الاستثمار الزراعى، أما التكنولوجيا المستقدمة لم تساهم فى تطوير العملية الاقتصادية لأنها كانت من النوع الذى يفضله راس المال قليلة التكلفة عظيمة الربح - الصناعات التحويلية – هذا فضلا عن إغراق الدولة فى مشروعات خدمية لصالح الطبقة الرأسمالية بتكلفة باهظة من القروض قصيرة الأجل ، و انتهت التجربة فى منتصف التسعينات بإعلان دولة البرازيل إفلاسها(5) بعد أن تعاظمت الديون الخارجية على الدولة و لم تستطع عمليات جذب الاستثمار الخارجى أن تفعل شيئا …

نحن بين الرأسمالية و الاستعمار

شهد القرن العشرين سلسلة من الموت المتتالى لعدد من الامبراطوريات الاستعمارية الكبرى خاصة بعد الحرب العالمية الأولى و من أهم تلك الامبراطوريات التى تم تفكيكها ، الإمبراطورية العثمانية – و هى الأهم بالنسبة لنا - و التى تم وضع أملاكها تحت ما أطلق عليه الحماية و الانتداب ، و نتيجة لذلك تقطعت الشبكات الاقتصادية القديمة وتشكلت شبكات جديدة يلزم معها إعادة بناء البنية الاقتصادية خاصة فى المنطقة العربية و على الرغم إن الخريطة السياسية للمنطقة لم تشهد تعديلات جوهرية كبيرة إلا إن شبكة العلاقات الاقتصادية القديمة التى كانت من قبل الحرب العالمية الأولى قد بدأت فى التحلل خاصة مع الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بدأ من عام 1873 و هو العام الذى وصلت فيه المنافسة الاستعمارية بين القوى العظمى فى تلك الفترة ذروتها ، و التى تبلورت فى معاهدة برلين عام 1878(6) ، كان القرن التاسع عشر فى تلك الفترة قد شهد حالة من الكساد الاقتصادى اثر على مدخلات القوى العظمى فلم يكن من بد سوى محاولة التوسع خصوصا مع ضعف القوى القديمة التقليدية خاصة الدولة العثمانية و التى وصفت ”برجل أوروبا المريض“ ، كما شهدت تلك الفترة خاصة بعد توقيع المعاهدة موجة استعمارية اجتاحت القارة الأفريقية و المنطقة العربية ، فاحتُلت مصر عام 1882 ، و بدأت فرنسا فى مد أذرعتها فى منطقة الشام حتى استطاعت عام 1920 من وضع سوريا و لبنان تحت الانتداب الفرنسى و فى نفس العام وضع العراق تحت الانتداب البريطانى …

الحالة المصرية الصراع بين التبعية و التحرر

يعتبر القرن التاسع عشر بالنسبة للدولة المصرية فترة فارقة على المستويين السياسى و الاقتصادى ، فحتى أواخر القرن الثامن عشر كان الذى يحكم مصر واليا معينا من قبل الباب العالى بالآستانة إلا أن السلطة الفعلية كانت فى يد المماليك ، و من الناحية الاقتصادية فقد كانت الدولة المصرية تعتمد بشكل كبير على المكوس التى تفرضها على التجارة العابرة من جنوب و شرق آسيا إلى أوروبا التى كانت تلك التجارة تأخذ أربعة طرق ، الأول الطريق البرى ، و هو يخترق أواسط آسيا ثم إلى البحر الأسود فالدانوب ثم إلى وسط أوروبا ، الطريق الثانى يمر بالخليج العربى إلى العراق و منه إلى موانى الشام و كان أهم تلك الموانى هو ميناء الإسكندرونة ، و الطريق الثالث من البحر الأحمر إلى خليج السويس و منه إلى ميناء السويس ثم تنقل بالقوافل إلى القاهرة ثم بالسفن من خلال نهر النيل إلى ميناء رشيد و دمياط أو تستكمل القوافل طريقها إلى ميناء الإسكندرية ، و الطريق الأخير من خلال البحر الأحمر أيضا حيث تصل إلى ”ميناء عيذاب“ و هو يقع جنوب ”مدينة القصير“ ثم تنتقل البضائع بالقوافل إلى نهر النيل ثم إلى الموانى على البحر المتوسط ، تلك التجارة ساهمت بشكل كبير فى زيادة قوة المماليك فى مصر من خلال الضرائب الباهظة التى كانت تفرضها على التجارة العابرة خاصة و إن دولة المماليك كانت تتحكم فى موانى الشام بجانب الموانى المصرية ، و ذلك حتى عام 1498 عندما أكتشف البرتغاليون طريق راس الرجاء الصالح ، ليتخلصوا من الضرائب الباهظة التى كان يفرضها المماليك عليهم ، فتحولت التجارة من طريق مصر و الشام و البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسى ، و على الرغم من المحاولات العديدة التى قام بها المماليك لمواجهة البرتغاليون لإعادة التجارة مرة أخرى للطريق القديم إلا أنهم فشلوا فى ذلك ، لتفقد مصر و الشام مركزها التجارى المؤثر فى التجارة العالمية ، و كان هذا تمهيد لانهيار دولة المماليك فى الوقت الذى كانت هناك دولة فتية جديدة ظهرت على الساحة السياسية و التى استطاعت أن تفرض سيطرتها على جزء كبير من شرق أوروبا و بلاد فارس و دحر الدولة البيزنطية بعاصمتها التاريخية القسطنطينية ، ثم بدأت فى الزحف ناحية مصر و الشام لتهزم دولة المماليك لتصبح مصر و الشام ولاية عثمانية و تفقد استقلاليتها …

خلال فترة حكم العثمانيون قاست مصر الأمرين من الصراع الذى دار بين المماليك من ناحية و ولاة الدولة العثمانية ، و ساءت حالة البلاد الاقتصادية ، خاصة و أن الدولة العثمانية لم تهتم بعوامل الإنتاج الزراعى و الصناعى ، فأهملت الترع و القناطر و الجسور ، و قد نقصت مساحة الأراضى الزراعية بسبب أنخفاض منسوب النيل لفترات طويلة فى تلك الفترة ، مما أدى إلى انتشار المجاعات و نقص عدد سكان مصر إلى أقل من 20 مليون نسمة ، انتشار الفساد ، بالإضافة إلى الفوضى النقدية ، فقد تعددت أنواع النقود المتداولة ، فقد كانت هناك العملة العثمانية ، بالإضافة إلى العملة القديمة التى كان المماليك يصدرونها ، و أخيرا العملات الأجنبية مما أدى إلى اضطراب المعاملات المالية بين الناس ، كل ذلك أدى إلى اختلال الأمن و باتت البلاد مترعا للصوص و أدى الصراع بين المماليك و الأتراك إلى أزدياد الحالة سوءاً حتى جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 ...

على الجانب الآخر كانت أوروبا تعيش على إيقاعات سياسية و فكرية جديدة ، المعروف بعصر النهضة الأوروبية - Renaissance - و التى شهدت خلاله ثورات فلسفية و علمية و سياسية ، فى المقابل كانت منطقتنا تقبع تحت الحكم العثمانى بكافة تخلفاته الفكرية و السياسية و الاقتصادية ، فتغيرت ملامح الحياة الأوروبية ، و ظهرت الطبقة البرجوازية الجديدة تفرض شروطها على الأوضاع السياسية فى أوروبا و من خلال صرعاتها الداخلية طمعت فى الوثوب خارج القارة رغبة فى مزيد من السيطرة الاقتصادية و السياسية و التى بدأت حثيثة قبل ذلك باكتشاف طريق راس الرجاء الصالح و الصراع الذى حدث بين البرتغال و الدولة المملوكية فى مصر ، ثم تطور الأمر بعد الثورة الفرنسية و تفجر الصراع داخل أوروبا لينتقل خارجها ، من يسيطر على أهم طرق التجارة العالمية بين الشرق و الغرب ، فكانت الحملات الفرنسية بقيادة ”نابليون بونابرت“ و التى احتاجت أوروبا كلها تقريباً ، ثم انتقلت إلى الشرق حيث مصر و الشام …

بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر نتيجة للصراعات الأوروبية من ناحية و المقاومة المصرية على جانب آخر ليقفز إلى كرسى حكم مصر الألبانى ”محمد على“ الذى جاء ضمن الحملة العثمانية بعد خروج الفرنسيس منها ، و استطاع أقناع النخبة المصرية أنه سيكون خير حاكم للبلاد ، لتبدأ حقبة جديدة فى تاريخ مصر تخلص فيها من حكم المماليك و بدأ فى تشكيل أمبراطوريته الخاصة محاولا الاستقلال عن الدولة العثمانية بعد أن شعر ببداية ضعفها و عدم قدرتها على فرض سيطرتها على أراضيها الواسعة فضلا عن صراعاتها الخارجية مع كل من روسيا و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا ، لتبدأ حقبة جديدة فى مصر على المستوى السياسى و الاقتصادى و تشهد لأول مرة منظومة اقتصادية جديدة على نقيض الحقبة القديمة و محاولة تقرير الفارق بينها و بين التقدم الذى حدث فى القارة الأوروبية …

___________________________________
هوامش
1) يعتبر سيزيف أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس ما أغضب كبير الآلهة زيوس ، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه ، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادى ، فيعود إلى رفعها إلى القمة ، و يظل هكذا إلى الأبد ، فأصبح رمز للعذاب الأبدى ، و قد رأى الكاتب الفرنسى ألبير كامو فى كتابه الشهير ”أسطورة سيزيف“ ، أن سيزيف يجسد لا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية ...

2) فى نهاية ثلاثينات القرن الماضى حاول عدد من الاقتصاديين الغربيين تفنيد الفكر الاشتراكى و إدانته ، و فى ندوة تم عقدها بباريس عام 1938 استخدام هذا المصطلح – الليبرالية الجديدة - لأول مرة من قبل عدد من الاقتصاديون الألمان هم فريدريك فون هايك ، فلهلم روبكة ، و فالتر أويكن ، حيث طرح فون هايك تصورهم للفكر الليبرالى الجديد فى عالم الاقتصاد و ذكر إن هذا المنهج سيحتاج إلى جيلين أو ثلاثة حتى يهيمن على الساحة الفكرية و يصبح سياسات تنتهجها الحكومات فى أوروبا و أمريكا ، لذا فقد واصل جهوده بحماس شديد خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين و بعد الحرب الثانية لتطوير الفكر الليبرالى الجديد فى عالم الاقتصاد آملاً أن تغدوا نظرية متكاملة تهتدى بها الحكومات فى المجتمعات الرأسمالية حتى حصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد عام 1974

3) راجع كتاب فلاديمير لينين ”الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية“

4) كلمة ”مستعمرة“ كما جاء وصفها فى قاموس أكسفورد ، هى مجموعة من الناس يستقرون فى موقع جديد ليشكلوا جماعة خاضعة لدولتهم الأم مرتبطة بها ، و تتألف من المستوطنين الأساسيين و أحفادهم و وارثيهم طالما إن الرابطة مع الدولة الأم مستمرة ، نلاحظ أن هذا التعريف يتجاهل تماما أى إشارة إلى سكان الأرض الأصليين و من ثم فهو يفرغ كلمة استعمار من أى صدام بين السكان الوافدين و الأصليين أصحاب الأرض الأصليين ، إلا أن هذا المصطلح أخذ شكلا آخر فى الأدبيات السياسية فهو جاء تعبيرا للاستعمار العسكرى بالخصوص للدول المستعمرة

5) اليوم تتكرر نفس الدائرة الجهنمية فقد أعلن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو السابق فى العام الماضى ، عن إفلاس بلاده ، عازيا السبب إلى جائحة كورونا التى اجتاحت العالم و أثرت على كبريات الاقتصادات فيه ، و تلك حجة واهنة تتمسك بها الأجنحة السياسية اليمينية الحاكمة فى دول العالم الثالث خلال الفترة الأخيرة ، إن الحرب الروسية الأوكرانية ، أو جانحة الكرونا هى الأسباب الرئيسية للأزمات الاقتصادية التى تعانى منها تلك البلدان إلا إن الحقيقة غير ذلك

6) كان اجتماع برلين (13 يونيو - 13 يوليو 1878) اجتماعاً لممثلى القوى العظمى الست فى ذلك الوقت (روسيا ، بريطانيا العظمى ، فرنسا ، الإمبراطورية النمساوية المجرية ، إيطاليا و ألمانيا) و الإمبراطورية العثمانية و أربع دول البلقان و هى (اليونان ، صربيا ، رومانيا و الجبل الأسود). هدف المؤتمر إلى رسم حدود أراضى الدول فى شبه جزيرة البلقان فى أعقاب الحرب الروسية التركية بين عامي 1877 و1878 و انتهت بتوقيع معاهدة برلين التى حلت محل معاهدة سان ستيفانو الأولية و التى جرى توقيعها بين روسيا و الإمبراطورية العثمانية ، و جاءت قرارات المؤتمر كالتالى ، الاتفاق على أن تصبح بلغاريا إمارة مستقلة تقع تحت سيادة السلطان العثمانى مع ضرورة تشكيل حكومة مسيحية خاصة بها بالإضافة إلى جيش وطنى ، و فصل الروملى الشرقى عن بلغاريا الكبرى و جعله تحت الحكم العثمانى مباشرة ، وضع البوسنة و الهرسك تحت الحكم النمساوى ، مع ضرورة بقاء سنجق نوتى بازار تحت حكم الإدارة العثمانية ، استقلال كل من الجبل الأسود ، و الصرب ، و رومانيا ، و ضم بسرابيا إلى روسيا . تنازل الدولة العثمانية عن أردهان ، و قارص ، و باطوم لدولة روسيا القيصرية . كما تنازل الباب العالى عن إقليم ختر لدولة فارس . و تعهد الباب العالى بتحقيق إصلاحات عديدة و سريعة فى دولة أرمينيا ، و التعهد أيضاً بحماية الأرمن من الأكراد و الشركس. كذلك تعهد الباب العالى بتطبيق حرية الاعتقاد الدينى فى الدولة العثمانيّة ، مع ضرورة ألا تكون عقيدة الشخص عقبة أمامه للحصول على كافة حقوقه السياسية و الدينية ، حرية الملاحة فى الدانوب . و حق القنصلية فى توفير الحماية الكاملة لرعاياها ...


المصادر

* فؤاد مرسى - تطور الرأسمالية و كفاح الطبقات فى مصر ، كتابات المصرى الجديد – المكتبة الاشتراكية (1) الطبعة الأولى 1990
* سمير أمين - التطوّر اللّامتكافئ (دراسات فى التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية المحيطة) ، ترجمة برهان غليون ، دار الطليعة للطباعة و النشر ، الطبعة الرابعة 1985
* فاخرشوف - السياسة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية ، غير مذكور السنة أو رقم الطبعة
* جوزيف أ. شوميتر- تاريخ التحليل الاقتصادى (المجلد الأول) ، ترجمة حسن عبد الله بدر ، المجلس الأعلى للثقافة ، الطبعة الأولى 2005
* آنيا لومبا – فى نظرية الاستعمار و ما بعد الاستعمار الأدبية ، ترجمة محمد عبد الغنى غنوم ، دار الحوار للطباعة و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى 2007
* د. محمد زكى أبو النصر - العدالة الاجتماعية ، دار الفيروز للطباعة و النشر ، الطبعة الأولى 2016
* مجموعة مؤلفين - أطوار التطور الرأسمالى (الازدهارات و الأزمات و العولمات) ، ترجمة عدنان حسين
* آ. آشتور – التاريخ الاقتصادى للشرق الأوسط فى العصور الوسطى ، ترجمة محمد عبد الهادى عبلة ، دار قيبة للطباعة و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى 1985
* د. أحمد أحمد الحتة - تاريخ مصر الاقتصادى فى القرن التاسع عشر ، مطبعة المصرى ، الطبعة الأولى 1967
* عبد الرحمن الرافعى – عصر محمد على ، دار المعارف ، الطبعة الخامسة 1989



#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (2)
- الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (1)
- الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !
- النيل و التطور الحضارى فى مصر (2)
- النيل و التطور الحضارى فى مصر (1)
- خطوات فى عالم الفلسفة
- مغامرة الإبحار فى عالم محمود أمين العَالِمْ و ”فلسفة المصادف ...
- الأخلاق بين الاغتراب و الدين و الرأسمالية
- الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثالثة عشر)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثانية عشر)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة العاشرة)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة التاسعة)
- الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثامن ...
- الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة السابع ...
- الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة السادسة)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة الخامسة)
- الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة الرابعة)
- الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثالث ...
- الإمبريالية الإستعمارية و حركات التحرر الوطنى (الحلقة الثاني ...


المزيد.....




- البنك الدولي: توترات الشرق الأوسط تهدد التقدم العالمي بشأن ا ...
- معضلة الديون في فرنسا.. وكالات التصنيف قلقة ونظرتها سلبية
- أرباح بنك -أبوظبي التجاري- ترتفع 26% في الربع الأول من 2024 ...
- البنك الدولي: توترات المنطقة تهدد التقدم العالمي بشأن التضخم ...
- أسهم -وول ستريت- تهبط بعد نتائج ميتا وبيانات اقتصادية سلبية ...
- الأول في الشرق الأوسط.. صندوق النقد الدولي يفتتح مكتبا إقليم ...
- بلينكن يدعو الصين إلى -منافسة اقتصادية صحية-
- أردوغان: نهدف لرفع التبادل التجاري مع ألمانيا إلى 60 مليار د ...
- تكلفة باهظة والدفع بالعملة الصعبة.. كيف يبدو أول موسم للحج م ...
- رغم تضاعف أرباحها.. ما أسباب التراجع الكبير لأسهم -ميتا-؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عمرو إمام عمر - الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)