أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - شكرا، خصوصية وغضب















المزيد.....

شكرا، خصوصية وغضب


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 7876 - 2024 / 2 / 3 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


#خواطر_هذا_الأسبوع

هذا الصّباح، أطلّت علينا الشّمس الدّافئة، بعد أيّام متواصلة من المطر، باستحياء أطلّت من بين الغيوم، ترسل أشعّتها النّاعمة لتملأ الأرض بهجةً وإشراقا.
إنّه أجملُ الصّباحات، تفوح منه رائحة الأرض بعد المطر، أكثرُ الصّباحات صمتًا، يبعث السّكينة في النفس، يُنسي البال ما كان بالأمس يشغله، ويملأ النفس فرحًا لا يشبهه فرح. صباحٌ باردٌ بردًا يوقد الأشواق، مغسولٌ بماء المطر وقطرات النّدى. صباحٌ يغري بالكتابة.

شكرا
يمتلئ البال بالخواطر كلّ يوم طوال الأسبوع، معظمها تذهب وتتلاشى في غمرة الأحداث وتسارع الأيام، لكنّ ما يبقى محفورًا في الذّات هو أكثرها صدقًا وعمقًا.
هذا الأسبوع تذكّرتُ جدّي مرة أخرى، عندما سمعتُ أغنية «شكرا»*:
شكرًا لأبطال الحكاية كلّهم
من شكّلوا فينا الحقيقة والخيال
فلكلّ فصل في حياتي قصةٌ
ولكلّ سطرٍ ما يُقال وما يُقال
يقولون إنّنا لا نعرف قيمة الأشياء إلّا بعد أن نفقدها. فكم من مرةٍ لا نقول شكرًا لأناس عبروا من حياتنا، نكتشفُ أنّنا ممتلئون بهم. شكرًا واحدة لا تكفي ولا توفي حقّ جدّي ومنزلته في قلبي، ولا حتى ألف شكر، فهو من علّمني حبّ اللغة العربية، وحبّ الكتب والقراءة وعلّمني ما لم يعلّمني أحدٌ دون أيّ كلام.
وتقول الأغنية أيضا:
شكرًا لمن غرسوا كلامًا طيّبًا
بقلوبنا فغدت ربيعًا لا يزال
ولنا ابتساماتهم كأجمل بُردةٍ
ولهم علينا دائمًا صبر الجبال
وكان السّؤال الذي أثير في بالي: هل هناك فرق بين (شكرا) و (أشكرك) باللغة العربية؟
فخطر لي أنّ شكرًا هي كلمة عامّة جدًّا، تُقال لأيّ أحد، بلا مشاعر خاصّة، وأحيانا كثيرة للمجاملة. لكنّ (أشكرك) هي كلمة موجّهة بشكل خاصّ، محمّلة بالأحاسيس، نابعة من قلبٍ إلى قلب، لها وقعٌ خاصٌّ في القلب، فيها تقرّبٌ، تمييزٌ وامتياز، مملوءة بالمحبة والألفة، تكسر الحواجز بين القلوب.
شكرا أيقظت بي العديد من الأفكار. فقد خطر لي أنّنا لا نستعملها كثيرًا، ليس كما ينبغي ربما، بلغتي الأم الشّركسية، ولطالما كانت مبعثًا للحيرة وربما الحرج لاستعمالها.
لماذا؟ هل لأنّها جُملة طويلة؟
«تح ويغبسو» بما يعني: الله يحفظك. وإذا كانت (شكرا) هي (الله يحفظك) فكيف نشكر الله بلغتنا؟ سؤال بقيَ عالقًا في ذهني إلى اليوم بلا إجابة.
هذا الأسبوع أدهشني أحدهم عندما قال لي إنّ طول جملة (شكرا) بالشركسية فيه جُهدٌ وعمقٌ أكثر، وهي تحمل زيادةً في المعنى وتُلغي الغفليّة.
ربما... من يدري**.

خصوصيّة
هذا الأسبوع قرأتُ عن مسلسل «كبرى» الذي يُعرض على نيتفليكس فشاهدتُ الإعلان الترويجي للمسلسل. يظهر فيه رجلٌ وامرأة مستغرقين في حديث، عندما تصل رسالة نصّية إلى الرجل، فتفتح المرأة الرسالة وتقرأها: أنت مختلف.
فتسأله: ما هذا؟
يقول لها: لا أدري.
هل تعرفها؟
لا.
من الواضح أنها تعرفك لأنها تقول لك إنك مختلف.
أنا لا أعرفها حقا.
إن كنت لا تعرفها فلماذا تراسلك؟
لا أدري لماذا، لكنّ هذه المعاتبة للرجل من قبل المرأة بسبب شكّها بأنّه يغازل امرأة أخرى غيرها، والتي نراها ونسمع عنها كثيرا، لا تروق لي. أحسّ فيها شيئًا من الغباء وحتى الإذلال للمرأة، في حال كانت المعاتبة من قبلها، فالحبّ هو الثّقة أولا وأخيرا، وإن ذهبت الثّقة فكيف يبقى الحب؟
تلك المعاتبة أثارت في ذهني مرةً أخرى خواطر عن الغيرة بين الرّجل والمرأة. أين الحدود؟
هل من حق المرأة (لنفرض أنها الزوجة) أن تفتح رسائل زوجها النصّيّة أو رسائله الالكترونية؟
هناك العديد من الأزواج يطلبون من الشّريك معرفة كلمة السّر لهاتفه الخليويّ أو بريده الإلكتروني ويصرّون على ذلك بادّعاء أن هذا من حقّهم. هل من حقّ الزوجة أن تتابع زوجها خطوة بخطوة وتتدخّل بعلاقاته وصداقاته وخطواته؟ أليس الرّجل هو إنسانٌ أولا ويحتاج إلى شيء من الخصوصيّة ليحتفظ فيها بنفسه، برغباته؟
ألا توجد مساحة شخصيّة بين الأزواج؟
هناك من يدّعي أن لا خصوصية بين الأزواج، يعني كل ما هو لك لي وكل ما هو لي لك.
ما الذي يدفع الإنسان ليجبر أحدًا للتنازل عن خصوصيّته؟
هل هذا هو الحبّ؟ أم الزّواج؟ أم الغيرة؟ أم أنّه حبّ الامتلاك؟
عندما يحاول أحدهم التّحكّم بكلّ تصرّفاتك، كلماتك وعلاقاتك ويعاتبك على كل كبيرة وصغيرة فهذا لا يعني أنّه يحبّك، بل يعني حبّه لامتلاكك والسّيطرة عليك جسديًّا، مادّيًّا وعاطفيًّا، ويعني أنه لا يحترمك ويدلّ على عدم تقديره لذاته حتى تظلّ الشّكوك تراوده.
كلّنا نحتاج إلى مساحة شخصيّة أو خاصّة بنا بطريقة وإلى حدّ ما، مساحة نشعر فيها بالأمان والاستقلاليّة، ونشعر أنّنا لسنا عرضةً للانتقاد. فيها يمكننا التفكير والتأمّل والتساؤل وتطوير آرائنا ومواقفنا المختلفة بما يتناسب مع أنفسنا، ومنها يمكننا الانفتاح على الآخرين عندما نقرّر ذلك بإرادتنا.
صحيح أنّ الشّفافية مطلوبة وضروريّة في العلاقة الزّوجية، لكنّ الحاجة إلى الخصوصيّة عند الإنسان لا تختفي بعد الزّواج. على العكس، ربما تكبر أكثر. لذا، على الأزواج التوصّل إلى تفاهم بأن العلاقة الزّوجية لا تعني إلغاء الخصوصيّة، بل عليهما احترام خصوصيّة الآخر ومساحته الشّخصية والحفاظ على الثّقة بالآخر.

غضب
هذا الأسبوع أيضا كانت لي محادثة مثيرة للتساؤلات مع إحدى السّاكنات في بيت المسنّين الذي أعمل فيه، والتي وصلت إلى البيت قبل نحو شهرين أو أكثر، مع غيرها من المسنّين والمسنّات الذين سكنوا البيت بعد أن تمّ إخلاؤهم من بيوتهم في شمال إسرائيل بسبب الحرب. إنّها امرأة لطيفة في الثمانينيات من العمر، صاحية وواعية تماما، كانت تعمل في رعاية المسنّين في شبابها، والآن تحتاج إلى الرعاية. منذ سنوات تعاني من مرض الربو، وتنتابها نوبات الربو، ويعني ذلك صعوبة في التّنفس، وما يصعب عليها أيضا أنّها، مؤخرًا، لم تعد قادرة على المشي، وهذا يعني أنّها تعتمد على الآخرين في كلّ شيء تقريبا، وخاصة، في قضاء حاجتها، الأمر الذي تحتاجه مرات عديدة خلال النهار. مكثت في المستشفى لعدة أيام بسبب صعوبة التنفس، ومنذ عودتها إلى البيت كانت مريضة وضعيفة وكثيرة التّذمّر.
جلستُ أمامها وسألتها عن حالها، فقالت: حالي ليس جيّدًا أبدًا، أنظري إليّ. هل هذه حياة؟
أخبرتني عن مدى صعوبة هذا المرض، وكم صعبٌ عليها أنها لا تستطيع المشي لقضاء حاجتها بنفسها.
استمعتُ إليها وحاولتُ تشجيعها والتّخفيف عليها قدر الإمكان، فقلتُ لها إن هناك أمورٌ لا سيطرة لنا فيها وعلينا فقط مواجهتها والتعايش معها وأنّ ذلك هو قضاء الله.
فقالت: أنا أعرف أنّ ذلك هو قضاء الله وأنا قابلة بذلك، ولكنّني غاضبة أيضا، غاضبة على الله، وأتساءل: لماذا يخلقنا ويعذّبنا؟ هذا مرض صعب جدا، لا أتمنّاه لأحد.
أحيانا، مجرد الحديث عن الصّعوبات يخفّف عنا الكثير، وهذه السّيّدة بالذّات، ربما جزء من معاناتها أنها واعية تماما، بعكس كلّ السّاكنات والسّكان الآخرين في هذا القسم بالذّات من البيت، الذين يعانون من مرض الخرف والزهايمر. وأحيانا قد يساعدنا أن نعرف عن غيرنا الذي يعاني أكثر ويتحلّى بقوّة التّحمّل والصّبر، فأخبرتها عن معاناة سيّدة أخرى أعرفها تعاني أكثر منها منذ الصّغر، وكيف أنّها تحافظ على ابتسامتها وتبقى راضية رغم كلّ شيء، فرأيتُ كيف تبدي تعاطفها معها، وفي نهاية المحادثة سررتُ برؤية الابتسامة ترتسم على شفتيها رغم كلّ شيء. أحيانا، نحتاج فقط إلى من يسمعنا وينصت إلينا، حتّى لو لم يكن بإمكانه فعل شيء.

حوا بطواش
كفر كما 3.2.2024
.................................................................................................................................................
* شكرا – كلمات: محمد موسى، ألحان وغناء: رامي محمد، توزيع: محمد هارون.
** ربما من يدري- مقتبس من أسطورة صينية بنفس العنوان.



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «أجنحة الذّاكرة» لحظاتٌ من الانكشاف والاكتشاف
- شيءٌ عن الحياة الثقافيّة في الناصرة
- قراءة في رواية (إلى أن يزهر الصّبّار) - ريتا عودة
- أمسية أدبية للكاتب ناجي ظاهر في مؤسّسة تنوير في حيفا
- إضاءة على (بعد أن كبُر الموج)
- أماني 6
- أماني 5
- أماني 4
- أماني 3
- أماني 2
- أماني 1
- مسرحجي حدث ثقافي يجب دعمه
- جميلة
- الحمرة الفاقعة
- المرأة الأخرى
- «حياة جديدة» إصدار جديد للكاتبة حوا بطواش
- «ذات الشعر الأحمر» استكشاف للعلاقة الصراعية بين الآباء والأب ...
- سألتزم الصمت
- «بورتريه» الحب وتقلّبات الزمن
- المجهود، القدر والقطة سوشي


المزيد.....




- -دانشمند- لأحمد فال الدين.. في حضرة وجوه أخرى للإمام الغزالي ...
- الجامعة العربية: دور محوري للجنة الفنية لمجلس وزراء الإعلام ...
- تَابع Salah Addin 26 مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 26 مترج ...
- افتتاح مهرجان -نجوم الليالي البيضاء- الموسيقي في بطرسبورغ
- لندن تستضيف مهرجانا سينمائيا -يتحدى الصورة النمطية للمسلمين- ...
- مصر.. فنان مشهور يحاول تقبيل يد هنيدي ويثير جدلا واسعا
- مشهراوي لـ -القدس-: أفلام -من المسافة صفر- تنقل عذابات غزة إ ...
- القط والفأر في نيويورك.. تردد قناة توم وجيري Tom and Jerry 2 ...
- مصر.. انطلاق مهرجان الطبول والفنون التراثية (فيديو)
- مقتل ممثل أمريكي شهير بالرصاص في لوس أنجلوس


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - شكرا، خصوصية وغضب